محاضرة الكشوفات الجغرافية الأوربية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: تاريخ أوربا والأمريكيتين في الفترة الحديثة والمعاصرة
Livre: محاضرة الكشوفات الجغرافية الأوربية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Sunday 19 May 2024, 18:57

Description

 

1. دوافع قيام حركة الكشوفات الجغرافية

دوافع قيام حركة الكشوفات الجغرافية:

         انطلقت حركة الكشوفات الجغرافية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين (15-16م)، حيث تنافست دول أوربا الغربية فيما بينها، سيما البرتغال واسبانيا، أما أهم دوافعها فهي:

1- الدوافـع الاقتصاديـة:رغبة دول أوربا في الوصول إلى منتجات الشرق (التوابل، البخور، الأحجار الكريمة، الحرير...)، دون وساطة، وبالتالي التخلص من الرسوم الجمركية التي تفرضها المماليك في الشام ومصر على التجارة الشرقية، أثناء مرورها على هذين البلدين، فقد كانت معظم السلع الشرقية تسلك طريقين رئيسيين إلى أوربا في العصور الوسطى، أولهما: طريق الخليج العربي عبر البصرة وبغداد وصولا إلى ثغور الشام. و ثانيهما: طريق البحر الأحمر عبر السويس ومنها إلى الإسكندرية، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع أسعار هذه المنتجات التي تدخل في تركيبات  عدة صناعات من بينها صناعة الدواء، ووصولها إلى القارة الأوربية بأثمان باهظة، جعلها تنافس أحيانا أسعار الذهب والفضة( فقد كان سعر "البُهار" مثلا يماثل أو يفوق أحيانا سعر معدن الفضة، لذلك كان يُطلق على التاجر الغني " كيس بهار" ).

2- الدوافـع الديـنــية:يَعتبر الكثير من المؤرخين، الدوافع الدينية هي المحرّك الأساسي لحركة الكشوفات الجغرافية، حيث أدّى لتعصّب المسيحيين خاصة البرتغاليين، الذين كانوا يهدفون إلى تحويل المسلمين في غرب أفريقيا إلى الكاثوليكية، فجعلوا هدفهم: "ضرب قوة المسلمين في مناطق غرب أفريقيا وشواطئ الأطلسي والمتوسط". أماالأسبان فكانوا يرغبون من جهتهم في نشر المسيحية وفق المذهب الكاثوليكي بين السكان الأصليين والوثنيين فيما وراء البحار، وقد استهدفت هذه الروح الصليبية كذلك تحويل الحبشة إلى المذهب الكاثوليكي، وفصلها عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر.

         كما ظفرت الكشوفات الجغرافية باهتمام كبير من الباباوات، فأصدر بعضهم عدة مراسيم تُخوّل اسبانيا والبرتغال الحق في ملكية كل إقليم جديد، فقد أرسل البابا نيقولا الخامس (1447-1455) عام 1454م مرسوما إلى ملك البرتغال، اشتمل على ما أُطلق عليه تسمية "خطة الهند"، وهي تقوم على إعداد حملة صليبية نهائية تشنها أوربا الكاثوليكية للقضاء على الإسلام، كما كانوا يَعدُون المشتركين في الرحلات الكشفية بالعفو عند الحساب، كما أظهر بعض هؤلاء المغامرين تعصبهم الديني مثل "كريستوف كولومبسChristophe colombos "، الذي كان يعد باستخدام الأموال التي سيجنيها في رحلاته البحرية لاسترجاع بيت المقدس.

3- الدافـع العـلمـي:شهدت علوم الفلك والرياضيات والجغرافيا تطورا كبيرا، وأصبح الاهتمام بهايتزايد، دون إهمال البحث عن الأسواق ومصادر الثراء طبعا؛ ويعود الفضل في دفع حركة الكشوفات الجغرافية إلى الأمير البرتغالي هنريالملاّح Don Henrique، الذي لقيَ الدّعم من القصر الملكي، فقام بتأسيس أكاديمية تهتم بهذا المجال (الجغرافيا، الرياح، الملاحة، بناء السفن)،وهو ما نتج عنه امتلاك البرتغال لسفن ضخمة، كما كانهنري الملاّح يُرسل طلاب العلم إلى الحواضر الإسلامية لنقل المعارف والعلوم عن العلماء العرب والمسلمين، حيث تذكر المراجع أنّ الجغرافي العُمَاني "أحمد بن ماجد" زوّد الرحّالة البرتغالي "فاسكو دا غاما" Vasco dagamma بمجموعة من الخرائط، وأرشده إلى الطريق المؤدي إلى الهند.

4- الـدافـع السياسـي: أدّى تنافس الدول الأوربية الكبرى على الزعامة والسيادة إلى سعي كل دولة للبحث عن مناطق نفوذ وتوسّع، لاستغلال خيرات هذه المناطق ثم استعمارها، فأسّست كل من اسبانيا والبرتغال إمبراطوريات استعمارية خارج أوربا، نتج عنها استغلال بشع لمقدّرات وثروات هذه الشعوب،والتي تعرّضت بدورها إلى الاستغلال. وقد فتحت هذه الحركة الكشفية أبواب الاستعمار الحديث، حيث بدأ التنافس الاستعماري بين مختلف القوى الأوربية.

2. الكشوفات الجغرافية البرتغالية

الكشـوف البـرتغاليـة:

         كانت البرتغال السبّاقة في مجال الحركة الاستكشافية، حيث تمكّن الأمير هنري الملاّح (1394-1460م)، من اكتشاف جزء من سواحل إفريقيا يدفعه تحمسه الديني لنشر الكاثوليكية بين السكان، إذ وصل عام 1446م إلى مصب نهر السنغال وإلى الرأس الأخضر عام 1460م، وبعد وفاته اجتاز البرتغاليون خط الاستواء، ووصلوا عام 1482م إلى نهر الكونغو، واحتكروا الملاحة الساحلية (من الشاطئ الإفريقي إلى غينيا)، وتوقفت الكشوفات البرتغالية بسبب نشوب الحرب مع إسبانيا بين عامي 1475 و 1479. وفي عام 1488م خَطَت الكشوف الجغرافية البرتغالية خطوة هامة في مجال الكشف الجغرافي، حيث اكتشف "بارثيلمودياز" رأس الرجاء الصالح cap de bon espérant، لكن رحلته توقفت بسبب التمرّد الخطير للبحارة البرتغاليين المرافقين له.

         استأنف البرتغاليون جهودهم في هذا المجال، بغية الاهتداء إلى طريق بحري متصل إلى الهند يدور حول إفريقيا من الجهة الجنوبية، حيث تمكن الملاّح "فاسكو دا غاما" سنة 1497م، من اجتياز رأس الرجاء الصالح وعبور المحيط الهندي ليصل إلى السواحل الغربية للهند، وكان البرتغاليون يتركون حامية عسكرية عند كل منطقة يصلون إليها، وقد كان لهذا الاكتشاف الأثر السيئ المباشر على المماليك في مصر والشام.

3. الكشوفات الجغرافية الإسبانية

قادها بداية بعض المغامرين؛ في حين اتّخذت السلطة الرسمية موقفا معارضا لها، وأمام تدفق الأموال على خزينة البرتغال لم يقف الأسبان موقف المتفرج ، فأرسلوا حملة بحرية بقيادة الملاّح الجنوي (نسبة إلى مدينة جنوة الإيطالية) كريستوف كولومبس عام 1492م، الذي كان يعتقد بكروية الأرض وإمكانية الوصول إلى الشرق عن طريق الإبحار غربا، فوصل إلى إحدى جزر البهاما، وأطلق عليها اسم سان سلفادور Saint-Salvador، ثم اكتشف بعدها كوبا وهايتي (اسبانيا الصغيرة= Espanola)، وفي مارس 1493م، عاد إلى اسبانيا مُعتقدا أنه وصل فعلا إلى الطرف الشرقي للعالم (الهند)، ثم قام برحلته الثانية لاحتلال هذه الأراضي الجديدة واستعمارها، واستخراج الذهب ونشر المسيحية؛ فاكتشف جامايكا وعاد إلى اسبانيا سنة 1497م، وكانت آخر رحلاته سنة 1502م.

         وكان دُعاة المسيحية (الجزويت بصفة خاصة) يُرافقون هذه الرحلات الاستكشافية، وقد أدّى استخدام كولومبس الرقيق (العبيد) في الممتلكات الجديدة، إلى إثارة غضب الملكة"إيزابيلا"، فأُهمل أمره وتوفي سنة 1506م، إلا أنّ رحلاته كان لها أثران اثنان:

أولهما: قد عَمَد الملوك الكاثوليك إلى تثبيت ملكيتهم لهذه الأراضي الجديدة، خاصة عندما نشَط البرتغاليون في استكشافاتهم.، فأدرك الاسبان الفائدة العظيمة للكشوفات.

ثانيهما: فتح الطريق أمام رحلات الأفراد والمغامرين، ثم تشجيع ودعم الحركة الاستكشافية؛ فاستطاع الرحّالة الجدد بين عامي 1499-1508م، الوصول إلى اسبانيولا ثم إلى مصب نهر الأمازون وبرزخ بنما، وتبع ذلك توطُّن الأسبان بأمريكا الوسطى والجنوبية.

         في سنة 1512م، اتبع ملاّح آخر هو "أمريكو فيسبوتشي Amerigo Vespucci" الطريق الذي سلكه كولومبس، بعد أن ترك الاسبان ودخل في خدمة البرتغال؛ فاكتشف العالم الجديد (أمريكا)، الذي أخذ تسميته من اسم هذا المكتشف تخليدا له؛ ثم توالت الرحلات الاسبانية، حيث تمكن الرحّالة "فرديناند ماجلانMagellan "من الدوران حول الأرض بين سنتي 1519-1522م، وقد أحدثت هذه الرحلة ثورة حقيقية في مجالات عدة؛إذ أثبتت كُروية الأرض ودحض أفكار الكنيسة وأثبت خطأ أسس علم الجغرافيا التي كانت تلقنها الجامعات الأوربية لطلابها في العصور الوسطى، بعدها تسابقت الدول الأوربية إلى الحركة الاستكشافية بهدف التوسع الاستعماري.

4. نتائج الكشوفات الجغرافية

- من الناحية الاقتصادية: أثرت الكشوفات الجغرافية في التاريخ الأوربي الحديث تأثرا حاسما، كما كان لها الأثر السلبي على العالم الإسلامي، حيث انتقل مركز الثقل التجاري إلى المحيط الأطلسي بدلا من البحر الأبيض المتوسط (استعاد جزءاً من مكانته الاقتصادية بعدما فتحت قناة السويس بمصر عام 1869م). وتراجعت المكانة الاقتصادية للبلاد العربية (مماليك مصر والشام والعراق) وكذلك الجمهوريات الإيطالية، وفي الجانب الزراعي عرفت أوربا محاصيل جديدة من بينها البطاطس والكاكاو والتبغ، وأصبحت عنصرا هاما في القطاع التجاري. كما تدفقت المعادن النفيسة على أوربا، التي استغلّت مناجم الذهب، وبالتالي أخرجتها الكشوفات من مأزق الأزمة الاقتصادية، وبعد أن زادت رؤوس الأموال، ظهرت الرغبة في استثمارها؛ لذلك توجهت الدول الأوربية إلى استعمار هذه الدول، خاصة الدول التي تتوفر بها المواد الأولية (الخام) الضرورية للإنتاج الصناعي. كما تحوّلت الثروة في أوربا من طبقة ملاّك الأراضي إلى طبقة برجوازية جديدة؛ هي طبقة التجار.

2- من الناحية السياسية: أدّت الكشوفات الجغرافية إلى الاستعمار والتوسّع، وبالتالي وقعت مشاحنات بين الدول الاستعمارية، مثال ذلك حرب السنوات السبع بين عدة دول أوربية (1756-1763م). وقد اشتد الصراع بين أسبانيا والبرتغال، اللتين لجأتا إلى البابا اسكندر السادس لتحكيمه، فعقدت معاهدة تورديسياس Tordesillas، والتي نصت على تقسيم العالم بخط وهمي يمتد عبر المحيط الأطلسي من الشمال إلى الجنوب.

3- من الناحية الدينية: تم تعويض الكنيسة الكاثوليكية في روما عمّا فقدته من أقاليم بسبب حركة الإصلاح الديني، فأدخلت اسبانيا السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية في العقيدة الكاثوليكية، لكن البرتغال لم تُفلح في تنصير المسلمين في الشرق. ومع ذلك عادت الكشوفات بفائدة كبيرة على الكنيسة الكاثوليكية.

4- من الناحية العلمية:تطوّرت وسائل المواصلات البحرية، وحدث انقلاب في المبادئ الأساسية التي يقوم عليها علم الجغرافيا، وهذا بإثبات كروية الأرض ونظرية دورانها حول الشمس، زد على ذلك التوصل إلى اختراع آلات دقيقة كالبوصلة والإسطرلاب، كما تطورت علوم البحار والملاحة والأرصاد الجوية، وعلم الجغرافيا على وجه الخصوص

5- من الناحية الاجتماعية والثقافية: انتقلت الشعوب الأوربية من العصر الوسيط إلى العصر الحديث، وتحسّنت أوضاعها الاجتماعية تدريجيا، حيث برزت طبقة اجتماعية جديدة، يمثّلها التّجار الذين ينشطون في الدول المستعمَرة، كما أرسَت حركة الاستعمار نظام التفرقة العنصرية، حيث كان البيضهم الأسياد، وازدهرت تجارة العبيد، وتعرّضت بعض الشعوب في المناطق المكتشفَة (الهنود الحمر مثلا) إلى الإبادة الجماعية. مقابل ذلك نشطت حركة الهجرة إلى العالم الجديد، خاصة من طرف الطوائف التي عانت الاضطهاد الديني.

خلاصة القول: كانت حركة الكشوفات الجغرافية حركة اقتصادية، دينية، سياسية وعلمية، اختلطت فيها المشاعر الدينية بالأطماع الاقتصادية. وقد أحدثت الكشوفات انقلابا في دول أوربا الغربية وفي أحوال البلاد المكتشفة، ورغم سلبياتها الكثيرة إلا أنها تُعدّ مظهرا من أهمّ مظاهر التطور البشري في العصر الحديث.