سيكولوجيّة الإحساس

  مقدّمة:

حياتنا حافلة بصور الفحص والاختبارات بما تجرّبه حواسنا للبيئة من حولنا، والحقيقة أنّ استمرار وجودنا ذاته إنّما يعتمد على مدى حساسيتنا للبيئة، وعلى مدى تلازم استجاباتنا مع مقتضى الظروف المحيطة بنا، كما تعدّ حواسنا المداخل الطّبيعيّة التي تصل إلينا عن طريقها معرفتنا ومعلوماتنا عن العالم سوء كان خارجيّا ممثّلا في البيئة بمعناها الشّامل، أو داخليّا ممثّلا في حالات الجسم الدّاخليّة من جوع أو تعب...إلخ. لكن ما ينبغي معرفته مع ذلك هو أنّ استقبال حواسنا لأيّة معلومات من البيئة التي نحيا فيها يتوقّف على وجود مجموعات من الخلايا المهيّأة بطبيعتها لاستقبال محسوسات معيّنة كالضّوء والصّوت والملمس والمذاق والرّائحة والحركة والحرارة... إلخ. وتعرف هذه الخلايا بالمستقبلات الحسيّة. وقد أشرنا إليها في المحاضرات السّابقة ص: 24 بأنّها إحدى الميكانيزمات الفيزيولوجيّة الرّئيسيّة المسؤولة عن تشكيل وتوجيه السّلوك، وهي عبارة عن أنظمة متخصّصة لجمع المعلومات وتسمّى بالحواس أو الأجهزة الحسيّة التي تمكّننا من التقاط المعطيات بحيث نتمكّن من التّخطيط والتّحكّم في سلوكنا والتّحرّك بموجبها، وقد تمّ حصر إحدى عشر حاسّة متميّزة، فالبصر والسّمع والذّوق والشّم واللّمس من الحواس الظّاهرة وهناك حواس أخرى جلديّة تابعة للّمس هي: الضّغط والدّفء والبرودة والألم، وهي أنظمة حسّ جلديّة تنبّئنا بالخصائص الميكانيكيّة للأشياء التي تلامس سطح الجسم، وهناك أيضا حالتان إضافيتان تكشفان عن حركات الجسم هما: حاسّة الحركة والحاسّة الدّهليزيّة، وتعتمد حاسّة الحركة على أدوات الإستقبال في العضلات والمفاصل، وهذه الحاسّة تنبئ الإنسان بما يتعلّق بالوضع النّسبي للجسم أثناء الحركة، فإذا ثنيت أصابعك مثلا وأنت مغمض العينين فإنّ حاسّة الحركة تجعلك واعيا بحركة الثّني، أمّا الحاسّة الدّهليزيّة والتي تسمى أحيانا بحاسة التّوجه أو التّوازن فتخبر الإنسان بالحركة والتّوجيه لكل من الرّأس والجسم بالنّسبة للأرض عندما يتحرّك من تلقاء نفسه أو عندما يتواجه داخل سيارة أو غيرها من وسائل النّقل، وتشبه الحاسّة الدّهليزيّة كوبا من الماء يتغيّر سطح الماء فيه تبعا لدرجة توازن الشّخص أو فقدانه للتّوازن أثناء الحركة أو السّرعة أو البطء وتوجد الحاسّة الدّهليزيّة في الأذنين الدّاخليتين المليئتين بسائل يسجّل التغيّر في اتّجاه الحركة وتوازنها وسرعتها وبطئها، وتتآزر الحواس الدّهليزيّة بالإضافة إلى المعطيات الواردة من حاستي الحركة والبصر لتوجيهنا في المكان.

 

وتجمع الحواس الإحدى عشر في خمسة أجهزة حسيّة كما هو في الجدول رقم (01).

الجهاز الحسّي

الحواس المتضمّنة فيه

1)    الجهاز الحسّي البصري

2)    الجهاز الحسّي السمعي

3)    الجهاز الحسّي الكيميائي

4)    الجهاز الحسّي الجسمي

5)    الجهاز الحسّي الحركي

-       الرّؤية.

-       السّمع.

-       الذّوق والشّم.

-       اللّمس، الضّغط، الدّفء، البرد، الألم، بالإضافة إلى الحكّةوالدّغدغة.

-       الحاسة الدّهليزيّة وحاسّة الحركة.

جدول رقم (01) بين الأجهزة الحسيّة والحواس المتضمّنة فيها.

وظائف الحواس: الحواس تكتشف وتحوّل وترسل المعلومات الحسيّة فهي أوّلا تكتشف المنبهات في البيئة وتستقبلها حسب تخصّص كلّ حاسّة، وهي ثانيا تقوم بتحويلها إذا كانت منبهات ضوئيّة أو صوتيّة أو ميكانيكيّة...ألخ إلى إشارات كهربائيّة كيميائيّة حتّى يمكن للجهاز العصبي التّعامل معها واستخدامها في الاتّصالات، وهي ثالثا تقوم بارسال هذه الإشارات الكهروكيميائيّة عبر السّيالة العصبيّة في المراكز العصبيّة في المخ.

معنى الإحساس: يعرّف الإحساس بأنّه: استقبال الأعضاء الحسيّة للمنبّهات البيئيّة، أو هو انطباع المنبّهات كالأصوات والأضواء والرّوائح وغيرها على الأعضاء الحسيّة، والتّنبيه يأتي من البيئة الدّاخليّة أو الخارجيّة.

متى يحدث الإحساس؟ إنّنشاط أيّة خليّة حسيّة (الاحساس) مرهون بحدوث تغيّر يطرأ على البيئة، هذا التّغيّر هو ما يعرف بالمثير، وأيّ مثير لا يمكن الإحساس به إذا لم يصل في شدّته إلى مستوى العتبة التي يكون عندها قابلا لأن يحسّ به، ونقصد بالعتبة ذلك المستوى من التّنبيه الذي دونه أو أعلى منه لا نحسّ بوجود مثير ما، فالتّنبيه الصّوتي مثلا يتراوح بين: 20-20000 تردّد صوتي / ثا، أمّا التّردّدات الأدنى أو الأعلى من هذا المجال فهي تتواجد كثيرا حولنا ولكنّنا لا نتمكّن من سماعها.

مراحل الإحساس: ***حدوثالإحساس بالخطوات التّالية:

1)    يبدأ الإحساس بالتّنبيه والمنبّه في مجال سيكولوجيّة الإحساس إمّا خارجي أو داخلي، وكلاهما يمثّل نوعا من الطّاقة التي تؤثّر في الخلايا الحسيّة المستقبلة كالموجات الكهرومغناطيسيّة (ضوء) والميكانيكيّة (لمس أو ضغط أو صوت) والكيمائيّة (شمّ أو ضوق) أو طاقة حراريّة (حرارة أو برودة) أو طاقة عضليّة حركيّة (حمل ثقل، حركة عضلة).

وإذا كانت التّنبيهات الخارجيّة تنقسم إلى نوعين هما التّنبيهات الفيزيائيّة والتّنبيهات الاجتماعيّة، فإنّ ما يهمّنا في هذا المجال هو التّنبيهات الفيزيائيّة وهي عبارة عن أيّ تغيّرات تحدث في مستوى الطّاقة الفيزيائيّة حول الكائن الحيّ، ممّا يؤثّر فيه غالبا عن طريق بعض حواسه مثل السّمع والبصر والشّم.. وغيرها. وإذا كان شرط الاحساس أن يصل التّنبيه إلى درجة معيّنة من الشّدة، فإنّ هناك من التّنبيهات الفيزيائيّة ما لا تدرك آثاره بوضوح على الحواس المجرّدة للكائنات الحيّة، وخاصّة الإنسان لأنّه أقل أكبر من عتبة الإحساس لدى هذه الكائنات، ومن ثمّ نكون في أشدّ الحاجة إلى أساليب شديدة الدّقة في رصدها، كما هو الحال في دراسات الكائنات المجهريّة كالخلايا والفيروسات وغيرها، أين نحتاج إلى آلات مجهريّة إلكترونيّة متطوّرة.

2)    عندما يؤثّر المنبه في الخلايا المستقبلة، وهي خلايا متخصّصة لاستقبال تنبيهات حسّية معيّنة تدفعها إلى النّشاط، تنطلق منها نبضات عصبيّة تختلف من حاسّة إلى أخرى، فخلايا البصر تتأثّر بالموجات الضوئيّة، وخلايا السّمع تتأثّر بالموجات الصّوتيّة، وخلايا الشّم والذّوق تتأثّر بالمواد الكيميائيّة، وخلايا الجلد الحسيّة تتأثّر بالضّغط وميكانيكيّة الحركة وإحساس الدّغدغة والحكّة.

3)    بعد ذلك تقوم الأعصاب بنقل النّبضات العصبيّة من الخلايا المستقبلة إلى المخ.

4)    يحدث تنبيه في المراكز الحسّية بالمخ ممّا يؤدّي إلى الشّعور بالإحساس، وتوجد بالمخ مراكز خاصّة للإحساسات المختلفة.

هذه هي عمليات الإحساس الأربع، التي إذا تعطّلت خطوة منها، لأيّ سبب من الأسباب، تعطّل الإحساس.

خصائص الإحساس: إذا فحصنا خطوات العمليّة السّابقة نجد أنّ الإحساس يعدّ الخطوة الأولى فيها وعلى ذلك نجد أنّ:

1)    الإحساس بطبيعته مرحلة سابقة عللى الإدراك.

2)    الإحساس نشاط قابل لأن يدرس من جوانب ثلاثة، فيزيائيّة حيث ندرس الشّروط الخارجيّة التي تعطي الإحساس، وفيزيولوجيّة حيث ندرس ما يحدث داخل العضو الحاس نفسه من أحداث، وسيكولوجيّة حيث نلاحظ ما تؤدّي إليه من تفاعل داخلي وتكامل يغيّر من طبيعة السّلوك والإستجابة، وبقدر ما يهمّنا الجانب السيكولوجي الذي يعطي للإحساسات تنظيما معيّنا ومعاني مختلفة، يهمّنا الجانبان الحسّي والفيزيولوجي كمحدّدي من محدّدات الإدراك الحسّي.

3)    يحدث وفقا لأقدار معيّنة من الطاقة التّنبيهيّة، أطلق عليها الباحثون اسم العتبات الحسيّة وهي نوعان: العتبة المطلقة والعتبة الفارقة، والإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يحسّ بكلّ التّغيّرات التي تعتري الطاقات الموجودة في العالم الخارجي أو الدّاخلي، وإنّما يستطيع أن يحسّ ببعضها فقط، فعين الإنسان مثلا لا تحسّ بكلّ الموجات الضوئيّة، وإنّما تحسّ ببعضها فقط، فنحن لا نحسّ بأشعة إكس أو بالأشّعة فوق البنفسجيّة، وكذلك لا تحسّ الإذن الإنسانيّة بملّ الموجات الصّوتيّة، وإنّما تحسّ ببعضها فقط، فقد يعجز الإنسان مثلا عن سماع وقع أقدام رجل يمشي عن بعد، بينما يستطيع كلبه أن يسمع.

وحتّى يحدث الإحساس لابدّ أن يصل التّنبيه الذي يقع عللى عضو الإحساس إلى درجة معيّنة من الشدّة، ويطلق على أدنى قدر من الطّاقة يمكن أن ينبّه العضو الحسّي بالعتبة المطلقة، أمّا المنبّه الذي لم يصل إلى درجة كافية من الشدّة فيقال إنّه تحت العتبة المطلقة أو تحت عتبة الإحساس، وتختلف العتبة المطلقة من فرد إلى آخر، كما تختلف أيضا عند الفرد الواحد من وقت إلى آخر تبعا لحالته البدنيّة والنّفسيّة وللظّروف التي تجري فيها الملاحظة، ففي حالة الإبصار مثلا وجد أنّ العتبة المطلقة تختلف تبعا لاختلاف لون الضّوء، ومدّة تعرّض العين للضّوء، وحالة تكيّف لعين.

وكما يلزم أن يوجد قدر أدنى من الطّاقة حتّى يحدث االإحساس، فكذلك يلزم أن يوجد قدر أدنى من الفرق في شدّة منبهين حتّى يمكن التّمييز بينهما، ويطلق على القدر الأدنى من التّنبيه اللّازم للتّمييز بين منبّهين العتبة الفارقة، فيجب أن يختلف وزن قطعتين من الحجر بقدر معيّن حتّى يمكن أن نفرّق في وزنيهما، فالعتبة الفارقة إذن هي مقدار التّغيّر في الطّاقة اللّازمة للإحساس بالفرق بين المنبهين.

4)    ومن خصائص الإحساس أنّ العتبة الفارقة تميل بوجه عام إلى أن تكون مقدارا ثابتا وتقدّر عادة بنسبة ثابتة من شدّة االمنبّه، فإذا فرضنا مثلا أنّك تحمل في يدك ثقلا يزن 1000 جراما، فإذا كان من الضروري أن تضيف 100 جرام حتّى تستطيع أن تحسّ بأنّ وزن الثّقل الذي تحمله قد زاد، فإنّ العتبة الفارقة في هذه الحالة هي 100 جرام، وإذا كان من الضّروري أن نضيف 200 جرام إلى الثّقل الذي يزن 2000 جرام حتّى نستطيع أن نحسّ بأنّه أصبح أثقل ممّا كان من قبل، فإنّ العتبة الفارقة في هذه الحالة هي 200 جرام، والعتبة الفارقة لثقل يزن 4000 جرام هي 400 جرام ولثقل يزن 8000 جرام هي 800 جرام، وهكذا نرى أنّ العتبة الفارقة تزداد ازديادا مضطردا بازدياد وزن الثّقل.

كذلك تختلف العتبات الفارقة من حاسّة إلى أخرى، فالعتبة الفارقة في الإحساس البصري تختلف عن العتبة الفارقة في الإحساس السّمعي وهكذا، وتوجد فروق فرديّة في العتبات الفارقة، فقد يكون فرد ما أكثر قدرة على تمييز التّغيّر في التّنبيه الحسّي من فرد آخر.

5)    التكيّف الحسّي: ويقصد به ميل الحساسيّة إلى الضّعف في حالة استمرار التّنبيه وميلها إلى الزّيادة في حالة امتناع التّنبيه.

 

 

Modifié le: Sunday 23 February 2020, 11:35