تمهيد:
اختلفت نظرة المهتمين بالتقويم التربوي في تحديد أنواعه باعتبار كل واحد منهم ينظر إليه من زاوية معينة، فقد تحدد أنواعه وفقا لمعايير تصحيحه كالمعيارية أو المحكية أو وفقا لدرجة أداء التلاميذ عليها فتحدث)ربولRybol" (عن إمكانية التصنيف من خلال تبيان الغرض من التقويم فيكون تجميعيا حين يكون في خدمة الجماعة لاختيار أفضل الأفراد وبيداغوجيا في خدمة التلميذ بإحداث التغيير اللازم.أما )ج.نوازات وج ب كافاريني( Noizet & Caverni , فحددا أنواع التقويم وفقا لفترات القيام به، فقد يكون مستمرا داخل القسم طول الفترة التعليمية أو محددا في فترات زمنية لغرض الحكم النهائي بالإنتقال أو الفشل. (De landsheere, 1986, p12)
في حين تطرق) دولاندشير("De landsheere," إلى أنواع التقويم وفقا للمهام التي يقوم بها حيث يستعمل لتقويم التلاميذ, ولتقويم العملية التعليمية بمكوناتها والحكم على النظام التربوي ككل, والسياسة التربوية المنتهجة. وحدد ( خليفة بركات) نوعين من التقويم بطلق على الأول منهما الشكلي باعتباره يبحث عن مدى تحقق الأهداف التربوية أما الثاني فهو المتجمع الذي يبحث عن تطوير العملية التعليمية أما (رجاء محمد أبو علام) فقد فرق بين التقويم البنائي الذي يهدف إلى تصحيح العملية التعليمية والتقويم النهائي الذي يسعى لإصدار حكم نهائي عليها، وهو نفس التقسيم الذي ذهب إليه كل من( عزيز سمارة) و(عصام النمر") ( الفاربي,1993، ص124)
كما لجأ البعض إلى تقسيمه إلى أربعة أنواع ( أولى، بنائي، تشخيص، نهائي) فالأول قبل العملية التدريسية والبنائي أثناء العملية, والتشخيصي لكشف الصعوبات واقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها. أما النهائي لمعرفة تحقق الأهداف المسطرة.
تكمن نقطة التقاء كل هذه التقسيمات في التأكيد على دور التقويم في كل مراحل العملية التعليمية ويعتبر تقسيم ( بلوم, "Bloom) أحد التقسيمات التي اهتمت بتقويم كل مرحلة من مراحل العملية التعليمية.
1- التقويم التشخيصي: (التوجيهي):
يطلق عليه أيضا التقويم البدائي, باعتباره يكون قبل الانطلاق في وحدة تدريسية جديدة ,لأن المدرس في حاجة ماسة لمعرفة استعداد التلاميذ للتعلم ويوضح له وضعية العملية التعليمية قبل بدايتها بتحديد مدى تحكم التلاميذ في المكتسبات السابقة, وتبيان الفروق بين التلاميذ من حيث الاستعداد والقدرة على التعلم, كما يسمح للمدرس بتجديد نقطة بداية الدرس باعتباره يسمح بربط المدخلات التعليمية بالتعلم المبرمج والذي يرغب في تطبيقه, وتحقيق أهدافه كما أنه يكشف عن صعوبات التعلم ويؤكد ساكس( Sax, 1974) أن الاختبارات التشخيصية تسمح بمعرفة المدخلات التعليمية والحاجات وتكشف عن صعوبات التعلم والاضطرابات التي تحدث فيه (LAN Davies.1991.pp21.25)
كما يستعمل لتوجيه التلاميذ نحو نوع جديد من التعلمات أكثر تكيَفا (Roegiers, 2004) . كذلك تقييم التعيين وغرضه قياس مخرجات التعلم من المعارف والقدرات التي سبق تعلَمها وميول التلاميذ واتجاهاتهم التي اكتسبوها.
يعد التقويم التشخيصي الوحيد الذي باستطاعته جمع المعلومات اللازمة عن مستويات التلاميذ العقلية، والوجدانية , والجسدية أو ألاجتماعية, ومعرفة مدى تهيؤ التلاميذ, وتقبلهم لتلقي تعليم جديد، ويطلق على هذا النوع من التقويم( محمد زياد حمدان) " بالتحليلي Analytic باعتباره يكشف عن مدى توفر الظروف اللازمة لبداية الدرس سواء تعلق الأمر بالظروف النفسية المتعلقة بالرغبة والاستعداد للتعلم أو الظروف التربوية المتعلقة بامتلاك المتعلمين للمفاهيم الأساسية المدرجة ضمن المدخلات السابقة, أو باستحضار القاعدة التعليمية المتوصل إليها سابقا, وقد أكدت دراسة (لان دافياس Lan Davias 1991 " ) بعد جمعه لبعض المقترحات التي يراها الطلاب تنقص مدرسيهم أنهم يؤكدون على ضرورة تأكده من فهمهم للدروس السابقة, والعمل على إثارة دافعيتهم للتعلم, والتدرج في صعوبة الاختبارات والأسئلة التي يقدمها(منسي، 2003،ص ص32-34) .
يساعد المدرس في رسم خطته التدريسية وتحديد الحاجات التعليمية لكل تلميذ. كما يساعد في زيادة دافعية التلاميذ وإثارة الرغبة للتعلم, ويساهم في تكييف العملية التعليمية وفقا للخصوصيات التي تكون عليها المجموعة أو يكون عليها الفرد، وذكر (بلوم, Bloom) بذلك حين اعتبر أن التشخيص الجيد للمنطلقات والخصوصيات تتطلب تعليما متوافقا ومتكيفا معها مما يؤدي حتما إلى ظهور نتائج مرضية .( شارف, سرير ونورالدين, خالدي،1995،ص99)
تهدف الأساليب التقويمية المعتمدة في التقويم التشخيصي إلى كشف الرصيد القبلي للتلاميذ والعمل بمبدأ التدرج في التعليم وبالتالي هي أدوات ربط بين المكتسبات السابقة التي تمثل المدخلات والمعارف الجديدة التي يرغب في تحقيقها, وبالعودة إلى الفلسفة الإسلامية في التربية نجد الإهتمام البالغ الذي أولاه رجالها باعتباره يكون قبل مرحلة انطلاق الدرس وسماها ( إبن خلدون ) المرحلة الإجمالية في التعليم أو مرحلة الاقتصار حسب تقسيم( الإمام الغزالي).
يتخذ التقويم التشخيصي عدة أشكال, ويتخذ عدة أساليب لتحقيق أهدافه فقد يكون كتمارين لكشف استعداد التلاميذ للتعلم ترتبط مباشرة بالتعليم السابق ,أو في شكل حوار مفتوح داخل القسم الدراسي أو بطرح أسئلة شفهية محددة تقيس معطيات واضحة يحتاج إليها المدرس في درسه الجديد ويتكفل التلاميذ بالرد عليها شفهيا أو بكتابتها في أوراق أو ألواح كما يحدث في مرحلة التعليم الإبتدائي، هناك من المواد الدراسية التي تتطلب القيام بإعادة تجارب بسيطة كمادتي العلوم الطبيعية, والفزياء كما قد يلجأ المدرس إلى مراقبة العمال المنزلية وتصحيحه.
2- التقويم التكويني: (التقويم من أجل الضبط):
أول من أطلق اسم التقويم التكويني هوScriven عام 1967ليشير إلى هذا النوع من التقويم الذي يحدث أثناء عملية التدريس بهدف تحسينها وتطويرها. ينجز أثناء عملية التعلَم ومندمجا في سيرورته، وظيفته الأساسية ضبط التعلَم على مستوى كل تلميذ، وتقديم تغذية راجعة عن موقع التلاميذ بالنسبة إلى ما يبتغيه المعلم من أهداف ويهدف إلى الكشف عن صعوبات التلميذ لعلاجها في حينها وتشخيص نقاط قوة وضعف التلاميذ لضمان سيرورة فعالة أثناء الدروس. فهو حسب Cardinet(1988) يوظَف في تكييف الفعل التربوي بالبحث عن أسباب الصعوبات وتعديل عملية التدريس(Cardinet, 1988). ويمثل التقويم التكويني عملية تعلَم مستمرة تكون في صورة مناقشات، ملاحظات، اختبارات قصيرة يومية وأسبوعية وشهرية. ويؤدي في النهاية التقويم التكويني وظائف:
- تقديم معلومات أساسية للتغلب على صعوبات التعلم التي تواجه التلاميذ.
- تقديم تغذية راجعة لتعلَم التلاميذ.
- تشخيص وعلاج جوانب القوة والضعف في تعلَم التلاميذ.
- تحديد تقدَم التلاميذ بالمقارنة مع أهداف الدرس.
- إصدار أحكام حول نتائج التعلَم وإعادة النظر فيها إن تطلَب الأمر.
- تعديل عملية التدريس وتحسينها.
ويطلق عليه أيضا البنائي formative وينطلق أساسا من أن دور وأهمية التقويم يهدف إلى تحسين العملية التدريسية مما يتطلب القيام به أثناء هذه العملية باعتبارها تكون في وضعية قابلة للتعديل ويعرفه ( هاملن , Hamlen) من زاوية أهميته:" إنه يقدم بسرعة للمتعلم معلومات مفيدة عن تطوره أو ضعفه وهو وسيلة من وسائل معالجة هذا الضعف كما يراه ( بلوم,Bloom ) أنه الوسيلة الوحيدة التي تكتشف عن الصعوبات التي تواجه التلاميذ أثناء القيام بالعملية التعليمية، في حين أكد ( برلاو Barlaw ) أنه إجراء عملي يمكن كل من المدرس والتلميذ من تصحيح المسار التعليمي .كما يمنح الفرصة اللازمة لإيجاد الحلول في الوقت المناسب وهذا عملا بمبدأ أن الأخطاء المتوقعة أثناء العملية التدريسية جزء لا يتجزء من السيرورة التعليمية ولحظة مثل باقي اللحظات التي يتعلم فيها الفرد. ويطلق الدكتور (أحمد زياد حمدان) على هذا النوع من التقويم بالمرحلي باعتباره يساير كل مرحلة من مراحل الدرس خطوة خطوة, ويمكن الاعتماد عليه كإستراتيجية للتعلم باعتبار استخدامه أثناء وحدة تعليمية يكشف للتلاميذ الأخطاء التي يقعون فيها لغرض تصحيحها في مواقعها وأكدت ذلك دراسات عديدة منها دراسة (عطا لله، زيتون 1985 ) دور التقويم التكويني في الاحتفاظ بالمادة التعليمية وتخزين المعلومات لدى التلاميذ. كما أنه الوسيلة الوحيدة التي تمكن التحكم في العمليات والنواتج وذلك بواسطة التعديل الذي يسايرها ويرى جير( Jerry ,1981) أن التقويم التكويني ليس اختبارا للحكم على النجاح أو الرسوب بل إنه عنصر فعال وجزء مكون للعملية التعليمية ككل.(الرشيد، 1996,ص353) .
يتطلب التقويم التكويني تحكم المدرس في عدة أساليب تقويمية يعتمد عليها كأدوات للتحكم أكثر في الدرس الذي هو بصدد تحقيق أهدافه وتمكنه من معرفة موقعه داخل ما خطط لتنفيذه والكشف عن الصعوبات التي يواجهها أثناء الدرس وإصلاح هذه الصعوبات كالاعتماد علي أسئلة ألاختيار من المتعدد أو أسئلة الصواب والخطأ، وتكون هذه الأسئلة أثناء سيرورة الدرس لأنها تهدف إلى لفت انتباه التلاميذ, ومعرفة مدى إستعابهم وقدرتهم على التركيز, ويمكن الاعتماد عليها لإثارة الدافعية اللازمة نحو التعلم.
يمكن التقويم التكويني من معرفة وضعية العملية التعليمية التي يقوم بها المدرس وتمكنه من منح تقديرات لفظية أو عددية مرحلية، وتوفر التغذية الراجعة بطريقة منظمة ومستمرة مما يجعل العملية التعليمية في حالة تطور دائم.
3- التقويم النهائي: (الاشهادي):
يتم هذا النوع من التقويم في نهاية التدريس أو الفصل أو السنة الدراسية لتحديد مدى تحقق الأهداف التعليمية المحددة، وتحديد مدى امتلاك التلاميذ للمكتسبات الضرورية للانتقال إلى مستوى دراسي أعلى أو البقاء في نفس المستوى. كما يستخدم أيضا في الحكم على فعالية التدريس وأدواته (ملاحظات، اختبارات، مقاييس، قوائم تقدير الأداء العملي، اختبارات شفوية، مشاريع، تقارير بحوث). ويستخدم في توجيه التلاميذ إلى مختلف الشعب والتخصصات ومنح الشهادات.
يطلق عليه التقويم التجميعي أو الختامي وأطلق عليه( محمد زياد حمدان) التقويم النهائي الكلي باعتباره أداة للتعرف على الكفاية العامة لتحصيل التلاميذ ، ويعتبر هذا النوع من التقويم الأكثر استعمالا.
يسعى للوقوف على مدى تحقق الأهداف بعد نهاية درس, أو محور أو منهج دراسي وبالتالي يكون عند نهاية حصة أو فصل دراسي، أو سنة. ويسهل التقويم النهائي قياس تحصيل التلاميذ عند نهاية فترة تكوينية معينة وبالتالي يكشف عن الفرق الكامن بين الأهداف المرجوة والعمليات المحققة. كما يسمح بإعطاء تقديرات التلاميذ والقيام بترتيبهم والحكم بالنجاح والانتقال إلى مستويات عليا,
أو بالفشل وإعادة البحث عن تحصيل البرنامج الدراسي وتحقيق أهدافه, كما يتم بواسطتها الحكم على منح شهادات ويمكن مقارنة تحصيل التلاميذ فيما بينهم، وعن طريقه تكون عملية التوجيه وبالتالي التنبؤ بأداء التلاميذ ويسمح بالحكم على كفاءة المنهاج الدراسي(الظاهر, 2002،ص53)
يكون التقويم النهائي بطرح أسئلة سريعة أو القيام بإعطاء ملخص عام للدرس أو العمل على القيام بحصص الدعم لفائدة التلاميذ اللذين يعانون قصورا في فهم الدرس. أما على المستوى المتوسط فتكون بإجراء امتحانات فصلية تكون شاملة للمقرر الدراسي الذي يفترض أن التلاميذ قد تلقوه وحققوا أهدافه. ويكون في نهاية السنة الدراسية بإجراء اختبارات تحصيلية شاملة لكل وحداتها ومن خلالها يمكن إصدار الحكم بالإنتقال إلى وحدة دراسية جديدة أو بإعادة العمل على تحقيق أهداف تلك الوحدة من جديد .ويمكن التقويم النهائي من تقدير تحصيل التلاميذ ومدى توصلهم لتحقيق أهداف محتوى المنهج ,كما أنه الوسيلة التي تمنح المعلومات والبيانات اللازمة التي بواسطتها يمكن الحكم بانتقال التلميذ أو القيام بتصنيف وترتيب التلاميذ وفقا لدرجات اقترابهم من إحراز أهداف المنهج كما يسمح بالتنبؤ بقدرة التلاميذ على التعلم وبالتالي بمنح القدرة اللازمة على الإرشاد والتوجيه السليم .