1. الأوضاع العامة في المستعمرات الاسبانية قبل اندلاع الثورات

1- اجتماعيا: تميّز المجتمع في أمريكا اللاتينية بالطبقية الشديدة،  وقد طبّق الاستعمار الاسباني نظام الأجناس، وساد التمييز العنصري بين مختلف الطبقات:

1-1- طبقة الرجال البيض: وشملت هذه الطبقة فئتين اجتماعيتين: فئة الغاشوبين Gachupines وهم البيض المولودون بإسبانيا وقد استأثروا بالمناصب العسكرية والمدنية الهامة. وفئة الكريول créoles وهم الإسبان المولودون بالعالم الجديد، والذين حرموا من المناصب والامتيازات، ولم يحصلوا إلا على بعض الوظائف في المجالس البلدية للمستعمرات.

1-2- طبقة المولدون (المهجنون): كانت غالبيتهم من الفئة المعدمة التي احترفت التسوّل، وكان عددهم في المكسيك وحدها بين 15 و20 ألف نسمة، ولجأ هؤلاء إلى اللصوصية وقطع الطريق.

1-3- الطبقة الكادحة: وضمت هي الأخرى فئتين: فئة الزنوج العبيد: وقد تم جلبهم من إفريقيا للعمل في المزارع والمناجم ومختلف الأعمال الشاقة. وفي أسفل السلم الاجتماعي نجد فئة الهنود: وهم السكان الأصليون لهذه البلاد، وقد تعرّضوا للاستغلال بقسوة والإبادة على يد الغزاة الإسبان.

         وقد ظلّ المجتمع تحت سيطرة فئة أرستقراطية؛ كانت تعيش حياة الرخاء والترف، مقابل تطلّع فئة  'النبلاء الفقراء' القادمين من اسبانيا إلى الثراء، مع بقاء الطبقة الكادحة في أسفل الهرم الاجتماعي تعاني الفقر والحرمان والاضطهاد، كما ساد المجتمع المستعمَر التعصّب الديني وتميز أيضا بالهيكل الاجتماعي المغلق.

2- على الصعيد السياسي والإداري:

         عرفت أمريكا اللاتينية تحت تأثير السياسة الاستعمارية الاسبانية؛ الاستبداد السياسي، حيث كانت تخضع للحكم الاسباني المباشر، وقد تميزت الإدارة الاسبانية للمستعمرات الأمريكية بالفساد الإداري وانتشار الرشوة وظاهرة شراء المناصب المهمّة. والصراع الدائم بين رجال الدين والعسكريين حول السلطة.

         كانت الإدارة الاسبانية تتمّيز بالثقل الإداري والفساد، وكانت الأمور تزداد تأزّما يوما بعد يوم، وقد سعى المستوطنون المولدون في العالم الجديد (الكريول) إلى تولّي إدارة المجالس البلدية للمستعمرات -رغم فسادها؛ لأنّها الوظائف الوحيدة التي كان بإمكانهم الحصول عليها. فمن بين العيوب الرئيسية للإدارة الاستعمارية الاسبانية تفضيل المولودين في الوطن الأم (الغاشوبين) عن أولئك المولودين في المستعمرات بحجة: " أنّ العرقي الإسباني ينحط مستواه في ظلّ مناخ العالم الجديد".

3- اقتصاديا: عرف العالم الجديد انتقال مظاهر الإقطاع الاقتصادي الأوربي الذي كان سائدا بأوربا خلال العصور الوسطى، وقد تمّ إنشاء مؤسسات المزارع، وتخصيص الضيعات الواسعة جدا للرجال البيض الأرستقراطيين، كما سيطرت فكرة 'الأرض مصدر الثروة'؛ رغم ظهور صناعات جديدة تدريجيا، إلا أنّ الاهتمام انصب على المناجم واستخراج المعادن بغية تحويلها إلى اسبانيا، وكانت أقلية أوربية تمتلك الأراضي والعبيد والمراكز الهامة، وتحتقر الأغلبية (مولدين- زنوج-هنود).  

4- على صعيد الثقافة والتعليم: سار رجال الدين جنبا إلى جنب مع المستكشفين والعسكريين في اكتشاف واستيطان أمريكا اللاتينية، وكان نشر المسيحية وفق المذهب الكاثوليكي أحد الأهداف الهامة، كما قام الغزاة بتهديم معابد الهنود وأصنامهم، و بنوا مكانها الأديرة والكنائس والمستشفيات لأغراض التبشير.

         ولم يكتف هؤلاء بنشر المسيحية؛ بل قاموا بدراسة تاريخ شعوب أمريكا وحضارتها، وبوضع المعاجم اللغوية باللغة الإسبانية، وترجمة الإنجيل إلى لغات هذه الشعوب، وقد نجحوا خلال فترات وجيزة في تنصير ملايين الهنود، الذين تمّ تلقينهم تعاليم المسيحية باستخدام مختلف الوسائل (الجداول، الموسيقى، الأغاني)، وقاموا بتهيئة مدارس لتعليم اللاتينية والفلسفة الدينية لأبناء العائلات الكبيرة، فضلا عن تعليم الهنود مختلف الحرف والتقنيات الأوربية في البناء والنحت والرسم والنجارة؛ بغرض تطويعهم في تشييد المدن الجديدة.

         في مقابل ذلك؛ حارب رجال الدين الكاثوليك حرية التعبير الفكري، وسخّروا لذلك محاكم التفتيش (بداية من عام 1570م بمدينة ليما) والفهارس وإمكانيات الدولة المستعمِرة، ودعوا إلى سيطرة العقيدة على العقل والروح والجسد. وقد أدّى اندماج العناصر الثقافية المختلفة إلى إنتاج ثقافة هجينة، بفعل احتكار الكنيسة للعملية التعليمية، من خلال إدارتها للمدارس، وتلقين أفكار العصور الوسطى.