المحاضرة السادسة
مصادر اللغة العربية
لقد تمّ جمع اللغة من ثلاثة مصادر وهي: القرآن الكريم، والحديث النبويّ الشريف، والشّعر القديم...
1-القرآن الكريم:
نزل القرآن الكريم بلغة قريش بعد أن تغلّبت على اللهجات العربية الأخرى[1] وقد كان مفهوما لدى جميع القبائل...
القرآن لغة:
القرآن من (ق ر أ) وقرأت الشّيء قرآنا: جمعته وضممت بعضه إلى بعض...وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا، ومنه سمّي القرآن، وقال أبو عبيدة: سمّي القرآن لأنّه يجمع السّور فيضمّها...[2]
القرآن اصطلاحا:
القرآن هو كلام الله، المنزّل على سيّدنا محمّد- صلّى الله عليه وسلّم – بواسطة الملك جبريل – عليه السلام – المنقول إلينا بالتواتر، المجموع في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة النّاس، المتعبّد بتلاوته، المعجز بآياته.
وقد نزل القرآن الكريم بقراءات متعدّدة، اختلف العلماء في حصرها، فقيل: (سبع، وقيل عشر...) ولكنّ النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم- قال: ( أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف) متفق عليه واللفظ للبخاري.
وتكون القراءة مقبولة إذا وافقت بعض الأركان ذكرها ابن الجزري:
وكلّ ما وافق وجه نحو وكان للرسم احتمالا يحوي
وصحّ إسنادا هو القرآن فهذه الثلاثــــــــــــــــــــــة الأركان[3]
والأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف لا تخرج عن سبعة:[4]
1- الاختلاف في العدد (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) البقرة 184، وقرئ مساكين.
2- الاختلاف في تصريف الأفعال ( ومن تطوّع خيرا) البقرة 158.وقرئ يطوّع على أنّه فعل مصارع مجزوم.
3- الاختلاف في وجوه الإعراب ( ولا تُسألُ عن أصحاب الجحيم) البقرة 119، قرئ بالرفع على أنّ لا نافية، وقرئ تسألْ على أنّ لا ناهية.
4- الاختلاف بالنقص والزيادة (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) آل عمران 133. قرئ بالواو(وسارعوا) وقرئ بحذفها.
5- الاختلاف بالتقديم والتأخير ( وقاتلوا وقتلوا) آل عمران 195. قرئ بتقديم وقاتلوا، وقرئ بتقديم وقتلوا.
6- الاختلاف بالإبدال (وتوكّل على العزيز الرحيم)الشعراء217، وقرئ فتوكّل.
7- الاختلاف في اللهجات: كالفتح والإمالة والإظهار والإدغام والتسهيل والتحقيق والتفخيم والترقيق والاختلاف في نطق بعض الحروف.
ولم يكن هذا التنوّع في القراءات عرضيّا، بل كان لحكمة يمكن تلخيصها فيما يلي:
- التيسير على الأمة لأنّها كانت قبائل كثيرة، مختلفة اللهجات، فلو طولبت كلّها بقراءة القرآن على حرف واحد لشقّ عليها، لأنّها لم تكن كلّها تؤدّي الأصوات بكيفيّة واحدة، بل كان من القبائل من تبدّل (ال) التعريف (أم) وتسمّى هذه الظاهرة الطمطمانية، فقد سأل رجل النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – ( هل من امبرّ امصيام في امسفر؟) بريد:( هل من البرّ الصيام في السفر؟)
- جمع الأمّة على لسان واحد وهو لسان قريش.
وقد عدّ القرآن الكريم المصدر الأساسيّ أثناء جمع اللغة، فحيثما وقع خلاف تمّ الرجوع إلى القرآن الكريم.
2-الحديث النبويّ الشّريف:
لم يكن النحاة يحتجون بالحديث النبويّ الشريف، على اعتبار أنّ بعضه مرويّ بالمعنى، والحديث لم يدوّن إلاّ في وقت متأخّر، لأنّ النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – نهى عن تدوينه حتّى لا يختلط بالقرآن الكريم، فقد قال – صلّى الله عليه وسلّم -:( من دوّن عنّي شيئا فليمحه) وقال كذلك:( من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده في النّار) فلهذا تحرّج النحاة - وهم الورعون - من الاستشهاد بالحديث.
ولكن جاء من بعدهم نحاة رأوا أن يستفيدوا من كلام النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – لأنّ الله قال عنه:( وما ينطق عن الهوى) النجم،03، وهو أفصح العرب، فكيف يُستشهد بكلام الأعراب الأجلاف؟ ويستشهد بأشعار وفيها ما فيها من مجون ويترك كلام المعصوم؟
ولهذا عُدّ كلام النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – مصدرا من مصادر اللغة.
3-الشعر القديم:
جاءت آثار العصر الجاهليّ باللسان العربي، شعرها ومعلّقاتها وخطبها، ولذلك كان هذا التراث مصدرا هاما من مصادر اللغة، وهذا الأدب لم يدوّن إلاّ بعد الإسلام بمائة عام، وظلّ هذه المدّة يُروى مشافهة، وليس من المستبعد أن يدخله بعض اللحن والتحريف لطول هذه المدّة.
وكان الشّعر منبرا إعلاميّا خطيرا، إذ أكثر ما تسعد به القبيلة وتقيم له الأفراح هو نبوغ شاعر، ونظرا لمكانة الشعر في الجاهلية ظهر الانتحال، لأنّ الكثير من القبائل استقلّت ما قاله شعراؤها في الجاهلية، فاختلقت قصائد ونسبتها إلى شعرائها.
[1] - انظر فقه العربية، د. علي عبد الواحد وافي، ص:112.
[2] -الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهريّ إسماعيل بن حمّد، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة، 1987، ج:1، ص:65.
[3] - انظر مناهل العرفان في علوم القرآن، الزرقاني، ج:1، ص: 248.
[4] - الوافي في شرح الشاطبية، القاضي عبد الفتاح، دار السلام، القاهرة، مصر، الطبعة الثانية، 2004، ص:5-7.