يعد جون روبرت فيرث رائد المدرسة السياقية التي نشأت في لندن، اعتمد "فيرث" مثل اللغويين الأمريكيين على عمل الأنتروبولوجيين وتفكيرهم، و تأثر خصوصاً بالأنتروبولوجي "مالينوفسكي" الذي واجه مشاكل في ترجمة اللغات القديمة، و وجد أنّ من الضروري وضع الكلمات في السياق داخل العبارة الكاملة في موقفها؛ أي السياق من خلال الموقف... هذا الموقف الذي لا يجب أن ننظر إليه ـ برأي "مالينوفسكي" ـ على أساس أنّه غير متعلق بالتعبير اللغوي.

      وينتقد "فيرث" المنطقيين والفلاسفة الذين يرون أنّ الكلمات والعبارات لها وظيفة في ذاتها منفصلة السياق، فيقول: "اعتقد أنّ الأصوات لا ينبغي أن تكون مفصولة نهائياً عن النظام الاجتماعي الذي توجد فيه، وهكذا فإنّ كلّ المستويات اللغوية الصوتية، والصرفية، والمعجمية، والدلالية في اللغات الحديثة يجب أن ينظر إليها على أساس أنّها نتاج سياق شامل من خلال الموقف".

      واعتبر "فيرث" المعنى مجموعة مركبة من العلاقات الوظيفية داخل السياق،... وهو يشبه المعنى وانتشاره عبر المستويات اللغوية المختلفة، بانتشار الضوء المركب من أطوال موجية مختلفة في موشور زجاجي.

     لقد تأسست مبادئ هذه المدرسة على مفهوم السياق، فاللغة ليست مجرد إشارات واصطلاحات وأدلة، بل إنها الرصيد الثقافي والاجتماعي، الذي يعين على فهم المعاني ضمن مواقعها[1].

وينقسم السياق حسب هذه المدرسة إلى:

1- السياق اللغوي: والذي يتحدد فيه معنى الكلمة من خلال علاقتها بالكلمات التي تكون معها في نفس التركيب اللغوي.

2- السياق العاطفي:

وهو الذي يحدد درجة القوة والضعف في الانفعال، مما يقتضي تأكيد أو مبالغة أو اعتدالا، فكلمة يكره غير كلمة يبغض رغم اشتراكهما في أصل المعنى، فاستعمال الكلمات يرتبط ارتباطا وثيقا بالحالة النفسية للمتكلم.

2- سياق الموقف:

    ويقصد به كل المواقف الخارجية التي يمكن أن يقع فيها الكلام، حيث تكتسب الكلمات معاني إضافية وثانوية مختلفة بالإضافة إلى معانيها المعجمية المشتركة، أثناء استعمالها في مواقف تواصلية مختلفة، وهو ما جعل معانيها تختلف باختلاف هذه المواقف.

3- السياق الثقافي:

    ويعنى به الظروف والعوامل الثقافية التي من شأنها أن تسهم في تحديد معاني الكلمات، وإكسابها دلالات مختلفة[2].

 

[1]  شفيقة العلوي: محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة، ص20، 21.

[2]  أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص60، وما يليها.

Modifié le: Thursday 28 November 2024, 17:03