1. كسر العزلة ودخول الو م أ الحرب العالمية الأولى

1-1- التوجه نحو كسر العزلة: إذا كانت سياسة العزلة التي اتّبعتها دولة الولايات المتحدة لعقود طويلة من الزمن قد ارتبطت بالرئيس جيمس مونرو؛ فإنّ كسر العزلة قد ارتبط بالرئيس وودرو ويلسون Woodrow Wilson (1913-1919). ولعلّ من أبرز الخطوات الأمريكية في اتّجاه كسر العزلة؛ انتهاج سياسة 'الباب المفتوح'، حيث تدخّلت الولايات المتحدة الأمريكية في الصين عام 1899م، ثم جاءت وساطة الرئيس روزفلت في النزاع بين روسيا واليابان عام 1905م، حيث عُقد الصلح على الأراضي الأمريكية.

1-2- مبدأ الحياد الإيجابي: مع يداية الحرب العالمية الأولى؛ التزمت الو م أ الحياد بين دول الحلفاء (انجلترا، فرنسا وإيطاليا)، ودول الوسط (ألمانيا، النمسا وتركيا)، وكانت تراقب تطوّر العلاقات وأحداث الحرب بين المعسكرين، ومع مرور الأيام أدرك الرئيس ويلسن أنّ الحياد السلبي (العزلة) يضرّ كثيرا بالمصلحة الأمريكية اقتصاديا واستراتيجيا، وأنّ الحياد الإيجابي هو الذي يحقّق المصالح الأمريكية.

         والحياد الإيجابي يعني عدم دخول الحرب مباشرة؛ وإنّما الوساطة بين الطرفين المتنازعين ومحاولة وقف الحرب دون انتصار طرف على الآخر؛ لأن انتصار دول الوسط سيجعل من ألمانيا سيدة العالم، وكذلك انتصار الحلفاء سيؤدي إلى الهيمنة البريطانية على العالم، كما أنّ الحياد الإيجابي سيؤدي إلى رواج التجارة الأمريكية، فقد أضحت الو م أ المصدر الأساسي للسلاح، وأكبر المناطق المصدّرة للسلع نحو الدول المتحاربة.

         ووفق هذه السياسة؛ حاول ويلسن التوسّط بين المعسكرين في ديسمبر عام 1916، بهدف إبقاء الو م أ خارج الحرب (عسكريا)، في حين كانت الو م أ تقدّم القروض والمعونات لدول الحلفاء، وتقوم ببيع الأسلحة الحربية لكلى الطرفين المحاربين، لكن شعور الألمان بتحيّز أمريكا للحلفاء أثبته الواقع الميداني، حيث حصلت دول الوفاق على أكثر من مليار وتسعمائة مليون دولار كقروض أمريكية، مقابل خمسة ملايين دولار فقط لألمانيا.

         والحقّ أنّ تعاطف الأمريكيين مع الحلفاء، والخوف من عواقب انتصار ألمانيا، فضلا عن العوامل الاقتصادية، كانت سبباً في تحوّل السياسة الأمريكية من الحياد إلى دخول الحرب العالمية الأولى، وتجسّد ذلك في إقراض الأموال للحلفاء ودعمهم بالسلاح والذخائر الحربية، وقد جنت الو م أ من وراء ذلك أموالا طائلة، كما أفادت الزراعة الأمريكية كثيرا من وراء عمليات تصدير المنتجات الفلاحية؛ على غرار القطن والقمح ولحمر الخنزير إلى دول الحلفاء خاصة، بينما بقيت التجارة مع دول الوسط ضعيفة، بسبب الحصار البحري البريطاني المفروض على مياه المحيط الأطلنطي من جهة، ورغبة الأمريكيين في دعم الحلفاء من جهة ثانية. لقد غذّى هذا الاتجاه في السياسة الأمريكية الخارجية؛ تعاطف الشعب الأمريكي مع بريطانيا وحلفائها، وهذا بحكم الروابط التاريخية والحضارية التي تربط الأمريكيين بالوطن الأصلي (إنجلترا).

1-3- دخول الو م أ الحرب العالمية الأولى:

          قد تكون سياسة التخويف التي انتهجتها ألمانيا؛ عاملاً حاسماً في ذلك، أما السبب المباشر لدخول الو م أ غمار الحرب العالمية الأولى؛ فهو إصرار الألمان في اعتراض السفن الأمريكية المتوجّهة نحو أوربا (حرب الغواصات)، هذه الحرب التي أفقدت الو م أ كثيرا من السفن والمواطنين، وكبّدتها خسائر معتبرة، وأضّرت بشكل مباشر بمصالحها التجارية. على سبيل المثال قامت ألمانيا بإغراق الباخرة البريطانية 'لوزيتانيا' سنة 1915، فقتل 1200 شخص؛ من بينهم 128 أمريكي، وهو ما أثار موجة من الاستياء والغضب، ودفع بالرأي العام والصحافة الأمريكية إلى مطالبة الرئيس ويلسن بإعلان الحرب ضد ألمانيا.

         ومثّلت سنة 1917م؛ سنة عودة الغواصات الألمانية إلى حرب الغواصات بكلّ قوة؛ بهدف قطع المساعدات الأمريكية على بريطانيا وتجويعها، وقامت بإغراق ثمان سفن أمريكية خلال بضعة أسابيع فقط، فثارت ثاسرة الأمريكيين، وكانت الخطوة الأمريكية الأولى هي إعلان ويلسن في 3 فيفري 1917م قطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا، ثم إعلان الو م أ الحرب رسميا ضد ألمانيا في 6 أفريل 1917م كخطوة ثانية؛ وهذا بعد إغراق الغواصات الألمانية لعدد من السفن الأمريكية بصورة استفزازية.

         والحق أنّ إعلان الو م أ الحرب على ألمانيا، جاء لقطع الطريق أمامها ومنعها من الانتصار على الحلفاء، وقد تبعه إعلان الرئيس ويلسن عن مبادئه الأربعة عشر في 8 جانفي 1918م، وأهمّ ما ورد فيها:

- علانية عقد المعاهدات الدولية.           - احترام التجارة والملاحة البحرية في أوقات السلم والحرب.

- خفض التسليح الدولي والابتعاد عن سباق التسلح. - حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة.

- ضرورة جلاء القوات الألمانية عن الأراضي التي استعمرتها.

- تكوين جمعية عامة أو عصبة أمم تعمل على حفظ الأمن وتوطيد السلام، واحترام أراضي الدول وحدودها، وتكفل لجميع الدول الكبيرة والصغيرة  على السواء استقلالها السياسي.

         قبل هذا؛ كان أوّل إنزال عسكري أمريكي في أوربا؛ وبفرنسا تحديدا خلال شهر جوان 1917، وإلى غاية شهر أكتوبر 1918، بلغ تعداد الجيش الأمريكي المقاتل 1,3 مليون، فاضطرّت ألمانيا بعد دخول الو م أ الحرب وترجيح الكفّة لصالح بريطانيا وحلفائها؛ إلى طلب عقد هدنة منذ 11 سبتمبر عام 1918م، ثم الاستسلام، ودخول مفاوضات الصلح في مؤتمر باريس 1919م، الذي حضره الرئيس الأمريكي ويلسن، حيث حرص على إدراج مبادئه سالفة الذكر في معاهدة الصلح (معاهدة استسلام ألمانيا) التي عقدت بقصر فرساي في شهر جوان 1919، والتي نصّت أيضا على إنشاء عصبة الأمم.

         بعد نهاية الحرب الأولى، نشبت معارضة ضارية في الو م أ للرئيس ويلسن ومعاهدة فرساي، خاصة من طرف الزعماء السياسيين الجمهوريين، وهكذا رفض مجلس الشيوخ الأمريكي التصديق على المعاهدة والاعتراف بميثاق عصبة الأمم؛ وكان هذا الأمر ضد رغبة الرئيس ويلسن، وهو أيضا بمثابة إعلان عن عودة الو م أ إلى سياسة العزلة القديمة رغم أنّها لم تكن مجدية، ورغم أنّها خرجت منتصرة من الحرب وكانت الرابح الأول فيها.