المحاضرة السابعة: أدب الرابطة القلمية

نشأة مدرسة المهجر:

 بدأ ألاف المهاجرين العرب من أصقاع الوطن العربي ، مع بداية النصف الثاني من ق 19 رحلتهم إلى بلاد المهجر، متطلعة أبصارهم إلى الغرب- الأمركيين على وجه أخص- ظنا منهم أن ظروف الحياة سهلة ويسيرة ، تتمتع بالثراء والحضارة والحرية ، فأنقسموا إلى قوافل ، قسم منها اتجه إلى الشمال  الآخر إلى الغرب، وقد ساعدهم  شعورهم بالغربة وحنينهم إلى الوطن وخوفهم على هويتهم العربية على ممارسة الإبداع الأدبي ، فاسسوا الجمعيات و الأندية والصحف والمجلات، وهكذا  ساهمت مدرسة المهجر في نهضة الأدب العربي ، و إنقسمت إلى قسمين  ، الرابطة القلمية : أسّسها مهاجرو الشام في امريكا الشمالية في نيويورك عام 1920م ، وترأسها جبران خليل جبران ، وكان أبرز أعضائها : عبد المسح حداد - نسيب عريقة- رشيد أيوب - ميخائيل نعيمة - إليا أبو ماضي ... وكان  ينشرون نتاجهم الدبي في مجلة " الفنون"  التي أسسها نسيب عريقة، ومجلة السائح " لعبد المسيح حداد ، لكن ما فتئ أن توقف نشاط هذه الجمعية الذي استمر ذيلة عشرة أعوام، بوفاة جبران خليل جبران.

بعد أن جاهدوا من أجل الوصول إلى هدفهم المتمثل في " بث روح التجديد في الدب العربي شعرا ونثرا، ومحاربة التقليد ، وتعميق صلة الدب بالحياة، وجعل التجربة الشعرية الكتابية تنفتح على آفاق أوسع مما كانت تدور حول فلكه من النماذج القديمة في الأدب العربي".

أما القسم الثاني فهو العصبة الأندلسية :و تاسست عام 1932 بالبرازيل  وتولى رئاستها " ميشيل المعلوف" و كان أبرز أعضائها :" شكر الله الجر"، نظير زيتون ، انطوان سليم سعد، نصر سمعان .." وراحوا ينشرون نتاجهم الدبي في مجلة الندلس لشكر الله الجر". فكانت أملريكا الجنوبية موطنا للعصبة الندلسية ، مثلما كانت نيويورك موطن الرابطة القلمية . ورغم وجودهم بالمهجر إلا انهم كانوا يتابعون الأحداث ، بل إن هذه الأخيرة كانت ملهمتهم في الكتابة النثرية والشعرية ، فسايروها وعبّروا عنها بواسطة صور جديدة تتوافق مع روح العصر.

في مفهوم أدب المهجر :

 ورد في المعجم المفصل في الأدب :" الأصل في الدب أن يبتدعه أهله ، وهم في بلدهم ووطنهم ، غير أن العصر الحديث عرف جماعات قدر لها ان تعيش خارج وطنها ، وتبدع فوق أرض غير أرضها ، فقد جمعت بعض العرب الغربة في غير أرضهم ، فشكلوا ما يعرف بالجاليات ، أطلق عليها المغتربين أو المهاجرين ، وصدر عنهم أدب يدعى بأدب المهجر أو الدب المهجري ، وهو ظاهرة جديدة في الدب العربي المعاصر، وهو حصيلة إبداع أناس نزحوا عن وطنهم مكرهين " 108/ المعجم المفصل  في الدب ، ص71.

فهم غادروا أوطانهم ينشدون الحرية والتحرر من كلّ تأثير قديم، غير انه يجب أن نقرّ  ان البداية عند أدباء المهجر لم تكن جديدة- مباشرة- ذلك ان الرعيل الأول من المهاجرين كتب دواوين شعرية، ارتبطت بمرحلة التقليد، ثم بدأ الإطلاع- في مرحلة تالية - على الداب الغربية ، لينطلقوا بعد في التأليف و الكتابة النثرية و الشعرية.

مواطن التجديد في ادب المهحر :

 التجديد في الموضوع : تناول أدب المهجر موضوعات جديدة ، فرضتها عليهم البيئة الجديدة بعناصرها الفكرية و الحضارية و الأدبية، هذه الموضوعات التي تبرز أن الشعر تعبير عن موقف الإنسان من الحياة ، فالشعر لدى مدرسة المهجر ذو دور إنساني ، يقوم بتهذيب النفس  ونشر الخير  والتمسك  بالقيم وجعل الحب وسيلة للسلام، ويرجع ذلك إلى ما قسوه من ظلم على يد الأتراك في مجتمعهم الأصلي وهي العوامل التي شكلت لديهم النزعة لإنسانية مقابل النزعة المادية التي تطغى  على المجتمع الغربي ، وهذا إليا أبو ماضي يبرز لنا دور الشاعر قفي المجتمع عندما أبدع  هذا الكون ربّ العالمين  ورأى كل الذي فيه جميلا وثمينا

خلق الشاعر كي يخلق للناس عيونا.

الميل إلى استيطان النفس البشرية:

 فالانسان أصله خير وما الشعر إلا نزعة شكلتها دروب الحياة القاسية، و لأجل تقوية روح الخير في النفس الإنسانية، لا بد من تأمل فيها لإدراك خصائصها، ومن ذلك يسعى إلى المشاركة الوجدانية لمن حوله من الناس، ولعلّ ذلك يكون عن طريق تجاوز المآسي افنسانسة ، يقول إليا أبو ماضي في قصيدة الجداول :

أنا لا أذكر شيئا عن حياتي الماضية

و أنا أعرف شيئا عن حيات الآتية

في ذات غير أني لست أدري ما هي

فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي لست أدري

التأمل في الكون والحياة :

 تعيش النفس الإنسانية في بيئة يسودها الصراع بين الخير والشرّ والحياة والموت ولابد للإنسان أن يتأمل ذلك كله، علّه يصل إلى أجوبة تجعله يطمئن  إلى واقعه ويبني مستقبله، وقد اتّخذ شعراء المهجر من هذه القضايا منطلقا لمعالجة جوانب فكرية وفنية هامة، شعارهم في ذلك فلسفي " في اللحد مهد الحياة . يقول "ميحائيل نعيمة" في ديوانه " همس الجفون"

وعندما الموت يدنو                 واللّحد يفغر فاه

أغمض جفونك تبصر في اللّحد مهد الحياة

النزعة الروحية :

وهي نتيجة لروح التأمل عندهم، تشكلت من خلال الصراع بين القيم الروحية التي ورثوها عن المجتمعات الشرقية والقيم المادية في المجتمعات الغربية، لذا اتجهوا إلى الدعوة إلى المحبة والتساند الإجتماعي.

توظيف الطبيعة:  

كانت الطبيعة  عندهم سبيل الخلاص، وسبيل التعبير عن النفس، لذا أكثر شعراء المهجر من ذكر عناصر الطبيعة ومحادثتها ووصفها فأضفوا عليها الحياة فصارت تتفاعل معهم ويتفاعلون  معها .

الحنين للوطن:  يعيش الشاعر المهجري صراعا بين وطنه الأصلي الذي فرّ منه ووطنه الجديد الذي يعيش فيه بجسده لا يرونه، وكان طبيعيا أن تظهر هذه النزعة لبعدهم عن أوطانهم وإحساسهم بما تعاني من آلام وتخلف اجتماعي ورغبتهم في أن تنهض هذه الأوطان وتساير ركب التقدم الحضاري .

الرمز: وفيه يرمز الشاعر إلى المعنى الذي يريده عن طريق التعبير عن الأشياء الحسية تعبيرا يرمي ما ما يريد من غي أن يصرّح به ، وامتدت  هذه الإيحائية إلى النثر، فأصبح النثر في  يد جبران كالشعر ، قادرا على بث الحياة في الكلمة النثرية سواء أكانت أقصوصة رمزية أم قصيدة نثرية، الأمر الذي خلق لونا من التعبير النثري يخرج عن المألوف إلى حيث يتدفق التعبير تلقائيا، وتصبح عناصر اللغة وموسيقاها وفكرتها  وموضوعها الفلسفي شيئا واحدا ، قادرا على الوقوف جنبا إلى جنب مع الشعر الموزون.

وبذلك اختفى النغم الخطابي في شعر هذه المدرسة وتحول إلى  غنائية صافية، امتزج فيها الإيحاء بالفكرة العقلية، وتعطلت فيها أساليب الذاكرة ورواسب الماضي الموروثة التي كان يخضع لها الشاعر طائعا أو كارها.

نحوا منحى  فلسفيا ، يحيل إلى ثقافتهم وكثرة قراءاتهم ، فقد  نميز أدب جبران ونعيمة و أبي ماضي والريحاني ونسيب عريقة بالنزعة الفلسفية على ألا تكون الفكرة الفلسفية عارية من الجمال أو مجرّدة من اللحن أو خالية من الصورة ، بل  استطاعت بعض قفصائدهم أن تجمع بين روعة الحقيقة ودقة الإفصاح وجمال النغم وعذوبة الوقع على حد تعبير شاعرهم  ميخائيل نعيمة ، مؤلف كتاب الغربال الذي نطالع فيه تلك الحملات القوية العنيفة  على أنصار الأدب التقليدي ومن يسميهم ضفادع الأدب الذين كانوا ولا يزالون أحيانا يواصلون النقيق كلما عثروا بتجديد في اللغة ووسائل تعبيرها ...".

كما  يحدّد " نعيمة" الموازين والمقاييس التي ينبغي للناقد اتباعها ، مؤكدا ان هذه الموازين والمقاييس ليست مسجلة لا في السماء ولا في الأرض، ولا قوة تدعمها وتظهرها  قيمة صادقة سوى قوة  الناقد نفسه، وقوة الناقد  هي ما  يبطن به سطوره من الإخلاص في النية و المحبة لمهنته  والغيرة على موضوعه ودقة الذوق ورقة الشعور وتيقظ الفكر، و ما أوتيه بعد ذلك من مقدرة البيان لإيصال ما يقوله إلى عقل القارئ وقلبه" محمد مندور  فالناقد حسبه ليس مجرّد مفسّر ولا مقيّم ... فقط للأثر الأدبي  بل وظيفته  الإبداع.

وحول موضوع اللغة يرى أنها كلما ازدادت تبسيطا ازدادت قدرة على تبليغ المعنى ، إلى درجة أنه دعا إلى جواز استعمال اللهجة العامية.

كما نقرأ في كتاب الغربال ، موقفا نقديا  حول قضية الأوزان والقوافي يكاد يكون جبليا ، (بين التزام بها أو التحرّر منها ).

ومجمل  القول أن الدب المهجري عبّر عن نزعات جديدة، في إنتاجهم الوفير وحمل تراثا عريقا من حضارتهم العربية، واحتكوا بحضارة الغرب الحديثة و تنازعتهم عوامل متعددة من حب لأوطانهم وسخط على واقعهم بين  اليأس والأمل  صراع عنيف أنعكس على الأثر الأدبي.

نصوص وتطبيقات :

1- حلّل هذا القول ، موضحا المقاييس التي اشترطها...  نعيمة  في الناقد  مع تبيان مهنته.

" لطكل ناقد غرباله ، لكل موزاينه ومقاييسه، وهذه  الموازنة و المقاييس ليست  مسجلة  لا في السماء و لا في الأرض، ولا قوة تدعمها وتظهرها قيمة صادقة ، سوى قوة  الناقد نفسه ، و قوة الناقد هي ما يبطن به سطوره من الإخلاص في النية و المحبة لمهنته والغيرة على موضوعه ودقة الذوف ورقة الشعور وتيقظ الفكر ، و ما أوتيه بعد ذلك  من مقدرة البيان لتنفيذ مل يقوله ، إلى  عقل القارء وقلبه ..."

2- قصيدة المساء

 الرجوع إلى الورقة المرفقة

اقرأ النص وفق خصائص مدرسة  المهجر  موضحا مواقفها النقدية و من خلال هذه القراءة

الأدب المهجري - إليا أبو ماضي  أنموذجا قصيدة المساء

السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفین 

والشمس تبدد خلفھا صفراء عاصبة الجبین

والبحر ساج صامت فیه خشوع الزاھدین

لكنما عیناك باھتتان في الأفق البعید

سلمى ……. بماذا تفكرین ؟

سلمى  …….بماذا تحلمین؟     

يزواج الشاعر ما بين حالة سلمى وما بين الطبيعة

فالسحب تركض خائفة  والشمس مريضة معصوبة إذ قال كل  ذلك لأن سلمى حالتها مكتئبة

فرسم الشاعر صورة لسلمى من خلال مظاهر الطبيعة

" توظيف الرمز من سمات أدب المهاجر"

أرأیت أحلام الطفولة تختفي خلف التخوم ؟

أم أبصرت عیناك أشباح الكھولة في الغیوم ؟

أم خفت أن یأتي الدُجى الجاني ولا تأتي النجوم ؟

أنا لا أري ما تلمحین من المشاھد إنما

أظلالھا في ناظریك

تنمُ ، یا سلمى ، علیك

يتساءل الشاعر عن سبب حزن سلمى أهو  الطفولة التي مضت و لن تعود أم شبح الكهولة القادم في البعيد ينقل لنا مأساة سلمى ويصوغها على طريقته الفكرية الفلسفية مستخدما العاطفة ليعمق إحساس المعانات.

لتكن حیاتك كلھا أملا جمیلا طیبا

ولتملأ الأحلام نفسك في الكھولة و الصبا

مثل الكواكب في السماء وكالأزاھر في الربا

لیكن بأمر الحب قلبك عالما في ذاته

أزهاره لا تذبل

و نجومه لا تأفل

 دعوة  إلى التفاؤل فهو يدعوها لأن تكون حياتها كلها آمال ونفسها أحلام لأن يصبح قلبها العالم السعيد المضيء.

مات النھار ابن الصباح ، فلا تقولي كیف مات

إنَ التأمل في الحیاة یزید أوجاع الحیاة

فدعي الكآبة و الأسى و استرجعي مرح الفتاة

قد كان وجھك في الضحى مثل الضحى متھللا

فیه البشاشة و البھاء

لیكن كذلك في المساء

دعوة إلى العودة إلى المرح فهو دعى سلمى  إلى ترك الهموم

 

  • استخدم الشاعر الرمز ( فالمساء عنده رمز الكهولة و الضحى رمز للفتوة والشباب)
  • (الصباح- الحياة- مرح - الضحى - البشاشة- متهلل) توحي بالأمل  والبشر والتفاؤل.
  • للشاعر في هذه القصيدة تجربة ذاتية إنسانية خاصة صادقة تعمق فيها الإحاسيس والمشاعر.
  • ألفاظ القصيدة سهلة بسيطة خادمة للغرض الذي وضعت من اجله بعيدة عن التعقيد والغموض.
  • سعة الخيال وروعة التصوير الكلي والجزئي ، وسهولة الألفاظ وقربها من لغة الحياة
  • كان الشاعر على درجة عالية من الرومانسية العاشقة للطبيعة والحب والجمال.

 

 

آخر تعديل: Tuesday، 26 January 2021، 11:27 AM