المنهج المقارن

مدخل

لم يحتل المنهج المقارن مكانة في علم الاجتماع كما حدده دوركايم (1858_1917) ومن بعده فليتشر .ويعود ذلك في جزء منه الى بزوغ علم الاجتماع التأِويلي الذي لايسعى الى تفسير الفعل الاجتماعي في ضوء الاسباب الخارجية؛ هذا بالإضافة الى ان علماء الاجتماع أصبحوا أكثر وعيا بمشكلات المقارنة الاحصائية.

      ان تسارع الاهتمام المتزايد بالعولمة أو علم الاجتماع العالمي أدى مرة ثانية الى زيادة شعور علماء الاجتماع بأهمية المقارنة الاجتماعية. ان تصنيف المجتمعات الى تقليدية ؛وحديثة؛وما بعد الحديثة يشكل أساسا عاما ومفيدا لهذا النوع من مقارنة المجتمعات؛ ويستخدمه تقريبا عدد كبير من علماء الاجتماع.

      يركز هذا المنهج من البحوث على مقارنة جوانب التشابه و الاختلاف بين الظواهر الاجتماعية لغرض اكتشاف اي العوامل أو الظروف التي تصاحب حدوث ظاهرة اجتماعية أو ممارسة معينة ؛ على ان تكون المقارنة في حقبة زمنية واحدة أو تقوم بمقارنة ظاهرة واحدة في نفس المجتمع في فترة زمنية مختلفة لمعرفة تطورها وتغيرها؛ ولكي يحقق الباحث الاجتماعي أهدافه العلمية بتطبيق منهج الدراسات المقارنة عليه أن يقوم بتصنيف دقيق للثقافات الانسانية للمجتمعات المشمولة بالدراسة ؛ ثم تنظيم مشاهداته عن هذه الثقافات. وأخيرا تصنيف المادة التي انتهى من جمعها لغرض التسجيل و التحليل.

حالات التحليل المقارن

     1-مقارنة متغير واحد في مجتمعات متشابهة؛ مثلا كدراسة الوضع التربوي لأبناء العمال في المدارس الابتدائية عند مجتمعين صناعيين.

      2-مقارنة عدة متغيرات في مجتمعات متشابهة؛ مثلا كدراسة التطور السياسي لعشرة أقطار نامية. ويصنف متغير التطور السياسي الى خمس وحدات اجتماعية كما يلي: 1-الوظيفة الادارية؛2-الوظيفة القانونية؛ 3-التنظيم الحزبي؛4-السلطان و السلطة؛5-تأثير المواطنين.

   3- علاقة عدة متغيرات في مجتمع واحد ؛ مثل دراسة علاقة معدل الانجاب بالطبقة الاجتماعية والمنطقة الجغرافية(حضرية وريفية) في المجتمع الكردي.

  4- علاقة عدة متغيرات في مجتمعات متباينة؛ مثل دراسة علاقة التنمية الاجتماعية وعلاقتها بالدخل القومي في مجتمع صناعي ومقارنة تلك العلاقة بمجتمع زراعي.

ميزات التحليل المقارن

   1-تؤدي البحوث المقارنة الى زيادة قدرة الباحث على تقديم تفسيرات أكثر قوة للظاهرة المدروسة ؛اذ أن هذه التفسيرات تستند الى أدلة تجمع من عدة مجتمعات وليس من مجتمع واحد مما يقلل من تأثير عوامل الصدفة ؛  والتحيزات الثقافية .

   2-تؤدي البحوث المقارنة الى تدعيم قدرة الباحث على زيادة مدى المتغيرات المدروسة التي يشملها تصميم البحث باستخدام مؤشرات متنوعة مستمدة من اكثر من مجتمع مثل المؤشرات التي تستخدم لقياس المكانة الاجتماعية؛ والتي تشمل في المجتمع الغربي؛ الدخل والمهنة ،لكنها في المجتمعات النامية تشتمل أيضا على مكان السكن ؛ والنسب الاسري.

    3-تسمح البحوث المقارنة بالاستعانة بالعوامل والجوانب الثقافية والاجتماعية الخاصة بكل مجتمع مدروس في تفسير النتائج ، مما يدعم ايضا قوة هذه التفسيرات ، ويزيد من صمودها في وجه الانتقادات.

صعوبات التحليل المقارن

   1-من الصعب في كثير من الأحيان تحديد السبب من النتيجة أو العلة من المعلول خصوصا اذا كان التلازم بينهما هو تلازم قائم على الصدفة وليس تلازما سببيا.

   2-لاترتبط النتائج غالبا وفي كثير من العلوم بعامل واحد بل تكون حصيلة مجموعة من العوامل المتداخلة والمتفاعلة مع بعضها البعض.

   3-قد تحدث ظاهرة ما نتيجة لسبب ما في ظرف معين وقد تحدث هذه الظاهرة نتيجة لسبب اخر يختلف عن السبب الأول في ظرف اخر.

   4- لايمكن في حالة المنهج المقارن ضبط المتغيرات المختلفة ، والتحكم بها كما هو الحال في المنهج التجريبي و ذلك بسبب تداخلها  وتشابكها مع بعضها البعض ، وبالتالي يصعب عزلها والسيطرة عليها ، لذلك فان المنهج المقارن لا يوصل لنفس دقة النتائج التي يمكن تحقيقها في حالة المنهج التجريبي.

  5-قد تحدث تغيرات جذرية أساسية في الفترة الزمنية التي تقع بين المقارنة الاولى و الثانية (عند مقارنة ظاهرة معينة في فترتين زمنيتين مختلفتين) مما يؤثر على صدق نتائج المقارنة وثباتها.

  6-من الصعب فصل دراسة الظاهرة الاجتماعية بمعزل عن محيطها الاجتماعي الذي نشأت فيه ، فهي ليست مجردة من الارتباطات الاجتماعية والثقافية ،وهذا الاغفال يقوم به اصحاب المنهج المقارن ايضا.

         بيد ان منهج المقارنة يقوم على معالجة الظواهر التي يصعب معالجتها بالبحوث التجريبية . ففي العلوم الطبيعية يمكن اثبات ظاهرة معينة عن طريق التجربة ، وأما في علم الاجتماع ،فيتم اثبات الظاهرة عن  طريق مقارنة الحالات التي تحدث فيها تلك الظاهرة بالحالات التي تخلو منها ، وبالتالي كشف الارتباطات السببية بينها ، ولهذا فان  المقارنة هو (أسلوب التجربة غيرالمباشرة) ، ويرى جون ديوي ، في كتابه (المدخل للبحوث الاجتماعية ) أنه أتيحت للباحث ظواهر شوهدت في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة وتحت ظروف مختلفة فان ذلك يعطي للمقارنة قاعدة عريضة ومادة غريزة .

       ان افضل انواع التحليل المقارن هو الذي يبنى على اساس برهنة الفرضيات أو رفضها عند عدة حضارات او مجتمعات مختلفة ومتباينة من اجل توسيع المجرى الفكري في التنظيم الاجتماعي ومن أجل الوصول الى تعميمات أوسع لنتائج الدراسة. لكن مثل هذه البحوث تتطلب جهدا أكثر وتكلف مالا باهضا.

 

Modifié le: Sunday 26 February 2017, 14:46