الجمع الأول: بمعنى كتابته وتدوينه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

فمن المعلوم أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- اتّخذ كُتّابا للوحي منهم الخلفاء الأربعة، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس - رضى الله عنهم -، وكان يأمرهم بكتابة كل مايقول من القرآن حتى تظاهر حفظ القرآن في الصدور مع الكتابة.ولقد كان يومئذ يدون في الصحف، واللخاف(الحجارة الرقيقة) ، والعسب، والرقاع، والأكتاف ونحو ذلك.روى الحاكم من حديث عثمان بن عفان - رضى الله عنه - أن رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا الحديث".

 مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه:

لقد كان الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها فيمكانها الخاص من سورها؛ وكانت الكتابة متفرقة بين عُسُب، وعظام وحجارة ونحوذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة. ومن مزايا جمعه يومئذ:

1- زيادة التّوثيق للقرآن. 2- أنّه كتب على الأحرف السّبعة. 3- أنّه كان مرتب الآيات أمّا السور ففي ترتيبها خلاف

لم يكن مجموعا في مصحف واحد كما قال زيد بن ثابت - رضى الله عنه -: "قبض النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن القرآن جمع في شيء واحد". يقول زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نؤلّف القرآن من الرّقاع" قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه.

لقد كان انتقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرّفيق الأعلى أحدث فراغا في النّفوس، فارتدّت قبائل العرب بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فما كان من الخليفة الراشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - إلاّ أن يعيدهم للإسلام، وشارك جمهور الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم في تلك المعارك الطاحنة، وقتل فيها عدد كبير من القراء الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم مما جعل بعض الصحابة يخشى أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حفظته فتشاوروا فيما بينهم واتفقوا على جمع القرآن في مصحف واحد، فقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد اسْتَحَرَّبقُرَّاءِ القرآن، وإنّي أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.." الحديث

تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -:كان هذا الجمع المبارك بعد معركة اليمامة، في السنة الثانية عشرة بعد الهجرة.

واختير زيد بن ثابت - رضى الله عنه - لهذا الجمع لأسباب عدّة منها:

1- أنه من حفاظ القرآن الكريم المتقنين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم.

2- أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم.

3- أنه من كتبة الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو أشهرهم وأكثرهم كتابة للوحي.

4- أنه كان عاقلا ورعا مع كمال خلق واستقامة في دينه وعظم أمانته، وقد قال له الصديق - رضى الله عنه -: إنك رجل شاب، عاقل، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتَتَبَّع القرآن فاجمعه - وقال هو عن نفسه: فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن".

مميزات جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -:

1- جمعه على أدّق وجوه البحث والتّحري والإتقان.

2- أهمل في هذا الجمع ما نسخت تلاوته من الآيات.

3- أنّ هذا الجمع كان بالأحرف السّبعة التي نزل عليها القرآن الكريم.

4- أنه كان مرتّب الآيات باتفاق، بخلاف السور فقد اختلف العلماء هل تم ترتيبها في هذا العهد أم في عهد عثمان - رضى الله عنه.

5- اتفق العلماء أنّه كتب منه نسخة واحدة حفظها الخليفة الراشد الصديق - رضى الله عنه - عنده لأنّه الإمام.

6- أجمعت الأمة على هذا الجمع المبارك للقرآن وتواتر ما فيه

الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -

سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام:

اتسعت رقعة الخلافة الإسلامية في أقطار الدنيا، وحمل الصحابة والتابعون كلام الله تعالى ينشرونه نورا في الآفاق، وكان كل صحابي يعلّم تلاميذه بالحرف الذي تلقاه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وعندما اتجه الجيش الإسلامي إلى "أرمينية" و"أذربيجان"، التقت كتائب الجيش التي جاءت من الشام والعراق، فكاد الشقاق والنزاع يقع بينهم في أحقية قراءة كل جهة منهم أنها هي المحقة، فسارع حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - في إبلاغ أمير المؤمنين عثمان - رضى الله عنه - بما وقع من التناكر والاختلاف، وكان عثمان - رضى الله عنه - لمس هذا الاختلاف من قراء المدينة أنفسهم فقام خطيبا وقال: " أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون فمن نأى عني من الأمصار أشدّ فيه اختلافا وأشدّ لحنا، اجتمعوا يا أصحاب محمّد، واكتبوا للنّاس إماما".

 خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه -:

1- خطبة عثمان - رضى الله عنه - وعزمه على جميع الصحابة بجمع ما عندهم من الصحف والمجيء بها عنده.

2- بعثه إلى حفصة لترسل له الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه - ثم ردها إليها.

3- تكليفه لزيد بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام من قريش بنسخ مصاحف منها، وقد ندب اثنا عشر رجلا آخرين لمعاونتهم في هذا الأمر الجليل

4- إذا كان في الآية أكثر من قراءة تكتب خالية من أيّة علامة تقصر النّطق بها على قراءة واحدة مثال ذلك قوله تعالى:

أ‌- ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6] قرئت أيضا (فتثبتوا) ب‌- ﴿ نُنْشِزُهَا ﴾ [البقرة: 259] قرئت أيضا (ننشرها)

تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية.

عزم عثمان- رضى الله عنه - في أواخر سنة 24هـ وأوائل سنة 25هـ على جمع القرآن الكريم في مصحف سمي بالإمام بعد ذلك كما قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وقال أيضاً: "وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستنداً".

 ولم تذكر المدة التي استغرقتها اللجنة في كتابة المصحف، وقد رضي الصحابة - رضى الله عنهم - ما صنعه عثمان - رضى الله عنه - وأجمعوا على صحته وسلامته، وقال زيد بن ثابت "فرأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يقولون: أحسن والله عثمان، أحسن والله عثمان".

كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي:قال الزّركشي رحمه الله: (قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة).

 ويقول الإمام السيوطي - رحمه الله - اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً.

وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال.والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي، وإذا كان هو أصل لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها.ولم يكتف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة.

وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب.

Last modified: Thursday, 14 January 2021, 9:08 AM