الثقافة لغة:

 قال ابن فارس: (الثاء والقاف والفاء كلمة واحدة إليها يرجع الفروع، وهو إقامة درء الشيء، ويقال: ثقّفت القناة إذا أقمت عوجها، وثقفت هذا الكلام من فلان، ورجل ثَقف لَقف، وذلك أن يصيب علم ما يسمعه على استواء، ويقال: ثقفت به: إذا ظفرت به) معجم مقاييس اللغة، ج:1، ص: 196.

الثقافة اصطلاحا:

 (الثقافة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها) المعجم الوسيط، ص: 126.

تعدّ الثقافة العربية المرآة التي تعكس طبيعة الحياة الاجتماعية والفكرية عند العرب قديما، وتساهمُ في توضيح مكونات المجتمع العربي والقيم الأصيلة الخاصة به.

مصادر الثقافة العربية:

  كان العرب قبل الإسلام يقطنون رقعة تمتدّ من المحيط الهندي جنوباً إلى شمال العراق، ومن الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غربا.

    ورغم أنّهم كانوا - في الجاهلية- بعيدين عن الحضارات (الفارسية، الرومانية، الإغريقية...) إلّا أنّ مصادر الثقافة عندهم جاءت متنوّعة:  

1-اللغة العربية: كانت اللغة العربية لسان أهل الجزيرة العربية، وللغة العربية خصائص تميّزها عن سواها، تدلّ على مبلغ عقول أصحابها من الرقي، وإن كانوا بدوا رحّلا، وهذه الخصائص هي:

-الإعراب: وهو تغيّر أواخر الكلمات بتغيّر العوامل الداخلة عليه بالرفع والنصب والجرّ والسكون.

-دقّة التعبير: تمتاز العربية بدقّة التعبير بألفاظها وتراكيبها، فأمّا الألفاظ ففيها لكلّ معنى لفظ خاصّ: كوجود ألفاظ لتأدية فروع المعاني وجزئياتها: فعندهم اسم لكلّ ساعة من أسماء النهار (الذرور، البزوغ، الضحى، الغزالة، الهاجرة، الزوال، العصر، الأصيل، الصبوب، الحدور، الغروب)، ومزيدات الأفعال...

-الإعجاز والإيجاز: لكل قوم إعجاز في لغتهم فيدلون بلفظ قليل على معنى كثير، والعرب أقدر على ذلك من سواهم: المجاز، الكناية، والألغاز والتعمية...(نصحت فدع ريبك ودع مهلك).وهو يريد(كلهم عدو كبير عد فتحصن )

-المترادفات: والترادف هو أسماء كثيرة لمسمّى واحد، فللأسد 350 اسما، وللحية 100اسم، وللناقة 255 اسما ...

-الاشتراك اللفظي: وهو اسم واحد لمسميات كثيرة، مثل العين...

-السجع: وهو انتهاء الجمل القصيرة بحرف واحد يكسبها موسيقى خاصّة، ليل داج، وسماء ذات أبراج...

-الأمثال: عظات من ثمار الاختيار والعقل الراجح، وبها يستطيع الواحد بلوغ حاجته من غير تصريح، فيجتمع له بذلك ثلاث خصال: (إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه)، ومن كتب الأمثال: مجمع الأمثال للميداني.

2-الشعر: كان الشعر في الجاهلية ديوان العرب، فهو صوت القبيلة، والناطق بالحجة ومجدها، والمدافع عنها، وكانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر، أتت القبائل فهنأتها بذلك، وأقيمت الاحتفالات والولائم بهذه المناسبة، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد أو شاعر ينبغ أو فرس تنتج، وعُرّف بأنّه كلام موزون مقفّى، ولكثرة الشعراء تمّ تقسيمهم إلى طبقات...

وكانت رواية الشعر في العصر الجاهلي الأداة لنشره، وكانت هناك طبقة تحترفها احترافا، فمن كان يريد نظم الشعر، يلزم شاعرا يروي عنه، حتى يصبح نابغة في الشعر مثل من روى عنه، ولم يكن الشعراء وحدهم من يهتمون برواية الشعر، بل يشاركهم في ذلك أفراد القبيلة جميعهم، فكانوا يتناقلون الشعر وينشدونه في محافلهم ومجالسهم وأسواقهم.

    وكان للعرب أسواق، تقوم أياما معلومات، وكانت ميداناً لغير البيع والاشتراء، إذ كانوا يتناشدون فيها الشعر مثل: سوق عكاظ،

3-الخطابة: تحتاج الخطابة إلى خيال وبلاغة، ولهذا عدّت من قبيل الشعر، فقيل هي شعر منثور، ازدهرت في الجاهلية، وتناولت أغراضاً مختلفة، وكان الخطباء يدعون إلى الحرب وسفك الدماء، أو الصلح والسلم، ومن أشهر الخطباء في الجاهلية قس بن ساعدة، ومن خطبه: (أيّها النّاس اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت).

 4-القصص: كان العرب شغوفين بالقصص شغفاً شديداً، فحين يرخي الليل سدوله يجتمعون للسمر، وما إن يبدأ القصّاص حكايته حتى يرهف الجميع أسماعهم إليه، فيفيض على قصصه من خياله وفنّه حتى يبهر سامعيه.

مظاهر ثقافة العرب:

-علم الفلك: عرف العرب أسماء متعددة للنجوم، والرياح، والمطر، والكواكب، وزمان الخصب والجدب، وأوقات الرياح والمطر.

 -   العلم بالأنساب والأخبار: كان العرب على جانب كبير من النبوغ في علم الأنساب؛ لاعتزازهم بعنصرهم ودمهم، وكان في كلّ قبيلة نسّابون يعرفون الكثير من أنساب العرب وبطونهم ومفاخرهم وتاريخهم ووقائعهم، والأخبار المتوارثة عن آبائهم وأجدادهم.

-    الفراسة والقيافة: اشتهرت بعض القبائل العربية بما عرف بالقيافة، وتعني اقتفاء الآثار، والأقدام والحوافر والاستدلال من آثارها في الرمال...

وأما الفراسة فهي القدرة على الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية، كالاستدلال بشكل المرء ولونه على خلقه، وللعقل فيها نصيب كبير.

Modifié le: Sunday 10 November 2024, 18:39