عادة ما يجري استعمال كلمة "تكامل" كمرادف لكلمة "اندماج" والكلمة الأخيرة هي الأكثر دلالة على المعنى الغربي لهذا المصطلح "Integration " كما هو في الإنجليزية والفرنسية. ويعتبر الاندماج درجة أعلى من التكامل في التعبير عن توحد الأجزاء في كل مشترك ، وهو ما يعتبر من الناحية الواقعية محض أمنية بعيدة المنال حتى بالنسبة لأكثر حالات التكامل استقرار.
حسب ارنست هاس:الاندماج هو "العملية التي تتضمن تحول الولاءات والنشاطات السياسية لقوى سياسية في دول متعددة ومختلفة نحو مركز جديد، تكون لمؤسساته صلاحيات تتجاوز صلاحيات الدول القومية القائمة".
ويرى ليون ليندبرغ ان الاندماج هو "العملية التي تجد الدول نفسها راغبة او عاجزة عن ادارة شؤونها الخارجية او شؤونها الرئيسية باستقلالية عن بعضها البعض، وتسعى بدلا من ذلك لاتخاذ قرارات مشتركة في هذه الشؤون او تفوض امرها فيه لمؤسسة جديدة"فهو بذلك عملية ممتدة في الزمن.
اما كارل دويتش: الاندماح فيعرفه بانه "الحالة التي تمتلك فيها جماعة معينة تعيش في منطقة معينة شعورا كافيا بالجماعية، وتماثلا في مؤسساتها الاجتماعية وسلوكها الاجتماعي الى درجة تتمكن فيها هذه الجماعة من التطور ويشكل سلمي".
في حين يعرفه اسماعيل صبري مقلد بانه" العملية التي ينتج عنها كيان فوق قومي تنتقل اليه مسؤولية اداء الوظائف الاقتصادية التي كانت تتحملها الحكومات الوطنية، كما ان هذا الكيان الجديد والموسع يصبح بمثابة النواة المركزية التي تستقطب مختلف الولاءات او الانشطة السياسية للاطراف الفوق قومية التي انجزته، وهو بأجهزته ومؤسساته يستطيع ان يمد سلطاته اليها".
إذن فالاندماج هو: عملية وحالة نهائية، على حد سواء. ويكون هدف الحالة النهائية عندما تندمج الأطراف الفاعلة هي تكوين جماعة سياسية. وتتضمن العملية أو العمليات الوسائل أو الأدوات التي تتحقق بوساطتها تلك الجماعة السياسية. ثمة شرط هام ينبغي إدراجه على الفور. يجب أن تكون عملية الاندماج (التكامل) طوعية وبتوافق الآراء. أما الاندماج الذي يجري بالقوة والقسر فهو امبريالية. رغم أن بناء الإمبراطوريات تاريخياً يتصف ببعض الخصائص التي تعزى حالياً إلى الاندماج، فإن الأبحاث الحديثة تصر على أن عملية الاندماج يجب أن تعتبر غير قسرية. وانطلاقاً من منظور تاريخي نجد أن أهم المحاولات الرامية لبناء جماعات سياسية كانت تتوجه نحو إنشاء دول الأمة. وكثيراً ما كانت المشاعر القومية تفضل وصف ذلك على أنه توحيد وليس اندماجاً.
ومما سبق يمكن القول انه تظهر عدة إشكاليات في هذا التعريف لعل من أهمها تلك الأبعاد القيمية التي ترتبط بمفهموم التكامل وتظهر في كتابات منظريه بين مؤكد على مزايا التكامل المسلم بها معنوياً مثل كارل دويتش حين اعتبر التكامل بأنه" إنجاز معنى المجتمع في إقليم ما " وأرنست هاس الذي راى بأنه " النزوع نحو الخلق الطوعي لوحدات سياسية أكبر يتحاشى كل منها بوعي ذاتي استعمال القوة في العلاقة بين الوحدات المشاركة" وغيرهم ممن ركزوا على عقبات تحقيق التكامل وتكاليفه.
ولعل أكثر التعريفات الوصفية وضوحاً للتكامل هو تعريف كارل دويتش – وهو من رواد منظري التكامل حيث كتب :" أن يتكامل الشيء يعني بوجه عام أن يجعل الأجزاء كلاً واحدا . أي أن يحول وحدات كانت سابقاً منفصلة إلى مكونات لنظام أو جهاز متناسق والخاصية الأساسية لأي نظام تكمن في وجود درجة معينة من الاعتماد المتبادل بين مكوناته وعادة ما يكون للنظام ككل خواص مميزة له لا توجد في أي من وحداته أو مكونات منفصلة ...فالتكامل إذن هو علاقة بين وحدات بينها اعتماد متبادل وتنتج معاً خواص تفتقر إليها في حالة وجودها منفصلة وأحياناً ما تستخدم كلمة التكامل لوصف العملية التكاملية التي نحصل بواسطتها على العلاقة أو الوضع المتكامل بين الوحدات التي كانت منفصلة سابقاً.
أما جوزيف ناي فيرى أن مفهوم التكامل من أكثر المفاهيم خلطاً و تشويشاً، وعلى سبيل المثال ، عند تشكيل السوق الأوربية المشتركة عام 1957 كان هناك على الأقل أربعة مفاهيم تختلط مع مفهوم التكامل وهي التوحيد السياسي والتوحيد الاقتصادي والتعاون السياسي والاقتصادي والتجارة الحرة.
ولذلك حدد ناي – وتبعه في ذلك العديد من المنظرين مجموعة من المؤشرات لتعريف التكامل تعريفاً إجرائياً أكثر قابلية للقياس والملاحظة العلمية حيث قسم التكامل إلى أجزاء أو مجالات متنوعة وحدد في كل مجال عددا من المؤشرات التي يمكن على أساسها معرفة مدى تحقق التكامل والمقارنة بين حالات التكامل المختلفة فهناك التكامل الاقتصادي و يشمل التكامل التجاري والخدمات المشتركة وهناك التكامل الاجتماعي ويشمل التكامل بين الجماهير والتكامل بين النخب وهناك التكامل السياسي ويشمل التكامل المؤسسي والتكامل في السياسات العامة والتكامل في الاتجاهات وهناك التكامل في مجتمع الأمن وحل المنازعات بطرق سلمية بين الوحدات المتكاملة.
ومن هذا الاتجاه أيضاً تعريف جالتونج للتكامل بوصفه" اتحاد فاعلين دوليين لإقامة فاعل جديد ذي إرادة مستقلة وليس أداة للدولتين" وقد حدد بعدين أساسيين للتكامل وهما : القدرات التي يتمتع بها الكيان الجديد والاعتراف الدولي به.
مقومات الاندماج
للاندماج مقومات لابد من توفرها أو توفر معظمها لتأمين النجاح المتوخى منها:
درجة من الهوية أو الولاء المشترك والملائمة والمصلحة المتبادلة بين الوحدات.
إمكانية إقامة الاتصال والتفاعل الاقتصادي، الاجتماعي بين أطراف التكامل.
التناسق في المكاسب والخسارة المشتركة، ولابد هنا من التشديد على أن التكامل قد يعطي زيادة ملحوظة في القدرة السياسية والنمو الاقتصادي والقدرة العسكرية وكثيرا ما تكون هذه الحوافز حاسمة نحو التكامل.
انواع الاندماج
الاندماج الاقتصادي: يتمثل في تكوين الأسواق الاقتصادية المشتركة ويتم ذلك بوسائل ومظاهر عديدة مثل توحيد التشريعات الضريبية والجمركية وإزالة كل العوائق التي تحول دون التدفق الحر للسلع والخدمات ، وانسياب حركة العمل ورأس المال بين مختلف مناطق السوق.
الاندماج الاجتماعي: ويعني به عملية نقل الو لاءات القومية من مستوى الدولة إلى مستوى فوق الدولة وتنمية الاتجاهات فوق القومية، أي خلق الوعي فوق القومي.
الاندماج السياسي: والمقصود به عملية إدماج بعض المؤسسات السياسية القومية ونقل السيادة على السياسة الخارجية إلى أجهزة دولية مشتركة، والتكامل السياسي لايعني بالضرورة إلغاء الحكومات الوطنية،ولكنه يقتصر على نقل سلطاتها في بعض المجالات وباستثناء نموذج الوحدة الفيديرالية الكاملة فإنه لا توجد حاجة إلى مباشرة السيادة الكاملة على السياسات الداخلية للدول الأعضاء.
الاندماج الأمني: ويظهر في عملية الترتيبات الأمنية الجماعية وينبني في افتراضه على أن الدول الأطراف في هذه الترتيبات تتفق على اتخاذ القرارات المتعلقة بأمنها المشترك بأسلوب التخطيط والتنفيذ و القيادة المشتركة، والاعتقاد السائد هو أن التكامل الأمني لا يحدث عادة إلا في ظروف الأزمات وتفاقم التهديدات والأخطار المشتركة.
حالات الاندماج
التكامل القيمي: ويمكن تقسيمه إلى قسمين:
أـ نموذج التماثل: حيث تتماثل القيم أو تتكامل نتيجة وجود مصالح متطابقة للأطراف.
ب ـ النموذج السلمي: حيث ترتب القيم في درجات معينة بحيث يتم تسوية الصراعات طبقا للقيمة العليا في هذا السلم.
*تكامل الأطراف: ويتمثل في نموذجين:
نموذج التشابهات العديدة بين الأطراف من حيث الحجم، المركز الدولي، التركيبة السكانية، البنى السياسية والإقتصادية.
نموذج زيادة الاعتماد المتبادل في القطاعات السياسية، الاقتصادية والثقافية بين الأطراف إلى درجة يجعل التأثير على طرف معين يترك آثاره على الطرف الآخر.
*التكامل التبادلي بين الكل والجزء: وهو نموذجين:
نموذج الولاء: يستمر ويتطور التكامل مادامت أطرافه مستمرة في دعمه.
نموذج التوزيع: حيث يصبح وجود التكامل معتمدا على قدرته في تقديم نتائج إيجابية أو ما سمي بالمخرجات، مثل حماية كيان من الأهواء أو تحقيق مكاسب اقتصادية أو رفع معيشة السكان.