عقد الوديعة المصرفية

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: عمليات البنوك
كتاب: عقد الوديعة المصرفية
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Sunday، 5 May 2024، 1:21 PM

الوصف

للودائع النّقدية المصرفية أهمية خاصة في مجال النّشاط البنكي ذلك أنّها تغذي المصارف بالأموال الضرورية لمباشرة العديد من أعمالها كخصم الأوراق التّجارية ، و منح قروض بفوائد  و فتح إعتمادات لمن هو بحاجة إليها من أفراد و مشروعات .
و تعدّ الودائع النّقدية المصرفية من حيث الكّم إحدى المؤشرات الرّئيسية لقياس مدى ثقة الجمهور في البنك ، إذ هي الرّكيزة الأساسية لقدرتها على خلق نقود الودائع و توزيع الإئتمان ، و لا تخشى المصاريف من توظيف الأموال ( النّقود ) المودعة لديها إذا كانت هذه الودائع تحت الطلب Dépots à vue و هي صورة من صور الودائع النّقدية ، و ذلك لأنّ هذه المصارف تحتفظ دائما بجزء منها لمواجهة مسحوبات العملاء من و دائعهم  جزء من السيّولة ، و نظرا لأهمية الودائع النّقدية بالنّسبة للمصاريف ، تتنافس هذه الأخيرة فيما بينها على جذب الزبّائن إليها و تحفيزهم على إيداع مدّخراتهم لديها . و تلعب الفوائد الممنوحة للمتعاملين معها دورا هاما في عملية كسب هؤلاء و تشجيعهم على إيداع أموالهم لديها  المادة ¼ من النظام رقم 13/94المؤرّخ في 22 ذي الحجة عام 1414 الموافق 2 يونيو سنة 1994 و للقواعد العامة المتعلقة بشروط البنوك المطبقة على العمليات المصرفية : " تحدّد البنوك و المؤسسات المالية ، بكل حريّة ، معدّلات الفائدة الدّائنة و المدينة و كذا معدّلات و مستوى العمولات المطبقة على العمليات المصرفية ".
 و يلاحظ هنا أنّ عملية إيداع النقود ترتبط في أغلب الأحوال بفتح حساب وديعة للعميل لدى المصرف و إستخدام الشيك في سحب أو إستيراد مبالغ نقديّة منه . كما يلاحظ أنّ المصرف يقوم أحيانا بعملية التحويل المصرفي لإجراء القيود داخل هذا الحساب.

1. المطلب الأول: تعريف الودائع وأهميتها:

المطلب الأول: تعريف الودائع وأهميتها:

سنتطرق في هذا المطلب إلى تعريف الوديعة المصرفية ونحدد أهميتها في الفرع الثاني .


الفرع الأول: تعريف الوديعة المصرفية

   يرغب الأفراد أحياناً، لاعتبارات مختلفة , في تفصيل عدم الاحتفاظ بالنقود لديهم. ويبحثون عن أحسن الصيغ للحفاظ عليها . وتطرح البنوك واحدة من هذه الصيغ ، و هي إتاحة الفرصة للأفراد من أجل الاحتفاظ بالنقود لديها . وعلى هذا الأساس ، يمكن تعريف الوديعة على أنها تمثل كل ما يقوم الأفراد أو الهيئات بوضعه في البنوك بصفة مؤقتة قصيرة أو طويلة على سبيل الحفظ أو التوظيف . و تتجسد هذه الودائع في غالب الأحيان في شكل نقود قانونية ، على الرغم من أنها يمكن أن تأخذ أحيانا أشكالا أخرى .
و منه فإن البعد الزمني في الوديعة مهم للغاية . حيث يوجد فاصل زمني بين لحظة الإيداع و لحظة السحب . و هذا الفاصل الزمني له أهمية خاصة من عدة جوانب . فهو يسمح بتحديد مردودية الوديعة بالنسبة للمودع . كما أن هذا الفاصل الزمني يعتبر حاسما من الناحية الاقتصادية بالنسبة للبنك، إذ على أساسه يمكن تقدير مدى التوظيفات اللازمة لهذه الأموال .
و من جهة أخرى ، فإن الوديعة لا تعني تحويلا للملكية ,أي ملكية النقود . فهي دائما ملك لصاحبها، تخلى عن التصرف فيها بصفة مؤقتة . وقد نقل حق التصرف فيها ، و لكن بشكل مؤقت أيضا ، إلى البنك . فهذا الأخير من حقه استعمال هذه الودائع ، و لكن في الحدود التي تسمح له بها عمليات السحب المحتملة من طرف أصحابها.

و الوديعة النّقدية المصرفية ، عبارة عن نقود يقوم شخص ما ( طبيعي أو معنوي ) بإيداعها لدى البنوك على أن يلتزم هذا الأخير بردّها إليه لدى الطلب أو وفقا للشروط المتفق عليها.
 و ينظم هذه الوديعة النّقدية عقد يبرم بين الشخص المودع و المصرف المودع لديه بمقتضاه يكون من حق البنك التّصرف في النقود محل الوديعة بما يتفق مع نشاطه ، و يلتزم المصرف مقابل ذلك بردّ مبلغ الوديعة عند الطلب أو بعد أجل معين من الإيداع مضافا إليه الفوائد بحسب الإتفاق القائم بينهما . فالبنك يتملك المبالغ النقدية المودعة لديه بمجرد تسلمه إيّاها و يصبح العميل مجرّد دائن له بهذه المبالغ ، و يكون للمصرف حريّة التصرف فيها و إستعمالها في أعماله المصرفية الأخرى كالإقتراض ، و خصم الأوراق التجارية ...
 

 و هذا التّعرف للوديعة النّقدية المصرفية يتماشى مع ما ورد في نص المادة 1/111 من قانون رقم 10/90 مؤرخ في 19 رمضان عام عام 1410 الموافق 14 أبريل سنة 1990 و المتعلق بالنّقد و القرض ، التي تقضي بأنّ :" تعتبر أموال متلقاه من الجمهور ، تلك التي يتم تلقيها من الغير ، و لا سيّما بشكل ودائع ، مع إستعمالها لحساب من تلقاها بشرط إعادتها " .
 كما يتفق هذا التعريف في مضمونة مع ما كانت تنص عليه المادة 1/35 من القانون رقم 12/86 المؤرخ في 13 ذي الحجة عام 1406 الموافق 19 غشت سنة 1986 و المتعلق بنظام البنوك و القرض ، و الذي ورد بها ما يأتي " يشكل أي مبلغ مودع لدى مؤسسة قرض دينا على هذه المؤسسة سواء في ذلك أصل هذا المبلغ أو فوائده المحتملة ".
و من هنا تختلف الوديعة النقدية المصرفية عن الوديعة العادية التي ورد تعريفها في المادة 590 من القانون المدني الجزائري التي تنص على أنّ " الوديعة عقد يسلم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدّة و على أن يرده عينا

2. المطلب الثاني : الطبيعـــة القانونيــة للوديعــة النّقديــة المصرفيــة

المطلب الثاني : الطبيعـــة القانونيــة للوديعــة النّقديــة المصرفيــة:


الفرع الأول :نصــوص قانونيـــة :
المادة 590 من القانون المدني الجزائري : " الوديعة عقد يسلّم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدّة و على أن يردّه عينا ".
المادة 591 ق م ج :" على المودع لديه أن يتسلم الوديعة . و ليس له أن يستعملها دون أن يأذن له المودع في ذلك صراحة أو ضمنيا ".
المادة 571 ق م ج : " الوكالة أو الإنابة هو عقد بمقتضاه يفوّض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل و بإسمه ".
المادة 578 ق م ج : " لا يجوز للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه ".
المادة 1/111 من القانون رقم 10-90 ، لسنة 1990 و المتعلق بالنّقد و القرض : " تعتبر أموال متلقاة من الجمهور ، تلك التي يتم تلقيها من الغير ، و لا سيّما بشكل ودائع ، مع حق إستعمالها * حق التصرف فيها * لحساب من تلقاها بشرط إعادتها ".
المادة 598 ق م ج : " إذا كانت الوديعة مبلغا من النّقود أو أي شيء آخر مما يستهلك و كان المودع لديه مأذونا له في إستعماله أعتبر العقد قرضا ".
المادة 1/35 من القانون رقم 12-86 لسنة 1986 ( الملغى ) و المتعلق بنظام البنوك و القرض : " يشكل أي مبلغ مودع لدى مؤسسة قرض ، دينا على هذه المؤسسة سواء في ذلك أصل هذا المبلغ أو فوائده المحتملة".
المادة 117 من القانون 10-90 المتعلق بالنّقد و القرض : الرجوع إلى مضمون هذه المادة المذكورة أعلاه فيما يخص التكييف القانوني للوديعة النّقدية المخصصة لغرض معيّن .

الفرع الثاني : موقف الفقه و القضاء

 فيما يخصّ تحديد الطبيعة القانونية للوديعة المصرفية ، سبقت الإشارة إلى أنّ الودائع النّقدية التي يتلقاها البنك من الجمهور تعدّ أهم مصدر من مصادر السيولة التي تمكنه من قيّامه بعملية الإقراض و تمويل المشروعات .
و إنّ الفقه و القضاء المقارن قد اختلف فيما يتعلق بالتكييف القانوني لهذه الودائع ( أو لعقد إيداع النقود )، فذهب في هذا الخصوص مذاهب شتّى .

3. المطلب الثالث : أنواع الودائع

المطلب الثالث : أنواع الودائع :
هناك عدة أنواع للودائع تختلف بحسب الغرض منها . فهناك الودائع التي توضع في البنوك لمجرد الاحتفاظ بها ، و هناك نوع آخر من الودائع ينتظر أصحابها تحقيق عوائد من ورائها . و عموما، يمكن أن نذكر أربعة أنواع رئيسية للودائع:

الفرع الأول : الودائع تحت الطلب أو الودائع الجارية:
تتميز الودائع تحت الطلب بخصائص تميزها عن غيرها من الودائع. و كما يدل اسمها، فهذه الودائع هي دائما تحت تصرف أصحابها ، يمكنهم اللجوء إلى سحبها كليا أو جزئيا متى شاءوا ، و دون إشعار مسبق . فالوديعة ، وإن كانت بحوزة البنك ، فهي تحت التصرف المطلق لصاحبها . ولا يحق للبنك أن يفرض قيودا أو شروطا أمام صاحبها أثناء السحب، ولا يجوز له أن يتحجج بأي حجة كانت من شأنها أن تشكل عراقيل أمام المودعين في استعمال هذه الودائع.
ومقابل هذه الخاصية، لا يمكن لأصحاب هذا النوع من الودائع الاستفادة من فوائد. وهم لا يستطيعون أن يفرضوا ذلك على البنوك نظرا للطبيعة الجارية للوديعة ، على الرغم من أن البنك بإمكانه استعمال هذه الودائع في منح القروض ، ولا شيء يمنعه من ذلك سوى ما يتوقعه من عمليات سحب. وهناك من الأنظمة المالية ما يمنع صراحة إعطاء فوائد على الودائع. ويسمح مثل هذا الأمر للبنوك باستعمال موارد مالية غير مكلفة، الأمر الذي يسمح بالتوسع في القروض نظرا لتكلفته المنخفضة نسبياً.
وتؤكدّ الوقائع على أهمية هذا النوع من الودائع، بحيث تشكلّ المصدر الأساسي للسيولة في النشاط المصرفي، إذ تكّون الجزء الأكبر من موارده الخارجية، أما في المصارف الإسلامية فيكون التركيز على الوديعة الاستثمارية، لذلك لا يدفع المصرف الإسلامي أية أرباح عن المبالغ المودعة في الودائع تحت الطلب، ولا يدفع العملاء أية مصاريف إدارية لهذا الحساب.

الفرع الثاني : الودائع لأجل :
هي تلك الودائع التي يضعها أصحابها في البنوك لفترة معينة، ولا يمكن لهم سحبها إلا بعد انقضاء هذه الفترة و تقديم إخطار للبنك بتاريخ السحب. فالوقت يعتبر إذا عاملا تصنف على أساسه هذه الودائع، وتميزه عن غيرها. فهي ليست ودائع جارية تماما بحكم العقبات والشروط التي تعترض صاحبها أثناء عمليات السحب بالإضافة إلى أنها تبقى بحوزة البنك لفترة ما تكون محل اتفاق بين الطرفين. وهي كذلك ليست ودائع ادخارية بالمعنى الدقيق لهذا المفهوم، نظرا لأن بقاءها بالبنك لا يكون في العادة لفترات طويلة. 
وعلى هذا الأساس ، تعتبر الودائع لأجل من التوظيفات السائلة قصيرة الأجل. فهي تجمع بين خاصيتي التوظيف و السيولة . فخاصية التوظيف تعطي لصاحبها الحق في الحصول على عائد في شكل فائدة ، بينما خاصية السيولة تعني أن المدة التي تبقاها الوديعة في البنك ليست بالطويلة ، بالإضافة إلى وجود إمكانية سحبها في أي وقت ولكن بعد استيفاء بعض الشروط الضرورية مثل الإخطار المسبق و احتمال تحمل فائدة سلبية على أساس المبلغ المسحوب.
ويعتبر هذا النوع من الودائع من بين العناصر الأساسية ، مثلما هو الشأن في الودائع الجارية ، التي تمكن البنك من إنشاء نقود الودائع . ويكفي البنك أن يحصل على وديعة من هذا النوع لكي يوسع من قدراته الإقراضية بشكل أكبر من الوديعة ذاتها .

وتأتي أهمية هذا النوع من الودائع من كونها توفّر استقراراً أكبر لعمليات المصرف التجاري، إذ بإمكانه التصّرف باطمئنان في أموال هذه الودائع.
أما المصارف الإسلامية فتستثمر الودائع الاستثمارية مع رأسمالها المعدّ لذلك في المشروعات الإنتاجية المختلفة، سواء بطريق مباشر أو بطريق تمويل مشروعات الغير على أساس عقد المضاربة الشرعية أو المشاركات بأنواعها المختلفة، بحيث تتشارك الودائع الاستثمارية في ناتج أعمال المصرف الإسلامي غُنماً أو غُرماً.
ملاحظة: 
إن نسبة الفائدة ـ كحافز للإدخارـ التي تعرضها البنوك لقاء الودائع لأجل هي أعلى من الفائدة على ودائع التوفير الجارية. والسبب هو أن إرتباط ودائع الأجل بمواعيد محددة معروفة مسبقا يعطي البنك الحرية في إعادة استخدامها (بأن يقرضها للغير) وبالتالي فهو مستعد لأن يكافئ على هذه الحرية بزيادة الفائدة على إيداعها لديه، في حين أن ودائع التوفير الجارية لا تعطي نفس الحرية للبنك باعتبارها جارية أي مستحقة الطلب في أي وقت.

الفرع الثالث : الودائع الادخارية:
تعتبر هذه الودائع بمثابة عملية توفير وادخار حقيقية نظرا لمدة إيداعها في البنوك والعائد المنتظر منها . فهذه الودائع تبقى لفترات طويلة في البنك ، لا يمكن لصاحبها أن يسحبها مهما كانت الظروف . وهو يواجه عراقيل عديدة أولها ضرورة انقضاء مدة الإيداع .
كما أن أصحاب هذه الودائع يحصلون على فوائد معتبرة تعتبر عوائد توظيف حقيقية للأموال ، وتعكس الطبيعة الادخارية لهذه الودائع . ومقابل هذه التكلفة التي تعتبر مرتفعة نسبيا بالنسبة للبنك مقارنة بما يدفعه مقابل الودائع لأجل مثلا ، فإنه يضمن بقاء هذه الأموال بحوزته لفترات طويلة ، الأمر الذي يفتح أمامه المجال لاستعمالها في منح القروض ذات الأجل الطويل .
والملاحظ أن الودائع الادخارية، ولأجل أقل تجانسا من الودائع الجارية ، فهي متعددة ومتنوعة و تأخذ أشكالا عديدة . والعامل المشترك بينها هو حصولها على عائدة . يتمثل في سعر الفائدة . و الأخير تتوقف قيمته على عدة عوامل من أهمها مستوى السوق النقدي ،وسياسة البنك المركزي و سعر الخصم ، السياسة الحكومية ، حجم السيولة ، حالة الأسواق الخارجية ، مدة الوديعة ، حجم الوديعة ، شخصية المودع ،تقلبات العملة ومعدلات التضخم .
ومن أهم صور هذه الودائع دفاتر التوفير والادخار وهي أكثر صور الودائع الادخارية انتشارا في البنوك التجارية. و يقوم بها الأفراد دون الشركات والمؤسسات. وطبيعة هذه الودائع تجمع بين الحساب الجاري والعائد في نفس الوقت فلا يوجد لها أجل محدد. وعملي فان عملية الإيداع هنا متكررة.
وتضاف العمليات الإيداعية التالية إلى قيمة الوديعة الأصلية . كما يمكن أن تكرر أيضا طلبات السحب. إذ يمكن سحب الوديعة أو جزء منها عند طلب المودع.
وهناك صورة أخرى لتلك الودائع تتمثل في شهادات الإيداع أو شهادات متنوعة ذات طبيعة ادخارية. وهي عبارة عن سندات تصدرها البنوك التجارية لأجل معين أو غير معين. ويحصل عليها عادة الأفراد والمشروعات، لما تحققه من عائد مجز. 
ولا يمكن لمالكي هذه الشهادات أن يسحبوا أموالهم، أي استبدال الشهادات بقيمها النقدية، قبل فترة زمنية معينة. وهي تصدر بقيمة محددة و إجمالية . وبعض نوعيات هذه الشهادات تقبل المفاوضة و البيع في السوق النقدية .
وتؤكد الوقائع أن المصرف الربوي لا يعتمد على هذا النوع من الودائع، بينما المصرف الإسلامي يعطيها أهمية كبرى، وذلك بهدف ضبط الإسراف والتبذير والإنفاق، ولهذا لا يعطي عليها أرباحاً، إنما يقتطع من كل وديعة ادخارية نسبة معيّنة ويحتفظ بها كسائلٍ نقديّ لمواجهة السحب منها ولا يدخلها في مجال المضاربة والاستثمار.

الفرع الرابع: الودائع الائتمانية:
يختلف هذا النوع من الودائع عن بقية الأنواع الأخرى . فهو النوع الوحيد الذي لا يكون نتيجة إيداع حقيقي، بل هو ناشئ عن مجرد فتح حسابات ائتمانية، و القيام بعمليات الإقراض. فحينما يقوم صاحب وديعة حقيقية بتحرير شيك لفائدة شخص ما دون أن يقوم هذا الشخص بسحب فعلي للنقود، فإن البنك يقوم بتسجيل هذه العمليات محاسبيا، بحيث يجعل حساب المسحوب عليه مدينا وحساب المستفيد دائنا. إن هذا التحويل بين الحسابين يعتبر بالنسبة للبنك وديعة، ليست فعلية على كل حال، ولكنها تسمح بالتوسع في القرض دون أن يدفع نقودا حقيقية. إذا فالودائع الائتمانية هي عبارة عن ودائع كتابية، أي ناتجة عن مجرد تسجيل محاسبي لحركات الأموال داخل البنك. وما تجدر الإشارة إليه، أن الودائع الائتمانية تزيد كلما قلت الأموال المسحوبة فعلا من البنك، وتنقص مع زيادتها.
والجدير بالذكر أن الودائع الائتمانية هي الوجه الآخر للقروض الائتمانية . فعندما يمنح البنك قرضا إلى شخص معين دون أن يسحبه، فمعنى ذلك أنه يمنح لهذا الشخص قدرة شرائية تمكنه من تسوية المعاملات عن طريق استعمال الشيكات ،حيث تحول الأموال كتابيا إلى حساب المستفيد الجديد ،و تعتبر عملية التحويل هذه ودائع جديدة ، ائتمانية بالطبع، و هذا ما يعطي في المحصلة النهائية بعادل ما بين القروض الائتمانية و الودائع الائتمانية . وتبعا لذلك نقول أن البنك قد خلق عملة جديدة ، هي نقود الودائع .

4. المطلب الرابع : محددات مستوى ودائع البنك

المطلب الرابع : محددات مستوى ودائع البنك.
يختلف مستوى ودائع النظام المصرفي ككل عن مستوى ودائع البنك الفردي. فالودائع على مستوى النظام المصرفي أي للبنوك مجتمعة، تحدد بناء على السياسة النقدية والتي قد تسمح بالتوسع في الودائع أو بزيادة الاحتياطات النقدية المتاحة. فالبنك المركزي يمكنه تغيير نسبة الاحتياطي النقدي، والإشراف على شباك الخصم، واستخدام عمليات السوق المفتوح كأدوات لتحقيق أهداف اقتصادية مثل النمو الاقتصادي ومستوى معين من العمالة واستقرار الأسعار. ولكي ينجز البنك المركزي هذه الأهداف فإنه يؤثر على مستوى الودائع في النظام ككل.
أما البنك الفردي فلا يمكنه الرقابة على مستوى الودائع ولكن يمكنه التأثير على كمية الودائع التي لديه وذلك من خلال عدد من العوامل الاقتصادية والشخصية والتي يمكن أن تحدد مستوى ودائع البنك الفردي وهي: 


الفرع الأول: السمات المادية والشخصية :
وتتمثل في الخصائص التي يتمتع بها العاملون بالبنوك من حيث تأدية مهامهم بكفاءة، وتعاملهم بود مع العملاء، بالإضافة إلى التسهيلات المادية التي يوفرها البنك لعملائه من حيث قرب البنك وراحة العملاء وطول الانتظار في الصف...الخ.

الفرع الثاني: الخدمات التي تقدم بواسطة البنك: 
يتمتع البنك الذي يقدم خدمات متنوعة لعملائه بإمكانية جذب الودائع عن البنوك الأخرى. وتتمثل الخدمات المتنوعة في نظام الإيداع والسحب الآلي، إمكانية الإيداع أو السحب بعد ساعات العمل، وتوفير تشكيلة متنوعة من الودائع، وتوفير أماكن لوقوف السيارات. كما أن بعض البنوك تجذب العملاء من خلال تقديم أقسام خدمات متنوعة مثل قسم للقروض، وقسم للمعاملات الأجنبية، وقسم لتعاملات البنوك الأخرى.


الفرع الثالث: سياسات البنك وسمعته:
وذلك فيما يتعلق بسياسات القروض والاستثمار التي يتبعها البنك لأنها مؤشر للعامة عن مستوى تعاملاته ودقتها. فالبنك الذي يمكنه تفادي الأزمات الاقتصادية أو الظروف المحلية أو العالمية يعتبر مصدر جذب للودائع عن البنك الذي ليس لديه هذه الخبرات. فسمعة البنك الاستثمارية وتشكيلة القروض وهيكل رأس المال القوي تعكس مدى كفاءة الإدارة، وبالتالي ثقة العملاء في البنك. بالإضافة إلى أن التنوع في تشكيلة الاستثمارات والقروض تساعد على جذب المزيد من العملاء. 


الفرع الرابع : مستوى النشاط الاقتصادي:
الظروف الاقتصادية من رواج وكساد تؤثر على مستوى ودائع البنك. فالودائع تزيد في فترات الرواج الاقتصادي عن الكساد أو الأزمات الاقتصادية.
هذه الظروف الاقتصادية تؤثر على السيولة ككل، ولكن قد يقع البنك في منطقة معينة تنتج بها سلع أو تقدم بها خدمات ارتفعت أسعارها. فمثل هذه الظروف قد تؤثر على زيادة الدخل للعملاء في هذه المنطقة، وبالتالي زيادة الودائع قد تؤثر على زيادة الدخل للعملاء في هذه المنطقة، وبالتالي زيادة الودائع في البنك الذي يقع في هذه المنطقة.


الفرع الخامس : الموقع: 
يمكن أن يؤثر موقع البنك وقربه من العميل في قدرته على جذب الودائع، خاصة بالنسبة للعملاء الأفراد. فالبنوك تتشابه إلى حد كبير في أنواع الودائع التي تقدمها وكذلك القروض. وبالتالي فإن العميل يفضل المكان الأقرب له للتعامل معه، حيث أن سهولة الوصول إلى المكان عامل مهم لجذب العملاء. وإدراك البنوك لذلك جعلها تنشئ الفروع المختلفة لجذب أكبر عدد ممكن من العملاء.


الفرع السادس : عامل البداية:
حيث قد يفضل العميل التعامل مع البنك الذي تعامل معه في أول مرة. أو يفضل الابن أو الابنة البنك الذي يتعامل معه والده أو والدته. وكذلك بالنسبة لشركات الأعمال فقد تفضل التعامل مع البنك الذي حصلت منه على أول قرض. وجود مثل هذه الارتباطات والتي يصعب تغييرها قد تؤثر على مقدرة البنك لجذب الودائع. 

خـاتـمـــة:


إن الودائع تخدم الاقتصاد ككل من عدة جوانب . فهي أولا تشكل خزانا كبيرا من الموارد يجنب عرقلة الاقتصاد بسبب شحة الموارد. كما أن ذلك يسهل التسيير النقدي للاقتصاد من دون وجود توترات نقدية معيقة للنمو المنتظم . ومن شأن ذلك أن يدفع إلى زرع الثقة في نفوس كل المتعاملين الاقتصاديين سواء كانوا منتجين أم مستهلكين أو مجرد مدخرين للأموال مما يساعد على توفير الظروف الضرورية للازدهار الاقتصادي.