المحاضرة السادسة: الأسلوبية النفسية: (stylistique génétiques)

- تمهيد:

      تسمى أسلوبية الكاتب والأسلوبية التكوينية وأسلوبية الفرد وهي "جسر بين دراسة اللغة ودراسة الأدب وهي الأسلوبية المثالية "[i]وهو اتجاه مثل ردود فعل اتجاه أسلوبية التعبير وتهتم بالقضايا القيمة التي يطرحها أسلوب الكاتب الخاص به وهي اتجاه يتجاوز البحث في أوجه التراكيب ووظيفتها في نظام اللغة إلى العلل  الأسباب المتعلقة بالنقد الأدبي [ii]. وصاحب هذا المنهج هو الألماني (ليو سبيتزر)،( Leo-spitzer)*

      وسبيتزر "ركز جهده حول العلاقة القائمة بين العناصر الأسلوبية والعالم النفسي للكاتب، متأثرا في ذلك إلى حد بعيد بما قدمه فرويد من نظريات حول اللاشعور، ولذا فقد اتجه بمباحثه إلى إثبات الخصائص الأسلوبية التي تميز كل كاتب" [iii].

      ويرى المسدي  أن منهجه "منهج أسلوبي لا مجازفة في شيء أن ننعته بتيار الانطباعية، فكل قواعده العملية منها والنظرية قد اغرقت في ذاتية التحليل وقالت بنسبية التعليل و كفرت بعلمانية البحث الأسلوبي[iv]

- مباديء المدرسة الأسلوبية التكوينية:

     وقد قامت آراء سبيتزر على مجموعة من المبادئ الأساسية:

أولا : أن الفرد قادر على التعبير عن قصده وأن بإمكان الكاتب أن يلائم بين النمط اللغوي الذي يستعمله والقصد الذي يسعى إليه بحيث يؤدي ما يؤيده تأدية كاملة.

ثانيا :الأسلوب لابد أن يكون تعبيرا عن روح الكاتب و كوامنه ودواخله.

ثالثا : وكما يقول سبييزر بتأثير الكاتب أو المبدع ، فهو يقول أيضا بالمؤثرات البيئية في النص الأدبي إذ لا يمكن عزل الأدب عن المؤثرات الفكرية و الاجتماعية المحيطة به[v]

     فقدرة الكاتب على التعبير بحرية، وتعبير الأسلوب عن روحه وكوامنه وتأثير المحيط في المبدع هي من أسس التحليل في أسلوبية الفرد، ولكن "أهم القضايا المحورية في منهج سبيتزر هي أنه علّق أهمية كبيرة على الكاتب أو الفاعل المتكلم الذي يتناول اللغة بطريقة خاصة، وكانت الأسلوبية النفسية وسيلة للتعامل مع النص الأدبي، لأنها تمتلك طواعية التوجيه إلى مختلف الميادين في النص[vi]، كما يقرّ بأن الخطاب الأدبي "بنية مغلقة تخضع لترابط منطقي ذي خصائص  وعلى دارس الأسلوب في هذه الحال أن يعمد إلى اكتشاف البنية الجمالية للنص"[vii].

- الخطوات الإجرائية في أسلوبية الفرد:

      وتتلخص خطوات المنهج عند سبيتزر في النقاط التالية (*)[viii]

أ- المنهج ينبع من النتاج وليس من مبادىء مسبقة، وكل عمل أدبي فهو مستقل بذاته.

ب- الانتاج كل متكامل وروح المؤلف هي المحور الشمسي الذي تدور حوله بقية كواكب العمل ونجومه ، ولابد من البحث عن الكلام الداخلي.

ج- ينبغي أن تقودنا التفاصيل إلى "محور العمل الأدبي "ومن المحور نستطيع ان نرى من جديد التفاصيل و يمكن ان نجد مفتاح العمل كله في واحدة من تفاصيله.

د- نحن نخترق العمل لنصل إلى محوره من خلال (الحدس) ولكن هذا الحدس ينبغي أن تمحصه الملاحظة في حركة ذهاب وعودة من محور العمل إلى حدوده، وبالعكس وهذا الحدس في ذاته هو نتيجة الموهبة  والتجربة و التمرس في الاصغاء إلى الأعمال الأدبية.

هـ- عندما يتم  إعادة تصور عمل ما فانه ينبغي البحث من موضعه في دائرة أكبر عنه هي دائرة الجنس الذي ينتمي اليه و العصر للامة فكل مؤلف يعكس أمته.

و- الدراسة الأسلوبية ينبغي أن تكون نقطة البدء فيها لغوية، ولكن يمكن لجوانب أخرى من الدراسة أن تكون نقطة البدء فيها مختلفة، فدماء الخلق الشعري واحدة ولكن يمكن تناولها بدء من المنابع اللغوية أو من الأفكار ومن العقدة ومن التشكيل، وبناء على هذه النقطة مد سبيتزر جسرا بين اللغة وتاريخ الأدب.

ز- الملامح الخاصة للعمل الفني هي ( مجاوزة أسلوبية ) فردية وهي وسيلة للكلام الخاص وابتعاد عن الكلام العام .

ح- النقد الأسلوبي ينبغي أن يكون نقدا تعاطفيا بالمعنى العام للمصطلح لأن العمل كل متكامل وينبغي  التقاطه في كليته  وفي جزئياته الداخلية.

      والمهم أن سبيتزر كما يقول عدنان بن ذريل "استطاع بهذه المنهجية الحديثة الاستنتاجية أن يتحرر من التسليك العلمي و صوريته و الاعتماد و بالتالي على  اصطناع (الانطباعات الشخصية) بشكل موضوعي يعالج النص ككل و يدرسه في صلاته بصاحبه [ix]

- خصائص الأسلوبية النفسية:  

ومن أبرز مبادئه الحديثة:

1)                معالجة النص تكشف عن شخصية المؤلف

2)                الأسلوب انعطاف شخصي في الاستعمال المألوف للغة

3)                فكرة الكاتب لمحة عن تماسك النص

4)                التعاطف مع النص ضروري للدخول الى عالمه الحميم[x]

      و في حديثه عن الانزياحات عن الاستعمال اللغوي العام يؤكد على:

01-اكتشاف الانزياح الأسلوبي بالنسبة للاستعمال العادي

02-تقدير هذا الانزياح و وصف معناه التعبيري

03-التوفيق بين هذا الاكتشاف وبين أسلوب العمل العام .

    والخلاصة أنّ أسلوبية الفرد موقف من اللغة الشعرية التي تعبّر عن الحال النفسية للكاتب الذي يشحن النصوص الإبداعية بمختلف الأدوات اللغوية التي تسمح لمختلف أشكال الحالات النفسية أن تتمظهر في اللغة الإبداعية عبر انزياحات مخصوصة يضمّنها الكاتب نصوصه لتلفت انتباه القاريء، وتجعله يركّز تأويلاته حول المبدع باعتباره مركز الحركة النقدية، والرابط الأساس بين مختلف المستويات اللغوية ودلالاتها الأسلوبية  

الخاتمة:

    حقّق ليو سبيتزر ما لم يحققه شارل بالي حينما اتخذ من النصوص الإبداعية حقلا لتطبيقاته الأسلوبية، ليعلَن على يده الميلاد الفعلي لهذا المنهج النقدي الذي يطمح لأن يكون علما قائما بذاته، غير أنّ ما يشوب الأسلوبية الفردية هو اعتمادها المفرط على الكاتب، حتى غدا عندهم المركز الشمسي الذي تطوف حوله مختلف الدلالات التي يمحلها النص، فلم ينج سبيتزر من الذاتية التي كان يريد التخلص منها، ولم تتحقّق أهم مباديء الأسلوبية وهي الموضوعية .

Last modified: Wednesday, 27 April 2022, 12:35 PM