تعريف الأسلوبية التعبيرية:

أعطى شارل بالي أولويات لأسلوبيته، واعتمد أساسًا على الجانب العاطفي والوجداني للغة، وارتباط هذه اللغة بالعلاقة الموجودة بين الفكرة وكيفية توصيلها للمتلقي، بشحناتها ومضمونها الوجداني، وهذا هو أساس الدراسة الأسلوبية عنده، وهو بهذا إنما يعبّر عن انشغاله وتأثره بالثورة اللسانية السوسورية، قوامه: "أنّ التعبير فعل يعبّر عن الفكر بوساطة اللغة"، وهي عبارة عن دراسة العلاقة بين الشكل والمضمون(الفكر)، وهذا لا يحيد عن تعبير القدماء ونظرتهم، وهو بالتالي تلاحم والتقاء مع أصول البلاغة القديمة، ومن هنا "فإن دراسة التعبير تقف على ناصية اللغة والتفكير"، ويؤكد بالي أنّ الوجدان هو الرابط الأساس للعملية التواصلية بين المرسِل والمتلقي، معتمدا على إشارات ورموز تثير انتباه المتلقي من أمر ونهي وترج واستفهام، وهذه "تولد انطباعا خاصا في المتلقي: وهو الأثر"، وبإجابتها عن الئؤال الآتي: كيف يكتب الكاتب؟ فإن أسلوبية بالي تقسم الواقع اللغوي بين المخاطب والمتلقي إلى قسمين رئيسين:

1-ما هو حامل لذاته، (الفكر)

2-ما هو مشحون بالعواطف والانفعالات،(الوجدان)

         هذا يؤكد مدى ارتباط بالي ببلاغة القدماء، "كيف يكتب الكاتب؟ فالبلاغة القديمة أجابت وما تزال تجيب بالتأكيد عن هذا السؤال، بيد أنّ الألسنيين المحدثين يكتسي عندهم هذا السؤال معنى مختلفًا، لأن منطلقهم هو القارئ وليس الكاتب كما كان، وهذا يتمثل في اعتبار الأثر الفني سواء أكان قصة أو قصيدة أو مسرحية، وانطلاقا من ذلك الأثر فلا يكون البحث عن سبب كتابة الكاتب ذاك الأثر، ولا حتى في الحقيقة كيف كتبه، لأنه سؤال تقليدي، وإنما يكون البحث في الحقيقة وظيفيا، كيف يؤثر في القراء.."

         ولذا تعتبر اللغة عند بالي هي المترجم والمعبر عن الأفكار بواسطة موقف وجداني، وهذا التعبير يمر من خلال مفردات اللغة وتراكيبها دون مراعاة المتكلم وخصوصياته، وملابسات نصه أو إنجازه الفكري والتعبيري، لأنّ هذه –حسب بالي- ليست من اهتمامات الأسلوبية، وإنما من صلب النقد الأدبي وفي مجال أبحاثه، ولذا فهو يرى أن الخطاب نوعان، حامل لذاته وغير مشحون، وما هو مشحون بالعواطف والانفعالات، ويبقى في كل هذا، أن المتكلم يجسد ويترجم ما يجول به فكره بكل موضوعية، ومطابقا للواقع، تنضاف إليه تلك العناصر الوجدانية المترجمة للعواطف من خلال ظروف اجتماعية يشارك في بلورتها المحيط والبيئة والخيال، وبالتالي يكون دور اللغة كشف واستكشاف للجانبين الفكري والعاطفي الوجداني للمتكلم.

وما يجب ذكره والوقوف عليه، أنّ بالي لا يعير أي اهتمام أو مبالاة للغة الأدبية، لأنها ترتكز أساسا على الشعور المتعلق بالانطباعات الإيحائية، والقيم الجمالية، "فأسلوبية الفرد –كما يسميها بالي- تعبيرية بحتة ولا تعني إلاّ الإيصال المألوف والعفوي، وتستبعد كل اهتمام جمالي أو أدبي"، ولذا نُلفي شارل بالي، يهتم بالعفوية في التعبير وتحليل سياقه،وكذا الاهتمام بانفعالات المتكلم لإنشاء ما يسمى بلسانيات الكلام، حتى يجعل أسلوبيته تنأى عن كل ما يدور في فلك لغة الجمال ولغة العدول والانحراف واللغة الأدبية التي لها تراكيبها الخاصة، وعناصرها الأسلوبية المتميزة، وهذه من اختصاصات النقد الأدبي، "وهكذا نرى أن الدرس في أسلوبية التعبير يقوم على إبراز دور العلاقات التي تربط بين الشكل اللغوي والتعبير الوجداني المتضمن فيه، ولكنها لا تتجاوز، في الوقت نفسه، حيّز اللغة من حيث هي حدث لساني لخطاب نفعي، يتجلى في استعمال الناس له في حياتهم الإيصالية اليومية"، وبالتالي فأسلوبية التعبير هي مجموعة من العناصر اللغوية التي تؤثر عاطفيا في السامع أو المتلقي بشكل أشمل وأوضح.

ونسجل  في هذا الصدد ما قام به بالي، إذ كان له الفضل في ابتكار موضوع أسلوبيته بوضوح، كما كان له الفضل في تسجيل الحدود التي أرادها ضيقة بوعي كامل، إنه ضيق حقل دراسته، وجعله حكرا على الناحية الوجدانية أي أنه أبعد القيم التعليمية والجمالية، وجعل أسلوبيته لا تعيش إلا في مجال الخطاب الألسني العام، وهذا ما دفع أتباع شارل بالي إلي توسيع رقعة الدراسة الأسلوبية، لتوسع بدورها مفهوم الوجدانية، وبالتالي فـ"التعبيرية اتسعت فيما بعد لتشمل دراسة التعبير الأدبي"

فلا يمكن للأسلوبية أن تعيش بمعزل عن القيم الجمالية، ولا يمكنها أن تعيش إلاّ في أرضية خصبة، تستند من جهة إلى علم اللغة، ومن جهة أخرى إلى البلاغة، وللبلاغة علاقة حميمية، وعريقة بالنقد والأدب وبخاصة الشعر، والشعر قوامه الجمال، ولا يستقيم إلاّ ب انحراف اللغة وإنزياحها، وهذه وغيرها دفعت أتباع بالي إلى تصحيح المسار الذي خطه ورسمه لأسلوبيته.

ومما سبق نستنتج أنّ أسلوبية التعبير كما صممها بالي وخلفاؤه هي دراسة القيمة الأسلوبية للأدوات التي يستخدمها التفكير ليعبر عن نفسه، فهي تدرس العلاقة بين الصيغ والفكر في مجمله، وهذا ربما يقابل العلاقة بين الشكل والمضمون، وقد يؤدي إلى الدراسة البلاغية القديمة أو جانب منها، وبالتالي فهي دراسة تقيمية تقعيدية، لأنها لا تخرج عن نطاق اللغة ولا تتعدى وقائعها، فهي إذن وصفية بحثة، تهتم بالنتائج وتتوقف على علم الدلالة، ودراسة المعاني لذاتها.

آخر تعديل: Wednesday، 7 December 2022، 10:39 AM