الهدف الاجرائي: محاولة التعرف على اهم الانتقادات التي وجهت للبنيوية من حيث الاثر الايجابي لها وكذا استخلاص اثارها السلبية.

الايجابيات

اما عن ايجابياته فتتلخص في المتطلبات الصارمة التي يفرضها على قارئ الأدب، إذ إنه من الصعب على القارئ أن يكون مجرد هاوٍ للمتعة أو التسلية، أو أن يكون غير ملم بقواعد اللغة، وفنون القول المختلفة، لكن هذا المطلب في الوقت نفسه يحد من انتشار الأدب؛ بسبب صعوبة العثور على عدد كبير من القرّاء يتحلى بهذا المستوى الممتاز الذي يخلق نوعًا من الارستقراطية الأدبية

ومن ايجابياتهِ أيضًا تلك الروح النقدية العالية التي يتطلبها من القارئ، بحيث يشارك مشاركة إيجابية وفعّالة في تصور إمكانيات النص، وتوقع الحلول المختلفة للقضايا الفنية أو الشكلية المعروضة

ولذلك يقول كما أبو ديب: \"ليست البنيوية فلسفة، لكنها طريقة في الرؤية ومنهج في معاينة الوجود، ولأنها كذلك فهي تثوير جذري للفكر وعلاقته بالعالم وموقعه منه وبإزائه، في اللغة لا تغير البنيوية اللغة، ولا تغير المجتمع، وكما أنها لا تغير الشعر لكنها بصرامتها وإصرارها على التفكير المتعمق والإدراك متعدد الإبعاد، والغوص في المكونات الفعلية للشيء والعلاقات التي تنشأ بين هذه المكونات يُغير الفكر المعاين للغة والمجتمع والشعر وتحوله إلى فكر متسائل قلق، متوثب، متعصٍّ، فكر جدلي شمولي

السلبيات

البنيوية كما يُفهم من لفظها تعتمد على بنية النص، وبيان العلاقات التي تربط بين كيانه اللفظي والمادي؛ لتصل إلى حكم أدبي فهي وإن كانت لا تُهمل الدراسة العلائقية للألفاظ، فإنها تُهمل الوحدة الموضوعية ودوافع إبداعه وأثر المبدع فيه، ومن هنا تقع في خطر ميكانيكية التحليل.

ولذلك يقول جودت الركابي في مقالتهِ: "ومن هنا يجب أن نعترف بأن البنيوية أو البنائية على الرغم من عطاءاتها الأخرى، فأنها تُميت الروح إن لم تقل تقتل الإنسان، ولكي لا أكون جائرًا أُريد ألا أهمل الإشارة إلى أن البنيوية لم تُهمل تمامًا العلائق الكائنة بين العناصر اللفظية المكونة للنص، على اعتبار أن كل لفظ يُفسر من خلال علاقته بالأجزاء الأخرى، ولكن هذا التفسير يبقى في حدود المادية اللفظية المكونة للنص في حدود أنه كائن منفصل عن الإنسان، ولهذا لم تنظر إليه من خلال علاقته بالمبدع

من الأخطار التي تواجهها البنيوية (المغالطة الشكلانية)، وتعني تلك إلى عدم الاهتمام بالمعنى أو المحتوى، ورفض الاعتراف بحضور العالم الثقافي خارج العمل الأدبي، وتلك ناتجة من عدم الاعتراف بأن مظاهر البنية المدروسة ليست هي المظاهر الوحيدة، ولا هي وحدها التي تعمل في نظام مغلق دون أن تتأثر بالعالم الخارجي

إن البنيوية ليست علمًا وإنما هي شبه علم يستخدم لغة ومفردات معقدة ورسومًا بيانية وجداول متشابكة، ومن هذا المنطلق تجاهلت البنيوية التاريخ، فهي وإن كانت إجرائية فاعلة جيدة في توصيفها، إلا أنها تفشل في معالجتها للظاهرة الزمانية، ولهذا فقد يكون هذا مقبولاً مع الظواهر المؤقتة

ولكن بوساطة هذه الرسوم البيانية والجداول هدمت الجانب العاطفي في الأعمال الأدبية، وجعلت الأدب عقلانيًا في دراستهِ وهذا بدوره أدى إلى خروج الأدب عن غايتهِ وحشده في زاويةٍ يكون بلجوئه إليه بعيدًا عن عالم الإنسانية الشعور

كما ان البنيوية في إهمالها للمعنى فهي تناهض وتعادي النظرية التأويلية، وإن كانت تسلّم بأن النص متعدد المعاني

كماأن على الصعيد الأدبي تُعرِّف البنيوية الأدب بأنه جسد لغوي أو مجموعة من الجمل وهذا تعريف رولان بارت وهو تعريف يُثير كثير من التساؤلات، ومنها إلى أن كون اللفة مادة الأدب لا يعني بحال أن الأدب هو اللغة، فالحجر مادة التمثال لكن التمثال ليس مجرد حجر

وهذا يقودنا إلى القول بأن اعتبار الكلام الأدبي ككل كلام ألسني هذا يؤدي إلى إلغاء خصائص الأدب والفن؛ لأن أي أثر لغوي غير أدبي هو مجموعة من الجمل القابلة للدراسة، وهو ما يتناقض مع دعوى البنيوية بضرورة الحرص على أدبية الأدب .

ولعل من أهم المخاطر للبنيوية، أنها تُلغي التطور وتهتم بالنظام فإنها تنظر إلى التاريخ نظرة سكونية، إذ ترى أن التاريخ مسير بمجموعة من الأنظمة التي تعجز الإرادة الإنسانية عن إحداث أي خدش في تشكيلها أو مسارها

إن التحليل البنيوي يقف عاجز أمام التفريق بين الأعمال الأدبية الجيدة والرديئة، القديمة والجديدة، والسبب في ذلك أنه تحليل وصفي صوري لا يهتم بالقيمة، وهذا بدوره يؤدي إلى تشويه الأعمال الأدبية وإلغاء خصوصيتها .

ثامنًا. ليست البنيوية سوى صورة محرفة للنقد الجديد الذي عرفناه من خلال التعامل مع النص، كما لو أنه مقطوع عن موضوعهِ، مستقل عن موضوع القراءة

التالي 

Modifié le: Monday 13 February 2017, 12:44