تمهيد:

يعتبر الحق في التعليم حقا مقدسا لكل إنسان وصل إلى سن التمدرس، بغض النظر عن كل خصوصية تطرأ على مستواه، وكل اختلاف يميزه عن بقية أقرانه، فالواجب على المجتمع أن يوفر لكل شخص مقعد بيداغوجي وفرصة لولوج المدرسة والحصول على تعليم رسمي، هذا الحق الذي اتفقت عليه كل المجتمعات والهيئات العاملة في مجال التربية والتعليم، وسن لأجله ترسانة من القوانين والنظم الداعمة والمشجعة لعملية التعليم وحتى الرادعة والمعاقبة لكل إخلال بسيرورتها العادية.
وأكدت المواثيق الدولية كلها على مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع، بخصوص أولئك الذين لديه احتياجات خاصة والذين قد يتعرضون إلى عديد الممارسات السلبية التي تحرمهم من الحصول على حقوقهم الأساسية، ومن أبرزها الحق في التعليم نظامي في إطار يحترم خصوصيتهم ويحميهم من كل استغلال أو تمييز أو معاملة غير سوية، بهدف تقديم فرصة لهذه الفئة في الوصول إلى أكبر قدر من المعرفة التي تمكنهم من العيش لاحقا عيشة كريمة والشعور بالانتماء إلى المجتمع والاندماج وسطه دون أي عقبة أو شعور بالدونية.
وقد شهد القرن الثامن عشر والتاسع عشر ظهور العديد من المبادرات في هذا الإطار حيث تم إنشاء أول مؤسسة تعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة بفرنسا، لتبدأ باقي الدول في اعتماد أولى المدارس المماثلة، فظهرت مدارس في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لتنتشر فيما بعد ببقية دول العالم. ويشير تاريخ التربية الخاصة إلى أن الإرهاصات الأولى لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة تجسدت ميدانيا مع الجهود الأولى للطبيب الفرنسي جون إيتارد Itard في مطلع القرن التاسع عشر الذي يعتبر أول من حاول التكفل بطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة والمشهور بطفل غابة أفيرون المتوحش، محاولا إعادة تنشئته وتعلميه الكلام والسلوك، وعلى الرغم من فشل تجربته إلا أن الباحثين الذين أتوا من بعده لم ييأسوا وواصلوا العمل في سبيل التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة، أين أنشأ إدوارد سجان Seguin أول مدرسة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في باريس بفرنسا، ثم مدرسة أخرى بولايات المتحدة الأمريكية بعد هجرته إليها، ونفس الأمر قامت به الإيطالية ماريا مونتيسوري بإنشائها أول مدرسة لتعليم الأطفال وفق توجه علاجي تأهيلي، كذلك قام العالم البلجيكي دكرولي Decroly ببلجيكا، فشهدت هذه الفترة من الزمن تغير النظرة لذوي الاحتياجات الخاصة بالتفكير في وضعهم بمؤسسات رعاية وتعليم متخصص هي الأولى من نوعها لم تعرفها البشرية من قبل.( سهير محمد سلامة شاش، 2016، ص: 18)

البدايات الأولى لعملية الدمج:

في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، مع تزايد الانتقادات لنظام العزل، بدأت التوجيهات الأولى في التربية الخاصة تتحول من اتجاه عزل ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الدمج مع الأطفال العاديين، كون التربية تقوم على أساس الوصل لا الفصل بين مجتمع العاديين وغير العاديين أين تسعى إلى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة داخل كيان المجتمع وإدماجهم فيه كأعضاء وظيفية و مواطنين فعالين، ولقد دعم هذا الاتجاه بقوانين تكفل الحق لذوي الاحتياجات الخاصة، فصدر القانون العام الأمريكي " التربية لجميع الأطفال المعاقين" عام 1975 ليؤكد أن المعاق له الحق في أن يتلقى التعليم المناسب والمجاني من خلال برنامج تربوي فردي، يقدم له في بيئة بعيدة ما أمكن عن القيد والعزلة والتي من الواجب توفيرها في المؤسسات الخاصة.
وفي بريطانيا أصدر المكتب الاجتماعي للديوان الملكي قانونا تربويا تضمن فصلا عن المعاقين يدعو المقاطعات التعليمية في إنجلترا إلي تقديم خدمات تربوية لكل من هو في حاجة لها بما فيهم المعاقين بالمكان المناسب الذي تقرره لجان متخصصة تضم ولي أمر الطفل المعاق. ( سهير محمد سلامة شاش، 2016، ص: 40)
وشهدت سنوات السبعينيات من القرن الماضي تغيرات جذرية في اتجاهات المجتمعات حيال ذوي الاحتياجات الخاصة والخدمات اللازمة لهم، سواء من حيث طبيعتها أو طرق تطبيقها، فتعالت الأصوات مناديه بضرورة دمج المعاقين بدل فصلهم، إلى جانب إرساء قوانين تفرض على الهيئات العاملة في مجال التربية والتكوين التكفل بهم دون أي تمييز أو تفريق بينهم و بين الأشخاص العاديين ويكمن القول بأن الظهور الأول لمفهوم الدمج بشكل واضح كان خلال السنة الدولية للمعاقين عام 1981 باعتمادها لشعار دمج المعاقين، كشعار رسمي لها، و بدأت حينها التجارب الأولى لعملية الدمح في العالم.

Modifié le: Sunday 24 October 2021, 08:53