تعريف التفسير وأهميته : لغة : هوالإظهار والكشف
إصطلاحاٌ :هو علم يفهم به كتاب الله المنزل علي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه و حكمه
نشأته :ـ هو أول علوم القرآن نشأةً إذ ظهر منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ففهم الصحابة القرآن الكريم بسليقتهم العربية الأصيلة إلا ما أشكل عليهم أحياناً فيسألون عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجيبهم . وعليه فقد أخذ الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم منه لفظاً ومعنى
مثال1 : عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآيه { الذين آمنوا ولم يلبسوا أيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } . شق ذلك على الناس فقالوا :يارسول الله وأينا لا يظلم نفسه ؟. قال : "إنه ليس الذي يعنون ألم تسمعوا ماقال العبد الصالح { إن الشرك لظلم عظيم } . رواه البخاري ومسلم .ـ لقّن الصحابة القرآن الكريم لمن بعدهم ، كما لقن التابعين من دونهم تفسيره مشافهه وكتابة .
ـ بعد القرن الثالث أخذ التفسير منحى آخر ؛ حيث فسّر كل عالم القرآن حسب تخصصه العلمي ، من إبراز الإعجاز اللغوي للقرآن ، أو بيان أحكام القرآن ، أو إعرابه ، أو التصورالعقدي فيه .
أنواع التفسير ومناهجه :
اتبع المفسرون مناهج متعددة في تفسير كلام الله تعالى ، وترجع هذه المناهج في مجملها الى منهجين أساسيين هما :
ـ التفسير بالمأثور ( بالرواية )ـ التفسير بالرأي ( بالدراية )
أ ـ التفسير بالمأثور ( الرواية ) : هو أن يعتمد المفسر على ما ورد في تفسير الآية من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة و التابعين ، بحيث تنقل بلا زيادة عليها ، مبتعدين عن الاستنباط و الاستنتاج ما أمكنهم . وله أربع أقسام هي :
1ـ تفسير القرآن بالقرآن : وهو أحسن أنواع التفسير . مثل قوله تعالى { إن الإنسان خلق هلوعاً * إذا مسه الشر جزوعاً * وإذا مسه الخير منوعاً }, ففسر لفظة هلوعا بما بعدها .
2ـ تفسير القرآن بالسنة : فالسنة شارحة للقرآن ومبينة وموضحة له كتفصيل الصلاة والحج .
3ـ تفسير الصحابة : عدّوا أقرب الناس لإدراك معاني وأسرار القرآن الكريم لكونهم سمعوا القرآن من منبعه الصافيرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكانوا على أعلى قدر من الإيمان وسلامة الفطرة والسليقة الأصلية .
4ـ تفسير التابعين : عد بعضهم أقوال التابعين حجة لأنهم أخذوها عن الصحابة رضوان الله عليهم . وعند جمهور العلماء لم يعتبروها حجة إلا إذا أجمعوا عليها .
ب ـ التفسير بالرأي ( بالدراية ) : هو ما اعتمد المفسر فيه على الاجتهاد والاستنباط المستند إلى الأصول الشرعية واللغوية . وهو قسمان : مذموم ومحمود .
1ـ الرأي المذموم : هو ما كان باعثه الهوى ولا يصدر عن علم و لا عن دراية . وهو رأي خاطئ يحرم الإقدام عليه في كافة العلوم الدينية مطلقاً . قال عليه الصلاة والسلام : "من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار" . رواه الترمذي .
2ـ الرأي المحمود : هو ما كان مستنداً إلى أصول علمية من اللغة و الشرع ، ووفق ضوابط دقيقة واضحة .وهو منهج جيد فقد حثنا جل وعلا على تدبر آياته لقوله تعالي : {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} .
شروط التفسير بالرأي ليكون مقبولاً :
1ـ الرجوع إلى المأثور الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته .
2ـ الرجوع إلى المأثور عن الصحابة وعدم مخالفتهم في التفسير .
3ـ الاعتماد على اللغة العربية وعدم صرف الآيات إلى مالا يدل عليه المشهور من كلام العرب .
التعريف بالتفسير البياني:
التفسير البياني هو التفسير الذي يُعنى فيه بالكشف عن حسن التعبير القرآني، والتعريف بسمو ألفاظه، وسعة معانيه، وائتلافها وعدم اختلافها، وتناسب الألفاظ والمعاني، واستخراج الحكم من اختيار بعض المفردات والتراكيب والأساليب على بعض.
والعناية ببيان القرآن مزامنة لنزوله؛ فمنذ أن نزل القرآن وهو يبهر العرب بحسن بيانه، وسموّ ألفاظه واتساقها، وسعة معانيه، وحسن دلالاته. وذلك أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بعث إلى قوم بلغوا منزلة عالية في العناية بلسانهم العربي وتفننهم في الخطاب؛ فكانوا يدركون بما يعرفون من فنون الخطاب من معاني القرآن ودلائله ما لا يتحصّل لمن بعدهم إلا بكثير من الدراسة والتعلّم. وأخبارهم في ذلك كثيرة مشتهرة.
قال عكرمة مولى ابن عباس(جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: اقرأ علي، فقرأ عليه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90).
قال: أعد، فأعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: « والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر»). رواه البيهقي في دلائل النبوة من حديث حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة، وهذا إسناد جيد مع إرساله فإنّ عكرمة كان من علماء التابعين في السير مع تقدّمه في التفسير، وأصل هذه الحادثة مشهور عند علماء السير.
وقد فسّرت الطلاوة بالحسن والبهجة والوضاءة.
- وذكر جماعة من العلماء أنّ أعرابياً سمع رجلاً يقرأ{فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا}فأقسم أنّه لا يقوله بشر.
وذلك أنّ أهل كلّ صنعة أدرى بحدود ما يبلغه البشر في تلك الصنعة؛ فإذا رأوا أمراً خارقاً للعادة في تلك الصنعة انبهروا له،ودهشوا منه. وضعيف الملًكة في تلك الصنعة لا يدرك ما يدركه أهلها وحذاقها. ونحن قد نقرأ بعض الآيات مراراً ولا نُدرك كثيراً مما فيها من حسن البيان لقصور الآلة العلمية وضعف الملكة، ومن أدرك شيئاً منها فبمبلغه من المعرفة والفطنة والإدراك والذوق.
ولفهم ذلك انظر إلى ما يقابله كحال من لا يحسن النحو إذا سمع خطبة من خطيب كثير اللحن؛ فإنه لا يتفطن للحنه، وربما تأثر بخطبته واعتقد في الخطيب من الكمال وحسن الخطابة ما ليس له بأهل؛ لأن المعرفة إذا ضعفت ضعفت أدوات التقويم فيها.
وكذلك من لا يحسن معرفة الشعر إذا سمع قصيدة فيها إخلال بالوزن والقافية فإنها ربما اعتقد فيها الصحة والجزالة؛ فإذا تعلّم الشعر والعروض والنحو عرف ما في القصيدة من خلل، وما في الخطبة من لحن.
ويقال نظير ذلك في إدراك جوانب الإجادة والإحسان إذا كانت القصيدة حسنة بديعة والخطبة جيدة بليغة.
وكذلك الذين أحرزوا حظا من المعرفة وكانت لهم ملكة جيّدة في علوم التفسير واللغة يتفاوتون في معارفهم وملَكاتهم، فيتفاوت إدراكهم للطائف البيان القرآني تفاوتاً كثيراً.
- قال أبو منصور الأزهري: نزلَ القرآنُ الكريمُ والمخاطَبون بِهِ قومٌ عَرَبٌ، أولو بَيانٍ فاضلٍ، وفهمٍ بارع، أنزلهُ جَلّ ذِكْره بلسانهم، وَصِيغَة كَلَامهم الَّذِي نشؤوا عَلَيْهِ، وجُبِلوا على النُّطْق بِهِ، فتدَرّبوا بِهِ يعْرفُونَ وُجُوه خطابه، ويفهمون فنون نظامه، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تعلُّم مُشْكِلِه وغريب أَلْفَاظه حاجةَ المولَّدين الناشئين فِيمَن لَا يعلم لسانَ الْعَرَب حَتَّى يُعَلَّمَه، وَلا يَفهم ضُروبه وَأَمْثَالَه، وطُرَقه وأساليبَه حتّى يُفَهَّمَها. ا.هـ.والعرب الذي عاصروا التنزيل لم يكونوا على مرتبة واحدة في العربية؛ بل كان بعضهم أعرب من بعض، ولأفذاذ منهم مزيد عناية وتقدّم في علوم العربية، وكانوا يتعلمون فنون الخطاب بما يناسب أحوالهم.
عناية السلف ببيان القرآن:
مما ينبغي أن ينبَّه إليه ويؤكد عليه عناية السلف بعربية القرآن والتفقه في بيانه، وحسن طريقتهم في ذلك، فقد كانوا أقرب القرون إلى معرفة أحوال العرب حين نزول القرآن وما كانوا عليه في الجاهلية، وكان أكثرهم من أهل عصر الاحتجاج اللغوي؛ فكانوا أقرب إلى السلامة من اللحن ممن أتى بعدهم.
وكان من الصحابة والتابعين مبرَّزون في المعرفة بالعربية، وكان منهم من يُعنى بحفظ الأشعار لتفسير القرآن، ويعرف لغات قبائل العرب، وتفننهم في الخطاب، وما يستعملونه في كلامهم من ضروب الكنايات والاستعارات والتوريات ولطائف المخاطبات.
وكان علماء الصحابة يحثون الناس على تعلّم العربية، والانتفاع بها في التفقه في القرآن.
وتعلّمهم للعربية لأجل الاستعانة به على تفسير القرآن هو من صميم عنايته بالتفسير البياني.
كتب التفسير التي اعتني فيها بالتفسير البياني
وقد كان لجماعة من المفسّرين عناية ظاهرة ببلاغة القرآن والكشف عن لطائفه وحسن بيانه،
ومنهم: الزمخشري في كشّافه إلا أنّه كان معتزليّا جلداً مفتخراً باعتزاله، مجتهداً في نصر بدعته بما أمكنه من أدوات البلاغة والبيان، ولذلك وقع في تفسيره خطأ كثير تعقّبه فيه جماعات من العلماء، وأجاد في مسائل أخرى كثيرة.
وللكشاف حواشٍ كثيرة من أجودها حاشية الطيبي المسمّاة "فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب".
وكشاف الزمخشري نقل منه جماعة من المفسرين واختصروا بعض عباراته ومنهم من زاد عليها كما فعل الرازي في التفسير الكبير، والخازن، ونظام الدين النيسابوري، والنسفي، والبيضاوي، وغيرهم.
ومن المفسرين الذين لهم عناية ظاهرة بالتفسير البياني: أبو السعود، والشهاب الخفاجي والآلوسي، وابن عاشور وكتابه من أجود التفاسير البيانية بل لا أعلم أجمع منه وأجود في تحرير مسائل التفسير البياني.
ولجماعة من العلماء المحققين كلام محرر في بعض مسائل التفسير البياني لا يكاد يوجد نظيره في كتب التفسير، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم.