تضمنت المقترحات الأوروبية التي طرحت في قمة (آسن) للاتحاد الأوربي عقد الاجتماع وزاري مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط لمناقشة العلاقات الأوروبية المتوسطية في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. و عندما أصبحت فرنسا رئيسة للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 1995 زاد الاهتمام أكثر لفكرة عقد هذا الاجتماع و الذي تم تحديد موعد له في نهاية نفس العام تحت الرئاسة الاسبانية للاتحاد الأوروبي (برشلونة في 27، 28 نوفمبر 1995). وقد قامت فرنسا و اللجنة الأوروبية بصياغة ورقة شاملة لمضمون و أهداف و آليات التعاون المقترح في الإطار الأوروبي المتوسطي، و التي سميت آنذاك بالوثيقة الموحدة.

لقد بذلت جهود كبيرة من طرف فرنسا و اسبانيا و إيطاليا لإقناع الدول المغاربية للمشاركة في مؤتمر متوسطي تحدد فيه الخطوات العملية للمشروع المتوسطي، و يمكن القول أن المؤتمر الذي دعت إليه الدول الأوربية المتوسطية و الذي سمي فيما بعد بمؤتمر برشلونة، هو تتويج لجهود اثنا عشر سنة من المفاوضات و المناقشات. لذلك فالقرار القاضي بحتمية إقامة مؤتمر متوسطي جاء نتيجة لتوصيات اجتماعات و ندوات سبقت المؤتمر، و يمكن ذكر بعضها في الآتي:

- اجتماع المجلس الأوربي في جزيرة (كرفو) اليونانية في يونيو من عام 1994، و الذي خلص إلى أن هناك حاجة إلى دعم السياسات المتوسطية الجديدة.

- اقتراح اللجنة الأوروبية في أكتوبر من عام 1994 بتأسيس الشراكة الأوروبية المتوسطية.

- توضح اللجنة الأوروبية لمبادئ الشراكة المقترحة في ديسمبر من عام 1994 و حث الدول المتوسطية في الضفة الجنوبية القبول بها.

- اجتماع المجلس الأوربي في مدينة (كان) الفرنسية، و توضيح موقف الاتحاد الأوربي تمهيدا لمؤتمر برشلونة.

بعد كل هذه الجهود من طرف الاتحاد الأوربي، و بعد قناعة الدول المتوسطية و خاصة المغاربية، تم الإعلان الرسمي عن المؤتمر، و الذي حدد له تاريخ 27-28 نوفمبر 1995 في مدينة برشلونة الإسبانية، لذلك سمي بمؤتمر برشلونة، أعلنت الدول الأوروبية المتوسطية من خلاله عن مشروع الشراكة الشاملة بين الدول المتوسطية في المجالات السياسية و الاقتصادية و الأمنية و الاجتماعية و الثقافية، بمعنى آخر أن الدول الأوربية عقدت العزم على تأسيس كيان متوسطي موحد هدفه حل مشكلات الحوض المتوسط، و مواجهة التحديات الخارجية التي تواجهه.

إن الدعوة الأوربية لعقد المؤتمر ترجع أساس للتخوف الأوروبي من احتمال فقدان مركزه في سلم القوة الدولية و تأثر مصالحه الاستراتيجية في العالم، أما من جانب الدول المغاربية فإن قبولها التفاوض مع الاتحاد الأوربي حول مشروع الشراكة يبرره الاستياء العربي من انحياز أمريكا لإسرائيل في إطار مشروع الشرق أوسطية، خاصة و أنهم من الدول العربية المتوسطية، ففضلت الدخول في مشروع الشراكة على حساب مشروع الشرق أوسطية الذي تدعو إليه أمريكا.

من هذا المنطلق وافقت الدول المغاربية على حضور مؤتمر برشلونة لأنها كانت تبحث عن سند دولي جديد بعد غياب المظلة السوفياتية التي كانت تدعم موقفها، و ترى فيه إقليما جديدا يمكن أن يملأ الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفياتي عن الساحة الدولية. و قد استغلت دول الاتحاد الأوربي هذه الفرصة المناسبة التي كانت تبحث عنها منذ أكثر من عشرين عاما لتوجيه الدعوة للدول المتوسطية و على رأسها الدول العربية المتوسطية لمناقشة مشروع الشراكة الأوربية – المتوسطية في المجالات التي تهم أمن و استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط.

هكذا عقد مؤتمر برشلونة الأوروبي – المتوسطي يومي 27،28 نوفمبر 1995 بمشاركة كافة دول الاتحاد الأوربي الخمسة عشر، و اثنتي عشر دولة متوسطية، إضافة لحضور موريتانيا أعمال مؤتمر بصفة مراقب، و كذلك حضور الولايات المتحدة و روسيا، و دول شرق و وسط أوربا و دول البلطيق بصفتها ضيف الجلسة الافتتاحية، و قد استبعدت ليبيا نظرا للحصار و العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة، و كذلك بسبب الشعور الضمني للدول الأوربية بتورطها في قضية (لكربي).

لقد اتسم إطار برشلونة بمنهج كلي خلافا للعلاقات الأوربية- المتوسطية في الستينيات و السبعينيات التي كانت تستند أساسا إلى عوامل اقتصادية بحتة، و إذا كان إطار برشلونة ركز أعماله على الجانب الاقتصادي الذي ألحق عليه الدول المتوسطية غير الأوربية، فإنه طرح برامج عمل و أهدافا و غايات أمنية و سياسية و ثقافية و اجتماعية، و الهدف من هذه البرامج و الغايات هو رغبة دول الاتحاد الأوربي إقامة شراكة اقتصادية و سياسية و أمنية، و بمعنى آخر إقامة تكتل أوروبي متوسطي يمكن أن يلعب دورا استراتيجيا في لعبة التوازنات الدولية الجديدة التي بدأت في التشكل عقب تفكك الاتحاد السوفياتي كظهور التكتلات الاقتصادية الدولية و التي تراها الدول الأوربية تهديدا مباشرا لمصالحها، خاصة الاقتصادية منها في السوق الدولية.

اتفقت الدول المشاركة في المؤتمر على تحديد إطار الشراكة الأوربية المتوسطية، و التي تستند كما جاء في إعلان المؤتمر إلى ثلاثة أبعاد أساسية هي: البعد السياسي و الأمني، و البعد الاقتصادي و المالي، و البعد الثقافي و الإنساني، و الملاحظ من البيان الختامي للمؤتمر أن الدول المشاركة كانت حريصة على مناقشة مختلف القضايا التي تهم الحوض المتوسطي بمختلف أبعاده، و هذا عكس ما كان سائدا في اللقاءات السابقة، حيث كانت الدول الأوروبية تفضل مناقشة المسائل العسكرية و السياسية التي تهمها بالدرجة الأولى، بينما كانت دول الضفة الجنوبية من الحوض تفضل مناقشة المسائل الاقتصادية. أما مؤتمر برشلونة فقد ألم بمختلف القضايا التي تهدد الأمن المتوسطي وفق الأبعاد الثلاثة المذكورة سابقا.

يرى العديد من الباحثين و المهتمين في الشئون المتوسطية، و منهم على سبيل المثال (كيه رامازاني) K.RAMAZANI، أن مؤتمر برشلونة الذي أطلقت عليه تسمية المؤتمر الأوربي – المتوسطي كانت وراءه أبعاد سياسية و أمنية و اقتصادية تبنتها دول الاتحاد الأوربي التي دعت إلى عقد هذا المؤتمر.

انتهت أعمال المؤتمر بإصدار الإعلان السياسي بعد أن تم تعديله وفقا للملاحظات التي أبدتها الدول المتوسطية على المشروع المقدم من الجانب الأوروبي، و انتهى إلى الإعلان عن مشاركة أوروبية متوسطية تتضمن ثلاثة أجزاء رئيسية و هي: المشاركة السياسية و الأمنية، و المشاركة الاقتصادية و المالية، و المشاركة الاجتماعية و الثقافية و الإنسانية. و قد أرفق بالإعلان برنامج عمل يتضمن تحديد كيفية متابعة و تنفيذ ما جاء في الإعلان عن طريق لجنة متابعة تضم الترويكا الأوربية و ممثلا واحد فقط عن كل دولة متوسطية، و قد عقدت العديد من الاجتماعات الوزارية أولها كان عام 1997 على مستوى كبار المسئولين و الخبراء لبحث دفع التعاون في المجالات المختلفة، و الاتفاق على برامج و مشروعات مشتركة في هذه المجالات.

لقد عبر إعلان برشلونة عن رغبة الأطراف المعنية في إقامة علاقاتها على أساس تعاون و تضامن شاملين، و تجاوب مشترك للتحديات التي تفرضها القضايا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية المستجدة على جانبي المتوسط، و هو ما يتحقق من خلال الشراكة التي تراعي خصائص و قيم كل منها، مع العمل عل تعزيز العلاقات الثنائية في نفس الوقت، و دعم الجهود الأخرى الهادفة إلى تحقيق السلام و الاستقرار و التنمية في المنطقة. و يؤكد إعلان برشلونة على تحقيق هدف جعل حوض البحر المتوسط منطقة حوار و تبادل و تعاون، بما يضمن السلام و الاستقرار و الازدهار، و العمل على ترسيخ سيادة الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان، و تعزيز التفاهم بين الحضارات و الثقافات. و هكذا تم تدشين المشاركة الأوروبية المتوسطية و ما تنطوي عليه من تعزيز الحوار السياسي بصورة مستمرة، و تطوير التعاون الاقتصادي و المالي، و زيادة الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية و الثقافية و الإنسانية.

*

جدول يبين وضعية اتفاقيات الشراكة الأورومغاربية

البلدان ........... ..................التوقيع على الاتفاق....................................................الدخول حيزالتطبيق

تونس......................................يوليو 1995...............................................................مارس 1998

المغرب...................................فيفري 1996...........................................................مارس 2000

الجزائر.................................أفريل 2002...........................................................سبتمبر 2005

آخر تعديل: Monday، 13 February 2017، 12:46 PM