1. الاهتمام الأمريكي بمنطقة المغرب العربي

لقد بدأت واشنطن تدرك الأهمية الإستراتيجية لمنطقة المغرب العربي أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث وفر هذا الفضاء القواعد المثلى للجبهة الجنوبية في ساحة القتال، بعد أن تحالفت إسبانيا فرانكو مع النازية والفاشية، وازدادت صعوبة الجبهة الشرقية - الإتحاد السوفيتي سابقا -، ويمكن القول أن الاهتمام الأمريكي الحقيقي بالمغرب العربي مرده إلى أربعة عوامل رئيسية :

الأول: يتمثل في التغلغل السوفيتي في إفريقيا في الستينات والسبعينات التي سجلت نجاحات عدة في الكثير من المناطق، حيث شكل تهديدا لمصالح حلفاء أمريكا الأوروبيين، وتحديا لسياسة الاحتواء التي وضعت للحد من هذا المد.

الثاني: قلق واشنطن من سياسة بومدين في الجزائر خاصة على الصعيد القاري من خلال منظمة الوحدة الإفريقية، وعلى صعيد العالم الثالث- حركة عدم الانحياز-، و على مستوى منظمة أوبك، مسائل النظام الاقتصادي العالمي الجديد، والتعاون السياسي والعسكري الجزائري والليبي- السوفيتي المقلق ( ).

الثالث: العداء الأمريكي الهستيري لليبيا بدورها في المحيطين الإقليميين العربي والإفريقي، و رعايتها للفصائل الفلسطينية واللبنانية والحركات الثورية واليسارية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، نجم عنه حصار اقتصادي عقب أزمة لوكربي فضلا عن تصنيفها دولة "راعية للإرهاب " وضمن " محور الشر " .

رابعا: العامل المتعلق بعلاقة الدول المغاربية بقضية الصراع العربي-الإسرائيلي، فقد حرصت الولايات المتحدة منذ التسعينات على تشجيع دور سياسي فعال في المغرب العربي في سبيل إقامة " سلام شامل" مع إسرائيل، وقد كرس هذا التوجه بعد نجاح المغرب في إقناع مصر بالذهاب إلى كامب ديفيد، وازداد مع عزل دور مصر العربي وانتقال مقر الجامعة العربية إلى تونس( )، مما زاد من جرعة الاهتمام الأمريكي بعلاقة المنطقة ككل بملف الصراع العربي- الإسرائيلي .

كانت هذه بإيجاز مجمل العوامل التي جذبت الانتباه والاهتمام الأمريكي بالمنطقة المغاربية خلال حقبة الحرب الباردة، غير أن انتهاء الحرب الباردة، دفع واشنطن لتجاوز التقسيم القديم لمناطق النفوذ، والذي بموجبه كان المغرب العربي منطقة نفوذ فرنسي، بل أكثر من ذلك أنتقل إلى مرحلة التسابق مع حلفائها في المنطقة، لكسب موقع هيمنة أكبر لاتصال ذلك بمصالحها الجديدة، وكانت العلامات الأولى لهذا التقسيم الإستراتيجي الأمريكي الجديد لدائرة المصالح في العالم، قد ظهرت في الخطاب التوجيهي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جورج بوش في 02 أوت 1990، قبل أن تواصل إدارة الرئيس كلينتون انتهاجه بعد ذلك، و مع ذلك فإن منطقة المغرب العربي ظلت في بداية التسعينات تحتل مرتبة جد ثانوية في سلم الاهتمامات الإستراتيجية الأمريكية، هذا الطرح يؤكده تقرير حول "أسس السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية" الذي نشرته وزارة الخارجية في بداية التسعينات، حيث لم يشر إلى منطقة المغرب العربي إلا من خلال الإشارة إلى الهجوم الجوي الأمريكي على ليبيا سنة 1986، نزاع الصحراء الغربية، قمة بيريز- الحسن الثاني عام 1986، وما عدا ذلك لم يُشر التقرير إلى المنطقة المغاربية كمنطقة إستراتيجية، على حد تعبير الخبير الأمريكي في الشؤون المغاربية ريتشارد باركر-Richard parker-، الذي يؤكد أن الدبلوماسية الأمريكية لا تتحرك في منطقة المغرب العربي إلا في حالة الأزمات، باستثناء ليبيا فإن حدة النزاعات في المغرب العربي لا تبلغ أبدا درجة كبيرة من التوتر لتثير أنظار المسئولين الأمريكيين، وتحولهم من مناطق البؤر النشطة مثل الشرق الأوسط وجنوب أمريكا، حيث تنتقل الولايات المتحدة من أزمة إلى أزمة ( ).

وكمؤشر على ذلك: أن أعضاء المعهد الأمريكي للدراسات المغاربية يشكلون أقل من واحد على عشرة من أعضاء جمعية الدراسات في الشرق الأوسط أو جمعية الدراسات الإفريقية( )، فاهتمام واشنطن بمنطقة المغرب العربي ظل متصلا بالإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، ويتأكد هذا الطرح من خلال مبادرة الشراكة في " شمال إفريقيا والشرق الأوسط " في بداية التسعينات، ومبادرة الشرق الأوسط الكبير في مطلع 2004، حيث أدرجت منطقة المغرب العربي ضمن إستراتيجية شرق أوسطية موسعة، تمتد من الأطلسي غربا إلى الخليج شرقا .

وبعد الحرب الباردة برزت عدة عوامل إقليمية ودولية، ساهمت في ترقية الاهتمام الإستراتيجي الأمريكي بمنطقة المغرب العربي أهمها :

- الأزمة الجزائرية وتداعياتها، حيث أن الولايات المتحدة في البداية كانت متأثرة بالرؤى الفرنسية، لكن ذلك لم يمنع الرئيس بوش الأب من التصريح بأن بلاده سوف تتعامل مع القوى التي سيفرضها الصندوق، وقد تقربت الولايات المتحدة من أنور هدام- قيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية - لرسم معالم مستقبل العلاقات في حال فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهو ما كانت الدراسات الإستشرافية تتنبأ به ( ) .

لكن بعد تدخل الجيش ووقف المسار الانتخابي وقعت الإدارة الأمريكية في حرج لسببين:

أ‌- دعم فرنسي لا مشروط للمؤسسة العسكرية الجزائرية حفاظا على مصالحها المتشعبة مع الجزائر .

ب‌- تخوفها من قيام دولة إسلامية على شاكلة إيران لأنها ستؤثر على منطقة المغرب العربي ككل، مع إمكانية التحالف مع مصر، السودان، إيران، وهو الشيء الذي يؤدي إلى القضاء على الأنظمة العربية القائمة، وبالتالي تهديد مصالح الغرب في الوطن العربي، أضف إلى ذلك أن الجزائر هي ثاني قوة عسكرية في شمال إفريقيا بعد مصر، خاصة بعد ما راج حول برنامجها للتسلح النووي، و هو ما زاد من قلق واشنطن على مصالحها في المتوسط، المتمثلة أساسا في مرور ناقلات النفط من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق .

أضف إلى ذلك مسألة النفط الجزائري والليبي، وهنا برز الخلاف الفرنسي الأمريكي بشأن الأزمة الجزائرية، ففي حين تبنت فرنسا الحل الإستئصالي، ودافعت عنه باستماتة حكومة "ألان جوبي" مالت الولايات المتحدة إلى الحل السلمي المرتكز على الحوار، وساندت بيان" سانت إيجيديو"(*)،لتدعم طرحها بإمكانية قيام حوار سلمي مع الأطراف الإسلامية المعتدلة ( ).

- قضية الصحراء الغربية : فقد استغلت الولايات المتحدة ملف النزاع المغربي- الجزائري حول مسالة الصحراء الغربية، لإحراز تقدم في عملية اختراق المنطقة، والتي ظلت فرنسا ولفترة طويلة تدير لعبة الخلافات المغربية الجزائرية في هذه القضية، ومما ساعدها في ذلك، بقاء مسألة النزاع على مستوى منظمة الوحدة الإفريقية، والتي ترتبط بسياسة فرنسا شديد الارتباط( )، لكن بعد اعتراف المنظمة بالجمهورية الصحراوية وانسحاب المغرب منها احتجاجا على ذلك، تسارعت الظروف لنقل الملف تحت الإشراف الأمريكي المباشر- نقل الملف إلى الأمم المتحدة- بعد تدرجه من مخطط التسوية الأممية إلى إدارة عمليات المينورسو)**(، إلى "اتفاق هيوستن" سنة 1997، وإمساك جيمس بيكر بالملف إمساكا كاملا، وعملت الولايات المتحدة ما عملته فرنسا سابقا، حيث أنها لم تساند طرف علنا على حساب الآخر، بل نجحت في استدراج المغرب والجزائر إلى شد الانتباه إليها و التنافس على تقديم التنازلات لها طمعا في كسب انحيازها، مما يعني حصولها على موطئ قدم في المنطقة، دون التفريط في الغاز والنفط الجزائري ولا في الدور الإقليمي المغربي في إفريقيا والشرق الأوسط.

- الأوضاع الاقتصادية في دول المغرب العربي، وعلاقات نخبها الحاكمة بالإدارة الأمريكية : وهي عوامل لا يمكن من خلالها فقط أن نفسر الهرولة التونسية والمغربية والموريتانية للتطبيع مع إسرائيل، ومجاراة أساليب الإدارة الأمريكية للصراع العربي الإسرائيلي، إلا إذا أضفنا لها الضغط أو بعبارة أخرى الابتزاز الذي يتعرض له المغرب بخصوص القضية الصحراوية- لكسب مزيد من التنازل كما قلنا سابقا-، وحاجة تونس إلى المزيد من التأييد إزاء سياستها المتشددة، والموصوفة بالبوليسية داخليا خاصة تجاه رموز التيار الإسلامي، والتطبيع الكامل مع موريتانيا التي همشها النظام الإقليمي العربي، وأنهكها الفقر وقلة الموارد ( )، وهي عوامل يمكن وصفها بالمكرّسة للاختراق الأمريكي، ثم بدأ الرهان الأمريكي يتأكد على الشراكة الاقتصادية مع دول المغرب العربي كسوق إقليمية اقتصادية متكاملة، بعد بروز مؤشرات فشل وتعثر مبادرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي ظلت مرهونة بمسار التسوية والتطبيع مع إسرائيل، مما أدى إلى فشلها، لذلك جاءت مبادرة إيزنستات، والتي كان تسويقها تدريجيا في الدول المغاربية المعنية، فكانت البداية بتونس في16 جوان/يونيو 1998، ثم المغرب فالجزائر في 08 نوفمبر من نفس السنة .

وقد استثنت ليبيا في تلك الفترة لكون العلاقات الليبية الأمريكية والغربية عامة لم تكن قد شهدت انفراجا بعد، وإن ظل انضمامها أمرا واردا، خاصة مع ضغط أصحاب الشركات الأمريكية الاستثمارية والنفطية الكبرى للاستثمار في هذا البلد الذي يعتبر إلى جانب الجزائر أحد أقطاب السوق النفطي في القارة .

وظل التحاق موريتانيا بالمبادرة مرهونا بمدى اهتمام المستثمرين الأمريكيين بها ( )، إذ كان إيزنستات يعتقد أن إدماج هذا البلد، سيتحقق تلقائيا في حالة نجاح المبادرة، وهنا تبرز خلفية الفاعلية الاقتصادية في الابتزاز والضغط على موريتانيا في اتجاه مسار التطبيع مع إسرائيل، وهو ما تم بالفعل سنة 1999، وسوف نعود لمبادرة إيزنستات بالتفصيل في المطلب الثالث من هذا المبحث .

- الأصولية الإسلامية و خطر الإرهاب: لقد أصبح المد الإسلامي عالميا يشمل معظم العالم الإسلامي من المغرب والجزائر وحتى اندونيسيا في أقصى الشرق، فقد أدت الأحداث التي وقعت في كوسوفو، البوسنة والهرسك، الجزائر، إلى تعزيز المكانة الواسعة للدين الإسلامي في السياسة، فقد شكلت الصحوة الإسلامية تحديا لكل الإيديولوجيات العلمانية وحكومات الدول الإسلامية، فالأصولية الإسلامية كما ترى وجهة النظر الأمريكية قد صيغت في مقولات أخلاقية وأخرى سياسية مقابلة لها، تعبر عن العاطفة الشعبية والإيمان بطريقة لم تستطع أية إيديولوجية قومية أو إستراتيجية التعبير عنها حتى الآن، فعاد الإسلام السياسي مرة أخرى كقوة مهيمنة على الساحة الإقليمية ( ) .

فانزلقت الجزائر إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، عقب توقيف وإلغاء المسار الانتخابي والذي فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ آنذاك بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وانطلق مسلسل من العنف شمل مختلف شرائح المجتمع بدون استثناء، فعانت الجزائر من عزلة دولية وضغوط من أجل الحوار مع المسلحين إلا أنها كانت ترفض ذلك رفضا قاطعا، وكانت تحاول التحذير من الخطر الإرهابي وكانت السباقة إلى النداء ضمن هيئة الأمم المتحدة إلى إبرام معاهدة شاملة لمكافحة الإرهاب عام 1993، وبعد أحداث الحادي العشر من سبتمبر، واستهداف الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها، وإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش ما سماه "الحرب العادلة ضد الإرهاب"، سارعت الدول المغاربية إلى إعلان تأييدها للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها، وقد رحبت هذه الأخيرة بمجهودات الجزائر لمواجهة هذه الظاهرة الدولية الخطيرة، وأثنت على مساهمتها الفعالة في إيقاف إرهابيين دوليين على الحدود خاصة الجنوبية، وبرزت العديد من معالم التعاون الأمني بين الولايات المتحدة و دول المنطقة .

المدركات الإستراتيجية الأمريكية تجاه الجزائر- إدارة جورج بوش نموذجا

تمثل المدركات الإستراتيجية--Strategic Perception المعيار العام الذي يتم على أساسه قياس تأثير نشاطات معينة لفاعل خارجي على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة خارج (أو داخل) أراضيها، فهي التي تشكل المنظور الأمريكي بشأن قضايا كالمصالح الإقليمية، والأمن الداخلي، والعلاقات التجارية، إلا أنها لا تتعلق عموماً بدولة محددة، فهي تمثل الخلفية الأساسية التي يتم استناداً عليها تقدير ما تمثله كل حالة من دعم أو تهديد للمصالح الأمريكية، تحكم العلاقات الدولية بصفة عامة والعلاقات الثنائية بين الدول عدة متغيرات، تجعل من هذه العلاقة أن تتطور أو العكس، فالبيئة السياسية الدولية في عمومها لا تعرف سكونا ولا هدوءا، فهي تفاعلية بطبيعتها وقد يجد طرف من أطراف اللعبة السياسية نفسه موضع اهتمام بعد طول نسيان أو تجاهل، وقد تفقد أطراف أخرى أهميتها ورونقها وتصدرها لحين من الدهر، وفي كل الأحوال تكون الأسباب وراء هذه الحالة إلى معطيات ومتغيرات دولية جديدة.

ومن هذا المنطلق، عند دراسة السياسة الخارجية الأمريكية بالتحديد اتجاه أي دولة لابد ن فهم ودراسة المكانة التي تكتسبها هذه الدولة في إطارها المحلي و الإقليمي و الدولي، والتي تمنحها هذا التميز و الاهتمام لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبهذا يعد المنظور الذي تتعامل الإدارة الأمريكية من خلاله مع الجزائر من التعدد بحيث لا يقتصر على متغير واحد. فهناك ثلاثة محاور أو مرتكزات على الأقل، يمكن من خلالها متابعة السلوك الأمريكي تجاه الجزائر في هذه المرحلة.وهي التي أعطت نفسا جديدا للعلاقات الأمريكية-الجزائرية. هذه المحاور الثلاث هي:

المحور الأول: الأهمية الجيوسياسية و الجيواستراتيجية للجزائر.

تركز معظم الدراسات الكلاسيكية والحديثة في العلاقات الدولية على أن هناك علاقة بين الموقع الجغرافي والسياسي.ولعل "نابليون بونابارت" قد أصاب كبد الحقيقة عندما اعتبر أن الجغرافيا تتحكم و تدير سياسة الأمم. ومن هذا المنطلق فإن أهمية الجزائر الإستراتيجية والأمنية بالنسبة لواشنطن تكمن في المحاور المتعددة والمتقاطعة التي تقودها الجزائر على مستويات إقليمية فالجزائر تتوسط المغرب العربي، وتشكل بذلك محور اتصال بين قطبية الشرقي والغربي، و من الصعب بناء أي مشروع سواء كان اقتصادي أو سياسي أو أمني في هذه المنطقة دون مشاركتها.

من جهة أخرى تنتمي الجزائر إلى حوض البحر الأبيض المتوسط حيث جعل منها التاريخ، كما جعلت منها الجغرافيا، رافدا من روافد الحضارة المتوسطية، وأصبحت محورا هاما للتبادل والتعاون مع القارة الإفريقية. يتجلى ذلك في ربط أسواق استهلاك المحروقات بحقول الغاز الطبيعي في الجزائر، عبر اسبانيا وايطاليا حيث أنه لدى الجزائر عدة خطوط أنابيب تنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وسيلتقي بعضها مع خطوط الأنابيب المقترحة لنقل الغاز من إيران إلى أوروبا، الخط الأول طوله 670 ميلا وينقل نحو 2.32 مليار قدم مكعبة يوميا عبر البحر المتوسط وتونس إلى ايطاليا، وقد اكتمل بناء الخط في عام 1983، وتضاعفت سعته عام 1994، فضلا عن توسعات مستقبلية ليتمكن من ضخ 48 مليار قدم مكعبة يوميا. أما الخط الآخر وهو المقرر له أن يبدأ العمل في عام 2007، حيث بدأ العمل فيه في جويلية 2001 وبتكلفة 1.3 مليار دولار، وبطول 120 ميلا من الجزائر إلى اسبانيا.

ويمكن إدراك أهمية الجزائر بالنسبة للإتحاد الأوروبي – كأحد الأقطاب المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة- من خلال الدراسة التي أصدرتها المفوضية الأوروبية في 01 جوان 2006، تدعو إلى اعتبار الجزائر ضمن الحزام الطاقوي الأوروبي.

و تعتبر الجزائر بحكم انتمائها قطبا هاما في العالم العربي والإسلامي، عربيا حيث تعد التجربة الرائدة في التعامل مع الظاهرة الإرهابية بشكلها الأمني والسياسي، حيث انتقلت من مرحلة المأساة الوطنية إلى مرحلة السلم والمصالحة الوطنية. الاهتمام الأمريكي بالجزائر كذلك لا يخرج كذلك عن دائرة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرح كمشروع بديل ينافس المشروع المتوسطي الأوروبي، وتعد الجزائر في هذا الإطار النموذج الفعال بالنسبة لصانعي القرار الأمريكيين، الذين يصرون على الإصلاحات الاقتصادية،السياسية،والاجتماعية، الثقافية والتربوية. إسلاميا، دورها النشيط في منظمة المؤتمر الإسلامي بدبلوماسية هادئة ومتوازنة تعكس التجربة السياسية للنخبة السياسية الحاكمة التي تمتد بين الوساطة في إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين بطهران ومرورا بالحل السلمي لقضية الطائرة الكويتية المختطفة التي حطت بمطار الجزائر في منتصف الثمانينات، وصولا إلى الوساطة النوعية في النزاع الإريتري-الإثيوبي،الذي أبرما طرفي النزاع اتفاق سلام حوله بالجزائر، في 12/12/2000، وبحضور الوفد الأمريكي وكلها تجارب تأمل الكثير من القوى استغلالها وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الأزمات الدولية، خصوصا مع الملف النووي الإيراني، الأزمة العراقية والقضية الفلسطينية التي أعلن عن قيام دولتها بالجزائر. يمكن أن يراهن صانعي القرار الأمريكيين على الجزائر للعب أدوار الوساطة بين القوى الإقليمية والدولية.

ومتوسطيا،تعد الجزائر شريكا استراتجيا هاما مع الحلف الأطلسي""NATO لامتداداتها البحرية على البحر المتوسط كحلقة أرضية وبحرية بين جنوب أوروبا وشمال إفريقيا،و كبوابة إستراتيجية نحو دول الساحل الإفريقي، التي تهتم بها واشنطن في إطار مبادرة "البان-ساحل" كما سيأتي لاحقا.حيث تهدف المبادرة التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع دول الساحل الإفريقي كموريتانيا والنيجر والمالي وتشاد بالإضافة إلى الجزائر لمكافحة ظاهرة الإرهاب، وهو ما عبر عنه المساعد الخاص لنائب وزير الدفاع الأمريكي"فانسون كارن"

وهذا ما يدفعنا للقول أن المدرك الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية تجاه البعد الإستراتيجي للجزائر يتعدى الإطار الإقليمي ليشمل القارة الإفريقية(خاصة منطقة الساحل الغنية بالنفط). فمن حيث المساحة، تمثل الجزائر 8% من مساحة القارة، كما تعتبر بوابتها الشمالية،إذ تمكن دول الساحل الإفريقي – بعد إنجاز طريق الوحدة الإفريقية – من الوصول إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، ومنه إلى بقية موانئ العالم، وتزيد الأهمية خاصة مع الاكتشافات الضخمة في منطقة الساحل الإفريقي والخليج الغيني، وهي المناطق التي تركز عليها السياسة الطاقوية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية لتنويع مصادر الإمدادات خصوصا لتجنب الصدمات النفطية المستقبلية في الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى مشروع استراتيجي ضخم يمر عبر الأراضي الجزائرية حيث اتفقت شركات نيجيرية وجزائرية على إنشاء خط بطول 4550 ميلا لنقل الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى الجزائر عبر النيجر، ثم ينتقل الغاز الإفريقي إلى الأسواق الأوروبية ويكلف الخط نحو 7 مليارات دولار وبتمويل من البنك الدولي.

ونظرا لهذا الموقع جعل الجزائر تحتضن المركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول ظاهرة الإرهاب ، وهو المشروع الذي ستقدم المصالح الأمريكية المتخصصة على مستوى كتابة الدولة وعدد من الهيئات الأخرى دعما تقنيا والخبرة الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، فضلا عن الدعم المالي لإقامة هذا المشروع خلال عام20033، يعد الأول من نوعه في المنطقة، إذ يأتي هذا بعد التمركز القوي الذي حظيت به الجزائر في مبادرة "الشراكة الجديدة للتنمية في إفريقيا NEPAD" ،التي تأسست في جويلية من عام 2002، وكانت الجزائر من أبرز مهندسي هذه المبادرة عن طريق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهي قوة سياسية تعول عليها واشنطن في التفاوض مع القارة الإفريقية، وتشكل الجزائر في هذا المجال البوابة الإستراتيجية للقارة الإفريقية التي تشهد تنافسا اقتصاديا حادا بين موسكو، بكين،و باريس.

كل هاته المحاور المتعددة التي تقودها الجزائر جعلت منها ركيزة جيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى امتلاكها لموارد طاقوية هامة خاصة النفط و الغاز، وهو مجال اهتمام الشركات النفطية الأمريكية وحتى العالمية، خاصة في ظل البحبوحة المالية والأجواء الاستثمارية المحفزة التي تعيشها الجزائر بعد دخولها طور الإصلاحات وتطورات الاقتصادية الأخيرة.

المحور الثاني: تطور القدرات الطاقوية للجزائر وضخامة الاستثمارات في القطاع

تم اكتشاف النفط في الجزائر سنة 1956، وتم العثور على أول حقل للبترول في الصحراء الجزائرية و هو "حقل عجيلة" في جنوب شرق الجزائر.كما تم في شهر جوان من العام نفسه اكتشاف "حقل حاسي" مسعود الشهير ، أكبر حقول البترول في صحراء الجزائر، أي في مرحلة الاستعمار الفرنسي.ونظرا لثراء الصحراء الجزائرية بهذه الموارد جعلها تكتسي أهمية كبيرة حيث تبلغ مساحتها 2.171.800كلم2 ، وتبقى للشمال 357.580كلم2 فقط.

و حسب أحدث التقديرات لوكالة الطاقة الدولية لسنة2006، يبلغ الاحتياطي النفطي الجزائري حوالي 11.4 مليار برميل2 ،بترتيب الخامس عشر احتياطي في العالم. لكن رغم أن الاحتياطات النفطية المؤكدة في الجزائر لا تضاهي احتياطات الشرق الأوسط ودول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية، إلا أن المكانة التي تكسبها الجزائر في السوق الطاقوية العالمية يمكن إرجاعها إلى عدة أسباب أهمها:

1. أنها واحد من أهم مصادر النفط "الآمنة" البديلة عن تلك غير "الآمنة" في الشرق الأوسط.ومن بين أهم المناطق لتنويع الواردات النفطية مستقبلا.

2. تمثل الجزائر عضوا نشيطا ومنضبطا داخل منظمة الأوبك.خاصة في ظل الأهمية التي ستكتسبها هاته المنظمة أكثر في المستقبل المنظور.

3. هي بحكم موقعها الجيواستراتيجي قريبة من منابع النفط الإفريقية المهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وسلامتها من سلامة هاته المصادر.

4. ضخامة الاحتياطيات الغاز في الجزائر، حيث تعد ثالث دولة مصدرة للغاز، الذي يرى فيه العديد من الخبراء أنه من أهم مصادر الطاقوية في المستقبل.

5. المكانة الدولية التي تحتلها الشركة البترولية الجزائرية "سوناطراك" في السوق الدولية.

6. ضخامة الاستثمارات في مجال المحروقات، وهذا ما يفسر اهتمام الشركات النفطية العالمية، والأمريكية بالخصوص، بالإضافة كونه يخدم الإدارة الأمريكية الحالية المرتبطة بكبرى هذه الشركات (الجماعات النفطية).

7. يكتسي قطاع المحروقات في الجزائر أهمية بالغة كونه مادة إستراتيجية يعتمد عليها الاقتصاد الوطني.

ومن خلال هاته النقاط، سنتبع القدرات الطاقوية التي تمتلكها الجزائر، والتي أصبحت تجلب اهتمام كبرى الشركات النفطية العالمية، ليست الأمريكية فقط بل الروسية والصينية والأوروبية وغيرها، كسوق واعدة في المستقبل.

فالجزائر بصفتها قطب بترولي وغازي، فهي تمثل بذلك أحد أطراف السوق النفطية العالمية، وتعكس الإحصائيات التي قدمتها النشرية الدولية المتخصصة "ميدل ايست ايكونوميك سورفي" على موقعها الإلكتروني، والتي تعد أحد المراجع الأساسية لقراءة تطورات السوق النفطي الدولي، تطورا مستمرا خلال سنة 2005 لإنتاج النفط الجزائري.

و قد استفاد النفط الجزائري من عوامل عديدة ،من بينها ارتفاع الطلب على النفط الخفيف بالنظر لمحدودية قدرة المصافي الأمريكية على تلبية حاجيات السوق الأمريكي من المواد المشتقة و المواد البترولية،سواء البنزين صيفا أو وقود التدفئة شتاءا. كما لا تتوفر الدول المنتجة للنفط كنيجيريا وليبيا و فنزويلا على فوائض كبيرة على هذا النوع من النفط المطلوب بكثرة في السوق الدولية.في ذات السياق استفادت الجزائر عام 2006 من ارتفاع في العلاوات و الرسوم المفروضة على نوعيات النفط الخفيفة ، بما في ذلك "صحاري بلند" مقارنة ب"برنت" بحر الشمال.

وبلغت الطاقة الإنتاجية للنفط الجزائري 1.4 مليون برميل يوميا، وهو ما يمثل نمو بنسبة 6.5%، و وصل إلى 1.5مليون برميل يوميا في بداية 2005. وتعتزم الجزائر إنتاج 2 مليون برميل من النفط يوميا بحلول عام 2010، حيث تتوقع الزيادة في حجم الغاز المسال والطبيعي، الذي يعتبر منتوج المستقبل إلى 85 مليار متر مكعب بحلول 2010 إلى 100 مليار متر مكعب بحلول 2015. ويمكن أن تصل احتياطاتها النفطية إلى نحو 12.4 مليار برميل.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن ارتفاع الإنتاج الجزائري من النفط سمح لها أيضا بتحسين المداخيل بصورة معتبرة من 32 مليار دولار، إلى أكثر من 41 مليار دولار، أي بإضافة 9 مليارات دولار مقارنة بسنة 2005.

حسب دراسة لشركة بريطانية اسمها "فوغرو روبير ليميتد" ، فإن الجزائر من بين البلدان التي تحظى بتقدير 150مجموعة بترولية دولية،حيث صنفت في صدارة البلدان العشرة الأكثر تقديرا من الشركات البترولية الدولية حسب ما نقلته الصحيفة الفرنسية للطاقة "بيتروستراتيجي".مشيرة إلى وجود تقييم أفضل في مجال الخطر السياسي،و أضافت الصحيفة أن الشركة البريطانية الموجود مقرها ببريطانيا سألت حسب الدراسة التي نشرتها تحت عنوان "انترناشيونال نيو سورفاي" 150 مجموعة بترولية ،لتصل إلى أن الجزائر صمن أهم الدول التي تحظى بالتقدير نظرا لأهمية الإمكانيات البترولية و الغازية المحققة ،ونجاح عمليات التنقيب وتقييم محفز في مجال الخطر السياسي ، وكذا الحضور الكبير للمتعاملين الأجانب.

و مما يزيد الاهتمام الأمريكي بالجزائر، و بالأخص الجماعات النفطية داخل الولايات المتحدة الأمريكية،والتي تمثلها بقوة إدارة جورج ولكر بوش،خاصة نائب الرئيس "ديك تشيني"، هي كون أن الجزائر تعد حاليا ثالث دولة بعد السعودية وقطر من حيث الاستثمار النفطي ب21.4 مليار دولار ، و هذا ما يحفز صانع القرار الأمريكي في المضي قدما نحو توثيق العلاقات الأمريكية-الجزائرية،خاصة في ظل الإدارة الحالية المرتبطة مباشرة بالشركات النفطية الأمريكية، وتشاركها في توجيه السياسة الخارجية وفق مصالحها الذاتية و القومية قبل كل شيء.

وأهم المناطق الاحتياطية النفطية في الجزائر نجد :

1. حوض حاسي مسعود، وهو يمثل حوالي 60%من الاحتياطي المثبت، وأهم حقوله: حاسي مسعود، قاسي الطويل، "غورد الباقل".

2. حوض عين أميناس ،يبعد حوالي 1150كلم عن السواحل، إلا أن عمق الآبار البترولية أقل من حوض حاسي مسعود، أهم حقوله: "زارزاتين"، "إيجلي"، طين فوي، وتدل الدراسات على أن حوض "غدامس" الذي أكتشف حديثا، ويقع إلى الجنوب الشرقي من حاسي مسعود، ويحتوى على احتياطي كبير يقدر بـ 12 مليار طن من النفط.

3. حول حاسي رمل: وينتج حوالي 180.000 برميل يوميا.

Algeria's Major Domestic Crude Oil Pipelines

Origin Destination Length

(miles) Capacity

(bbl/d)

Hassi Messaoud Arzew 500 470,000

Hassi Messaoud Bejaia 410 370,000

Hassi Messaoud Skikda 400 520,000

In Amenas Hassi Messaoud 390 390,000

Hassi Berkine Hassi Messaoud 180 110,000

El Borma Mesdar 170 55,000

B. Mansour Algiers 80 77,000

Mesdar Hassi Messaoud 70 26,000

Source: Algerian Ministry of Energy and Mining

و الجدول التالي يوضح بشكل دقيق أهم المناطق الطاقوية في الجزائر:

وفي تصريح الرئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمام مجموعة من رجال الأعمال الأمريكيين "بمؤسسة جيمس بيكر" بالولايات المتحدة الأمريكية ، قال:" علاوة على ما تم كشفه من احتياطات فغن الجزائر تتمتع بقدرات كامنة هائلة من المحروقات، وما زالت أحواضها الرسوبية الواسعة غير مستكشفة بما فيه الكفاية بكثافة تقل عن 8 آبار لكل 10.000 كلم2، بينما نجد أن هذه الكثافة على المستوى العالمي تتجاوز مائة بئر وتصل في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أكثر من 500 بئر في كل 10.000 كلم2 " .

وحول مستقبل القطاع في الجزائر قال كذلك:"وقد تم اكتشاف حقول عملاقه تفوق قدرتها ما يعادل 10 ملايير برميل بترول، مما يؤكد مستقبل المجال المنجمي في الجزائر، وشملت الاستثمارات كذلك مشاريع لتحسين نسب الاسترجاع في حقول البترول، وتطوير حقول الغاز وهكذا فإن ما يقارب 5 ملايير دولار تم استثمارها في الجزائر من قبل الشركات البترولية".

مع الإشارة أن هناك مشاريع مهمة قيد التنفيد في الدول العربية خصوصا السعودية و الإمارات وقطر ، بالإضافة إلىالجزائر وليبيا، حيث ستشمل أكثر من 50 مشروعا في المدى المتوسط حتى عام2010 في مجال توسعة الطاقة الإنتاجية،إلى جانب تطوير منصات التصدير والتحميل أنابيب النفط و الصناعات النفطية ، ويتوقع أن تصل الاستثمارات الكلية في هذه المشاريع إلى مابين 60 و 70 مليار دولار.مع إمكانية أن تؤدي هذه المشاريع الضخمة إلى ارتفاع الطاقة الإنتاجية للدول العربية من حوالي 20.7 مليون برميل يوميا بنهاية عام 2004 إلى 26.8 مليون برميل يوميا عام2010.لهذا لابد للإدارة الأمريكية أن تضمن رسو هذه العقود على شركاتها النفطية و الغازية خدمة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ، ولمصالحها الشخصية نظرا للارتباط الوثيق بها.

وتفيد الإحصائيات الخاصة بصادرات المحروقات الجزائرية بأن مبيعات الغاز تمثل نسبة 40% من العائدات المتأتية من المحروقات، مقابل نسبة 35 % للبترول، فيما مشتقات البترول ما نسبته 35 %، وبطريقة حسابية بسيطة فإن الجزائر تحقق من مجموع 52 مليار دولار عائدات المحروقات للسنة ما قيمته 20.8 مليار دولار من صادرات الغاز، فيما تصل العائدات المتأتية من تصدير البترول الخام 18.2 مليار دولار، والباقي عبارة عن صادرات مشتقات النفط.

هاته المعطيات الإحصائية تدفعنا إلى التطرق إلى ورقة الغاز وهي من الأوراق المهمة التي يمكن أن تزيد من الركيزة الجيواستراتيجية للجزائر في المنطقة، وهو مجال اهتمام الشركات النفطية والغازية العالمية بما في ذلك الأمريكية منها، حيث تحتل الجزائر ثاني منتج للغاز الطبيعي في إفريقيا بعد نيجيريا، وهي ثالث منتج للغاز عالميا. وبلغ احتياطها حوالي 161 تريليون متر مكعب ووصل إنتاجها في سنة 2004 إلى 82 مليار متر مكعب، وأهمية الغاز الطبيعي تمكن في نسبة المعتمدة عليها عالميا في استخدامه لإنتاج الكهربائي حيث تصل إلى 30 %،ويرشح ليحتل الصدارة في التصدير.

إن الثقل الإستراتيجي الهام الذي تتمتع به الجزائر، يرجع أساسا إلى عدة بواعث ميزتها عن سائر الدول الغازية وهي:

1. العمر الافتراضي لاحتياطات الجزائر من الغاز والذي يفوق عمر النفط الممكن لاستخراجه نحو 20 سنة.

2. القدرات الكامنة لحقوق الغاز الجزائرية .

3. و الأهم من ذلك كله أن للجزائر هامش اختيار أوسع للشراكة الأجنبية في مجال الغاز مقارنة بقطاع النفط(الإيطالية،الفرنسية،الروسية..). بسبب احتكار الشركات الأجنبية ولاسيما الأمريكية لعقود الاستكشاف والاستغلال.

وتعكف الجزائر على الرفع من قدرات تصديرها لأوروبا والولايات المتحدة، من خلال إقامة أنبوبي " ميد غاز" و "غالسي". الأول باتجاه اسبانيا حيث ينطلق من بين صاف إلى ألمانيا، والثاني اتجاه ايطاليا مرورا بجزيرة سردينيا وسيزور الأنبوب الأول فرنسا أيضا، فيما يرتقب أن يزود الثاني عددا من دول أوربا الوسطى والشرقية .

هذه العوامل من شأنها أن تدعم سياسة "سوناطراك"، التي تنوي رفع سقف الصادرات الغازية إلى 85 مليار متر مكعب ثم 100 مليار متر مكعب . مع الإشارة أن شركة "سوناطراك" هي إحدى أكبر الشركات النفطية في العالم، وهي ليست القوة المحركة للاقتصاد الجزائري فحسب بل تحتل المرتبة الأولى بين الشركات الإفريقية دون منازع، والمرتبة الثانية عشر بين الشركات النفطية العالمية، والمرتبة الثانية بين الشركات العالمية المصدرة للغاز النفطي السائل، والمرتبة الثالثة بين الشركات العالمية المصدرة للغاز الطبيعي، بل هي أيضا مرشحة للعب دور رئيسي في السوق الدولية للطاقة.

كل هاته المقدرات الطاقوية أخذت بعين الاعتبار في الإستراتيجية الطاقوية الجديدة لإدارة جورج والكر بوش، من خلال "تقرير ديك تشيني" الذي يشير لأكثر من مرة لدور الجزائر وإمكانية توسع دورها في إطار سياسة تنويع المصادر النفطية الآمنة على منطقة الشرق الأوسط.

المحور الثالث: المدرك الأمني الإستراتيجي والمصالح الإقليمية

تخضع السياسة الدفاعية الأمريكية في الفترة الحالية لتحولات جذرية تحت تأثير نوعين من العوامل الهيكلية، الأول يتمثل في الفكر العسكري الذي جلبته إدارة الرئيس بوش معها إلى السلطة، والذي يهدف إلى تنفيذ خطة إصلاح جذرية شاملة في المؤسسة العسكرية الأمريكية. أما العامل الثاني، فيتمثل في الدلالات الخطيرة التي عكستها هجمات واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001، والتي أكدت على وجود طائفة جديدة من التهديدات بالغة الخطورة التي يتعرض لها الأمن القومي الأمريكي ومصالحه العابرة للحدود.

و من أهم الأهداف الرئيسية للأمن القومي الأمريكي، والتي نصت عليه الوثيقة الإستراتيجية الأمنية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية 2002 . هو تحقيق الرفاهية الاقتصادية، و ذلك من خلال  تأمين الاستقرار في الأقاليم الرئيسية في العالم، التي تقيم الولايات المتحدة الأمريكية علاقات تجارية معها، أو تستورد منها السلع الحرجة، مثل النفط والغاز الطبيعي. وتتطلب الرفاهية أيضا الحفاظ على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال التنمية الدولية والمؤسسات المالية والتجارية

ووفقا لما سبق فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الاهتمام الأمريكي بالجزائر عن محدد أو مرتكز رئيسي للسياسة الأمريكية الجديدة نحو المنطقة، وهو تأمين المصالح الإستراتيجية والحيوية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي، خاصة في ظل التهديدات الأمنية الجديدة في المنطقة

وتتنوع المصالح الأمريكية في شمال إفريقيا (المغرب العربي) حسب السيد مصطفى خلفي –وهي المنطقة التي ظلت في رقعة الشطرنج الأوروبية، والفرنسية على وجه التحديد- وتتسع لتشمل:

1- توثيق التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة لتأمين منطقة الشمال الإفريقي من أي أنشطة إرهابية، خاصة ما يتعلق منها بجماعات موالية لتنظيم القاعدة. وكانت العديد من التقارير أشارت إلى تحالفات بين الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية وتنظيم القاعدة. وهو ما تم بالفعل في جانفي 2007 .

2- تأمين آبار النفط خاصة الجزائرية لضمان تدفقها للأسواق الغربية، مع الأخذ في الحسبان أن غالبية الاستثمارات في هذا المجال أمريكية. بالإضافة إلى الاكتشافات النفطية الأخيرة في موريتانيا.

3- الحصول على تسهيلات عسكرية بعد إعلان خطط خفض القوات الأمريكية في القارة الأوروبية، ويتم ذلك في ضوء ترتيبات برامج الشراكة بين حلف الناتو "NATO" ودول جنوب حوض المتوسط.

4- الحصول على حصة في سوق السلاح، خاصة الجزائري منه تزامنا مع صفقات الأسلحة الضخمة بين الجزائر و روسيا. لذا ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في الحصول على نصيب من طلب دول المغرب العربي على السلاح خاصة في ظل استمرار الأسعار المرتفعة للنفط.

ويضيف "وليام زرتمان"-وهو خبير أمريكي- إلى إستراتيجية الأمن بالنسبة للمغرب العربي، كون هذا الأخير له علاقات مع جهات أخرى ذات أهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية،فهو يشكل الطريق ويحمي القناة المؤدية إلى الشرق الأوسط،و الأكثر أهمية من ذلك –يقول- إنه يوجد في الجهة الأخرى من النهر الأوروبي(ويقصد البحر المتوسط).

كذلك لابد عند تتبع السياسة الخارجية الأمريكية، والشراكة الأمنية مع الجزائر أن نقف عند محدد رئيسي، وهو قرب الجزائر بجنوبها الشاسع من المناطق الحيوية (آبار النفط) في إفريقيا الغربية ودول الساحل الإفريقي، التي تعول عليها كثيرا السياسة الطاقوية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية بهدف التقليل من التبعية النفطية لمنطقة الشرق الأوسط.

وتعتبر منطقة غرب إفريقيا، وهي المنطقة الأهم لإنتاج النفط في إفريقيا. حيث تضم نيجيريا المنتج الأول في إفريقيا، وهي عضو في منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك). ويبلغ احتياطها نحو 36 مليار برميل،وبحجم يومي يصل إلى2.7 مليون برميل . بالإضافة إلى الاكتشافات النفطية الضخمة في الخليج الغيني الذي تنشط فيه الشركات الأمريكية. و تمتلك غينيا الاستوائية أكبر عدد من الرخص المتداولة للتنقيب على النفط. و بها العديد من الشركات الأمريكية مثل "اكسون موبيل" و "شيفرون" و "ماراتون أويل" و "أميرادا هيس" و "أوشن إينارجي". وفي تحقيق قامت به صحيفة "ذا نايشن". كشف أن ثلثي الإلتزامات النفطية في غينيا الاستوائية الممنوحة لعملاء أمريكيين ذوي العلاقات الوطيدة بإدارة بوش. خصوصا وأن مناطق الإنتاج النفطي ومنها مناطق الساحليةoffshore))، تتميز عن بعدها عن خطر اللااستقرار السياسي،مقارنة بالخليج العربي التي تعد براميل نفطية مشتعلة و سريعة الالتهاب بفعل الصراع العربي-الإسرائيلي، وتنامي التيارات الجهادية السلفية المناهضة للمصالح الأمريكية .وهنا قد نفهم التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي لماذا يصر على تخلي الولايات المتحدة الأمريكية على نفط الخليج بنسبة 75% مع مطلع سنة 2020.

فالفكرة المحورية في الاهتمام الإستراتيجي الأمريكي بمنطقة غرب إفريقيا تتلخص في النفط أولا. وكان قد جرى تتويج تلك الحملة بنشر تقرير بالغ الأهمية، صادر عن "مركز الأبحاث الإستراتيجية والسياسيةCISIS"المقرب جدا من الإدارة الأمريكية والمحافظين الجدد بصورة عامة، والذي حذر من عواقب الاستمرار في الاتكال على نفط الشرق الأوسط، طارحا النفط الإفريقي كبديل أمثل. ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتقنع أكثر المستشارين النفطيين تشددا في البيت الأبيض بصوابية أطروحات ذلك التقرير.

وبالفعل ففي جانفي 2002، انعقد في واشنطن منتدى خاصا ضم إلى جانب فريق عمل الرئيس بوش وفريق عمل الكونغرس، نخبة من كبار خبراء إستراتيجية النفط الدوليين ومندوبي شركات النفط الأمريكية. وكان البند الأساسي في جدول الأعمال : النفط الإفريقي أولوية أمريكية. وتقول الخبيرة الإستراتيجية "آن لويز كولغان"، مديرة جمعية الحركة الإفريقية، والتي توضح أن اكتشافات حقول النفط الجديدة التي حصلت في إفريقيا خلال السنوات الخمس الأخيرة لم تكن الأهم في القارة فقط بل في العالم كله أيضا.

و في هذا الإطار سلطت الخطة القومية للطاقة التي أعدها فريق عمل نائب الرئيس "ديك تشيني"، الضوء على غرب إفريقيا باعتبارها المصدر الأسرع تطورا للنفط والغاز للسوق الأمريكي، في ظل تزايد الاعتماد عليه في المستقبل القريب. خاصة بعد استمرار الحرب في أفغانستان والعراق -وتدهور الأوضاع في هاتين الدولتين التي كانت الدوافع وراء احتلالهما بترولية بحتة- بالإضافة إلى تبلور مواقف معادية للولايات المتحدة الأمريكية في فنزويلا وإيران وهما من أكبر الدول المصدرة للنفط، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعانيها بعض الدول الشرق الأوسطية المصدرة للنفط.

لذلك كان لابد للإدارة الأمريكية التنسيق الأمني والعسكري مع الجزائر وباقي بلدان المنطقة لمكافحة الجماعات الإرهابية، والتي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها جماعات مهددة للمصالح الأمريكية في المنطقة حتى قبل أحداث 11 سبتمبر 2001. والتطور المسجل في السنوات الأخيرة في العلاقات العسكرية الأمريكية الجزائرية سواء على المستوى العسكري مع إبداء الطرف الأمريكي إستعدادا للتنسيق الأمني في مجال مكافحة الإرهاب.

وهنا يمكن تصنيف مبادرة "بان ساحل"، التي لا يخلوا عن كونها تماشيا مع الإستراتيجية المعتمدة لدى صانعي ومنظري الإستراتيجيات الأمريكية في إدارة جورج ولكر بوش، والتي جمعت بين عاملي النفط والإرهاب كأهم ورقتين إستراتيجيتين يمكن من خلالهما تطوير العلاقات الأمريكية- الجزائرية.وبهذا فأنه بالنسبة للأمريكيين الأمن الطاقوي في المنطقة مرهون بالاستقرار في الجزائر نظرا لكل ما سبق.

و في الأخير ، يمكن تلخيص أن دور الجزائر أساسي بالنسبة لواشنطن من ثلاث زوايا: أولها: الإمكانات الاقتصادية (مواد أولية وفي مقدمتها النفط والغاز، وسوق داخلية كبيرة، وفرص استثمار) الضخمة، وبالتالي تعدد إمكانيات تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين التي تشهد تعزيزاً مستمراً، وثانيها: الاستفادة من الدبلوماسية الجزائرية لتسوية بعض النزاعات في إفريقية، مثل ما حدث في النزاع الاريتري-الأثيوبي. وثالثها: دور الجزائر في الحرب على الإرهاب، وبخاصة في التعاون متوسطياً وفي منطقة الساحل الإفريقية ، و أمريكا باراك أوباما هي أضعف و منهكة بالمقارنة مع ادارة بوش التي وطدت العلاقات مع الجزائر في حين أن إدارة أوباما القليلة الخبرة في السياسة الخارجية