1. دوافع قيام حركة الكشوفات الجغرافية

دوافع قيام حركة الكشوفات الجغرافية:

         انطلقت حركة الكشوفات الجغرافية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين (15-16م)، حيث تنافست دول أوربا الغربية فيما بينها، سيما البرتغال واسبانيا، أما أهم دوافعها فهي:

1- الدوافـع الاقتصاديـة:رغبة دول أوربا في الوصول إلى منتجات الشرق (التوابل، البخور، الأحجار الكريمة، الحرير...)، دون وساطة، وبالتالي التخلص من الرسوم الجمركية التي تفرضها المماليك في الشام ومصر على التجارة الشرقية، أثناء مرورها على هذين البلدين، فقد كانت معظم السلع الشرقية تسلك طريقين رئيسيين إلى أوربا في العصور الوسطى، أولهما: طريق الخليج العربي عبر البصرة وبغداد وصولا إلى ثغور الشام. و ثانيهما: طريق البحر الأحمر عبر السويس ومنها إلى الإسكندرية، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع أسعار هذه المنتجات التي تدخل في تركيبات  عدة صناعات من بينها صناعة الدواء، ووصولها إلى القارة الأوربية بأثمان باهظة، جعلها تنافس أحيانا أسعار الذهب والفضة( فقد كان سعر "البُهار" مثلا يماثل أو يفوق أحيانا سعر معدن الفضة، لذلك كان يُطلق على التاجر الغني " كيس بهار" ).

2- الدوافـع الديـنــية:يَعتبر الكثير من المؤرخين، الدوافع الدينية هي المحرّك الأساسي لحركة الكشوفات الجغرافية، حيث أدّى لتعصّب المسيحيين خاصة البرتغاليين، الذين كانوا يهدفون إلى تحويل المسلمين في غرب أفريقيا إلى الكاثوليكية، فجعلوا هدفهم: "ضرب قوة المسلمين في مناطق غرب أفريقيا وشواطئ الأطلسي والمتوسط". أماالأسبان فكانوا يرغبون من جهتهم في نشر المسيحية وفق المذهب الكاثوليكي بين السكان الأصليين والوثنيين فيما وراء البحار، وقد استهدفت هذه الروح الصليبية كذلك تحويل الحبشة إلى المذهب الكاثوليكي، وفصلها عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر.

         كما ظفرت الكشوفات الجغرافية باهتمام كبير من الباباوات، فأصدر بعضهم عدة مراسيم تُخوّل اسبانيا والبرتغال الحق في ملكية كل إقليم جديد، فقد أرسل البابا نيقولا الخامس (1447-1455) عام 1454م مرسوما إلى ملك البرتغال، اشتمل على ما أُطلق عليه تسمية "خطة الهند"، وهي تقوم على إعداد حملة صليبية نهائية تشنها أوربا الكاثوليكية للقضاء على الإسلام، كما كانوا يَعدُون المشتركين في الرحلات الكشفية بالعفو عند الحساب، كما أظهر بعض هؤلاء المغامرين تعصبهم الديني مثل "كريستوف كولومبسChristophe colombos "، الذي كان يعد باستخدام الأموال التي سيجنيها في رحلاته البحرية لاسترجاع بيت المقدس.

3- الدافـع العـلمـي:شهدت علوم الفلك والرياضيات والجغرافيا تطورا كبيرا، وأصبح الاهتمام بهايتزايد، دون إهمال البحث عن الأسواق ومصادر الثراء طبعا؛ ويعود الفضل في دفع حركة الكشوفات الجغرافية إلى الأمير البرتغالي هنريالملاّح Don Henrique، الذي لقيَ الدّعم من القصر الملكي، فقام بتأسيس أكاديمية تهتم بهذا المجال (الجغرافيا، الرياح، الملاحة، بناء السفن)،وهو ما نتج عنه امتلاك البرتغال لسفن ضخمة، كما كانهنري الملاّح يُرسل طلاب العلم إلى الحواضر الإسلامية لنقل المعارف والعلوم عن العلماء العرب والمسلمين، حيث تذكر المراجع أنّ الجغرافي العُمَاني "أحمد بن ماجد" زوّد الرحّالة البرتغالي "فاسكو دا غاما" Vasco dagamma بمجموعة من الخرائط، وأرشده إلى الطريق المؤدي إلى الهند.

4- الـدافـع السياسـي: أدّى تنافس الدول الأوربية الكبرى على الزعامة والسيادة إلى سعي كل دولة للبحث عن مناطق نفوذ وتوسّع، لاستغلال خيرات هذه المناطق ثم استعمارها، فأسّست كل من اسبانيا والبرتغال إمبراطوريات استعمارية خارج أوربا، نتج عنها استغلال بشع لمقدّرات وثروات هذه الشعوب،والتي تعرّضت بدورها إلى الاستغلال. وقد فتحت هذه الحركة الكشفية أبواب الاستعمار الحديث، حيث بدأ التنافس الاستعماري بين مختلف القوى الأوربية.