ويتجه هذا المنزع إلى وقف الأسلوب على المخاطب أو المتلقي، فالأسلوب يصدر عن ذات منشئة تعبر عن أفكار ومشاعر ورؤى، ولن يكون له وقع إلا بذات تتلقاه لتفهمه وتتفاعل معه، ولتحكم عليه بالقبول أو الرفض بناء ما يتضمنه من قيمة فكرية وجمالية. والكاتب عندما ينخرط في سلوك الكتابة فإنه يمارس نوعين من المقصدية على حد تعبير السيميولوجيا، مقصدية أولى هي نزوعه للتعبير عن ذاته ونقل ما لديه من فكر وأحاسيس، ومقصدية من نوع ثان هي أن يجعل المتلقي منخرطا بدوره في العوامل التي يبنيها، وأن يستثيره بما يودعه الخطاب من مظاهر الغموض والتجلي التي تحدث توتراتها على صفحة نفسية المتلقي. ولا أدل على ذلك من اشتراط تقاسم السنن بين مصدر الخطاب ومصبه، والحرص على موافقة نظام الخطاب للعرف الذي يمثل حظا مشتركا بين المخاطب والمخاطب، لأن أي مخالفة أو خروج عن المعيار هو هدر لعملية التواصل من بدايتها.
إذن فالمنطلق في كل تصور سليم لعملية التواصل وكل فهم لاشتغال الخطاب أنه لا نص إلا وله متلق ولا كلام إلا وله سامع، وهو ما ألمح إليه كريسوCressot حينما اعتبر أن "انعكاس المتقبل على صفحات الخطاب يعلم علم الضرورة وهو ما يمكن استغلاله في بلورة الأبعاد السوسيولوجية والنفسية في الظاهرة اللغوية" )، وحرية المتلقي في إنتاج ردود أفعاله لا تكاد تحد حتى إذا سلط عليه المخاطِب خطابه جعل ردوده شبه مقيدة أو على الأقل موجهة، وهي الوظائف التداولية لكل تواصل لغوي، وقد أشار جاكبسون إلى أن من أهم أركان خطاطة التواصل المتلقي للرسالة، الذي يرتبط بالوظيفة التأثيرية التي لا تقل قيمة عن الوظيفة التعبيرية التي ترتبط بالمنشئ، ولا عن بقية الوظائف المرتبطة ببقية الأركان، وعلى هذا كان الأسلوب "ضغطا مسلطا على المتقبل بحيث لا يلقي الخطاب إلا وقد تهيأ فيه من العناصر الضاغطة ما يزيل عن المتقبل حرية ردود الفعل.. وتنحل هذه الطاقة الضاغطة التي بها تتحدد ماهية الأسلوب إلى جملة من العناصر المركبة أبرزها فكرة التأثير وعي فكرة لا تخلو من ضبابية لأنها تشع على حقول دلالية متداخلة الحدود، فهي تستوعب مفهوم الإقناع باعتباره شحنة منطقية يحاول بها المخاطب حمل مخاطبه على التسليم الوضعي بمدلول رسالته. ثم إنها تشمل معنى الإمتاع باعتباره سعيا حثيثا نحو جعل الكلام قناة منطقية تَعْبُره المواصفات التعاطفية)، ولا يتحقق ذلك إلا بما يتضمنه الأسلوب نفسه من علامات فارقة ومواطن متميزة سماها ميشال ريفاتير بالإبراز، حين عرف الأسلوب بأنه "ذلك الإبراز mise en relief الذي يفرض على انتباه القارئ بعض عناصر السلسلة التعبيرية، بحيث لا يمكن لهذا القارئ أن يهمل تلك العناصر دون أن تشويه النص، كما أنه لا يمكنه أن يكتشفها دون أن يجدها دالة ومميزة، معنى هذا أن المخاطب يستثير مخاطبه بعناصر يضمنها الخطاب، لينطلق الثاني من منطلق فضوله والاستثارة المحدثة في رحلة استكشاف مظاهر الخصوصية الكامنة في تلك العناصر المبثوثة. وقد رأى رفاتير أن تعريف الأسلوب الذي يمزج بين استرعاء الانتباه وبين الخبر المبثوث عن طريق اللغة دون المساس بالمعنى تعريفا أخرق لأنه "يفترض دلالة قاعدية ـ أي نوعا من أنواع الدرجة الصفر ـ يمكن أن نقيس بالنسبة إليها كل أشكال التقوية.
ولا يعد هذا التحديد للأسلوب جديدا بل هو يعود إلى ما قبل ظهور علم الأسلوب عند ستاندال 1783ـ1842 وغوستاف فلوبير1821ـ1880 حيث اعتبر الأول أن حقيقة الأسلوب تكمن فيما يخلع على الأفكار من كل ما من شأنه التأثير بالطريقة المتوافقة مع تلك الأفكار، ورأى الثاني في الأسلوب سهما يصحب الفكرة حتى تقع من المتلقي موقع التأثير