4. نتائج الكشوفات الجغرافية

- من الناحية الاقتصادية: أثرت الكشوفات الجغرافية في التاريخ الأوربي الحديث تأثرا حاسما، كما كان لها الأثر السلبي على العالم الإسلامي، حيث انتقل مركز الثقل التجاري إلى المحيط الأطلسي بدلا من البحر الأبيض المتوسط (استعاد جزءاً من مكانته الاقتصادية بعدما فتحت قناة السويس بمصر عام 1869م). وتراجعت المكانة الاقتصادية للبلاد العربية (مماليك مصر والشام والعراق) وكذلك الجمهوريات الإيطالية، وفي الجانب الزراعي عرفت أوربا محاصيل جديدة من بينها البطاطس والكاكاو والتبغ، وأصبحت عنصرا هاما في القطاع التجاري. كما تدفقت المعادن النفيسة على أوربا، التي استغلّت مناجم الذهب، وبالتالي أخرجتها الكشوفات من مأزق الأزمة الاقتصادية، وبعد أن زادت رؤوس الأموال، ظهرت الرغبة في استثمارها؛ لذلك توجهت الدول الأوربية إلى استعمار هذه الدول، خاصة الدول التي تتوفر بها المواد الأولية (الخام) الضرورية للإنتاج الصناعي. كما تحوّلت الثروة في أوربا من طبقة ملاّك الأراضي إلى طبقة برجوازية جديدة؛ هي طبقة التجار.

2- من الناحية السياسية: أدّت الكشوفات الجغرافية إلى الاستعمار والتوسّع، وبالتالي وقعت مشاحنات بين الدول الاستعمارية، مثال ذلك حرب السنوات السبع بين عدة دول أوربية (1756-1763م). وقد اشتد الصراع بين أسبانيا والبرتغال، اللتين لجأتا إلى البابا اسكندر السادس لتحكيمه، فعقدت معاهدة تورديسياس Tordesillas، والتي نصت على تقسيم العالم بخط وهمي يمتد عبر المحيط الأطلسي من الشمال إلى الجنوب.

3- من الناحية الدينية: تم تعويض الكنيسة الكاثوليكية في روما عمّا فقدته من أقاليم بسبب حركة الإصلاح الديني، فأدخلت اسبانيا السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية في العقيدة الكاثوليكية، لكن البرتغال لم تُفلح في تنصير المسلمين في الشرق. ومع ذلك عادت الكشوفات بفائدة كبيرة على الكنيسة الكاثوليكية.

4- من الناحية العلمية:تطوّرت وسائل المواصلات البحرية، وحدث انقلاب في المبادئ الأساسية التي يقوم عليها علم الجغرافيا، وهذا بإثبات كروية الأرض ونظرية دورانها حول الشمس، زد على ذلك التوصل إلى اختراع آلات دقيقة كالبوصلة والإسطرلاب، كما تطورت علوم البحار والملاحة والأرصاد الجوية، وعلم الجغرافيا على وجه الخصوص

5- من الناحية الاجتماعية والثقافية: انتقلت الشعوب الأوربية من العصر الوسيط إلى العصر الحديث، وتحسّنت أوضاعها الاجتماعية تدريجيا، حيث برزت طبقة اجتماعية جديدة، يمثّلها التّجار الذين ينشطون في الدول المستعمَرة، كما أرسَت حركة الاستعمار نظام التفرقة العنصرية، حيث كان البيضهم الأسياد، وازدهرت تجارة العبيد، وتعرّضت بعض الشعوب في المناطق المكتشفَة (الهنود الحمر مثلا) إلى الإبادة الجماعية. مقابل ذلك نشطت حركة الهجرة إلى العالم الجديد، خاصة من طرف الطوائف التي عانت الاضطهاد الديني.

خلاصة القول: كانت حركة الكشوفات الجغرافية حركة اقتصادية، دينية، سياسية وعلمية، اختلطت فيها المشاعر الدينية بالأطماع الاقتصادية. وقد أحدثت الكشوفات انقلابا في دول أوربا الغربية وفي أحوال البلاد المكتشفة، ورغم سلبياتها الكثيرة إلا أنها تُعدّ مظهرا من أهمّ مظاهر التطور البشري في العصر الحديث.