المقاربة الحكومية الليبرالية هي امتداد للمقاربة الحكومية مع مسحة ليبيرالية.
تعززت المقاربة الحكومية في سنوات التسعينات، من خلال اعمال باحث امريكي آخر هو اندرو مورافسيك، الذي تحدث عن حكومية ليبرالية او نظرية التفاوض (المساومة)البين حكومية.قدم اندرو مورافسيك مقاربة من ثلاث مراحل لعملية الاندماج الاقليمي
تعترف هذه المقاربة شانها شان التوجه الاصلي ان السياسة تظل مفتاح التكامل. غير ان مورافسيك يرفض اعتبار الدول مجرد "كرات بلياردو، او مجرد علب سوداء" ، ذات مواقع جامدة، في حين ان المصالح التي تدافع عنها على المسرح الدولي، تتاتى من "مساومات مابين-حكومية" تدور بين الدولة او السلطات الدولتية وبين الفاعلين او العاملين الاجتماعيين الداخليين. وهو يذهب الى ان عقلانية الفاعل الدولتي، حين ياخذ بالفرضية المابين-حكومية لممارسة السلطان بماهي "محصلة مساومة استراتيجية بين الدول والفرضية الليبرالية لتكوين الافضليات القومية على الصعيد المجتمعي".
وبالاجمال فان التكامل عند مورافسيك مرتهن لوجهين: فهناك من جهة اولى الضغط الذي يسع الفاعلون الاجتماعيون ممارسته على حكوماتهم التي تستطيع ارضاء مصالحهم او الاستجابة لها، استجابة افضل من الاستجابة التي يمكن ان تحظى بها على الصعيد الاقليمي او الجهوي، وهناك من جهة ثانية مصلحة الحاكمين في مؤاتاة خلق مؤسسات اقليمية وتشجيعها، بالنظر الى هامش المناورة الذي تتيح هذه المؤسسات استرداده في علاقة هؤلاء الحاكمين بفاعليهم او فعلتهم الاجتماعيين الداخليين. وبدراسة معاهدة روما والسوق المشتركة ، والتكامل النقدي، والعقد الوحيد زمعاهدة ماستريخت، فان مورافسيك يخلص الى ان هذه الانجازات لم تصبح ممكنة الا بفضل "سلطان الدول الاعضاء وتضافر افضلياتها السياسية القومية وتقاربها".
وعلى هذا فان مورافسيك يقدم لنا مقاربة للنظرية المابين-حكومية ذات المنحى الليبرالي، يجعلها ضربا من الخلاصة المركبة من المقاربة الوظائفية الجديدة(الاندماج بين الوحدات الوظائفية والوحدات السياسية)، والنظرية المابين –حكومية الاصلية(القرارات التقنية تتضمن القرارات السياسية وهذا هو شرط مشروعيتها). وعلى هذا فان مورافسيك (يعيد تسييس) التكامل الاقليمي، كما فعل بشان عملية بناء المجموعة الاروبية. وانطلاقا مما يسميه اطار التحليل العقلاني للتعاون الدولي، فانه يحدد في كل مرة ثلاث مراحل في سيرورة التكامل
1صياغة الافضليات القومية مع ضغط الفاعلين او العاملين الاجتماعيين على السلطات الحكومية
2المفاوضات ما بين الدول
3اختيار المؤسسات المافوق-قومية.
مقاربة النظرية المابين-حكومية(الاصلية او الليبرالية) تسمح اذا بتحليل المفاوضات الكبرى والسياسات التي تبقى خاضعة لرقابة الحكومات الوطنية او القومية.
المرحلة الاولى : تحدد كل دولة اهدافها واختياراتها واولوياتها بناء على مصالحها الاقتصادية بالاساس، وتقلل هذه المقاربة من اهمية المصالح الجيوسياسية في تشكيل الاولويات الوطنية (القومية)، لكن من يحدد المصلحة الوطنية ؟ ومن يعرفها؟ الافضليات القومية تحيلنا الى اهداف المجموعات الاجتماعية التي تملك نفوذا لدى الدولة وتاثيرا عليها: النقابات وتجمعات ارباب الاعمال، والتجمعات القطاعية المختلفة(جماعات الدفاع عن البيئة، المثليون الجنسيون، الاقليات الاخرى..)،
المرحلة الثانية: تقوم مفاوضات بين الحكومات الوطنية من اجل تحقيق اهدافها المحددة سلفا، وتعتمد هذه المفاوضات على وجود حالة اعتماد متبادل سابقة بين الدول المتفاوضة، وليس على اي نوع من اشكال التعاون فوق القومي.ام المفاوضات التي تجري بين الدول فهي البرهان على ان حكومات الدول هي التي تكون في الخط الاول لجهة المبادرة بالمعايير والقواعد الواجب اعتمادها على مستوى المجموعة.
.المرحلة الثالثة: يتم انشاء مؤسسات مشتركة-تتمتع هذه المؤسسات بنوع من السيادة حسب اختصاصها- . وفي هذا الصدد يعتبر اندرو ان خيار تحويل السيادة الى المؤسسات الدولية لا ينسب الى ايديولوجية فدرالية ولا الى تسيير تكنوقراطي مركزي ، ولكن الى ارادة لضمان مصداقية الالتزامات المشتركة .ان اختيار المؤسسات يتعلق بتفويض السلطان او السلطات الى المؤسسات المافوق –قومية تفويضا يتجلى اما باقتسام السيادة واما بالتنازل عنها.
مع الازمة الاقتصادية والمالية التي بدات تهز اروبا في السنوات الاخيرة، بسبب ضعف قدراتها التنافسية بخاصة والاتفاق المفرط للدول، او السلوكات الاباحية للاسواق التي توشك ان تبيح المحظورات، فان النهج المابين-حكومي برز مع مفاوضات خط الدفاع الاول التي خاضها الثنائي الفرنسي-الالماني، انجيلا ميركل- نيكولا ساركوزي. فقد تصدرت حكومتا هذين البلدين ووضعتا نفسيهما في الواجهة من اجل ايجاد حلول للازمة، دافعين بهيئات المجموعة الاروبية ومؤسساتها الى المقام الثاني.
ووفقا للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، فان ثمة مسؤولية خاصة مناطة بالمانيا وفرنسا في اروبا. بل اكثر من هذا، فهو يعاود التاكيد على الاطروحات المابين-حكومية حين يقول" اروبا التي تدافع عنها انجيلا مسركل وانا، هي اروبا القوية، اروبا التي تقرر وتبادر وتتصرف، اوربا التي هي سياسية بعمق، والتي يحدد وجهة السير فيها لرؤساء الدول والحكومات. وقد عرضت الحكومتان مثلا، وفي اطار مذهبهما المابين-حكومي، تاليف حكومة اقتصادية "حقيقية" على سبيل المثال، امنطقة اليورو، تتولى عقد اجتماعات دورية للقمة، وتعزيز الانضباط في مجال الميزانية، جاعلين من ال"القاعدة الذهبية"(قاعدة توازن الميزانية وتكافؤ الواردات مع النفقات)، "فريضة مفروضة" على بلدان منطقة اليورو كافة، وجاعلين من العقوبات امرا تلقائيا في حال الوقوع في عجز مفرط. واكثر من هذا، فقد اقام البلدان معا تضامنا لمنطقة اليورو، مع انشاء صندوق نقد اروبي(آلية او ميكانيزم الاستقرار الاروبي) التي يفترض ان تساعد البلدان الاكثر هشاشة على الدفاع عن اليورو.
وازاء تخلف المؤسسات الاروبية عن المبادرة باعمال فعالة تواجه بها الازمة، فان الحل كان في المساومات بين الحكومات. ومع ذلك فان اروبا كانت، في نظر السلطة التنفيذية الاروبية، تحتاج الى تمثيل واحد ةحيد امام الخارج وفي مواجهته.ومعنى هذا ان النظرية المابين-حكومية تظل حقيقة عيانية في اروبا، بما في ذلك داخل الدعامة الاولى بين دعامات المجموعة الثلاث، وهي الدعامة المشتركة، اي تلك المتعلقة بالمجموعة نفسها، والتي تاتي قبل الدعامة الثانية، اي السياةسة الخارجية والامن المشترك، وقبل الدعامة الثالثة، اي التعاون البوليسي والقضائي، او التعاون في الميدان الجزائي.