مفهوم الشعر عند جماعة أبولو

 يقول أحمد زكي أبو شادي :" فالشعر شعر في أية لغة بأحاسيسه و ارتعاشاته وومضته وخيالاته وبحقائقه الأولية و مثالياته ، و إذا قدّرنا ألوان هذا الشعر المجرّد أو المرسل أو الحرّ أو الرمزي أو السريالي ونحوها ، فليس معنى ذلك أننا نبخس  الضروب الأخرى من الشعر حقها ، أو ندعو إلى إغفالها ، كما يدعو إلى ذلك بعض الأدباء الذين لا يقدرون أن ثروة أية لغة هي بمجموع آدابها، و أن الخير في تنوع ضروبها ، لا في حصرها ، ومذهب الحصر مضاد للحرية، في حين أن الحرية هي صديقة الآداب والفنون بل والمعارف عامة. فالإملاء على الشعراء والتحكم فيهم هو أولا قتل لمواهبهم ثم قتل للشعر وممكناته ثم إفقار للغة و آدابها.

ها ما آمنت به أمريكا  في ثقافتها ، بل في جميع مرافق حياتها ، فوثبت إلى المام وثبات جبارة ، وتسلّمت زعامة العالم الحرّ " 106 قضايا الشعر المعاصر  لأحمد زكي أبو شادي  ص9.

هكذا حدّد أبو شادي  ماهية الشعر، وبهذا المفهوم المغاير للنظرات السابقة أحدثت جماعة أبولو  في شعرنا العربي تيارا شعريا ، تميّز بنزعات شعرية متعددة ، فقد كانت ربيعا شعريا ملأ حياتنا الأدبية شعرا منعشا أخاذا . و كانت حركة جديدة تميزت بالتعبير الرمزي والوجدان السردي ، وكانت تيارا حملت بين ثناياها الكثير من القيم الجديدة في شعرنا المعاصر.

والتجديد الذي أحدثته في شكل القصيدة ومضمونها ، تجلّى في ثلاث مظاهر أساسية تمثلت في :

أ- التجديد في البناء الفني

ب- التجديد في البناء الداخلي

ج- الرسالة الشعرية .

مظاهر التجديد عند جماعة أبولو

أولا : التجديد في البناء الفني :

ويمكن  أن ندرج هنا أنواعا كثيرة من التجديد منها :

أ- التجديد في الألفاظ :و قد رأينا قي شعر الجماعة  ألفاظا كثيرة مبتكرة تحمل دلالات مختلفة عن دلالاتها القديمة . و قد أعانهم على ذلك إستخدامهم للتعبير الرمزي في معظم الحالات ، ولهذا رأينا ألفاظهم رشيقة وقصائدهم سحرية تمتلئ بالأطياف والظلال والسكون و الشمس والمطر و الشفق السحري والليل الأبيض والنور الهادي  والخواطر المذعورة - كما رأينا في قصائدهم كثيرا من الألفاظ الأعجمية، وكان أبو شادي من أوائل الذين أدخلوا هذه الألفاظ في شعرنا الحديث مثل : إليا ، صموئيل ، زيوش....

ب- التجديد العروضي :   إن التجديد في هذا الباب قديم، فقد حاول  الشعراء منذ القدم التجديد على نحو "الخليل بن أحمد الفراهيدي " والثورة عليها ، ولعل هذه الثورة تتمثل في أهل الأندلس الذين ادخلوا على شعر العرب كثيرا من التجديد، فايتخدموا  الموشح والزجل وطلّ التجديد يراود  خيال الشعراء في كل عصر من العصور، ويمكننا جعل التجديد العروضي لجماعة أبولو في الأمور التالية :

الشعر الحر : وهو ما يتنوع فيه الوزن والقافية ، وقد أطلقوا على هذا النوع الشعر الحرّ ، وفيه يمزجون بين بحور مختلفة في القصيدة الواحدة، ويتخذون موسيقى جديدة  لا تتقيد بموسيقى الشعر العربي القديمة. ويلونون في القافية ، وقد كتب أبو شادي  من هذا النوع ، قصائد متعددة ، منها :" مناظرة وحنان"  و لخليل شيوب، قصيدة من هذا النوع بعنوان " الشراع" وقد حاول " أبو القاسم الشابي" أن يجدّد من حيث العروض، وله قصيدة" الصباح الجديد" زنسج " إبراهيم ناجي " على هذا المنوال قصيدته " عاصفة روح".

الشعر المرسل: وهو ما يلتزم فيه بالبحر الواحد ، ويتحرر فيه الشاعر من القافية، وقد تابع هذا النوع بعد " عبد الرحمان شكري" أحمد زكي أبو شادي و في ديوانه " الشفق الباكي" قصائد قصصيى متحررة من القافية  ولم يلتزم فيها بالوزن  إلا في "مملكة إبليس - التلبية ...

الشعر المنثور : وهو ما لا يتقيد فيه بوزن ولا قافية، و إنما يعتمد على جمال الصورة ورشاقة الألفاظ وجرسها وتصوير العواطف والخوالج . ومن هذا النوع مقطوعة القمر  والتجديد العروضي لم يكن مقصودا لذاته، و إنما كان وسيلة لغرض يهدف إليه شعراء أبولو ، وهو تحرير الشعر من الطابع  الغنائي، اينطلق في مجالات أخرى لم يألفه الشعر العربي القديم ، وقد أعانهم هذا التحرر على كتابة كثير من القصائد القصصية

الشعر القصصي:لأبي شادي شعر قصصي  من امثال الرؤيا . ونجد  في مثل هذه القصة التأملية  روح العلم تسيطر على الشاعر، ولكنها لا تفتقر إلى الشاعرية المرهفة والنظرة النافذة والرؤية العميقة، بل تعينه على صدق النبوءة وسلامة التقدير . و لأبي شادي شعر قصصي ، مثل قصيدة  مملكة إبليس ، الشهيرة.

الشعر التمثيلي : لقد حاول شعراء أبولو أيضا إدخال  الشعر التمثيلي لأدبنا العربي الحديث، ونتذكر في هذا السبيل بترجة " عامر بحيري لمشهد مسرحية " ماك باث" لشكسبير  ترجمة شعرية . و " حديث الآلهة " لمجمد سعيد السحراوي  و" غادة " المحيط" لعبد الغني الكتبي .

وبعد كلّ هذا ، نستطيع أن نجمل التجديد  الذي نادى به شعراء أبولو  و احدثوه في البناء الفني  في المور التالية : التجديد في الألفاظ،  الشعر الحر، الشعر المرسل ، الشعر المنثور، الشعر المترجم، المقولات التاملية ، الشعر القصصي، الشعر التمثيلي،  ويجب أن نقرّ - بهذا الصدد- أن هذه المحاولات  لم يكتب لمعظمها النجاح والذيوع، لذلك عندما نحدد القيمة الفنية لجماعة أبولو  لا نضع هذه المحاولات في المقام الأول ، و إنما الذي حظي في شعرنا المعاصر  مجرى عميقا و احدث تيارا شعريا مؤثرا هو الشعر الغنائي لهذه الجماعة.

 ثانيا : التجديد في البناء الفني :

 ونقصد بهذا التجديد تنسيق الأفكار والصور الشعرية والأخيلة والعواطف ومراعاة النسب بينها ، وبين الشكل الخارجي أو البناء الكما أطلقنا عليه، بحيث يخرج  العمل الفني متكامل الأجزاء، متناسب الشكل والمضمون والوحدة الفنية، والوحدة العضوية في القصيدة ليست من اختراع أبولو ، ولكنها فكرة مسبوقة ، نادى بها خليل مطران وجماعة الديوان، ولكنها لم تتحقق في الإنتاج الشعري بصورة  واسعة عميقة إلا في شعر جماعة أبولو .

ففي نتاجهم أو في معظمه رأينا هذه الوحدة تتحقق حتى  في المقطوعات الصغيرة ، وفي هذا الإطار الفني الجميل  استطاع شعراء أبولو أن يفرغوا أفكارهم الجديدة وسحبوا خواطرهم و تأملاتهم في الحياة، فتوافر لشعرهم  التجديد والتحرر البياني ، وسرى داخل هذا افطار الأفكار والصور الشعرية الخلابة ، ولم تعد التفعلية  أو البيت الوحدة التي يبني منها الشاعر قصيدته، بل عوضتها الصورة الحية المتكاملة  التي يبني منها الشاعر عمله الفني ونظرة  واحدة على شعر " ابراهيم ناجي " و أبي القاسم الشابي وعلي محمود طه ومحمد عبد المعطي الهمشري... وغيرهم من شعراء أبولو ، ترينا هذه المعاني الجديدة ، والصورة الحية الناطقة.

إذا كانت ظروف الحياة و أحداثها القاسية قد جعلت شعر هؤلاء الشبان  يتجه نحو الذاتية والتعبير عن الوجدان الفردي، فإن هذا المضمون تنوع تنوعا كبيرا حسب تنوع هذه التجارب الذاتية، فرأيناهم يغوصون  إلى أعماق النفس الإنسانية، يتأملونها ويرسمون هواجسها و مخاوفها وحيرتها أمام الكائنات و أحينا ينطلقون كالإعصار يملؤون الوادي دويا ورعودا وبروقا  و آونة يهبطون إلى الكهوف الواجمة ويتغنون في حزن أليم ، وتارة يصورون الطبيعة و مروجها و أفياءها وأنهارها ، ويغوصون خلف مظاهرها ويمتزجون بها، أو يهرعون إلى المرأة ينشدون في أحضانها الأمان ، بدأنا نسمع أشعار المدرسة التقليدية ، بل والمدرسة الجديدة التي سبقتها  مدرسة شكري والعقاد والمازني ، كما تختلف  أيضا عن شعر مطران ، ففي أشعارهم تعبير عميق عن آلامهم وتجاربهم.

 ثالثا : الرسالة  الشعرية

 نقصد بهذه الرسالة  الهدف من شعرهم، وماهي أفكارهم الإجتماعية والقومية الإنسانية ، وماهي  المعاني  التي أضتفوها إلى الشعر الحديث، يقول أحد الباحثين في هذا الصدد :" وبعد أن عشنا فترة طويلة في شعر هؤلاء الشبان ، يمكن أن نقرّر في اطمئنان أنهم كانوا لا يقصدون إلى  هدف محدّد ، بمعنى أن شعرهم لم يكن هادفا بالمفهوم الذي نستعمله الآن لكلمة " الشعر  الهادف" ذلك أنهم عبروا عن تجاربهم بحرية تامة واهتموا أكثر بالمطولات  التأملية ، إن لم نقل  إنها كانت  الهدف من وراء كتاباتهم الفلسفية التعبيرية.

خصائص القصيدة عند جماعة أبولو

- كانت الفكرة منسجمة مع الخيال والشعور.

- لاءموا بين الوجدان والعقل، فخرجت تجاربهم مشرقة ، متسمة بطابع رقيق ، تتوضح فيه الرؤية الشعرية و الإنفعال الحاضر.

- انطلقت مضامينهم الشعرية و اتسمت بالشعر الوجداني وشعر الطبيعة الذي يمتزج بها والشعر الصوفي والفلسفي.

- امتلأ شعرهم بالرموز الموحية و الأخيلة البعيدة  الخلاقة.

- الانفلات من أسر التقليد والجمود ، فرأيناهم ينوعون  في القافية والبحور، بل ويتحررون من القافية ورأيناهم يجددون في أشكالهم الشعرية، ومن ثم ظهرت في إنتاجهم أنواع من القصص والمسرحيات.

*  وهم في كل  لم يكونوا مدفوعين لهذه التجديدات بفطرتهم الفنية و إنما كانوا يدركون مرامي تجديدهم ويمارسونه في وضوح ويتناولونه بالدرس العميق ويحدثنا  الصحرتي " عن نظرته  في شعر هؤلاء  الشبان بقوله :" لقد جدّد هؤلاء الشعراء الأسلوب الشعري ة في الموضوعات الشعرية و أخلوا على الشعر أبوابا كانت مجهولة من الشعراء السابقين ، فتناول الشعراء الشباب الشعر الوجداني وبخاصة شعر الحب ، كما تنبه الشعراء في شعر الطبيعة إلى موضوعات دقيقة لم تكن معروفة من قبل ، واتسع الشعر لموضوعات كانت غريبة كل الغرابة على العقل القديم ، مثل : الشعر القصصي وشعر الخواطر وشعر التصوف، ويشير  بمقطوعات لأبي شادي وابراهيم ناجي ومحمود، حسن اسماعيل و علي محمود طه وعبد العزيز عتيق، يصفون فيها الطبيعة ، فلا يقتصر على شرح المظاهر الخارجية للأشياء كما يفعل  القدماء بل راحوا يحيطون بمظاهر المرائي ويفسرون روح الأشياء"

- كما توجد خاصية أخرى ، تحدّث عنها أبو القاسم الشابي  وتتمثل في أن المدرسة الجديدة تدعو أن يجدد الشاعر  ما شاء من أسلوبه وطريقته في التفكير والعاطفة والخيال.

و أن يسلّهم ما يشاء من كل هذا التراث المعنوي العظيم الذي يشمل ما أدّخرته الانسانية من فن وفلسفة ورأي ودين ، لا فرق في ذلك بين ما كان منه عربيا أو أجنبيا .

- وبالجملة فإنها تدعوا إلى حلاية الفنّ من كل قيد يمنعه الحركة و الحياة..

- ويحدّد ناقد آخر من نقاد جماعة أبولو وهو الأستاذ " أحمد شايب" معنى التجديد في غضون دراسة له  عن "حافظ إبراهيم" و " احمد شوقي " فهو يرى أن الدكتور "طه حسين" تناول شعر " أحمد شوقي " و " حافظ إبراهيم " و " خليل مطران" فأتبع مذهبا معنويا بيانيا .... ويرى أن هناك مذهبا آخر هو المذهب الذي يقوم على وحدة  القصيدة بل وحدة الشاعر نفسه وشخصيته ومذهبه الفني و الموضوعي ، و يرى أن هذه النظرة أجدى على الشعر والشعراء من الملاحظات الجزئية التي تتصل بالأسلوب الحرّ من اتصالها بالموضوع ".

* على أننا و نحن نرس هذه المقاييس النقدية ، فتلك النظرات التي صدر عنها شعراء أبولو  متاثرين بثقافتهم وظروف حياتهم ، لا نريد أن نصل أن لهم مذهبا واحدا موحدا ، و إن كنا قد رأينا تشابها في مصادر الثقافة ومنابع الإلهام والنظرات النقدية و الملامح الشعرية، فليس معنى هذا أنهم صدروا جميعا  من مذهب مستند إلى أسس فلسفية على نحو ما كانت تقوم المذاهب الأدبية هند الغربيين ، بل قد رأينا شعرهم ونظراتهم النقدية ملامح الرمزية والروماسنية والواقعية ، وهذا ما جعل شاعر من شعراء أبولو ، وهو الشابي يقرر أن هذه المدرسة الحديثة " لم تصبح مذهبا واضحا الحدود والمعالم و لكنها مازالت ثورة مشبوبة و إيمانا قويا وعميقا ، ثورة قي سبيل حرية الشعر، و إيمانا بسمو الغاية والجلال المبدأ أجل هي ثورة ما زالت تختلط فيها المطامح والميول وتضطرب فيها أصول المذاهب اضطراب البذور في جمل السيل"

* ثم غن ثقافتهم الإنجليزية لم تمنعهم من الإطلاع على الآداب الغربية بصفة عامة و نقرر أيضا أن هذه الجماعة قد تميزت في شعرنا المعاصر بطابع  خاص إلى حدّ  يمكن ان نصف شعرائها جميعا بهذا الوصف الذي ذكره " إبراهيم ناجي" في مقدمة ديوان " الينبوع" على لسان أحد النقاد الفرنسيين يصف أدباء الإنجليز المحدثين :" يتميزون بالرشاقة و الإيمان و أحيانا بالإبتكار ، وغالبا بالصراحة التي تمزّق كل المظاهر الخادعة ... ونجد إحساسهم بالواقع ممترجا بالحنان، وفي شعرهم استسلام ومرارة وميل للرجوع إلى مواطن الذكريات الغالية".

    


 

نصوص و تطبيقات :

1- صخرة الملتقى

المطلوب : إقرأ النص وفق خصائص جماعة أبولو .

2- إرجع إلى متن المحاضرة ، وبالتحديد إلى مفهوم الشعر عند أحمد زكي أبو شادي " فالشعر ....... العالم الحرّ"

مبيّنا ما هية الشعر عند أبي شادي .


 

Modifié le: Tuesday 26 January 2021, 11:20