المحاضرة الرابعة: الأسلوبية البنيوية : (stylistique structurale)

      وتعرف بالأسلوبية الهيكيلية وبـ( الأسلوبية الوظيفية) وهو أكثر أفنان الاسلوبية شيوعا سواء على مستوى التنظير أو على مستوى الدراسات التطبيقية وهي " تعد امتدادا لآراء دي سوسير الشهيرة التي قامت على التفرقة بين ما يسمى اللغة (langue) وما يسمى الكلام (parole)[i]

     هذه التفرقة جعلت الباحث الأسلوبي يرى أن  " المناهج الحقيقية للظاهرة الأسلوبية ليست فقط على اللغة ونمطيها ، إنما أيضا في وظائفها" [ii] داخل النص، لأن الأسلوب يــرى خارج الخطاب اللغـــوي "والقــراءة البنيوية تقدم قراءة متكاملة للنص الأدبي ، بحيث يمكن تحليله تحليلا شاملا منتظما، فالنص الأدبي بنية تشكل جوهرا قائما بذاته ذا علاقات داخلية متبادلة بين عناصره وليس النص الأدبي نتاجا بسيطا من العناصر المكونة، بل هو بنية متكاملة تحكم العلاقات بين عناصرها قوانين خاصة بها وتعتمد صفة كل عنصر من العناصر على بنية الكل"[iii]، لذلك كان هذا التمييز بين اللغة والكلام مائلا في أعمال كل البنيويين اللغة والخطاب (غيوم) نسق ونص (هيلمسليف)، تمكن وأداء (تشومسكي)، قانون ورسالة جاكوبسون[iv] وقيمة هذا التفريق "تكمن في التنبيه الى وجود فرق بين دراسة الأسلوب بوصفه طاقة كامنة في اللغة بالقوة ، يستطع المؤلف استخراجها لتوجيهها الى هدف معين، ودراسة الاسلوب الفعلي في ذاته أي أن هناك فرقا بين مستوى اللغة و مستوى النص[v]

 وسنقدم الأسلوبية البنيوية من خلال علمين من أعلامها هما رومان جاكبسون وميشال ريفاتير:

          أما جاكبسون*[vi]فقد عرف الأسلوبية بقوله: "هي البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولا و عن سائر الفنون الانسانية ثانيا"[vii] فخصوصية الخطاب الفني عن بقية مستويات اللغة هي أساس النظرية واعتبر ان الاسلوب يتحدد بما هو حاضر في الخطاب من اتضاح الشعوري منه واللاشعوري

                                                                           المرجع

 

  المرســل                        الرسالة                                 المتقبل              

                                      القناة          

                                                                    السنن (الشفرة)  

فإذا كان الكلام العادي ذا وظيفة إيصالية "عندما تصبح مهمة اللغة نقل معلومات وإيصال أخبار بوساطة شكل لغوي متفق عليه من الطرفين "[viii] فإنّ الخطاب الابداعي يحمل وظيفة شعرية على النحو التالي :

1- المرسل                              الوظيفة الانفعالية أو الانطباعية (*)

2-المرسل اليه                          الوظيفة الفهامية أو الندائية

3- الرسالة                             الوظيفة الشعرية أو الانشائية

4 – القناة                               الوظيفة الانتباهية أو الاتصالية

5- سياق الرسالة                       الوظيفة المرجعية أو الإحالية

6- الشفرة                             الوظيفة المعجمية أو الفوق لغوية

     إنّ ما يميز الوظيفة الشعرية للغة " يكمن في هدف الرسالة وكينونتها، كما يمكن في التركيز عليها لصالحها  الخاص "[ix]، وهذه الوظيفة "مركزها سنن الكلام في جهاز التحاور  ويقودنا هذا الاعتبار إلى تحديد الخطاب الأدبي بأنه رسالة كتبت في ذاتها ولذاتها ومعناه أن الكلام الإنشائي يقوم ببنيته اللغوية رقيبا على نفسه ليس منطلقه ولا مرماه أن نصف صورة  من العالم الواقعي أو التجربة المعيشة فعلا، فليس الكلام فيه أداة  ابلاغ بقدر ما هو تركيب يستمد شرعيته من بنيته وصياغته[x] .

     ومن أهم خصائص هذه الوظيفة :

1- أنّها الوظيفة المركزية التي تجمع بين الوظائف التواصلية وتسمح لها بتأدية دورها كاملا .

2- تظهر هذه الوظيفة من خلال بنية النص اللغوية فقط ، وبالتالي فهي تتعلّق بالرسالة.

3- القوانين التي تحكم هذه الوظيفة هي سنن الكلام ( قواعد اللغة ) المشتركة بين المرسل والمرسل إليه.

4- يكون الأسلوب نتاجا لهذه الوظيفة ، وبالتالي فهو ناتج عن بنية النص من جهة، وعن التركيب الإبداعي الذي يشكها من جهة أخرى .

5- تهدف هذه الوظيفة إلى المتعة الجمالية ، والتأثير في القاريء ، ولا هدف آخر لها .

6- تنظر الأسلوبية ، انطلاقا من الوظيفة المهيمنة إلى النص على أنّه خطاب تركّب في ذاته ولذاته ، وهو نتاج لتوافق عمليتي الاختيار والتأليف.

       أما ميشال ريفاتير(*) فقد بدأت معه الأسلوبية البنيوية مسارا مهما في تناول الأسلوب في النص الأدبي إذ قامت أساسا على تحليل الخطاب الأدبي لأن الأسلوب يكمن في اللغة ووظائفها ولذلك ليس ثمة أسلوب أدبي إلاّ في النص وقد عرف الأسلوب على أنه " شكل مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدبا"[xi] وهذا التعريف يعين جزءا من تعريف الأسلوب عند ريفاتير لأنه يحدده بمجموعة من المصطلحات فهو شكل مكتوب وفردي ويحمل القصدية، لذلك فهو يخرج من دائرة الأسلوب النص الشفوي و اللغة العامة و النصوص التي تنتفي فيها القصدية.

       ويعرف الأسلوب بشكل أوسع بأنه :"إبراز عناصر الكلام و حمل المتلقي على الانتباه لها، بحيث إذ غفل عنها شوه النص وإذا حللها وجد فيها دلالات متميزة خاصة [xii] وهو هنا يجعل الأسلوب إبرازا لعناصر معينة لكن المهم في هذا التعريف هو ربطه الأسلوب بالمتلقي وحمله على الانتباه إلى عناصر النص البارزة المتميزة، لأنها منابع الأسلوب في النص.

     وبنية النص عند- ريفاتير – تبرز مستويين لغويين: أحدهما يمثل النسيج الطبيعي والآخر مزدوج معه و يمثل مقدار الانزياح، أي أنه الخروج عن حدّ هذا النسيج الطبيعي، ويقترح ريفاتير مصطلح (السياق الأسلوبي) تعويضا عن مصطلح الاستعمال والذي يحدد النمط العادي[xiii] لأنه يرى أنّ العلاقة بين المستوى العادي ومستوى الانزياح تحدث داخل النص ذاته لا خارجه.

    و من النقاط الهامة  التي تعتمدها نظرية ريفاتير وتتصل بالمتقبل الذي جعله طرفا هاما في عملية الابلاغ الأدبي، "ارتباط مفهوم الاسلوب بعنصر المفاجأة التي تصدم متقبل الرسالة و تحدث تشويشا له فكلما كانت السمة الأسلوبية متضمنة للمفاجأة أحدثت خلخلة و هزة في إدراك القارئ ووعيه، لذلك فان قيمة كل ظاهرة أسلوبية تتناسب مع حدة المفاجأة التي تحدثها تناسبا طرديا"[xiv]

     لذلك يقترح ريفاتير مصطلح القارئ العمدة (archilecteur) وهو مجموعة الاستجابات اتجاه النص التي يحصل عليها المحلل من عدد من القراء ، ويقوم تحليله بعد رصده هذه الاستجابات على مرحلتين :

01- مرحلة الوصف:

     ويسميها ريفاتير مرحلة اكتشاف الظواهر وتعينها وتسمح للقارئ بإدراك وجوه الاختلاف بين بنية النص والبنية النموذج القائمة في حسّه اللغوي.

02-مرحلة التأويل:

     تسمح للقارئ أن يغوص في النص وأن يفكّكه على نحو تترابط فيه الأمور وتتداعى[xv] ثم تعود لتتكامل في صورة دلالة مختلفة يعطيها القارئ للبنى اللغوية المتميّزة.

الخاتمة :

    تمثّل الأسلوبية منهجا نقديا نسقيا يصبو لأن ينقل العملية النقدية من السياقية التي تفرض على النصوص الأدبية دلالات خارجية ، فتربط المعاني بالسطح دون أن تتعمّق في المستويات الخفيّة والعميقة، إلى العلمانية التي تجعل من النقد علما خالصا له جذوره الفكرية والفلسفية ، وله أدواته الإجرائية التي تميزه عن النقود الأخرى ، وتسمح له بالنفاذ عميقا في مستويات النص البعيدة التي لم تصلها يد ناقد آخر من قبل .

    وما يميّز هذا النقد هو الاتجاه الأسلوبي البنيوي الذي سمح بالتوصيف السليم للبنى اللغوية، وكشف قدراتها على التأليف الإبداعي اللامتناهي ، وعلى حمل الدلالات الكثيرة والمتنوعة ، كما كشف عن السبيل الأمثل لقراءة تلك البنى من خلال محوري الاختيار والتأليف الشعريين .

آخر تعديل: Wednesday، 27 April 2022، 12:34 PM