3. المطلب الثالث : أنواع الودائع

المطلب الثالث : أنواع الودائع :
هناك عدة أنواع للودائع تختلف بحسب الغرض منها . فهناك الودائع التي توضع في البنوك لمجرد الاحتفاظ بها ، و هناك نوع آخر من الودائع ينتظر أصحابها تحقيق عوائد من ورائها . و عموما، يمكن أن نذكر أربعة أنواع رئيسية للودائع:

الفرع الأول : الودائع تحت الطلب أو الودائع الجارية:
تتميز الودائع تحت الطلب بخصائص تميزها عن غيرها من الودائع. و كما يدل اسمها، فهذه الودائع هي دائما تحت تصرف أصحابها ، يمكنهم اللجوء إلى سحبها كليا أو جزئيا متى شاءوا ، و دون إشعار مسبق . فالوديعة ، وإن كانت بحوزة البنك ، فهي تحت التصرف المطلق لصاحبها . ولا يحق للبنك أن يفرض قيودا أو شروطا أمام صاحبها أثناء السحب، ولا يجوز له أن يتحجج بأي حجة كانت من شأنها أن تشكل عراقيل أمام المودعين في استعمال هذه الودائع.
ومقابل هذه الخاصية، لا يمكن لأصحاب هذا النوع من الودائع الاستفادة من فوائد. وهم لا يستطيعون أن يفرضوا ذلك على البنوك نظرا للطبيعة الجارية للوديعة ، على الرغم من أن البنك بإمكانه استعمال هذه الودائع في منح القروض ، ولا شيء يمنعه من ذلك سوى ما يتوقعه من عمليات سحب. وهناك من الأنظمة المالية ما يمنع صراحة إعطاء فوائد على الودائع. ويسمح مثل هذا الأمر للبنوك باستعمال موارد مالية غير مكلفة، الأمر الذي يسمح بالتوسع في القروض نظرا لتكلفته المنخفضة نسبياً.
وتؤكدّ الوقائع على أهمية هذا النوع من الودائع، بحيث تشكلّ المصدر الأساسي للسيولة في النشاط المصرفي، إذ تكّون الجزء الأكبر من موارده الخارجية، أما في المصارف الإسلامية فيكون التركيز على الوديعة الاستثمارية، لذلك لا يدفع المصرف الإسلامي أية أرباح عن المبالغ المودعة في الودائع تحت الطلب، ولا يدفع العملاء أية مصاريف إدارية لهذا الحساب.

الفرع الثاني : الودائع لأجل :
هي تلك الودائع التي يضعها أصحابها في البنوك لفترة معينة، ولا يمكن لهم سحبها إلا بعد انقضاء هذه الفترة و تقديم إخطار للبنك بتاريخ السحب. فالوقت يعتبر إذا عاملا تصنف على أساسه هذه الودائع، وتميزه عن غيرها. فهي ليست ودائع جارية تماما بحكم العقبات والشروط التي تعترض صاحبها أثناء عمليات السحب بالإضافة إلى أنها تبقى بحوزة البنك لفترة ما تكون محل اتفاق بين الطرفين. وهي كذلك ليست ودائع ادخارية بالمعنى الدقيق لهذا المفهوم، نظرا لأن بقاءها بالبنك لا يكون في العادة لفترات طويلة. 
وعلى هذا الأساس ، تعتبر الودائع لأجل من التوظيفات السائلة قصيرة الأجل. فهي تجمع بين خاصيتي التوظيف و السيولة . فخاصية التوظيف تعطي لصاحبها الحق في الحصول على عائد في شكل فائدة ، بينما خاصية السيولة تعني أن المدة التي تبقاها الوديعة في البنك ليست بالطويلة ، بالإضافة إلى وجود إمكانية سحبها في أي وقت ولكن بعد استيفاء بعض الشروط الضرورية مثل الإخطار المسبق و احتمال تحمل فائدة سلبية على أساس المبلغ المسحوب.
ويعتبر هذا النوع من الودائع من بين العناصر الأساسية ، مثلما هو الشأن في الودائع الجارية ، التي تمكن البنك من إنشاء نقود الودائع . ويكفي البنك أن يحصل على وديعة من هذا النوع لكي يوسع من قدراته الإقراضية بشكل أكبر من الوديعة ذاتها .

وتأتي أهمية هذا النوع من الودائع من كونها توفّر استقراراً أكبر لعمليات المصرف التجاري، إذ بإمكانه التصّرف باطمئنان في أموال هذه الودائع.
أما المصارف الإسلامية فتستثمر الودائع الاستثمارية مع رأسمالها المعدّ لذلك في المشروعات الإنتاجية المختلفة، سواء بطريق مباشر أو بطريق تمويل مشروعات الغير على أساس عقد المضاربة الشرعية أو المشاركات بأنواعها المختلفة، بحيث تتشارك الودائع الاستثمارية في ناتج أعمال المصرف الإسلامي غُنماً أو غُرماً.
ملاحظة: 
إن نسبة الفائدة ـ كحافز للإدخارـ التي تعرضها البنوك لقاء الودائع لأجل هي أعلى من الفائدة على ودائع التوفير الجارية. والسبب هو أن إرتباط ودائع الأجل بمواعيد محددة معروفة مسبقا يعطي البنك الحرية في إعادة استخدامها (بأن يقرضها للغير) وبالتالي فهو مستعد لأن يكافئ على هذه الحرية بزيادة الفائدة على إيداعها لديه، في حين أن ودائع التوفير الجارية لا تعطي نفس الحرية للبنك باعتبارها جارية أي مستحقة الطلب في أي وقت.

الفرع الثالث : الودائع الادخارية:
تعتبر هذه الودائع بمثابة عملية توفير وادخار حقيقية نظرا لمدة إيداعها في البنوك والعائد المنتظر منها . فهذه الودائع تبقى لفترات طويلة في البنك ، لا يمكن لصاحبها أن يسحبها مهما كانت الظروف . وهو يواجه عراقيل عديدة أولها ضرورة انقضاء مدة الإيداع .
كما أن أصحاب هذه الودائع يحصلون على فوائد معتبرة تعتبر عوائد توظيف حقيقية للأموال ، وتعكس الطبيعة الادخارية لهذه الودائع . ومقابل هذه التكلفة التي تعتبر مرتفعة نسبيا بالنسبة للبنك مقارنة بما يدفعه مقابل الودائع لأجل مثلا ، فإنه يضمن بقاء هذه الأموال بحوزته لفترات طويلة ، الأمر الذي يفتح أمامه المجال لاستعمالها في منح القروض ذات الأجل الطويل .
والملاحظ أن الودائع الادخارية، ولأجل أقل تجانسا من الودائع الجارية ، فهي متعددة ومتنوعة و تأخذ أشكالا عديدة . والعامل المشترك بينها هو حصولها على عائدة . يتمثل في سعر الفائدة . و الأخير تتوقف قيمته على عدة عوامل من أهمها مستوى السوق النقدي ،وسياسة البنك المركزي و سعر الخصم ، السياسة الحكومية ، حجم السيولة ، حالة الأسواق الخارجية ، مدة الوديعة ، حجم الوديعة ، شخصية المودع ،تقلبات العملة ومعدلات التضخم .
ومن أهم صور هذه الودائع دفاتر التوفير والادخار وهي أكثر صور الودائع الادخارية انتشارا في البنوك التجارية. و يقوم بها الأفراد دون الشركات والمؤسسات. وطبيعة هذه الودائع تجمع بين الحساب الجاري والعائد في نفس الوقت فلا يوجد لها أجل محدد. وعملي فان عملية الإيداع هنا متكررة.
وتضاف العمليات الإيداعية التالية إلى قيمة الوديعة الأصلية . كما يمكن أن تكرر أيضا طلبات السحب. إذ يمكن سحب الوديعة أو جزء منها عند طلب المودع.
وهناك صورة أخرى لتلك الودائع تتمثل في شهادات الإيداع أو شهادات متنوعة ذات طبيعة ادخارية. وهي عبارة عن سندات تصدرها البنوك التجارية لأجل معين أو غير معين. ويحصل عليها عادة الأفراد والمشروعات، لما تحققه من عائد مجز. 
ولا يمكن لمالكي هذه الشهادات أن يسحبوا أموالهم، أي استبدال الشهادات بقيمها النقدية، قبل فترة زمنية معينة. وهي تصدر بقيمة محددة و إجمالية . وبعض نوعيات هذه الشهادات تقبل المفاوضة و البيع في السوق النقدية .
وتؤكد الوقائع أن المصرف الربوي لا يعتمد على هذا النوع من الودائع، بينما المصرف الإسلامي يعطيها أهمية كبرى، وذلك بهدف ضبط الإسراف والتبذير والإنفاق، ولهذا لا يعطي عليها أرباحاً، إنما يقتطع من كل وديعة ادخارية نسبة معيّنة ويحتفظ بها كسائلٍ نقديّ لمواجهة السحب منها ولا يدخلها في مجال المضاربة والاستثمار.

الفرع الرابع: الودائع الائتمانية:
يختلف هذا النوع من الودائع عن بقية الأنواع الأخرى . فهو النوع الوحيد الذي لا يكون نتيجة إيداع حقيقي، بل هو ناشئ عن مجرد فتح حسابات ائتمانية، و القيام بعمليات الإقراض. فحينما يقوم صاحب وديعة حقيقية بتحرير شيك لفائدة شخص ما دون أن يقوم هذا الشخص بسحب فعلي للنقود، فإن البنك يقوم بتسجيل هذه العمليات محاسبيا، بحيث يجعل حساب المسحوب عليه مدينا وحساب المستفيد دائنا. إن هذا التحويل بين الحسابين يعتبر بالنسبة للبنك وديعة، ليست فعلية على كل حال، ولكنها تسمح بالتوسع في القرض دون أن يدفع نقودا حقيقية. إذا فالودائع الائتمانية هي عبارة عن ودائع كتابية، أي ناتجة عن مجرد تسجيل محاسبي لحركات الأموال داخل البنك. وما تجدر الإشارة إليه، أن الودائع الائتمانية تزيد كلما قلت الأموال المسحوبة فعلا من البنك، وتنقص مع زيادتها.
والجدير بالذكر أن الودائع الائتمانية هي الوجه الآخر للقروض الائتمانية . فعندما يمنح البنك قرضا إلى شخص معين دون أن يسحبه، فمعنى ذلك أنه يمنح لهذا الشخص قدرة شرائية تمكنه من تسوية المعاملات عن طريق استعمال الشيكات ،حيث تحول الأموال كتابيا إلى حساب المستفيد الجديد ،و تعتبر عملية التحويل هذه ودائع جديدة ، ائتمانية بالطبع، و هذا ما يعطي في المحصلة النهائية بعادل ما بين القروض الائتمانية و الودائع الائتمانية . وتبعا لذلك نقول أن البنك قد خلق عملة جديدة ، هي نقود الودائع .