الأسلوبية النفسية:

تمهيد([1]):

      تسمى أسلوبية الكاتب والأسلوبية التكوينية وأسلوبية الفرد وهي "جسر بين دراسة اللغة ودراسة الأدب وهي الأسلوبية المثالية "وهو اتجاه مثل ردود فعل اتجاه أسلوبية التعبير وتهتم بالقضايا القيمة التي يطرحها أسلوب الكاتب الخاص به وهي اتجاه يتجاوز البحث في أوجه التراكيب ووظيفتها في نظام اللغة إلى العلل  الأسباب المتعلقة بالنقد الأدبي . وصاحب هذا المنهج هو الألماني (ليو سبيتزر)،( Leo-spitzer)

 وسبيتزر "ركز جهده حول العلاقة القائمة بين العناصر الأسلوبية والعالم النفسي للكاتب، متأثرا في ذلك إلى حد بعيد بما قدمه فرويد من نظريات حول اللاشعور، ولذا فقد اتجه بمباحثه إلى إثبات الخصائص الأسلوبية التي تميز كل كاتب" .

 تهتم هذه الأسلوبية بمضمون الرسالة ونسيجها اللغوي مع مراعاتها لمكونات الحدث الأدبي، الذي هو نتيجة لإنجاز الإنسان والكلام والفن، ويعدّ ليوسبتزر من أهم أعلام الأسلوبية النفسية، ولقد تأثر بفرويد في دراساته حول خصائص أسلوب أدب ما ترتبط بأفكار وعواطف سائدة. وتهدف أسلوبية ليوسبترز إلى الكشف عن خفايا عملية الإبداع ونفسية الفنان وليس الوقوف على الخصائص الأسلوبية لأديب ما. وما جعله يتراجع عن بحث الحالات النفسية وشرح أساليب المؤلفين انطلاقا من مراكزهم العاطفية، ورأى أنّ تحليل الأسلوب يخضع لتفسير الآثار بحد ذاتها عن خفايا عملية الإبداع ونفسية الفنان وليس الوقوف على الخصائص الأسلوبية لأديب، مما جعله يتراجع عن بحث الحالات النفسية وشرح أساليب المؤلفين انطلاقا من مراكزهم العاطفية، ورأى أن تحليل الأسلوب يخضع لتفسير الآثار بحد ذاتها دون اللجوء إلى مزاج المؤلف، لكن سبترز لم يتخل تماما عن الأسلوبية النفسية التي كانت وسيلة في التعامل مع النص الأدبي

ويمكن رصد الملامح النفسية للكاتب المفكر والمتأمل  الحالم فدارس الأسلوب يعتمد إلى اكتشاف البنية الثقافية والجمالية للنص بتحديد مختلف الحقول الدلالية.

ومن أبرز مبادئه اللغوية الحدسية التي رفض فيها المعادلات التقليدية بين اللغة والأدب ما يلي:

-معالجة النص تكشف عن شخصية مؤلفه.

-الأسلوب انعطاف شخصي عن الاستعمال المألوف للغة.

-فكر الكاتب لحمة في تماسك النص.

التعاطف مع النص ضرورة للدخول إلى عالمه الحميم.

         ولقد علق سبترز أهمية كبيرة على الكاتب أو الفاعل المتكلم الذي يتناول اللغة بطريقة خاصة. وكانت الأسلوبية النفسية وسيلة في التعامل مع النص الأدبي، فهي عنده تكتسي أهمية قصوى لأنها تمتلك طواعية التوجيه إلى مختلف الميادين في النص.

         المنطلقات العلمية في الدراسة النفسية: تعتمد دراسة الأسلوب عند سبيترز:

-وجب على دارس الأسلوب أن يجلو الغموض عن النص انطلاقا من معرفته التجريبية وذلك بشكل إيجابي محدود.

-على دارس الأسلوب الأدبي أن يثري طريقته في الممارسة، فالعمل الإيجابي لا يتسم بعامل الحركة والتفوق على الذات ما لم يقترن بالتأمل المنهجي.

-على دارس الأسلوب أن يراعي الجانب الفلسفي في عمله وذلك بتحديد موقفه الذاتي من العالم بكليته. فبالنسبة إلى خضوعه لموضوع معين عليه أن يؤمن الانطلاقة اللازمة من خلال عمله وأن يضمن لنفسه تحررا شبيها بذلك التحرر الذي يشعر به الفنان عقب إتمام تحفة أو عمل رائع.

-على دارس الأسلوب أن يراعي ما يتسم به الخطاب الأدبي من عوامل تبدو أنها تافهة فالعمل الأدبي في جوهره هروب من الشيء التافه ونقص له فلا يحق لدارس الأسلوب أن يُهمِل أي عنصر.


وقد حاول سبتزر بأبحاثه الأسلوبية المختلفة أن يضع قنطرة تصل بين علم اللغة والأدب، على أساس أن أعظم وثيقة كاشفة عن روح شعب من الشعوب هي أدبه، و نظرا لأن هذا الأدب ليس سوى لغته كما كتبها أكبر كتابه.

ويمثل منهجه أهم اتجاهات التحليل الأسلوبي الذي يعتمد على التذوق الشخصي، ويحاول أن يحدد نظام التحليل على هذا الأساس، لهذا يطلق عليه اسم "منهج الدائرة الفيلولوجية" ويتم تطبيقه على مراحل متعددة؛ فالقارئ مضطر لأن يطالع النص و يتأمله حتى يستلفت نظره شيء في لغته، هذا الشيء يعد خاصية يتم التوصل إليها بالحدس، إذ يهدينا إلى أهميتها الأسلوبية في النص. ثم يتم اختبارها مرة أخرى بشكل منتظم من خلال قراءة جديدة تدعمها شواهد أسلوبية أخرى. فالدائرة إذن مكونة من ملاحظة منعزلة يكمن فيها سر الأسلوب و هي تمثل روح العمل الأدبي في شموليته؛ على افتراض أن هذه الظاهرة لا بد أن تدعمها ملامح أسلوبية أخرى في النص ذاته.

و يمكن تلخيص أهم معالم منهج سبتزر في الخطوات الآتية:

- علم الأسلوب ينبغي أن يتخذ العمل الفني المحدد منطلقا له ولا يتكئ على وجهة نظر مسبقة أو فكرة خارجية.

-يمثل كل عمل أدبي وحدة كلية شاملة، يقع في مركزها روح مبدعها، وهو المبدأ الذي يضمن لها تماسكها الداخلي.

-ينبغي لكل ملمح تفصيلي أن يسمح بالنفاذ إلى مركز العمل الأدبي.

-يتم النفاذ إلى العمل من خلال الحدس؛ لكن هذا الحدس خاضع للتحقيق بالملاحظات و الاستنتاجات.

-هذه الدراسة أسلوبية تتخذ منطلقا لها ملمحا لغويا، ولكن هذا المنطلق اعتباطي؛ فبوسعها أن تتخذ بديلا له أية خاصية أخرى ملائمة للعمل الأدبي.

-لا بد لعلم الأسلوب أن يكون "نقدا متعاطفا" بالمعنى الشائع للكلمة، و بما كان يقصده "برغسون" بها؛ فالعمل الأدبي ككل ينبغي إعادة التقاطه من داخله وفي شموليته؛ مما يقتضي تعاطفا معه ومع مبدعه.
يراجع كتاب: علم الأسلوب مبادئه و إجراءاته، صلاح فضل، ابتداء من ص55 و ما يليها.



[1] -حسين تروش، محاضرات في الأسلوبية وتحليل الخطاب، جامعة سطيف2

Last modified: Tuesday, 6 December 2022, 10:25 PM