المحاضرة السابعة
من الجمع إلى التدوين
يظهر أنّ الباعث إلى جمع الّلغة وتأليف المعاجم هو حاجة العرب إلى تفسير ما استغلق عليهم من ألفاظ القرآن الكريم، ورغبة في حراسة كتابهم من أن يدخله اللحن، سواء في النطق أم في الفهم[1].
وقامت عمليّة جمع اللغة على أساسين: الأول زماني(150هـ)، والثاني مكاني (أي القبائل التي أخذوا عنها)، وأمّا المراحل التي قطعتها عمليّة جمع اللغة فهي ثلاث مراحل:
1- جمع اللغة حيثما اتّفق: (فالعالم يرحل إلى البادية يسمع كلمة في المطر، ويسمع كلمة في اسم السيف، وأخرى في الزرع والنبات، وغيرها في وصف الفتى والشيخ، إلى غير ذلك، فيدوّن ذلك كلّه حسبما سمع من غير ترتيب إلاّ ترتيب السماع.[2])
2- أمّا المرحلة الثانية فكانت بجمع الكلمات ذات الموضوع الواحد في موضع واحد، حيث ظهرت كتب كثيرة منها: كتاب الإبل، كتاب الخيل...
3- أمّا المرحلة الثالثة فكانت بوضع معاجم على نمط خاصّ في الترتيب ليرجع إليها من أراد البحث عن معنى كلمة، وأوّل من ألّف معجما عربيّا بالمعنى المتعارف عليه هو الخليل بن أحمد الفراهيدي (معجم العين)
وقد كانت هناك محاولات قبل الخليل لبناء المعجم العربيّ، وكانت هذه الأعمال عبارة عن رسائل منها:
- ترتيب حروف الهجاء، نصر بن عاصم الليثي.
- خلق الإنسان، الخيل، النوادر، أبو مالك الأعرابي (عمرو بن كركرة)
- الحشرات، أبوخيرة الأعرابي العدويّ.
- النوادر، أبو عمرو بن العلاء.
- معاني القرآن، يونس بن حبيب.
نشوء المعجم العربي:
بدأت الفكرة المعجميّة تراود العرب منذ أن بدأوا يفسّرون القرآن الكريم، حيث كانوا إذا أشكل عليهم فهم لفظ من ألفاظ القرآن الكريم يعودون إلى آثارهم الأدبية وبخاصّة الشعريّة منها، ليعرفوا معناه، فقد روي عن ابن عبّاس – رضي الله عنه – أنّه قال:( إذا تعاجم شيء من القرآن فانظروا في الشّعر فإنّ الشعر عربيّ)[3].
تعريف المعجم لغة:
جاء في لسان العرب في مادّة (عجم) (العُجم والعَجم خلاف العُرب والعَرب...والعَجم جمع العَجمي، والعُجم جمع الأعجم الذي لا يفصح والأنثى عجماء)[4]
والملاحظ أنّ لفظة عجم تدور حول معنى أساسيّ وهو الإبهام وعدم الوضوح، ولهذا يقال: استعجم عليه الكلام: استبهم[5].
ويفترض في المعجم أن يزيل الإبهام والغموض لا أن يكون مصدر غموض، لكنّ كلمة معجم مأخوذة من الفعل أعجم الذي وزنه أفعل، وبإدخال الهمزة على الفعل عجم أخذ معنى جديدا وهو السّلب والإزالة.
نقول: أقذيت العين: أي أزلت منها القذى، وأعجمت الكتاب: أزلت عجمته[6]، ومنها قسط علينا أي جار علينا، وفي التنزيل:( وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبا) سورة الجنّ، 15، أي الجائرون، والمقسط العادل[7] وقد أقسط الرجل: إذا عدل فهو مقسط، وقسط فهو قاسط إذا جار[8].
والحروف المعجمة خلاف الحروف المهملة، فالحروف المهملة هي الحروف غير المنقوطة، أمّا الحروف المعجمة فهي الحروف المنقوطة، والنقط هي التي تزيل العجمة أي الإبهام.
تعريف المعجم اصطلاحا:
(المعجم كتاب يضمّ أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها، على أن تكون الموادّ مرتّبة ترتيبا خاصّا، إمّا على حروف الهجاء، أو الموضوع، والمعجم الكامل هو الذي يضمّ كلّ كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبيّن مواضع استعمالها)[9]
[1] - المعاجم العربية بداءتها وتطوّرها، د. إميل يعقوب، ص:27.
[2] - المرجع نفسه، ص:28.
[3] - مقدمة الصحاح، أحمد عبد الغفور عطار، ص: 28.
[4] - لسان العرب، ابن منظور، المجلّد 4، ص:296.
[5] - الصحاح، الجوهريّ، ج:5، ص: 1982.
[6] - معجم الشامل في علوم اللغة العربية ومصطلحاتها، محمد سعيد إسبر/بلال جنيدي، ص:146.
[7] - الاشتقاق، أبو بكر محمد بن الحسين بن دريد، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ص: 334.
[8] - الفصيح، أبو العباس ثعلب، تحقيق ودراسة صبحي التميمي، ص: 70.
[9] - مقدّمة الصحاح، أحمد عبد الغفور عطّار، ص:38.