المحاضرة الثالثة :المدرسة الإيحيائية في النثر العربي : حديث عيسى بن هشام

المحاضرة الثالثة :المدرسة الإيحيائية في النثر العربي : حديث عيسى بن هشام . 

الإشكالية :إلى أي نوع ينتمي نصّ حديث عيسى بن هشام ؟

قراءة نصّ : حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن

1- التعريف بمحمد المويلحي: 1885-1930

من مواليد القاهرة عام،من عائلة ثرية وعريقة ؛فهو حفيد سرّ التجار في عهد محمد علي،مارس والده التجارة،تتلمذ على يد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده؛أي أعلام مدرسة الإصلاح والتنوير النهضوي،كان عارفا باللّغات؛العربية والتركية ،والفرنسية،أتقنها لما أسهم مع جمال الدين الأفغاني في إخراج صحيفة "العروة الوثقى"،وقد كتب في عدة مجلات منها:الأهرام والمقطم والمؤيد ،والإيطالية التي أتقنها لما انتقل زمن نفي الخديوي إلى إيطاليا،كتب مقالات في مجلة مصباح الشرق توفي سنة 1930[1]،وبكلمة واحدة كما عبّر عمر الدسوقي اجتمعت فيه عوامل الوراثة والثقافة والتجربة[2]،فأعطت هذه الشخصية العبقرية باصطلاح عباس محمود العقاد.

2-تلخيص موجز لنصّ حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن:

صدر النصّ أوّل ما نشر في شكل حلقات متسلسلة في جريدة "مصباح الشرق"،منجما ما بين 1898-1902،ثمّ ككتاب مكتمل ومنشور عام 1907.[3]

ينقسم النصّ من حيث مكانه إلى قسمين؛أحداث تجري في القاهرة (مصر)،وأخرى تحدث في باريس (فرنسا)،تبدأ القصة من انشقاق القبر على ناظر الجهادية (أحمد المنيكلي) (ت1850)؛الذي رافق محمد علي باشا،وهو ما سمّاه صاحب النصّ (الدفين) وهو بطل القصة،وعيسى بن هشام الراوي،يترافق المنيكلي بعد عودته للحياة مع عيسى بن هشام،ناظرين للمجتمع بعين ناقدة،حيث يتعرض أحمد المنيكلي لصدامات بدءا بالمكاري المدعو بـ"مرسي"(رجل يسوق عربة حمار للنقل) الذي يعترض طريقهماويدخلهما قسم الشرطة وهلم جرا.

إنّ مضمون القصة نقد اجتماعي لاذع لمؤسسات المجتمع التي استشرى فيها الفساد؛ بدءا من مؤسسة الشرطة التي من المفروض تسهر على أمنه،مرورا بجهاز القضاء ومختلف المحاكم الشرعية والأهلية والمختلطة؛والتي عمت فيها الرشوة وغاب عنها العدل،وانعدم فيها الضمير المهني والأخلاقي،والنيابة والإدارة والمحامين والتعليم،وصولا إلى مظاهر المجتمع من عادات وسلوكات اجتماعية واحتفالات كالأعراس وشم النسيم؛وهو الاحتفال بالربيع في مصر والتبرك بالأضرحة وزيارة الشيخات،ودور اللهو والمطاعم.

كذلك نجد حديثا عن مرض الطاعون في مصر،ومن ثمة عن مهنة الأطباء والصيادلة والصحفيين والأدباء،وذلك بأسلوب ساخر وتحليل عميق مشخصا الداء،وفي هذه الرحلة حبس المنيكلي سنة ونصف،وغُرم ظلما خمسة قروش ومصاريف المحكمة ،«وهكذا يمضي المويلحي يغوص إلى أعماق المجتمع،يلحظ وينتقد ويلذع بكلماته هؤلاء الذين لا يراعون حقوق الوطن والمواطنين وينحرفون عن جادة الصواب،ويصور الشواذ من الناس تصويرا بارعا،ويقف أمام الأشياء العظيمة فيجيد نعتها،كلّ هذا مع روح مصرية خالصة في وطنيتها وصدقها ومرحها ودعابتها»[4] ،ثمّ ينتقل بنا صاحب الحديث إلى باريس،للتعرف على مصدر البلاء وهو المدنية الحديثة،فيمرّ على المعارض والمتاحف التي تعرض صورة مشوهة لمصر. وقد اقنع المنيكلي وصحبه أنّ مدنية الغرب ليس شرّا محضا،يمكن أن نستفيد منها ما يخدم قيّم مجتمعنا العربي المسلم .وفي نصّه هذا نقد بعض مظاهر الطبقية والاستعلاء التي عُرف بها الأتراك والمماليك،وكذلك نظر في استبدال المحاكم الشرعية بالقانون الفرنسي .

3 تصنيف نصّ حديث عيسى بن هشام أجناسيا:

 ينتمي نصّ حديث عيسى بن هشام إلى 

                               نوع  المقامة

  ينتمي نصّ حديث عيسى بن هشام إلى

                          نوع  الرواية

يمثل هذا الموقف :

من المستشرقين بلاشير(Blachère)  ومن العرب شوقي ضيف ،عمر الدسوقي

يرى شوقي ضيف أنّ محمد المويلحي قد تأثر برحلة علي مبارك الذي رافقه مستشرق انجليزي،طافا معا بلاد الشرق والإنجليز،وسجلا الاحتفالات والعادات،مع اختلاف في الهدف،فقد كان علي مبارك يقصد التعليم،بينما تغيا المويلحي النقد الاجتماعي متأثرا جهود المصلحين [5].

يعتقد شوقي ضيف أنّ نصّ حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن،هو نصّ من شكل مقامة،يقول في ذلك :«فليبحث لقصته عن إطار عربي خالص،حتى لا يخرج على ذوقه ولا عن على ذوق أمثاله من المحافظين المتعصبين الذين يأبون محاكاة النماذج الأدبية الغربية.وفكّر في ذلك طويلا،وسرعان ما هداه تفكيره إلى إطار المقامة  الذي صنعه بديع الزمان،وهو إطار يقوم على راو يسمَّى عيسى بن هشام. »[6]

القرائن النصّية المحددة لنوع المقامة :

اعتمد شوقي ضيف على جملة من المؤشرات النصّية التي تؤكد تصنيفه نصّ "حديث عيسى بن هشام "في نوع المقامة .منها :

1-عتبة العنوان؛فقد سمى نصّه باسم أحد الرواةفي مقامات بديع الزمان الهمذاني؛وهو عيسى بن هشام

2-الظواهر البديعية (جناس وسجع ):

المقوّم البنائي الثاني الذي يطغى على نصّ "حديث عيسى بن هشام" هو المحسنات البديعية،من جناس وسجع،وكذلك اللفظ الغريبوهذا ما يؤكد نسبتها والتصقها بالنوع العربي المعروف بالمقامة .

من نماذج ذلك:

 1-2السجع[7] والغريب[8]:

من النموذج التالي،يمكن استخراج أمثلة :

«حدثنا عيسى بن هشام،قال:رأيت في المنام كأنّي في صحراء "الإمام" أمشي بين القبور  والرِّجام في ليلة زهراء قمراء يستر بياضها نجوم الخضراء.»[9]

من هذا المثال نجد حضور السجع في نهاية الجملتوقيعا صوتيا موحدا:المنام...،الإمام ....،الرِّجام .

وقد وظف لفظة الرّجام؛بمعنى القبر وهي غريبة،يُحتاج إلى التفتيش عنها في بطون القواميس،مقارنة بلفظ القبر واللحد والجدث،وهي من الكلمات المتداولة ،لكن الرجام ناسبت نغمة السجع،ومثلت حضور الغريب المعروف في المقامات العربية القديمة.

2-2الجناس[10]أمّا عن الجناس فهو قرين السجع في المقامة ولازمه،يحقق الجرس الموسيقي ويُعضد المعنى والدلالة،ولنستمع لهذا المثال لما يقول:

«اسمي عيسى بن هشام،وعملي صناعة الأقلام،وجئت هنا لأعتبر  بزيارة المقابر ،فهي عندي أوعظ من خطب المنابر .»[11]

حيث ورد الجناس بين مقابر ومنابر،وقد تحقق التشاكل الصوتي،فالنظر إلى المقابر للقلب الخاشع والواعي؛ أقوى من سماع خطب ومواعظ؛ يُلقيها الإمام عن القبر والبعث من فوق منبره .

3-2التورية[12] :كما وظف محمد المويلحي التورية في كلمة السوابق،فقال:«العسكري(للباشا):هلم إلى السوابق .الباشا:سبحان العزيز القادر ،أتُرى قد زال قد زال عني بؤسي وانقشع نحسي ورجع إليَّ عزّي  فجاءوني  بموكبي وخيلي .

عيسى بن هشام:ليس المقصود "بالسوابق "تلك الجياد الصافنات،والعتاق الصاهلات،وإنّما هو ديوان تُقَيَّد فيه سحنة المتهم وسيمَاه،ويكشف فيه عما جنته يداه»[13] إذ كلمة السوابق ترد بمعنيين للأحصنة السوابق الواصلة أوّلا في مضمار السباق،وترد السوابق كذلك للمحكوم عليهم في قضايا الجنح والجنايات،وقد أحدث توظيف الكلمة دلالات طريفة عن تغيّر الزمن،من وصف الفرسان النبلاء إلى أراذل القوم .

ويضاف إلى هذا الموقف عمر الدسوقي لما يقول:«فهو يجري على أسلوب المقامة في كثير من فقراته،في أسلوب قصصي،ويعالج موضوعات اجتماعية .ليس حديث عيسى بن هشام قصة،إذ ليس فيه عقدة،وإنّما هو لوحات مختلفة تبيّن بعض الفساد الذي دبّ إلى المجتمع،وبعض ما حدث من تغيير بمصر في مدى خمسين سنة منذ وفاة (الباشا)حتى بعثه.»[14]

ويتوقف شوقي ضيف عند استلهام المويلحي لسورة الكهف؛ (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) )(سورة الكهف)

هذه العلاقة النصّية بين القرآن وحديث عيسى بن هشام  تُسمى في النقد المعاصر  بالتناص (Intertextualitéإذ «إنّ التناص هو كلّ علاقة تكون بين ملفوظين .»[15]فقد بُعث الفتية والأمر نفسه مع (الدفين)أحمد باشا المنيكلي.الذي عاد للحياة.

إذا، فالشكل أو القالب الفني الذي صُبّ فيه مضمون النقد الاجتماعي،هو الذي دفع بالنقاد إلى هذا التصنيف.

في حين رأى الناقد الجزائري عبد الملك مرتاض أنّ نصّ "حديث عيسى بن هشام"ينتمي إلى الليالي العربية"ألف ليلة وليلة"لما يقول:«ونحن قد وجدنا المويلحي كتب أحاديثه هذه على طريقة أقرب ما تكون إلى طريقة "ألف ليلة وليلة" من حيث تشويق القارئ إلى الحوادث التي ستتلو حوادث الفصل الذي أتى على قراءته.»[16]

ما يُستفاد من رأي مرتاض أنّه انتبه إلى تسلسل الحديث وتتابعه،وهنا حديث عيسى بن هشام يختلف في بنيته التكوينية عن قصة المقامة؛إذ تدور كلّ مقامة حول موضوع واحد؛ ينتهي بانتهاء المقامة  .

ويمكن أن نجد في هذا عدة نصوص أخرى تتصادى وأصوات تتداخل،من ذلك حضور استهلال القصيدة العربية؛في مقدّمة التشبيب بالنساء،«لأنّ التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب،(...)فليس يكاد أحد يخلو من أن  يكون متعلقا منه بسبب ،و ضاربا فيه بسهم حلال أو حرام»[17] كما قرر ابن قتيبة في الشعر والشعراءفقد وصف المويلحي الحسان،ناظرا لجمال العيون، والخدود والقد،وما هذا الاستهلال إلاّ تقليدا عربيا،ليجلب إليه الإصغاء.

يمثل هذا الموقف :

من المستشرقين؛هنري بيرسي (Pérèsومن العرب عبد المحسن طه بدر .

ليس النصّ مقامة،لأنّ المقامة غرضها الكدية[18]والتسول،«دلالتها على الشحاذة»،لسلب أموال الناس والاحتيال عليهم بالبيان والبلاغة .

»واستنتجوا شبه "الحديث" بالشكل الروائييطغى على شبهه بفن المقامات: ففصوله ليست مستقلة عن بعضها على نحو المقامات بل تخضع لتسلسل قصصي واضح ،والغريب اللفظي قليل جدّا في الجانب السردي من نصّه [19] «

كما تهدف المقامة إلى التعليم اللّغوي،إذ تتضمن الأساليب البيانية والبديعية وحتى الغريب اللّغوي،وهذا ما لم يقصد إليه النصّ،وإن وظفه بصورة ما .ومن ثمة فهو أقرب للنص القصصي الغربي الرواية لطوله.

وقد تغيا النصّ النقد الاجتماعي وتصوير الواقع

هناك مقاطع للوصف والحوار تخلو من البديع (جناس وسجع)،ويسود فيها الأسلوب المرسل ؛الذي يخلو من السجع.

1-القرائن النصّية المحددة لنوع الرواية :

1-1-بنية الوصف :

يقوم السارد بإيقاف تسارع الأحداث في مقاطع للوصف الشخصيات أو الأماكن،التي تكون مجرى الأحداث والشخصيات،وهنا لا يكون الوصف ديكورا تزيينيا ،بل يقدّم وظيفة دلالية في بنية النصّ السردي. ويمكن أن نُمثل لذلك بـ: وصف جسماني لشخصية تؤثث السرد قوله: «ومن بينهم طفلة تجمّع على وجهها من الذباب،مثل البرقع تنقبت به قبل أوان النقاب»[20]

فلننظر لبشاعة الصورة،النقاب الأسود رمز العفة والجمال العربي،كيف تحولت في وجه هذه الطفلة إلى مظهر التقزز،فالذباب الكثيف تآلف مع وجهها وغطاه حتى أصبح يحجبه كالنقاب .ويشي النص بالقذارة والوسخ،والاعتياد عليها والألفة معها،بدليل أنّ الطفلة لا تطرد الذباب،والذباب أصبح لوجها مرتعا .

2-1-تنوع المواضيع ونمو الأحداث :

حكاية حديث عيسى بن هشام استهلت أحداثها بخروج الدفين من القبر وشجاره مع المكاري بسبب ادعائه عدم حصوله على الأجرة، ودخولهقسم الشرطة ثم التحقيق والنيابة ثمّ الانتقال إلى  قسم السوابق والتنقل بين درجات المحكمة؛محكمة الدرجة الأولى ثمّ الاستئناف؛لإعادة النظر في الحكم،وفي أثنائها تصوير لأحداث جانبية فيما يتعلق بالقضاة والمحامين وإدارة الوقف،ثم الخروج من السجن،ومتابعة رصد مختلف المظاهر والسلوكات الاجتماعية،في جولة سياحية داخل مصر،لتنتقل الرحلة إلى باريس .ما يلاحظ على هذه الأحداث أنّها تنامت وتطورت في حبكة سردية،وصلت إلى تأزم العقدة ثمّ انفرجت .   

3-1 تصوير الشخصيات :

تقاسم دور الشخصيات الرئيسة كلا من "أحمد المنيكلي" و"عيسى بن هشام" بالإضافة إلى "المكاري" وشخصيات أخرى بقيت دون تسمية،تدلّ عليها وظائفها؛من مثل الشرطي،والمعاون والقاضي والمحامي والعمدة الذي يشي بالغفلة والسذاجة،والتاجر و الخليع الذي يوحي بالتهتك .

4-1الإيهام بالواقعية :

ويتجلى ذلك من خلال أنّ حكاية تناولت موضوعا اجتماعيا،مستوحى من البنية المرجعية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المصري إبان القرن التاسع عشر،وهذا ما كانت توظفه الروايات الواقعية الغربية .

2-الهنات السردية تضعف سردية الرواية:

1-2بناء الحدث على المفاجأة :

من نماذج ذلك في الاستهلال السردي قوله:

«وبينا أنا في هذه المواعظ والعبر،وتلك الخواطر والفكر،أتأمل في عجائب الحدثان،وأعجب من تقلب الأزمان مستغرقا في بدائع المقدور، مستهديا للبحث في أسرار البعث والنشور،إذابرجَّة عنيفة من خلفي،كادت تقضي بحتفي،فالتفتُّ التفاتة الخائف المذعور،فرأيت قبرًا انشق من تلك القبور،وقد خرج منه رجلٌ طويل القامة،عظيم الهامة،عليه بهاء المهابة والجلالة،ورُواء الشرف والنبالة »[21]

ما يتضح من خلال هذا النصّ،أنّ الحدث غيرمحكم النسج؛وإنّما من تأمل عيسى بن هشام  في المقابر  لأخذ العظة؛ إلى خروج أحمد المنيكلي (الدفين) مباشرة ،في حدث غير متوقع وغير مسبب ،يُربك السرد،بالإضافة إلى رتابة الصياغة ووحدتها،(بينا ...إذا أو بينا ...إذ )

وكذلك ما نرصده في سرد الحدث الثاني ،لما يقول:«ولما غادرنا ساحة القلعة انحدرنا في الطريق،وبينا نحن نسير؛إذ تعرض لنا مُكار  يسوق حماره وقد راضه الخبيث على التعرض وسد الطريق على المارة .»[22]

فلا مقدّمات ولا تصوير للمكاري،فجأة يقفز إلى الأحداث،كما قفز حماره واعترض الطريق.يحتاج السارد ليقدّم تسويغات،تقنع القارئ.

3-2إقحام السارد[23] في النصّ بشكل غير فني:

يظهر أنّ السارد يحتل وظيفة السارد المشارك[24]:غير أنّ طريقة تدخله في بناء الحدث،اتخذت نمطا واحدا هو التجسس والاختفاء في منطقة الظل،وبهذه الكيفية يرصد الحوارات الدائرة بين الشخوص .

وإن كان عيسى بن هشام هو كلّي المعرفة.سارد عليم،بحكم أنّ النصّ كلاسيكي .

وصل  الباحث "محمد رشيد ثابت" إلى أنّ صعوبة تصنيف  حديث عيسى بن هشام،راجع لتغيير البنية الاجتماعية الاقتصادية«كان اتجاه التحول الاجتماعي والاقتصادي المُصور داخله،نحو تبني أسس النظام الرأسمالي وهياكله البورجوازية الغربية سببا في تصدع شكل المقامة(باعتباره الشكل الأدبي الأصيل) وفي اتجاهه نحو تبني مظاهر الشكل الروائي المرتبط "بتاريخ البورجوازية وتطورها"»[25]،وفي ضوء نظرية الانعكاس،فإنّ تذبذب الأساليب الفنية في الحديث بين احتذاء الأنموذج الشفهي المتمثل في المقامات وهو ذو الأصل العربي،أو اتباع الأنموذج الغربي الروائي؛الذي يحمل تصور الخضوع للاحتلال الانجليزي والانفتاح الرأسمالي على الأسواق الاقتصادية العالمية[26]،ذلك أنّ الرواية "ملحمة برجوازية"باصطلاح جورج لوكاتش .

 

صفوة القول:

مما تقدّم يظهر أنّ نظرية الأجناس والأنواع؛ تحتار في تصنيف بعض النصوص التي تظهر مخترقة الأفق القرائي المنتظر،فهي قد تجمع بين أشكال وأنواع مختلفة وأساليب عديدة؛على سبيل التهجين، وهذا ما يشكل نوعا مختلفا هجينا،يند عن الحصر ويصعب تأطيره منهجيا.ذلك أنّ الإبداع يتحرر من منهجيات النقد النظرية الصارمة .وهذا ما لاحظناه على نصّ "حديث عيسى بن هشام "الذي تعددت الآراء حول تصنيفه .ويمكن أن نعد نصّ حديث عيسى بن هشام مرحلة/فترة انتقالية(برزخية) واصلة من المقامة نحو القصة،هو ليس مقامة خالصة وفقا لمعاييرها الشكلية،ولا قصة/رواية  تامة تشتمل على كلّ مقوّماتها الفنية .

 



[1] شوقي ضيف،الأدب العربي المعاصر في مصر،دار المعارف(مصر)،ط10،ص.234،235

[2] ينظر:عمر الدسوقي،نشأة النثر الحديث وتطوّره،دار الفكر العربي(مصر)؟،دط،2007،ص.131

[3] محمد رشيد ثابت،البنية القصصية ومدلولها الاجتماعي في حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي(دراسة)،الدار العربية للكتاب(ليبيا)/(تونس)،ط2، 1982،ص.7،8

[4] عمر الدسوقي،المرجع السابق، ص.137

[5] يُنظر:شوقي ضيف المرجع السابق،ص.237

[6] شوقي ضيف، المرجع السابق،ص.237

[7]  «قال ابن الأثير الجزري :"وحدّه أن يقال:تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد" (...) وهو معنى قول السكاكي:"الأسجاع  وهي في النثر كما القوافي في الشعر"(...) والأصل في السجع الاعتدال في مقاطع الكلام .» أحمد مطلوب،معجم المصطلحات البلاغية وتطوّرها،ج2،ص.144،148

[8]  تعريف الغريب :«ويُريدون بالغرابة "أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها فيحتاج في معرفته إلى  أن ينقر عنها في كتب اللّغة المبسوطة  "» يُنظر:أحمد مطلوب،معجم المصطلحات البلاغية وتطوّرها،الدار العربية للموسوعات(لبنان)،ط1،2006،ج 3،ص.94

[9]  يُنظر :محمد المويلحي،حديث عيسى بن هشام،أو فترة من الزمن، مؤسسة هنداوي(مصر)،دط،2013،ص.13

[10]  «التجنيس ثاني فن من بديع ابن المعتز  وهو "أن تجيء الكلمة تجانس أخرى في بيت شعر وكلام ,ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها "(...) وإنّما سميّ هذا النوع من الكلام مجانسا،لأنّ حروف ألفاظه يكون تركيبها من جنس واحد ,وحقيقته أن يكون اللفظ واحدًا و أحمد المعنى مختلفا ».مطلوب،معجم المصطلحات البلاغية وتطوّرها،الدار العربية للموسوعات(لبنان) ط 1، 2006،،ج2 ،ص.52

[11]  المصدر نفسه،ص.16

[12] «التورية أن يذكر المتكلم لفظًا مفردًا لم معنيان حقيقيان أو حقيقة ومججاز،أدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة ،والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية،فيريد المتكلم المعنى البعيد ويورّى عنه بالمعنى القريب.»يُنظر:

[13] محمد المويلحي،المصدر السابق،ص.27

[14] عمر الدسوقي،المرجع السابق،ص.132

[15] تزفيطان تودورف،نظرية الأجناس الأدبية دراسات في التناص والكتابة والنقد،تر.عبد الرحمن بوعلي،دار نينوى(سورية)،ط1،2016،ص.87

[16]  عبد المالك مرتاض،فن المقامات في الأدب العربي،المؤسسة الوطنية للكتاب(الجزائر)/الدار التونسية للنشر(تونس)، ط 2،1988،ص.265

[17] ابن قتيبة،الشعر والشعراء،تح.أحمد محمد شاكر،دار المعارف(مصر)دط،1982،ج1،ص.75

[19](محمد رشيد ثابت، المرجع السابق،ص.19

[20]  محمد المويلحي،المصدر السابق،ص.82

[21]المصدر نفسه،ص.15

[22]المصدر نفسه،ص.19

[23] السارد /الراوي هو:«الراوي هو الواسطة بين العالم الممثَّل والقاريء وبين القارئ والمؤلف الواقعي .فهو العون السرديّ الذي يعهد إليه المؤلف الواقعي بسرد الحكاية أساسا.ويُهتدى إليه بالإجابة عن السّؤال "من يتكلم؟"(...) ويمكن رسم صورته من خلال ما يتركه، ضرورة، من بصمات في الخطاب القصصي(...) ورغم أنّ الراوي عنصر قصصي متخيّل،شأنه في ذلك شأن سائر العناصر المكوّنة للأثر القصصيّ، فإنّ دوره أهمّ من أدوارها جميعا لأنّه صانعها الوهميّ وعلّة وجودها.»يُنظر: محمد القاضي وآخرون،معجم السرديات،دار محمد علي للنشر(تونس)،ط1،2010،ص.195

[24]  راو مشارك/راو شخصّي«الراوي الشخصيّ(...)هو راو يسرد بضمير المتكلّم المفرد.ويُسمّيه "جونات"(...) راويا مشاركا في الحكاية.ويطلق عليه "دانون بوالو"  (...)الراوي العلنيّ أو الصريح(...)وبما أنّه يُشير إلى نفسه بضمير المتكلم فبإمكانه أن يصف نفسه شأنه في ذلك شأن أي شخصية من شخصيات الحكاية.(...) هذا الراوي يسرد حكاية اشترك فيها يمكن أن تكون حكايته الخاصة، حكاية طفولته أو تكوّنه أو فترة مهمّمة من حياته.» ينظر:محمد القاضي وآخرون،المعجم السابق،ص.196

    25] محمد رشيد ثابت،ً المرجع السابق،ص  302. 

 26]المرجع نفسه ،301

Modifié le: Sunday 7 November 2021, 23:04