المحاضرة الثانية
الرّوايـــــــــــــــــــــــــــة
كان علم العرب في الجاهليّة وصدر الإسلام مقصورا على النّسب والخبر والشّعر، ولمّا رجع اللغويّون إلى الشّعر والتمسوه للشّاهد والمثل، كان ذلك بدء تاريخ الأخذ عن العرب للقصد العلمي، وقد كان أكثر من يقوم على تداول الشعر والأخبار النّسابون والخطباء وبعض رواة الحديث.
والمعلوم أنّ اللغة جُمعت من أفواه الأعراب الذين كانوا بعيدين عن الأعاجم والحضر، وأنّ الذي نقلها عن الأعراب وأثبتها في كتب، وصيّرها علما وصناعة هم أهل الكوفة والبصرة.[1]
وحين أريد جمع اللّغة، وضع اللّغويون معيارا لغويّا تنتهي عنده الفصاحة، والصّحة اللّغويّة، وصدق الرّواية، ولهذا وضعوا حدّا زمنيّا للاحتجاج، والعرب الّذين يُحتَجّ بكلامهم هم الجاهليّون والإسلاميّون حتّى سنة 150هـ، وظلّ اللّغويّون يحتجّون بالبدو حتّى القرن الرّابع الهجريّ، واستثنوا بعض القبائل المجاورة للأعاجم.
ووضعوا حدّا مكانيا للاحتجاج، ويتمثّل في القبائل الّتي نقِلتْ عنهم اللّغة، وعنهم أُخِذ اللّسان العربيّ وهم: قيس وتميم وأسد فإنّ هؤلاءِ هم الّذين عنهمْ أكثر ما أُخِذ، وعليهم اُتّكِل في الغريب والإعراب والتّصريف، ثمّ هُذيل وبعض كنانة، وبعض الطّائين، ولم يُؤخَذْ عن غيرهم من سائر القبائل.
أمّا اللغويون الذين جمعوا اللغة فهم:
1-علماء مدرسة البصرة:
لقد قامت مدرسة البصرة على أسس منها:
- التأكّد من مصدر اللّغة، وذلك بمعرفة القائل ومكان نشأته، فإن كان من العرب الخلّص أخذوا عنه، وإن كان من الذين خالطوا العجم لم يأخذوا عنه.
- التأكّد من أمانة وصدق الراوي.
- عدم الاعتداد بالشّاهد الواحد، فلا بدّ من شواهد متعدّدة تمكّن من استنباط القواعد، ويعدّ ما خالفها شاذّا يحفظ ولا يقاس عليه.
من علماء البصرة:[2]
أبو الأسود الدؤلي:
هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي، (أبو الأسود) ولد سنة 605م، وتوفي 688م،
أوّل من أسّس النحو، ووضع الشكل للقرآن الكريم(الحركات)، له ديوان شعر.
الخليل بن أحمد الفراهيدي:
هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي، (أبو عبد الرحمن) ولد سنة718م وتوفي سنة 786م، نحوي ولغوي، وضع أوّل معجم وهو العين، ووضع علم العروض.
سيبويه:
هو عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه (أبو بشر)، فارسي الأصل، ويعني اسمه بالفارسية رائحة التفاح، توفي سنة 796م، أديب ونحويّ، أخذ النحو عن الخليل بن أحمد الفراهيدي، كانت له مناظرة مشهورة مع الكسائي، من آثاره كتاب سيبويه.
الأصمعي:
هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن عليّ بن أصمع الباهليّ المعروف بالأصمعي (أبو سعيد) ولد سنة 740م وتوفي سنة 831م، أديب ولغويّ، من آثاره: نوادر الأعراب، الأصمعيات، المذكر والمؤنّث...
2-علماء مدرسة الكوفة:
لقد شيّدت مدرسة البصرة صرح النّحو بينما كانت الكوفة مركّزة اهتماماتها على الذكر الحكيم ورواية الشّعر، وقد امتازت مدرسة الكوفة بما يلي:
- كانت أكثر رواية للشعر، وتساهلا في الأخذ عن الرّواة، وكلّهم حجّة عندهم، ولا يهتمون بالقائل من حيث نسبه، بل يكفي أن ينسب القائل إلى العرب.
- لا يشترطون كثرة المسموع لتأسيس القاعدة، بل الشاهد الواحد كاف، ولا شاذّ عندهم، بل كلّ مأثور يقاس عليه.
- لم يعتمدوا على السّماع وحده، بل اعتمدوا على القياس.
من علماء الكوفة:
الكسائي:
هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، الكوفي، المعروف بالكسائي (أبو الحسن)، أحد الأئمة القرّاء من أهل الكوفة، نحوي، توفي سنة 796م، من آثاره: المختصر في النحو، كتاب القراءات، معاني القرآن.
ثعلب:
هو أحمد بن يحيى الشيباني، المعروف بثعلب (أبو العباس)، نحوي ولغوي، ولد سنة816م، وتوفّي سنة 904م، من آثاره: المصون في النحو، معاني القرآن، اختلاف النحويّين، الفصيح في اللغة.
الفراء:
هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور، المعروف بالفرّاء الديلمي (أبو زكرياء) أديب ونحويّ، ولد سنة: 761م وتوفّي سنة: 822م، من آثاره: المصادر في القرآن، الوقف والابتداء، معاني القرآن.
بعض الاختلافات بين البصرة والكوفة:
- يقسّم البصريون الكلم إلى: اسم وفعل وحرف، بينما يقسّمه الكوفيّون إلى: اسم وفعل وأداة.
- الفعل عند البصريين: ماض ومضارع وأمر، وعند الكوفيين: ماض ومستقبل ودائم ( اسم الفاعل)، والأمر الذي أهملوه عدّوه من المضارع المجزوم.
- فعل الأمر عند البصريين مبني، وعند الكوفيين معرب.
- الاسم مشتقّ من السموّ عند البصريين، وعند الكوفيين مشتقّ من الوسم.
- الاختلاف في الاشتقاق: فالبصريّون يرون أنّ المصدر هو الأصل والفعل أخذ منه، بينما يرى الكوفيّون أنّ الفعل هو الأصل والمصدر أخذ منه.
- البصريّون يقولون الصفة، والكوفيّون يقولون النعت.