1-مدخل مفاهيمي :

1-1تعريف النقد :

النقد  خطاب إنشائي ثان، هو خطاب واصف،على خطاب إبداعي أوّل،لو نراجع أحد القواميس للنظر في تحديده،فإنّه يطالعنا -على سبيل المثال لا الحصر – المعجم المفصل في الأدب بقوله:«النقد في الأدب:عبارة قديمة،ذكرها الزمخشري (ت538ه)،وكانت معروفة قبل عصره بقرنيين من الزمان؛فابنُ قدامة ألف "نقد الشعر"(ت337 ه)(...) ونلاحظ أنّ نقد الشعر ونقد النثر ونقد الأدب اصطلاحات عرفت في كتب الأدب والنقد قبل ظهور المعاجم،(...)فنقد الأدب تناوله،ودراسته والنظر فيه،ومناقشة النصّ الأدبي،واستخلاص عناصر الجمال التي سما بها،وسمات القبح التي اتّضع بها. »[1]

مفاد هذا القول أنّ النقد كممارسة نظر ومراجعة حول النصوص،قديمة عند العرب،عُرفت حتى قبل أن تستقر اللفظة في المعاجم،ونلمس تمييزا أجناسيا في التعريف بين نقد الشعر ونقد النثر .فما المقصود بالنثر؟

1-2تعريف النثر :

عرف شوقي ضيف النثر  قائلا:«النثر هو الكلام الذي لم يُنْظَمْ في أوزان وقواف،وهو على ضربين:أمّا الضرب الأوذل فهو النثر العادي الذي يقال في لغة التخاطب،وليست لهذا الضرب قيمة أدبية إلاّ ما يجري فيه أحيانا من أمثال وحِكَم،وأمّا الضرب الثاني فهو النثر الذي يرتفع فيه أصحابه إلى لغة فيها فن ومهارة وبلاغة،وهذا هو الذي يُعنَى النقاد في اللّغات المختلفة ببحثه ودَرِسه وبيّان ما مرّ به من أحداث و أطوار،وما يمتاز به في كلّ طور ،وما يمتاز به في كلّ طور من صفات وخصائص .»[2]

وإن كنا نرى القسم الأوّل الذي أشار إليه شوقي ضيف هو من فضول الكلام،ولاقيمة له فنيا غير التواصل العادي،فإنّ عِنايتنا ستمس القسم الثاني وهو النثر الفنّي،الأدبي،وهو من جنس الكلام،الذي يخلو من أوزان الشعر وبحوره،ولا يتألف وفق قوافيه،وإنّما يتوشح بإيقاع داخلي،وبيان يخلق الانزياحات،يخرج عن الكلام العادي،ويسمو عليه.

تجدر الإشارة إلى أنّ النوع هو مقولة من مقولات أرسطو في بيان كليات التعريف .حيث ينقسم الأدب إلى جنس الشعر وجنس النثر.إذ «مفهوم "الجنس"في اللّغة والفكر العربيين يُعامل بوصفه "جوهرا"لا وجود له إلاّ في عالم المعقولات وسماء التجريد. »[3] .ومن ثمة فالجنس والنوع  كما عرفا منطقيا هما : « الجنس،وهو  الكلي المقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة،في جواب ما هو؟والنوع وهو الكلي المقول على كثيرين متحدين في الحقيقة في جواب ما هو ؟»[4]

نستشف من هذا النصّ أنّ الجنس[5] أعم من النوع،والنوع أخص من الجنس،فجنس النثر بما هو مقولة كبرى يحتوي عديد الأنواع،هذه الأنواع تشترك في جملة من الخصائص العامة؛وهي أنّ النثر كلام،مرتب على نحو مخصوص،لغاية فنيّة بالدرجة الأولى .يقابله جنس الشعر:الذي قوام حده التعريفي "كلام موزون مقفى "كما نصّ عليه قدامة بن جعفر«قول موزون و مقفى و يدل على معنى»[6] هذا الطرح الكلاسيكي في التمييز بين الأجناس في إطار نظرية نقاء الجنس الأدبي؛أي غياب الاختلاط والتهجين والتماهي،والقول بالحدود الصارمة .«ويمثل تفجير الحدود بين الشعر والنثر،وإلغاء الفواصل والفوارق بينهما،جوهر ما قدّمه أدب المهجر للأدب العربي المعاصر،فهي الحقيقة والنتيجة المستخلصة،كما أنّها ليست مجرد إضافة كميّة بل تغيّر نوعي مفصلي سيُحدد مصير واتجاه الأدب العربي المعاصر.»[7]وبناء على هذا الطرح ظهرت الأنواع الهجينة ومنها قصيدة النثر؛والتي تجمع بين مقوّمات وخصائص النثر،وبعض خصائص النثر .

فما هي أنواع النثر التي عرفها العربي في النقد العربي القديم،وما هي الأنواع النثرية الحديثة والمعاصرة؟

نحاول أن نقدّم ذلك مختصرا في هذا الجدول :

الأنواع النثرية القديمة

الأنواع النثرية الحديثة

الأمثال والحكم :«عبارات تضرب في حوادث مشبهة للحوادث الأصلية التي جاءت فيها.»[8]

سجع الكهانضرب من الخطاب الديني الشفاهي،الذي يقوم أساسا في نسيجه اللّغوي وبنيته الأسلوبية على الأسجاع،وهو فن قائم بذاته،ظهر في العصر الجاهلي، وقد وصل إلينا مقترنا بأحاديث الكهان وأقوال المتنبئين. »[9]

 الخطب :قول ملفوظ/منطوق،يسعى للتأثير في السامعين؛على ما يراد منهم.[10]

المقامات:أقصوصة طريفة،في ألفاظ أنيقة وأسلوب،مسجع،يسندها بطل وراو[11]

التوقيعات:عبارة بليغة موجزة،تصدر من ديوان السلطان،توقيعا على خطاب سابق.[12]

الرسائل:«الرسالة النثرية الفنية أي القطعة النثرية التي يُدبجها الكاتب في نسق فنيّ جميل في غرض من اللأغراض،ويبعث بها إلى شخص آخر.»[13]

 

الرواية :«رواية Roman يُطلق النقاد ومؤرخو الأدب هذه اللفظة على القصة الطويلة،ابتداء من القرن السادس عشر سرد نثريّ لمغامرات خيالية،وهي تتميّز:

أ-عن الأقصوصة:من حيث مداها الزّمني وغزارة الأحداث،وإبراز صورة كاملة لنفسية الأبطال.»[14]

القصة :«القصة حوادث يخترعها الخيال وهي بهذا لا تعرض لنا الواقع،كما تعرضه كتب التاريخ والسير،وإنّما تبسط أمامنا صورة  مموهة منه.»[15]

الأقصوصة :«اعتبروا الأقصوصة نصّا غير مكتمل لهذا وُصفت بالتكثيف والوحدة والإيحاء  »[16]

المسرحية :« قصة تمثل،ولها قواعدها وأصولها،فأساس المسرحية هو نصّ للعرض،لا القراءة .»[17]

المقال:«قطعة نثرية محدودة الطول والموضوع،تُكتب بطريقة عفوية سريعة خالية من الكلفة والرهق.»[18]

السيرة الذاتية : :«حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص،وذلك عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته، بصفة خاصة»[19]



[1] محمد التونجي،المعجم المفصل في الأدب،دار الكتب العلمية(لبنان)،ط2،1999،ج،2ص.864

[2] شوقي ضيف،الفن ومذاهبه في النثر العربي،دار المعارف(مصر)، ط 10،1983، ص.15

[3] عبد العزيز شبيل، الأجناس الأدبية في التراث النثري،جدلية الحضور والغياب،دار محمد علي الحامي(تونس)، ط 1،2001،ص.465

[4] محمد مفتاح، مجهول البيان،دار توبقال،(المغرب) ،ط1،1990،ص.17

»[5] ومع ذلك فإنّ مفهوم الجنس يفتقر إلى نوع من الدقة المصطلحية، إذ ماهي الحدود أو الفوارق بين الجنسGenre والنوع Espèce والفصيلةClasse والصنف Catégorie والجنيس أو الجنس الفرعي Genre «Sousينظر:رشيد وديجي،قراءة في إشكالية نظرية الأجناس الأدبية،ملاحظات أساسية،حوليات الآداب واللّغات،ع1،مج،2،2013،ص.275

[6]  قدامة بن جعفر أبي الفرج ، نقد الشعر، د.د، قسطنطينية، م.الجوائب، ط1، 1302، ص3.  

[7] علي حب الله،المقدّمة في النثر العربي،مشروع رؤية جديدة،في تقنيات البحث والكتابة،دار الهادي(لبنان) ،ط 1،2001، ص.291

[8] شوقي ضيف،المرجع السابق،ص.20

[9]  مالك محمد جمال بني عط،السجع في العصر الجاهلي،أطروحة دكتوراة،جامعة مؤتة،كلية الآداب، قسم اللغة العربية،2011،ص.42

[10] ينظر:محمد أبو زهرة،الخطابة،أصولها تاريخها في أزهر عصورها عند العرب،دار الفكر العربي(مصر)،ط1،دت،ص.15

[11] ينظر:عبد المالك مرتاض،فن المقامات في الأدب العربي،الدار التونسية للنشر(تونس)/المؤسسة الوطنية للكتاب(الجزائر)،ص. ط2،1988،ص.23

[12] يُنظر:حمد بن ناصر الدخيل،فن التوقيعات الأدبية في العصر الإسلامي والأموي والعباسي،متاح على الرابط: archive.org/details/4429pdfتاريخ تاريخ الاطلاع: 18-3-2021

[13] فايز عبد النبي فلاح القيسي،أدب الرسائل في الأندلس،في القرن الخامس الهجري،دار البشير(الأردن) ط 1، 1989،ص.83

[14] جبور عبد النور،المعجم الأدبي،دار العلم للملايين(لبنان)،ط2،1984 ص.128

[15] محمد يوسف نجم،فن القصة،دار بيروت(لبنان)،دط،1955،ص.8

[16] حاتم السالمي،في صلة الأقصوصة بالأجناس الأدبيّة القريبة منها،مجلة الخطاب،ع18،2014،ص.166

[17] عمر الدسوقي،المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها،صفحة المقدّمة .

[18] محمد يوسف نجم،فن المقالة،دار الثقافة(لبنان)،ط4،1966،ص.95

[19] السيرة الذاتية الميثاق والتاريخ الأدبي، تر وتق: عمر حلي ، المركز الثقافي العربي،(لبنان-المغرب)، ط1، 1994، ص.22

Modifié le: Sunday 7 November 2021, 22:30