الحداثة في الشعر العربي (الحداثة والايقاع)

 

   تمهيد: تودي الموسيقى دورا كبيرا في بنية القصيدة، وهذا ما دفع للكثير من النقاد حينما عرفوا الشعر إلى القول: "إن الشعر هو ذلك الكلام الموزون المقفى" كون الشعر مرتبط بالموسيقى في عنصرين أساسيين هما الايقاع والايحاء حيث لا يمكن فهم الدلالات دون تفكيك البنية الايقاعية لأن الشعر كما يقول ابراهيم أنيس "ليس موسيقى تنفعل بموسيقاه النفوس ويتأثر بها القلوب"

  الايقاع: نعني به وحدة المغني التي تتكرر على نحو محدد في الكلام أو في البيت الشعري أي التوالي الحركات والسكنات على نحو منتظم في فقرتين أو أكثر في فقرات الكلام والايقاع تمثله التفعيلة في البحر العربي.

     وإذا رأينا معرفة رأي الموسيقى فاننا نقول لقد حاول هؤلاء الشعراء المعاصرون أن يكون شاملا وجذريا وجوهريا فالقصيدة الجديدة جاءت ذات تشكيل جديد سواء في المعنى كما رأينا سابقا أو في المبنى الا أن هذا التغيير لم يظهر دفعة واحدة يقول نزار قباني في حديثه عن الايقاع : "الايقاع من حيث التوقيت متقدم زمنيا إنه الملك الذي يمشي أولا ومن ورائه تمشي اللغة، كوصيفة ثانية، القصيدة تبدأ عندي بهذيان موسيقى بغمغمة بكلام لا كلام له، ثم تأتي اللغة بتنظيم هذا الهذيان وتحتويه وتحبسه في داخل زجاجة المفردات".

     إذا كانت الحداثة الشعرية قد مزقت جسد النص فغنها بالمقابل قد بعثت بوحداته البنائية المستقلة ابتداء من التفعلة الى البحر وكسر نظام الموسيقى عبر السياق الشامل، وعندما تحطمت بنية الايقاع التقليدي القائمة على وحدات البحر كان من الضروري تحطيم وحدة البيت القائم على شطرين متوازيين، يمثلان روح التناسب في القصيدة.

   ويؤلفان عنصر النظام المتماثل الذي يسهل على المتلقي إدراك بداياته ونهايته يقول الفيتوري في قصيدته إمرأة عاشقة

لا .. لم يكن وهما هواك

ولم يكن وهما هواي ..

إن الذي حسبته روحك

قد تبعثر في خطاي ..

مازال طفلا صارخا

جوعا يرضع من دماي!

   هذه السطور يمكن ترتيبها ترتيبا اخر دون أن يختل المعنى أو الوزن فنقول:

لا .. لم يكن وهما هواك                لم يكن وهما هواي ..

إن الذي حسبته روجك                  قد تبعثر في خطاي ..

   مازال طفلا صارخا                     جوعا يرضع من دماي!

    وكأن الشاعر قد نظم القصيدة على النمط القديم ثم راح يقسمها جديدا محطما بذلك وحدة البيت القصيدة فصارت القصيدة ذات شكلا جديدا

    رغم أن هذا التشكيل لهذه الابيات أو غيرها لشعراء اخرين لا تحقق الايطار الموسيقي الجديد بكل مقوماته إلا أننا نجد عند شعراء اخرين تشكيلا نغميا جديدا في صورة متكاملة تمثل النمط الجديد المخالف تماما للنمط القديم يقول صلاح عبد الصبور في قصيدة أغنية حب:

صنعت مركبا من الدخان

 والمداد والورق

وفوق قمة السفين يخفق

العلم:

(وجه حبيبي خيمة من

نور

وجه حبيبي بيرقى

المنشور)

جبت الليالي باحثا في

جوفها عن لؤلؤه،

وعدت في الجراب بضعة

من المحار،

وكومة من الحصى

وقبضة من الجمار.

وما وجدت لؤلؤه.

سيدتي إليك قلبي واغفري لي:

أبيض كاللؤلؤه

وطيب كاللؤلؤه

ولامع كاللؤلؤه.

هدية الفقير.

وقد ترتبه يزين عشك الصغير

     ففي هذه الاسطر نحس بارتباط نفسي ونغمي وتوجيه للحركة النفسية مع انسجام مع الحركة الموسيقية وإذا حاولنا أن ترتب هذه الاسطر على النظام القديم ما أمكننا ذلك.

    أما درويش فيحافظ على قراراته الموسيقية بتصرف ذكي يجعلها يوازن المناخ الدرامي المؤثر لانه هو القائد "أنا لا أدري الناس وهم يقرؤون أنا أراهم يستمعون" يقول:

كنا هناك ومن هنا ستهاجر

العرب

لعقيدة أخرى. وتغترب

قصب هيا كلنا

وعروشنا قصب

في كل مئذنة

حاو، ومغتصب

يدعو لأندلس

إن حوصرت حلب

 

Modifié le: Wednesday 22 May 2024, 22:01