2. الو م أ في فترة مابين الحربين العالميتين 1919-1939

2-1- مظاهر العودة إلى العزلة الدولية:

- نجاح الجمهوريين في الوصول إلى الرئاسة عام 1920، وتحقيقهم لشعارهم الداعي إلى العودة إلى الاستقرار (العزلة).  ثم دخول الولايات المتحدة مرحلة رخاء اقتصادي بعد الحرب؛ واستحواذها على نصف المخزون العالمي من الذهب، وارتفاع مستويات الإنتاج مما انعكس إيجابا على دخل الفرد.

- تعلّق عموم الشعب الأمريكي بمبدأ الرئيس المؤسس جورج واشنطن منذ عام 1796، والداعي إلى الابتعاد عن قضايا أوربا وصراعاتها.

- تطبيق الجمهوريين للعزلة الدولية، وسياسة داخلية تقوم على عدم تدخّل الحكومة في الشؤون الاقتصادية laisser faire.

- تصويت الجمهوريين لإقامة حواجز جمركية خوفا من المنافسة الاقتصادية الأجنبية، وهذا بهدف حماية السلع الأمريكية؛ على سبيل المثال: تعريفة فورد ماك كمبر – تعريفة سموت هولي، أغلقتا الأسواق الأمريكية في وجه السلع الأوربية والعكس صحيح.

- نجاح الثورة البلشفية في روسيا 1917م، التي تبنّت مبدأ نشر الشيوعية في العالم، وبداية الصراع الروسي الأوربي؛ كان داعيا آخرا لعودة الو م أ إلى عزلتها.

         مع ذلك بقيت العزلة الأمريكية صورية، وكانت العزلة الحقيقية مستحيلة، ولم يكن بوسع الو م أ أن تظلّ بعيدة عما بجري في أي مكان آخر بالعالم، فشارك الرئيس 'هاردينج' في مؤتمر دولي لنزع السلاح البحري، كما صادق الرئيس 'كوليدج' على ميثاق باريس، الذي قضى بعدم شرعية الحرب كأداة في العلاقات الدولية.

2-2- مخلّفات العودة إلى العزلة:

          جعل الرؤساء الجمهوريون الذين تعاقبوا على رئاسة الو م أ؛ العزلة سياسة رسمية، وهذا إلى غاية مجيء فرانكلين روزفلت عام 1932م، الذي طبّق مجموعة من الإصلاحات، وانتهج سياسة العدالة الاجتماعية للتخفيف من وطأة الرأسمالية؛ فاهتمّ بالزراعة والصناعة وتوفير الخدمات المختلفة، كما شملت الإصلاحات الاجتماعية التأمين على البطالة والشيخوخة، وهذا بعد أن عملت الحكومات المتعاقبة التي جاءت بعد ويلسن على هدم ما وضعه هذا الأخير من قوانين لفرض الرقابة على نشاط الشركات الاحتكارية.

         أدت سياسة الحكومات الأمريكية قبل مجيء فرانكلين روزفلت، إلى حدوث كساد  اقتصادي كبير منذ شهر أكتوبر عام 1929، وانعكس على الأمريكيين بزيادة عدد العاطلين عن العمل وانتشار الفقر وانخفاض أسعار المنتجات الزراعية والدخل الزراعي من 15 بليون دولار إلى 5 بليون دولار، كما أعلنت عشرات الشركات التجارية إفلاسها، وتمّ إغلاق المصارف وانخفاض الدخل القومي إلى النصف. كما أدى هبوط أسعار الأسهم في الأسواق المالية فجأة إلى غلق الكثير من البنوك والمؤسسات المالية (500 بنك وإفلاس أكثر من 4800 بنك بين عامي 1929-1932)، فضلا عن كساد المنتجات الزراعية؛ بفعل تباطؤ حركة التصدير نتيجة التعريفة الجمركية العالية المفروضة عليها. وهكذا عانت الو م أ من الأزمة الاقتصادية العالمية، ولم يكن باستطاعتها تفادي آثارها المدمّرة.

         على الصعيد الاجتماعي، اتّسم عقد العشرينات بانغماس الأمريكيين في الحياة المادية، وانصرافهم إلى جمع الأموال والإنفاق ببذخ (مجتمع مادي)، كما تنامت ظاهرة النزوح الريفي إلى المدن الكبرى والمتوسطة، وترك الأرض الفلاحية وحياة الريف، تحت تأثير السينما والراديو، وازدهار صناعة السيارات. وبحلول عام 1932م، بلغ عدد العاطلين عن العمل 12 مليون عاطل.

2-3- كسر العزلـة نهـائيـا:

         انكسرت العزلة الدولية الأمريكية على يد الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت، الذي جاء إلى الحكم في 4 مارس 1933م، وشرع في تنفذ برنامجه المعروف باسم: 'العهد الجديد new deal' ، الذي تضمّن جملة من الإصلاحات لمعالجة أسباب الكساد الاقتصادي.

         على المستوى الخارجي؛ تسارعت الأحداث السياسية الدولية، والتي أدّت في النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، خصوصا بعد خرق ألمانيا النازية لمعاهدة فرساي واحتلالها للراين ثم للنمسا عام 1938م، وشروع أدولف هتلر في تجسيد طموحه بإقامة ألمانيا العظمى باحتلال تشيكوسلوفاكيا، ثم دوره المؤثّر إلى جانب إيطاليا الفاشية في قيام نظام ديكتاتوري بإسبانيا عقب الحرب الأهلية الإسبانية التي اشتعلت عام 1936.

         ولمواجهة هذه المستجدات وفي إطار كسر العزلة؛ سنّ روزفلت 'قانون الإعارة والتأجير'، وبموجبه يجوز للو م أ تأجير أيّة معّدات أو تقدّم تسهيلات لأيّة دولة يكون الدفاع عنها دفاعا عن الو م أ ذاتها وحيويا لها، ومن ثمّة أصبح من الضروري تقديم مساعدات للدول المعادية لألمانيا (فرنسا وبريطانيا.. وحتى لروسيا) في حربها ضد النازية والفاشية. كما تمّ تقديم مساعدات عسكرية ومالية لإنجلترا خصوصا، وتجميد الاعتمادات المالية الموجّهة لإيطاليا وألمانيا. و شرعت الو م أ في حماية سفنها التي تحمل أسلحة لإنجلترا؛ عن طريق الاشتباك مع الغواصات الألمانية التي تعترض طريقها، والاستيلاء على سفن المحور. كما قامت الو م أ باحتلال جرينلاند وآيسلندا لاتّخاذهما قاعدتين عسكريتين.