مدرسة التحليل النفسي PSYCHANALYSE

أولا: نبذة تاريخية: مراحل ما قبل فرويد

إن الأمراض النفسية والعقلية ليست وليدة العصر الحديث فقط بسبب تعقيداته وكثرة مشاقة، لأن نتائج الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية بينت وجود هذه الأمراض في العصور السابقة، غير أن فهم الإنسان البدائي لهذه الأمراض يختلف كثيرا عن فهم الإنسان المتحضر، والاختلاف هذا من الناحية التشخيصية وكذا العلاجية فالإنسان البدائي أو في العصور القديمة كان ينظر إلى هذه الأمراض على أنها مثل الأمراض البدنية، لذا كان يعالجها بالسحر والشعوذة والتعويذات أحيانا وبالأذى الجسدي والحرق التعذيب أحيانا أخرى

 وفي القرن الثامن عشر ابتدأت مشافي الأمراض العقلية تتحرر من مساوي العصور الماضية وتتخلى عن المعاملة السيئة لنزلائها من المرضى , وذلك بفضل مجهودات بعض الأطباء أمثال : فيليب بينل Ph - Pinel الذي غير من معاملة مرضى كل من مستشفى Bicêtre و Selpatriére  بفرنسا , والطبيب اسكيرول . Esquirol

كما حدث في نفس الوقت في انجلترا حركة مماثلة على يد ويلم توك W. Tuke ([1]).

التاجر حيث شيد مستشفى خاصا لعلاج هؤلاء المرضى ومعاملتهم معاملة إنسانية , ثم توسعت هذه الحركة في أماكن مختلفة من العالم , واخذ العلماء منذ بداية القرن التاسع عشر يهتمون أكثر بدراسة هذه الأمراض دراسة علمية , كما أدت هذه المجهودات العلمية المختلفة إلى بلورة اتجاهين في الأمراض العقلية والنفسية هما :

ثانيا : تعريف مدرسة التحليل النفسي

مدرسة من مدارس علم النفس, وطريقة لمعالجة الاضطربات النفسية والعقلية , قام بتطويرها سيجمند فرويد FREUD SIGMUND ،تتميز بنظرة دينامية إلى جميع نواحي الحياة العقلية الشعورية منها واللاشعورية. وتشدد بصورة خاصة على ظاهرة العقل الباطني أو اللاشعور كما أنها تتصف بأسلوب مفصل في الاستقصاء والمعالجة، يستند إلى استخدام وسيلة التداعي الحر الذي يستهدف انتزاع المكبوتات اللاشعورية، وكشف العقد النفسية والمحتويات المكبوتة لكي يتخذ المريض موقفا آخر منها.

 ويعد التحليل النفسي ميدانا مساعدا لعلم النفس وعلوم أخرى, حيث امتد إلى نشاطات ومجالات عديدة منها علم الطبائع, والتربية, علم الاجتماع, تاريخ الحضارات الفنون... الخ. ويمكن تلخيص تعريف التحليل النفسي وحسب فرويد إلى ثلاثة أمور:طريقة في الاستقصاء والى تقنية في العلاج والى النظريات التي نشأت بالاتصال الوثيق معها وعرفت فيما بعد باسم الفرويدية.

و في هذا المجال يجب التمييز بين :

 التحليل النفسي: الذي يعني مناهج الاستكشاف والمعالجة والنظريات التي نادى بها فرويد وعلم النفس التحليلي : الذي يعني الاتجاه العام في علم النفس الذي يعتمد على أسلوب التحليل وتقديم الظواهر والعوامل إلى أجزائها وعناصرها، وتوصف به خاصة مناهج ونظريات كارل يونج التي خالف بها النظرية الفرويدية.

 وعلم النفس الفردي : او سيكولوجيا الفرد, وهي التي تبحث في الفروق القائمة بين الأفراد كما تطلق هذه التسمية أيضا على ذلك النوع من علم النفس التحليلي الذي أسسه الفرد آدلر الذي يؤكد فيه على الفروق بين الأفراد في مجال تحقيق النجاح والشهرة... الخ

ثالثا: نشأة التحليل النفسي

 يرجع إلى فرويد سيجمند (1856 - 1939) الفضل في صياغة وتعميم منهج التحليل النفسي, وكانت نقطة انطلاقه من مشكلة الهستيريا وطريقة علاجها بالتنويم المغناطيسي,  حيث عمل مساعدا لجوزيف بروبير في هذا المجال، أين كان يرجعان الأعراض الهستيرية إلى انطباعات تأتي من الحياة السالفة وتعود للوعي أثناء التنويم المغناطيسي.

 لكن بعد مدة تخلى فرويد عن التنويم المغناطيسي، وعوضه بطريقة خاصة قائمة على اكتشاف اللاوعي، وهذه الطريقة ترتكز على دراسة الأفكار الواردة إلى خاطر المريض دون مراقبة أو سيطرة، ويعتقد فرويد أن الشفاء لا يرجع إلى التفريغ أو التنفيس بل إلى اخذ الوعي بالذكريات المؤلمة (المسببة للجرح النفسي أو الصدمة النفسية) المكبوتة, بمعنى آخر ليس التفريغ هو المكون للعلاج الشافي بل أن الشفاء يكون في إحضار الذكريات هذه إلى الوعي بإخراج الكبت Défoulement ([2]).

رابعا : تطوير تقنيات الاستقصاء والعلاج في التحليل النفسي

1 - الإيحاء أثناء اليقظة: استخدم فرويد طريقة "التفريغ" أثناء التنويم التي اكتشفها بروبير ولكنه تفطن فيما بعد لما في التنويم من عيوب، حيث لاحظ أن بعض المرضى لا يمكن تنويمهم, كما اكتشف أن الشفاء الناتج عن التنويم يقتصر فقط على إزالة الأعراض المرضية, ولا يصل إلى الأسباب الأساسية لهذه الأعراض، وهذا يعني أن الشفاء يكون وقتيا فقط لا يلبث أن يزول أثره بعد مدة معينة. الشيء الذي جعل فرويد يعدل عن استخدام التنويم، وحث مرضاه على تذكر الحوادث المؤلمة والتجارب الشخصية الماضية عن طريق الإيحاء وهم في حالة يقظة, كما ألح على أهمية ودور الرابطة الإنسانية في عملية العلاج والتي كانت غير ظاهرة بوضوح في التنويم المغناطيسي, واستمر فرويد في استخدام هذه الطريقة لمدة اربعة سنوات .

2 - التداعي الحر: بعد تلك المدة ظهرت لفرويد عيوب طريقة الإيحاء أثناء اليقظة, حيث وجد مثلا أن استخدام الإيحاء وحده لا يدفع دائما المريض إلى تذكر الحوادث والتجارب الماضية المسببة للمرض, إضافة إلى ما في هذه الطريقة من مشقة وإرهاق لكل من الطبيب والمريض الأمر الذي جعله يفكر في تعديل هذه الطريقة أيضا. فعمد إلى طريقة "التداعي الحر" حيث يطلب فقط من مرضاها أن يطلقوا العنان لأفكارهم تسترسل امن تلقاء نفسها دون قيد أو شرط،. وبدون توجيهم منهم أو إشراف, المهم هو أن يتفوهوا بكل ما يخطر ببالهم أثناء ذلك من أفكار وذكريات ومشاعر دون إخفاء أي شيء منها, مهما كان تافها أو معيبا أو مؤلما.

وبهذه الطريقة اكتشف فرويد حقائق هامة لم يكن من المستطاع الوصول إليها بواسطة الطرق السابقة, حقائق صاغها فيما بعد في شكل مبادئ و نظريات لمدرسة التحليل النفسي.

 سابعا: تقييم المدرسة التحليل النفسي

* الإيجابيات

*تسليط الضوء على اللاوعي:

*تطوير الأسس العلمية لتفسير الأحلام

*أهمية السنوات الأولى في تكوين الشخصية

*كشف تأثير الكبت القاسي في ظهور العصابات واضطرابات الشخصية.

*السلبيات

*بالغت في تعميم وإعطاء الأولوية للجنسية.

*بالغت في إعطاء أهمية لعقدة اوديب في تكوين الشخصية.

*إن ما يعتبره فرويد نزعة جنسية قد يكون إحساس بالواقع.

* و محدودية تعميم نظريات التحليل النفسي، لأنها قامت على الشذوذ والانحرافات. 

*مبدأ الحتمية في نظريات هذه المدرسة يهمل دور الإرادة.

* أهملت تأثير العوامل الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية في تفسيراتها للشخصية.

 وفي سياق ذكر مأخذ هذه المدرسة يقول كلاباريد : "يبدو لي أن علماء التحليل النفسي أشبه ما يكونون بالبوم إنهم يرون في الظلام... اعتادوا الظلام حتى انهم لا يطيقون أحيانا مواجهة النور.... لقد فقدوا حس التفريق بين الألوان المتقاربة، فلا يفرقون بين الفرضية الغريبة والاستنتاج الجائز".([3])

 

 

 

 

 

 


 ([1]– 

 

Modifié le: Sunday 23 February 2020, 11:47