4. مصير الأسرة في عهد الثورة البيو هندسية

  لا مراء في أن الأسرة تعتبر الخلية الأساسية والجوهرية التي يقوم عليها المجتمع ،وبها يتطور المجتمع أو ينحل،فهي مكمن  قوته،ولكنها لم تكن في منأى عن الثورة البيوهندسية وعن منجزاتها وتداعياتها وهنا نلتمس جملة من الآراء حول هذه العلاقة الجدلية بينهما:

-فإذا كانت الثورة العلمية التقنية وما أحدثته من تسارع في تقدم الحياة ،قد أحدثت الكثير من التغييرات ،فإنها لا محالة في نظر بعض المفكرين تنذر بتحطيم الأسرة وتمزيقها تماما،كيف لا وكل ما يقوم به علماء التناسل من محاولات لجعل الخيالات حقيقة وما تجريه من تجارب من أجل تحسين النسل،وكل هذا يهدد دور الأسرة ويدخل عليها الاضطراب والتوقف غير المتوقع عن أداء دورها،فعندما نقوم بنقل الأجنة من رحم إلى آخر فإننا نكون بذلك قد حطمنا تلك الحقيقة الثابتة من قديم الزمان،والقائلة بأن مدة الحمل هي تسعة أشهر،وهنا سينمو الجنين أو الطفل في عالم تتذبذب فيه دور الأسرة ووظائفها التي كانت تتميز بالثبات والاستقرارية.

  بالإضافة إلى هذا يعمل التطور البيولوجي في التغلغل إلى أعماق حياتنا ويجعل الأسرة تصاب بعدة انشقاقات وتصدعات وأنواع من التمزق لم تعرفه من قبل،يقول ليندبرج في كتابه"التحول المقبل في لعالم":"إن الأسرة تقترب من نقطة الانقراض التام بفعل منجزات التغيير والجدة في نطاق تحسين النسل وهندسة الوراثة"،ويؤكده قول وولف"إن الأسرة قد ماتت بالفعل،فما عدا العام الأول أو العامين الأوليين من تنشئة الطفل،إذن فالأسرة في طريقها نحو الانقراض والتمزق.

-الرأي الثاني وهو من بين العلماء والمفكرين المتفائلين الذين يعتقدون أن منجزات الثورة البيولوجية لن تؤدي إلى الهاوية بل على العكس يعتقدون أن هذه التطورات من شأنا أ تنقل الأسرة نحو العصر الذهبي.

-وهناك من يعتقد أن مصير الأسرة في ظل التغيير الناجم عن هندسة الوراثة وغيرها من تقنيات غصر ما بعد التصنيع،ترى أن نفس الاضطراب الذي سيتعرض له العالم في المستقبل هو الذي سيدفع بالناس لا محالة إلى العودة لأحضان الأسرة.

من بين منجزات هندسة الوراثة وتأثيرات تكنولوجيا الإنجاب الجديدة،فالقدرة على التحكم في جنس المولود،والقدرة على التحكم في تصميم ذكائه وملامحه وخطوط شخصيته ينبغي أن يُنظر إليها اليوم كإمكانيات واردة في المستقبل القريب،وأيضا زرع الأجنة والقدرة على الدخول إلى معرض الأجنة وشراء ما نرغب فيه،كل هذه الأمور تدفع الإنسان إلى أن يعيد التفكير في ذاته وفي مستقبله بعيني شاعر أو رسام أكثر منه بعيني عالم اجتماع أو فياسوف.

  وعندما يصبح من الممكن تنمية طفل داخل حاضنة في المخبر أو إناء مناسب يجب التساؤل عنها عن مصير مفهوم الأمومة وما ذا سيحدث لهذا الشعور،وماذا يحدث لصورة الأنثى في المجتمعات التي أنشأتها منذ بداية وجود الإنسان ؟وما مستقبل النساء بعد أن تخلين عن قدرتهن على الحمل والإنجاب؟ وما هي رسالتها إذن بعد تغيير وظيفتها من حفظ وتنمية للجنس البشري؟وهي أسئلة لابد من إثارتها ومحاولة التفكير في جواب مقنع لها.

   وبالنسبة لتعدد الأنساب من يكون الوالد أو الوالدة في حالة تعدد الأنساب أي عندما تحمل المرأة  في رحمها جنينا لامرأة أخرى؟وعندما تضطر الأسر لشراء الأجنة المخصبة،فإن الوالدية تصبح مسألة قانونية أكثر من كونها مسألة بيولوجية،وإذا افترضنا أن الأجنة قد أضحت معروضة للبيع ،فهل نستطيع أن نبيعهم؟ومن يقوم بعمليات البيع هذه الشركات أم المخابر؟وكيف تكون صيغ البع والشراء؟وإذا كنا نشتري ونبيع الأجنة الحية في فهل نحن في طريقنا إلى استحداث شكل جديد من العبودية؟