الولايات المتحدة الأمريكية والحربان العالميتان

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: تاريخ أوربا والأمريكيتين في الفترة الحديثة والمعاصرة
Livre: الولايات المتحدة الأمريكية والحربان العالميتان
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Sunday 19 May 2024, 17:24

Description

تتناول المحاضرة ظروف كسر العزلة الأمريكية ودخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، ثم عودتها إلى العزلة من جديد في فترة ما بين الحربين العالميتين (1919-1939)، ونتطرق أيضا إلى أسباب كسر العزلة نهائيا من قبل الو م أ ودخولها الحرب العالمية الثانية عسكريا.

1. كسر العزلة ودخول الو م أ الحرب العالمية الأولى

1-1- التوجه نحو كسر العزلة: إذا كانت سياسة العزلة التي اتّبعتها دولة الولايات المتحدة لعقود طويلة من الزمن قد ارتبطت بالرئيس جيمس مونرو؛ فإنّ كسر العزلة قد ارتبط بالرئيس وودرو ويلسون Woodrow Wilson (1913-1919). ولعلّ من أبرز الخطوات الأمريكية في اتّجاه كسر العزلة؛ انتهاج سياسة 'الباب المفتوح'، حيث تدخّلت الولايات المتحدة الأمريكية في الصين عام 1899م، ثم جاءت وساطة الرئيس روزفلت في النزاع بين روسيا واليابان عام 1905م، حيث عُقد الصلح على الأراضي الأمريكية.

1-2- مبدأ الحياد الإيجابي: مع يداية الحرب العالمية الأولى؛ التزمت الو م أ الحياد بين دول الحلفاء (انجلترا، فرنسا وإيطاليا)، ودول الوسط (ألمانيا، النمسا وتركيا)، وكانت تراقب تطوّر العلاقات وأحداث الحرب بين المعسكرين، ومع مرور الأيام أدرك الرئيس ويلسن أنّ الحياد السلبي (العزلة) يضرّ كثيرا بالمصلحة الأمريكية اقتصاديا واستراتيجيا، وأنّ الحياد الإيجابي هو الذي يحقّق المصالح الأمريكية.

         والحياد الإيجابي يعني عدم دخول الحرب مباشرة؛ وإنّما الوساطة بين الطرفين المتنازعين ومحاولة وقف الحرب دون انتصار طرف على الآخر؛ لأن انتصار دول الوسط سيجعل من ألمانيا سيدة العالم، وكذلك انتصار الحلفاء سيؤدي إلى الهيمنة البريطانية على العالم، كما أنّ الحياد الإيجابي سيؤدي إلى رواج التجارة الأمريكية، فقد أضحت الو م أ المصدر الأساسي للسلاح، وأكبر المناطق المصدّرة للسلع نحو الدول المتحاربة.

         ووفق هذه السياسة؛ حاول ويلسن التوسّط بين المعسكرين في ديسمبر عام 1916، بهدف إبقاء الو م أ خارج الحرب (عسكريا)، في حين كانت الو م أ تقدّم القروض والمعونات لدول الحلفاء، وتقوم ببيع الأسلحة الحربية لكلى الطرفين المحاربين، لكن شعور الألمان بتحيّز أمريكا للحلفاء أثبته الواقع الميداني، حيث حصلت دول الوفاق على أكثر من مليار وتسعمائة مليون دولار كقروض أمريكية، مقابل خمسة ملايين دولار فقط لألمانيا.

         والحقّ أنّ تعاطف الأمريكيين مع الحلفاء، والخوف من عواقب انتصار ألمانيا، فضلا عن العوامل الاقتصادية، كانت سبباً في تحوّل السياسة الأمريكية من الحياد إلى دخول الحرب العالمية الأولى، وتجسّد ذلك في إقراض الأموال للحلفاء ودعمهم بالسلاح والذخائر الحربية، وقد جنت الو م أ من وراء ذلك أموالا طائلة، كما أفادت الزراعة الأمريكية كثيرا من وراء عمليات تصدير المنتجات الفلاحية؛ على غرار القطن والقمح ولحمر الخنزير إلى دول الحلفاء خاصة، بينما بقيت التجارة مع دول الوسط ضعيفة، بسبب الحصار البحري البريطاني المفروض على مياه المحيط الأطلنطي من جهة، ورغبة الأمريكيين في دعم الحلفاء من جهة ثانية. لقد غذّى هذا الاتجاه في السياسة الأمريكية الخارجية؛ تعاطف الشعب الأمريكي مع بريطانيا وحلفائها، وهذا بحكم الروابط التاريخية والحضارية التي تربط الأمريكيين بالوطن الأصلي (إنجلترا).

1-3- دخول الو م أ الحرب العالمية الأولى:

          قد تكون سياسة التخويف التي انتهجتها ألمانيا؛ عاملاً حاسماً في ذلك، أما السبب المباشر لدخول الو م أ غمار الحرب العالمية الأولى؛ فهو إصرار الألمان في اعتراض السفن الأمريكية المتوجّهة نحو أوربا (حرب الغواصات)، هذه الحرب التي أفقدت الو م أ كثيرا من السفن والمواطنين، وكبّدتها خسائر معتبرة، وأضّرت بشكل مباشر بمصالحها التجارية. على سبيل المثال قامت ألمانيا بإغراق الباخرة البريطانية 'لوزيتانيا' سنة 1915، فقتل 1200 شخص؛ من بينهم 128 أمريكي، وهو ما أثار موجة من الاستياء والغضب، ودفع بالرأي العام والصحافة الأمريكية إلى مطالبة الرئيس ويلسن بإعلان الحرب ضد ألمانيا.

         ومثّلت سنة 1917م؛ سنة عودة الغواصات الألمانية إلى حرب الغواصات بكلّ قوة؛ بهدف قطع المساعدات الأمريكية على بريطانيا وتجويعها، وقامت بإغراق ثمان سفن أمريكية خلال بضعة أسابيع فقط، فثارت ثاسرة الأمريكيين، وكانت الخطوة الأمريكية الأولى هي إعلان ويلسن في 3 فيفري 1917م قطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا، ثم إعلان الو م أ الحرب رسميا ضد ألمانيا في 6 أفريل 1917م كخطوة ثانية؛ وهذا بعد إغراق الغواصات الألمانية لعدد من السفن الأمريكية بصورة استفزازية.

         والحق أنّ إعلان الو م أ الحرب على ألمانيا، جاء لقطع الطريق أمامها ومنعها من الانتصار على الحلفاء، وقد تبعه إعلان الرئيس ويلسن عن مبادئه الأربعة عشر في 8 جانفي 1918م، وأهمّ ما ورد فيها:

- علانية عقد المعاهدات الدولية.           - احترام التجارة والملاحة البحرية في أوقات السلم والحرب.

- خفض التسليح الدولي والابتعاد عن سباق التسلح. - حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة.

- ضرورة جلاء القوات الألمانية عن الأراضي التي استعمرتها.

- تكوين جمعية عامة أو عصبة أمم تعمل على حفظ الأمن وتوطيد السلام، واحترام أراضي الدول وحدودها، وتكفل لجميع الدول الكبيرة والصغيرة  على السواء استقلالها السياسي.

         قبل هذا؛ كان أوّل إنزال عسكري أمريكي في أوربا؛ وبفرنسا تحديدا خلال شهر جوان 1917، وإلى غاية شهر أكتوبر 1918، بلغ تعداد الجيش الأمريكي المقاتل 1,3 مليون، فاضطرّت ألمانيا بعد دخول الو م أ الحرب وترجيح الكفّة لصالح بريطانيا وحلفائها؛ إلى طلب عقد هدنة منذ 11 سبتمبر عام 1918م، ثم الاستسلام، ودخول مفاوضات الصلح في مؤتمر باريس 1919م، الذي حضره الرئيس الأمريكي ويلسن، حيث حرص على إدراج مبادئه سالفة الذكر في معاهدة الصلح (معاهدة استسلام ألمانيا) التي عقدت بقصر فرساي في شهر جوان 1919، والتي نصّت أيضا على إنشاء عصبة الأمم.

         بعد نهاية الحرب الأولى، نشبت معارضة ضارية في الو م أ للرئيس ويلسن ومعاهدة فرساي، خاصة من طرف الزعماء السياسيين الجمهوريين، وهكذا رفض مجلس الشيوخ الأمريكي التصديق على المعاهدة والاعتراف بميثاق عصبة الأمم؛ وكان هذا الأمر ضد رغبة الرئيس ويلسن، وهو أيضا بمثابة إعلان عن عودة الو م أ إلى سياسة العزلة القديمة رغم أنّها لم تكن مجدية، ورغم أنّها خرجت منتصرة من الحرب وكانت الرابح الأول فيها.

2. الو م أ في فترة مابين الحربين العالميتين 1919-1939

2-1- مظاهر العودة إلى العزلة الدولية:

- نجاح الجمهوريين في الوصول إلى الرئاسة عام 1920، وتحقيقهم لشعارهم الداعي إلى العودة إلى الاستقرار (العزلة).  ثم دخول الولايات المتحدة مرحلة رخاء اقتصادي بعد الحرب؛ واستحواذها على نصف المخزون العالمي من الذهب، وارتفاع مستويات الإنتاج مما انعكس إيجابا على دخل الفرد.

- تعلّق عموم الشعب الأمريكي بمبدأ الرئيس المؤسس جورج واشنطن منذ عام 1796، والداعي إلى الابتعاد عن قضايا أوربا وصراعاتها.

- تطبيق الجمهوريين للعزلة الدولية، وسياسة داخلية تقوم على عدم تدخّل الحكومة في الشؤون الاقتصادية laisser faire.

- تصويت الجمهوريين لإقامة حواجز جمركية خوفا من المنافسة الاقتصادية الأجنبية، وهذا بهدف حماية السلع الأمريكية؛ على سبيل المثال: تعريفة فورد ماك كمبر – تعريفة سموت هولي، أغلقتا الأسواق الأمريكية في وجه السلع الأوربية والعكس صحيح.

- نجاح الثورة البلشفية في روسيا 1917م، التي تبنّت مبدأ نشر الشيوعية في العالم، وبداية الصراع الروسي الأوربي؛ كان داعيا آخرا لعودة الو م أ إلى عزلتها.

         مع ذلك بقيت العزلة الأمريكية صورية، وكانت العزلة الحقيقية مستحيلة، ولم يكن بوسع الو م أ أن تظلّ بعيدة عما بجري في أي مكان آخر بالعالم، فشارك الرئيس 'هاردينج' في مؤتمر دولي لنزع السلاح البحري، كما صادق الرئيس 'كوليدج' على ميثاق باريس، الذي قضى بعدم شرعية الحرب كأداة في العلاقات الدولية.

2-2- مخلّفات العودة إلى العزلة:

          جعل الرؤساء الجمهوريون الذين تعاقبوا على رئاسة الو م أ؛ العزلة سياسة رسمية، وهذا إلى غاية مجيء فرانكلين روزفلت عام 1932م، الذي طبّق مجموعة من الإصلاحات، وانتهج سياسة العدالة الاجتماعية للتخفيف من وطأة الرأسمالية؛ فاهتمّ بالزراعة والصناعة وتوفير الخدمات المختلفة، كما شملت الإصلاحات الاجتماعية التأمين على البطالة والشيخوخة، وهذا بعد أن عملت الحكومات المتعاقبة التي جاءت بعد ويلسن على هدم ما وضعه هذا الأخير من قوانين لفرض الرقابة على نشاط الشركات الاحتكارية.

         أدت سياسة الحكومات الأمريكية قبل مجيء فرانكلين روزفلت، إلى حدوث كساد  اقتصادي كبير منذ شهر أكتوبر عام 1929، وانعكس على الأمريكيين بزيادة عدد العاطلين عن العمل وانتشار الفقر وانخفاض أسعار المنتجات الزراعية والدخل الزراعي من 15 بليون دولار إلى 5 بليون دولار، كما أعلنت عشرات الشركات التجارية إفلاسها، وتمّ إغلاق المصارف وانخفاض الدخل القومي إلى النصف. كما أدى هبوط أسعار الأسهم في الأسواق المالية فجأة إلى غلق الكثير من البنوك والمؤسسات المالية (500 بنك وإفلاس أكثر من 4800 بنك بين عامي 1929-1932)، فضلا عن كساد المنتجات الزراعية؛ بفعل تباطؤ حركة التصدير نتيجة التعريفة الجمركية العالية المفروضة عليها. وهكذا عانت الو م أ من الأزمة الاقتصادية العالمية، ولم يكن باستطاعتها تفادي آثارها المدمّرة.

         على الصعيد الاجتماعي، اتّسم عقد العشرينات بانغماس الأمريكيين في الحياة المادية، وانصرافهم إلى جمع الأموال والإنفاق ببذخ (مجتمع مادي)، كما تنامت ظاهرة النزوح الريفي إلى المدن الكبرى والمتوسطة، وترك الأرض الفلاحية وحياة الريف، تحت تأثير السينما والراديو، وازدهار صناعة السيارات. وبحلول عام 1932م، بلغ عدد العاطلين عن العمل 12 مليون عاطل.

2-3- كسر العزلـة نهـائيـا:

         انكسرت العزلة الدولية الأمريكية على يد الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت، الذي جاء إلى الحكم في 4 مارس 1933م، وشرع في تنفذ برنامجه المعروف باسم: 'العهد الجديد new deal' ، الذي تضمّن جملة من الإصلاحات لمعالجة أسباب الكساد الاقتصادي.

         على المستوى الخارجي؛ تسارعت الأحداث السياسية الدولية، والتي أدّت في النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، خصوصا بعد خرق ألمانيا النازية لمعاهدة فرساي واحتلالها للراين ثم للنمسا عام 1938م، وشروع أدولف هتلر في تجسيد طموحه بإقامة ألمانيا العظمى باحتلال تشيكوسلوفاكيا، ثم دوره المؤثّر إلى جانب إيطاليا الفاشية في قيام نظام ديكتاتوري بإسبانيا عقب الحرب الأهلية الإسبانية التي اشتعلت عام 1936.

         ولمواجهة هذه المستجدات وفي إطار كسر العزلة؛ سنّ روزفلت 'قانون الإعارة والتأجير'، وبموجبه يجوز للو م أ تأجير أيّة معّدات أو تقدّم تسهيلات لأيّة دولة يكون الدفاع عنها دفاعا عن الو م أ ذاتها وحيويا لها، ومن ثمّة أصبح من الضروري تقديم مساعدات للدول المعادية لألمانيا (فرنسا وبريطانيا.. وحتى لروسيا) في حربها ضد النازية والفاشية. كما تمّ تقديم مساعدات عسكرية ومالية لإنجلترا خصوصا، وتجميد الاعتمادات المالية الموجّهة لإيطاليا وألمانيا. و شرعت الو م أ في حماية سفنها التي تحمل أسلحة لإنجلترا؛ عن طريق الاشتباك مع الغواصات الألمانية التي تعترض طريقها، والاستيلاء على سفن المحور. كما قامت الو م أ باحتلال جرينلاند وآيسلندا لاتّخاذهما قاعدتين عسكريتين.

   

3. دخول الو م أ الحرب العالمية الثانية عسكريا

في شهر أوت 1941م، تمّ الاجتماع بين روزفلت وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، حيث أصدرا 'ميثاق الأطلسي'، الذي تضمّن التعاون معا لهزيمة دول المحور، وتأسيس منظّمة دولية للأمن والتعاون الاقتصادي والعمل على نزع السلاح. و هكذا تخّلت الو م أ عن عزلتها نهائيا، بعد أن أدرك الأمريكيون بأنه لا يمكنهم البقاء محايدين في ظل تطور الأحداث على الصعيد العالمي، وأنّ الو م أ ستتأثّر حتما، حتى وإن أرادت النأي بنفسها عمّا يجري.

لقد مثّل اعتداء اليابان على قاعدة بيرل هاربر البحرية في جزر هاواي يوم 7 ديسمبر 1941؛ فرصة سانحة لإعلان الحرب ضد اليابان ودخولها غمار الحرب العالمية الثانية عسكريا، بعد أن دخلتها سياسيا ودبلوماسيا سابقا. وقد قابل ذلك إعلان ألمانيا وإيطاليا الحرب على الو م أ إلى جانب حليفتهما اليابان. وقد شاركت الو م أ في الحرب على جبهتين:

- شرقية: في عرض مياه المحيط الهادي، بهدف السيطرة عليه وربح الحرب هناك ضد اليابان.

- غربية: في أوربا وشمال إفريقيا ضد ألمانيا وإيطاليا، حيث تم الإنزال العسكري الأمريكي لصالح الحلفاء في فرنسا، وفي شمال إفريقيا بهدف ضرب قوة موسوليني في إيطاليا.

         قام الأمريكيون بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما و ناكازاكي في شهر أوت 1945م، ثم جاء استسلام ألمانيا وبعدها اليابان دون قيد أو شرط. و كان للو م أ (الرئيس ترومان) دور رئيسي في تأسيس هيئة الأمم المتحدة في شهر جويلية 1945م، التي اتّخذت من نيويورك مقرا لها.