تمهيد :

    لكلّ منهج نقدي منطلقات فلسفية ومفاهيم فكرية ، وهذه المنطلقات والمفاهيم وإن كانت ستظلّل بمظلة واحدة هي المنهج الأسلوبي، فإنّها تختلف باختلاف الاتجاهات التي اختار الباحثون الأسلوبين تبنّيها، فالجذور الأبستمولوجية لكل باحث ولكل ناقد أسلوبي تؤثر على الأطر المفاهيمية التي يحدّ بها دراساتها النظرية، وعلى أدواته الإجرائية التي يعتمد عليها في دراساته التطبيقية، فما هي الأسلوبية، أو علم الأسلوب ؟، وما هي أهم اتجاهات هذا المنهج؟:

1- مفهوم الأسلوبية (علم الأسلوب):

     مصطلح الأسلوبية وليد الدراسات النقدية المعاصرة، أطلقه الباحث فوندو جابلنس 1875 على دراسة الأسلوب عبر الانزياح اللغوي والبلاغة في الكتابة الإبلاغية، وأصله شارل بالي عام 1902 وأسس  قراءة علم الاسلوب النهائية[i] أما في العربية فهو المقابل للفظة stylistique  الفرنسية وعلم الأسلوب بديل لـ: (science de style) وعبد السلام  المسدي  هو رائد الأسلوبية العربية  وهو يرى أن هذا المصطلح الحامل لثنائية أصولية ، فسواء انطلقنا من الدال اللاتيني و ما تولد عنه في مختلف اللغات الفرعية أو انطلقنا من المصطلح الذي استقر ترجمته له في العربية وقفنا على دال مركب جذره أسلوب (style) ولاحقته (ية)،(ique) وخصائص الأصل تقابل انطلاقا أبعاد اللاحقة، فالأسلوب ذو مدلول إنساني ذاتي وبالتالي نسبي واللاحقة تختص فيما يختص به بالبعد العلماني العقلي، وبالتالي الموضوعي، ويمكن في كلتا الحالتين تفكيك الدال الاصلاحي إلى مدلوليه بما يطابق عبارة علم الأسلوب لذلك تعرف الأسلوبية بداهة بالبحث عن الأسس الموضوعية لإرساء علم الأسلوب[ii]. فدلالة المصطلح تشير أساسا إلى التوجّه العلماني الذي سعت الأسلوبية إلى تحقيقه، للنأي بنفسها عن المناهج السياقية التي كانت شائعة زمن ظهورها، والتي أخضعت النقد الأدبي لمجموعة من السياقات الخارجة عن النص، والتي كانت توجّه الدلالة الوجهة الخاطئة لخضوعها لاعتبارات غير علمية في تناول النصوص.

     كما أنّ الأسلوبية قد بدأت تستمد معاييرها من النظرية العلمية أو من العلم الذي تنتمي إليه كفرع منه وتخضع لشروطه العامة في التحقيق [iv]، فقد انطلقت من الخطاب بوجهيه التعبيري العادي و الفني الأدبي ما جعل الأسلوبية تحدّد بكونها البعد اللساني للظاهرة الأسلوب ، طالما أن جوهر الخطاب الأدبي لا يمكن النفاذ إليه إلاّ عبر صياغته "[v]

    ولذا كان موضوع هذا" العلم متعدد المستويات مختلف المشارب والاهتمامات ومتنوع الأهداف والاتجاهات وما دام أنّ اللغة ليست حكرا على ميدان إيصالي دون آخر فإنّ موضوع  علم الأسلوب ليس حكرا – هو أيضا – على ميدان تعبيري دون آخر"[vii].

     أما فيما يخص الخطاب الفني الإبداعي فقد تعرّف الأسلوبية بأنّها "دراسة الخصائص اللغوية التي يتحول بها الخطاب عن سياقه الإخباري إلى وظيفته التأثيرية و الجمالية"[viii].

       وقد جمع عدنان بن ذريل التعريفات الرابطة بين الخطاب الإبداعي والأسلوبية في تعريف جامع لكل ما سبق " فالأسلوبية أو(علم الاسلوب) علم نحوي حديث يبحث في الوسائل اللغوية التي تكسب  الخطاب العادي أو الادبي خصائصه التعبيرية والشعرية ، فتميزه عن غيره، إنها تتحرّى الظاهرة الأسلوبية بالمنهجية العلمية اللغوية وتعتبر الاسلوب ظاهرة  هي في الأساس لغوية تدرسها في نصوصها وسياقاتها"[ix]

     واختصارا فالمصطلحات التي ظهرت بالتوازي مع مصطلح الأسلوبية تكشف أنّ هذا المنهج يطمح لأن يكون علميا خاصا، وأن تكون البنية اللغوية هي الساحة الوحيدة التي يتحرّك فيها، وأن تتمكن من التمييز بين أنماط الكلام المختلفة بطريقة منهجية ، وأن تصل إلى الإمساك بخيط الإبداع الذي يمكّن اللغة العادية من التعبير بشكل إبداعي .

2- مجالات علم الأسلوب:

       انطلاقا من علاقة علم الأسلوب باللغة واعتمادا على المناهج العلمية الحديثة تحددت مجالات البحث الأسلوبي في ثلاث نقاط هي :

أ- الأسلوبية النظرية:

    الأسلوبية النظرية تهدف إلى إرساء القواعد النظرية التي ينطلق منها الناقد الأسلوبي في تحليل النص، ويطلق عليها محمد عبد المطلب علم الأسلوب العام الذي لا يرتبط بلغة معينة و انما يتبادل المنطلقات الأساسية التي لا ترتبط بأي ناحية تطبيقية كمستوى أول"[xii].

ب- الأسلوبية التطبيقية :

     وتهدف إلى إظهار السمات الخاصة للنص الأدبي ، ومدخلها إلى التطبيق هو لغة الأثر الأدبي وفي هذا المستوى" يمكن ملاحظة الاهتمام بالناحية التطبيقية من خلال الابتعاد عن التعميمات المطلقة إلى تحديد المجال بلغة معينة للخروج منها بالتنويعات الأسلوبية التي لا تعتمد على الناحية الفردية ،بل تستمد وجودها من القيم التعبيرية في اللغة ونظامها".[xiii]

   ج- الأسلوبية المقارنة:

     يعتمد هذا المجال على لغة واحدة ذات حدود واضحة، هدفها تبيين خصائص الكلام المميزة عن طريق مقابلة بعضها بالبعض الآخر لتقرير ادوارها المختلفة في بناء عصور الجمال على النصوص الأدبية وتقتضي المقارنة الأسلوبية حضور نصين فأكثر، ولابد من وجود عنصر أو عناصر اشتراك بين النصوص المقارنة [xiv]

      والأسلوبية تسعى إلى توخي الموضوعية الكاملة في تحليلاتها ، ومقاربتها للنصوص الإبداعية كما يقول جوزيف ميشال شريم: "الأسلوبية هي تحليل لغوي موضوعه الأسلوب، وشرطه الموضوعية وركيزته الألسنية"[xv]، أي أنّها تسعى للتميّز بين المناهج من خلال سعيها للبحث عن اللغة الشعرية المتميّزة .



Modifié le: Wednesday 27 April 2022, 12:34