المحاضرة التاسعة: مفهوم النص والخطاب

تمهيد:

      يخلط الكثير من الطلبة بين مفهوم النص والخطاب ظنًا منهم أن المصطلحين مترادفين ولهما الخصائص نفسها والأهمية ذاتها، ولكن في الحقيقة يختلف تعريف النص عن مفهوم الخطاب من حيث الأهداف والتركيب والمعنى، لذلك ارتأينا في هذه المحاضرة أن نحدّد مفهوم كلّ من النص والخطاب، ثم نحاول إيجاد نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف بين هذين المصطلحين .

1- مفهوم النص:

أ- لغة:

        المفهوم اللغوي لكلمة( نص) في لسان العرب يرتبط بمادة: نصص: النَّصُّ: رفْعُك الشيء. نَصَّ الحديث يَنُصُّه نصّاً: رَفَعَه. وكل ما أُظْهِرَ، فقد نُصَّ. وقال عمرو بن دينار: ما رأَيت رجلاً أَنَصَّ للحديث من الزُّهْرِي أَي أَرْفَعَ له وأَسْنَدَ. يقال: نَصَّ الحديث إِلى فلان أَي رفَعَه، وكذلك نَصَصْتُه إِليه. ونَصَّت الظبيةُ جِيدَها: رَفَعَتْه. وَوُضِعَ على المِنَصَّةِ أَي على غاية الفَضِيحة والشهرة والظهور. والمِنَصّةُ: ما تُظْهَرُ عليه العروسُ لتُرَى، ونَصَّ الـمتاعَ نصّاً: جعلَ بعضه علـى بعض[i].

       أما معناه في معجم (المحيط) يطلق على الكلام المفهوم من الكتاب والسنة، والنص يعني في (معجم المصطلحات في اللغة والأدب) لمجدي وهبة وكامل المهندس: الكلمات المطبوعة أو المخطوطة التي يتألف منها الأثر الأدبي.

      أما في المعاجم الأجنبية فالنص(TEXT) مشتق من الفعل TEXTERE في اللاتينية، والذي يعني الحياكة، والنسيج.

 ب- مفهوم النص اصطلاحا:

      جمع التعريف المعاصر للنص بين الدلالتين اللغويتين العربية واللاتينية، فالنص عند رولان بارث ROLAND BARTH: "تعني النسيج ولكن بينما اعتبر هذا النسيج دائما إلى الآن على أنه نتاج يكمن خلفه المعنى (الحقيقة) ويختفي بهذا القدر أو ذاك، فهو يعني في الوقت نفسه السمو والرفعة التي ترتبط بقيمته المفهومية"

كما يرى بارت أيضا : "إننا الآن نشدد داخل النسيج على الفكرة التوليدية التي ترى إلى النص يصنع ذاته ويعمل ما في ذاته عبر تشابك دائم: تنفك الذات وسط هذا النسيج، ضائعة فيه ،كأنها عنكبوت تذوب هي ذاتها في الإفرازات المشيدة لنسيجها ،ولو أحببنا استحداث الألفاظ ، لأمكننا تعريف نظرية النص بأنها علم نسيج العنكبوت "[iv]

      أما تودوروف فعنده النص يمكن أن يلتقي مع الجملة، مثلما يلتقي مع كتاب بأكمله فهو (النص) يتحدد بواسطة استقلاليته وانغلاقه ويشكل النص نسقا لا ينبغي مطابقته مع النسق الألسني ويمكن وضعه في علاقته معه[v].

     أما (جوليا كريستيفا ) فترى أن النص " جهاز عبر لساني،يعيد توزيع نظام اللسان LANGUE عن طريق ربطه بالكلام PAROLE التواصلي، راميا بذلك إلى الإخبار المباشر، مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة والمعاصرة"[vi].   

1- مفهوم النص باعتبار التواصل:

     يمثل هذا الاتجاه البعد التداولي، ذلك أنّ أصحابه تناولوا تعريف النص بناء علي فكرة التواصل اللغوي بين الأفراد ، ومن أهم التعريفات التي وردت في هذا المضمار تعريف النص على أنه " كل وحدة تواصلية تعدت الجملة الواحدة سواء أكانت الجملة بسيطة أو معقدة، وهو وسيلة لنقل الأفكار إلى الآخرين فهو ينقل شيئاً ما إلي المخاطب "[vii].

2- مفهوم النص باعتبار المضمون/التتابع لمفهومي :

    النص بناء علي هذا البعد هو عبارة عن " بنية دلالية تنتجها ذات فردية أو جماعية ضمن بنية نصية منتجة وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محدودة، وهذا التعريف يتضمن ثلاث بنيات هي:

1) بنية دلالية

2) بنية نصية

3) بنية ثقافية واجتماعية.

3- مفهوم النص باعتبار الظاهر/ التتابع الخطي:

     وهو الجانب التركيبي والنص " ليس إلا سلسة من الجمل كل منهما يفيد السامع فائدة يحسن السكوت عليها، وهو مجرد حاصل جمع للجمل الداخلة في تشكيلة[viii]، فهذا التعريف يركز علي فكرة التتابع الرصفي أو التركيب ، وبالتالي فإنه يؤدي إلي تفكيك النص وعدم ترابطه نظراً لإهماله الجانبين الدلالي والتواصل.

4- مفهوم النص باعتبار الجمع بين أبعاده :

     تعتبر التعريفات التي سنوردها في هذا المقام هي من أقرب التعريفات للصحة نظراً لكونها حاولت الجمع بين أبعاد النص الثلاثة ( التركيبى ـ الدلالي – التواصلي )، وكان ممن قدم طرحاً كهذا الدكتور سعيد بحيري في تعريفه للنص بأنه " بنية مركبة متماسكة ذات وحدة كلية شاملة يستلزم وصفها تعقب تلك العلامات الممتدة أفقياً والبحث عن وسائل الربط النحوي، وتتابع القضايا والمعلومات والتماسك الدلالي ووسائله وإمكانات الربط الداخلي وتحديد المدى الذي يحتاجه النص من العناصر غير اللغوية التي حققت له الوحدة والانسجام والاستقرار"[ix].

2- مفهوم الخطاب

أ- لغة:

     الخطاب لغة: خطب: الخَطْبُ: الشَّأْنُ أَو الأَمْرُ، صَغُر أَو عَظُم؛ وقـيل: هو سَبَبُ الأمر. يقال: ما خَطْبُك؟ أَي ما أَمْرُكَ؟ وتقول: هذا خَطْبٌ جليلٌ، وخَطْبٌ يَسير. والخَطْبُ: الأَمر الذي تَقَعَ فـيه المخاطَبة، والشأْنُ والحالُ؛ ومنه قولهم: جَلَّ الخَطْبُ أَي عَظُم الأَمرُ والشأْن. وفي حديث عمر، وقد أَفْطَروا في يومِ غيمٍ من رمضان، فقال: الخَطْبُ يَسِيرٌ. وفي التنزيل العزيز: قال فما خَطْبُكُم أَيُّها الـمُرْسلون وجمعه خُطُوبٌ[x].

     كما عرفه صاحب القاموس المحيط كالآتي: الخَطْبُ: الشأنُ، والأَمْرُ صَغُرَ أو عظُمَ، ج: خُطُوبٌ. وخَطَبَ الخاطِبُ على المِنْبَرِ خَطَابَةً، بالفتحِ، وخُطْبَةً، بالضمِ، وذلك الكلامُ: خُطْبَةٌ أيضاً، أو هي الكلامُ المَنْثُورُ المُسَجَّعُ ونحوهُ. ورجلٌ خطيبٌ: حَسَنُ الخُطْبَة[xi].

     أما في المعاجم الأجنبية فإذا عدنا إلى الموسوعة العالمية (1990 : 1025) نجد فيها ربطا بين الكلمة الانجليزية discours و الكلمة اللاتينيةdiscursus التي كانت تعني " جرى هنا و هناك ". هذه الكلمة مأخوذة من الفعل اللاتينيdiscurrere[xii].إذا سلمنا بهذا الربط يمكن وصف الخطاب بأنه "جري" من متكلم إلى سامع أو قارئ. إن هذا المعنى قريب من المعنى الذي نجده في قاموس كولان الانجليزي الذي يعرف الخطاب بأنه:" تواصل كلامي، سواء كان حديثا أو حوارا "[xiii]

     أما قاموس أكسفورد الانجليزي (1989: 751)، فيربط الخطاب بحقل تحليل الخطاب الذي يعتبره:" طريقة تحليل النصوص أو التلفظات الأكبر من الجملة، مع الأخذ بعين الاعتبار محتواها اللغوي و سياقها السوسيو- لغوي."[xiv]

     في اتجاه آخر يبحث دوزا (1971 :562) في تاريخ استعمال الكلمة الانجليزية discours فيرجعها إلى سنة 1534، في حين يرجعها قاموس (RG 1989) إلى سنة 1503، و يشير إلى أنها كانت تستعمل في بداية تداولها بمعنى "محكي" أو "عرض" سواء كان منطوقا أو مكتوبا. غير أن استعمال هذه الكلمة قد تشعب ليشمل دلالات متعددة نجدها مثبتة في روبير الصغير كالآتي:1- حوار أو محادثة. 2- خطبة شفوية أمام جمع من الناس. 3- كتابة أدبية تعالج موضوعا بطريقة منهجية.4 - التعبير الشفوي عن الفكر. 4 - التعبير الشفوي عن الفكر.[xv].

ب- الخطاب اصطلاحا:     

     كل ملفوظ يندرج تحت نظام اللغة وقوانينها فهو نص، وإذا ما خرج ليندرج تحت السياقات الاجتماعية سمي خطابا، فالخطاب إذن يضطلع بمهمة توصيل رسالة، ومن ثم فهو مغمور في الأيديولوجيا، ومبالغ في خرق النظام بحثا عن المرجع[xvi]، هكذا تنظر يمنى العيد إلى الخطاب.

      والخطاب الأدبي مظهر كلامي احتوته علوم اللسان من منطلق أنه سلوك لفظي، يومي يتصف بطابع الفوضى، والتحرر ويشكل مصدرا للغة، لكونه نتاجا فرديا صادرا عن وعي وإرادة واختيار حرّ من قبل الناطق، الذي يستخدم أنساقا للتعبير عن فكره الشخصي، مستعينا في إبراز ذلك بآليات نفسية وفيزيائية[xvii]

    والخطاب هو مجموعة من النصوص التي تهدف إلى توصيل معلومات محددة إلى المتلقي، بحيث توجد بعض العلاقات بين النصوص داخل الخطاب، وكذلك بين الخطاب وغيره من الخطابات الأخرى[xviii].

     إن مصطلح الخطاب متعدد المعاني، فهو وحدة تواصلية إبلاغية، ناتجة عن مخاطب معين وموجهة الى مخاطب معين في مقام وسياق معينين يدرس ضمن ما يسمى الآن بـ "لسانيات الخطاب" "Linguistique de discours".

     والخطاب عند ليتش وزميله شورت " تواصل لساني ينظر اليه كإجراء بين المتكلم والمخاطب أي أنه فاعلية تواصلية يتحدد شكلها بواسطة غاية اجتماعية. أما النص فهو أيضا تواصل لساني مكتوب. وتبعا لهذا فإن الخطاب يتصل بالجانب التركيبي والنص بالجانب الخطي كما يتجلى لنا على الورق"[xix].

ج- معايير الخطاب:

أ) ما يتصل بالنص في ذاته وهما :

1 - السبك cohesion وهو عبارة عن التبعيات النحوية في ظاهر النص.

2- الحبك coherence " وهو عبارة عن تبعيات المفاهيم في عالم النص.

ب) ما يتصل بمستعملي النص سواء أكان المستعمل منتجاً أم متلقياً وهما :

1- القصد Intentionality " وهو يعبر عن هدف النص " .

2- القبول Acceptability وهو يعبر عن موقف المتلقي من النص .

جـ) ما يتصل بالسياق المادي والثقافي المحيط بالنص وهي:

1- الإعلامية informativity وهو يعبر عن مدي توقع القارئ للمعلومات الواردة في النص.

2- المقاميةsituationality ويقصد بها مدي مناسبة النص للسياق الوارد فيه.

3- التناص intersexuality وهو عبارة عن قيام صلة متبادلة بين النصوص وبعضها.

3- بين النص والخطاب:

        يرى سعيد يقطين أن العلاقة قائمة بين النص والخطاب، وأنها متعددة الأوجه انطلاقا من الرأي الذي يرى أنهما (الخطاب والنص) واحد، أي هما وجهان لعملة واحدة، تسمى النص كما تسمى الخطاب، وهناك من يرى أن النص أعم من الخطاب، وهو أقرب إلى المنطق، وهناك من يرى عكس ذلك.

1-     يختلف الخطاب(DISCOURS) عن النص (TEXTE) حيث يعتبر الخطاب رسالة تواصلية إبلاغية متعدد المعاني يصدر عن باث (المخاطب) موجه إلى متلق معين عبر سياق محدد، وهو يفترض من متلقيه أن يكون سامعا له لحظة إنتاجه، ولا يتجاوز سامعه إلى غيره، يتميز بالشفوية ويدرس ضمن لسانيات الخطاب.

    إلا أن النص هو تلك الرسالة أو التتابع الجملي الذي يهدف إلى عرض تواصلي، ولكنه يوجه إلى متلق غائب، ويثبت بالكتابة، كما يتميز بالديمومة، ولهذا تتعدد قراءات النص، وتتجدد بتعدد قرائه، ووجهات النظر فيه، ووفق المناهج النقدية التي يقرأ بها[xx].

2-    ويشترك الخطاب والنص على اعتبار أنّ الخطاب هو تلك "الصياغة لفكرة مقصودة، في تتابع لغوي وفق ما تقتضيه القواعد اللغوية، للغة معينة، ومن الضروري هنا ضبط الصحة ، والسلامة في التأليف اللغوي، لأن سوء التأليف قد يؤدي إلى الاضطراب في العملية الإبلاغية، ليتم بعد ذلك إرسال (الخطاب) في الهواء إلى المتلقي، إذا كانت الرسالة منطوقة،(أو) تدون في المدونة الكتابية"[xxi].

      ويمكن أن نبين الفرق بين الخطاب وبين النص كما يلي:

1 - يفترض الخطاب وجود السامع الذي يتلقى الخطاب، بينما يتوجه النص الى متلق غائب يتلقاه عن طريق عينيه قراءة أي أن الخطاب نشاط تواصلي يتأسس - أولا وقبل كل شيء - على اللغة المنطوقة بينما النص مدونة مكتوبة.

2- الخطاب لا يتجاوز سامعه الى غيره أي أنه مرتبط بلحظة انتاجه بينما النص له ديمومة الكتابة فهو يقرأ في كل زمان ومكان..

3- الخطاب تنتجه اللغة الشفوية بينما النصوص تنتجها الكتابة، أو كما قال "روبير اسكاربيت R. Escarpit "اللغة الشفوية تنتج خطابات des discours بينما الكتابة تنتج نصوصا des textes  وكل منهما يحدد بمرجعية القنوات التي يستعملها، الخطاب محدود بالقناة النطقية بين المتكلم والسامع وعليه فإن ديمومته مرتبطة بهما لا تتجاوزهما، أما النص فإنه يستعمل نظاما خطيا وعليه فإن ديمومته رئيسية في الزمان والمكان.

4- تحليل الخطاب:

     أما تحليل الخطاب فمعناه أن يتم استخدام العديد من المناهج لتحليل الخطاب ونقله مما هو مجهول إلى شيء معلوم ، فكلمة تحليل تعني شرح وتفسير أجزاء الخطاب، والكشف عن أجزاءه المختلفة ، لكي يصبح واضحًا ومفهومًا .

      ويعتمد تحليل الخطاب على تنظيم وترتيب المعلومات بشكل صحيح لكي يستطيع المتلقي فهم النصوص التي يتضمنها الخطاب ، لذا فإن قراءة الخطاب بسرعة ليس تحليلًا له ، حتى وإن توقف قارئ الخطاب عند بعض النصوص سريعًا لكي يفهمها ، إنما تحليل النص يتطلب وقتًا طويلًا لكي يتم فهم معانيه ، وما يتصل به من دلالات وأهداف ، واكتشاف عناصر القوة والضعف به ، ويتطلب ذلك وجود خبرة كافية وبحث متعمق .

Modifié le: Monday 11 December 2023, 15:33