2. عيوب النسق الإقليدي:

لقد ظلت الهندسة الإقليدية نموذجا للرياضيات الدقيقة واليقينية لما يربو عن ألفي عام، نظرا لاعتمادها على منهج منطقي صارم تلزم فيه النظريات والنتائج لزوما مباشرا عن مبادئ حقيقية للواقع الخارجي.

  وكان الرياضيون يعترفون بهذه السمات والخصائص بدرجات متفاوتة، محاولين بذلك البرهنة على نظرياتهم الهندسية بما هو في  النسق الإقليدي، وتحليل العلاقات التي تسري بينها دون أدنى مناقشة فلسفية لمبادئ هذه الهندسة وأسسها.ولكن مع تطور الأبحاث والدراسات الهندسية والرياضية، وما أحدثته مسلمة التوازي من شكوك وسط الرياضيين، انتقل هؤلاء من مرحلة تقرير نظرياتهم إلى مرحلة النقد والمناقشة لمبادئ النسق الأقليدي وقوانينه، مكتشفين بذلك أوجه النقص فيها، فلقد تعرضت مسلماته إلى نقد وتشكيك من طرف اليونانيين أنفسهم وذلك لتضمنها وانطوائها على غموض، ولأن بعضها في نظرهم من الممكن أن تشتق من غيرها.

  كما انتقد كذلك المنهج الأقليدي آنذاك على كونه يفترض قضايا هندسية لم تكن موضوعة بين البديهيات أوالمسلمات، وبالتالي لم تتم البرهنة على أنها مشتقة من غيرها.وتطورت هذه الانتقادات بتطور الأزمنة والعصور، وبتطور الأبحاث الابستمولوجية المعاصرة والتي أسقطت ثوب النموذج والمثال عن هذه الهندسة انطلاقا من المناقشة الفلسفية لمبادئها، وهو ما قصده بلانشيه حين قال:" ظهر أكثر فأكثر أن الهندسة الإقليدية إذا بقيت دهرا طويلا أكمل الأمثلة التي يمكن أن تقدم على النظرية الإستنتاجية، فإن الجهاز المنطقي الذي كان يدعمها لم يكن خاليا من العيوب "(1)،وتم استخراج هذه العيوب بدءا من المنطلقات التي ينطلق منها هذا النسق كالتالي



(1)  روبير بلانشيه:الاكسيوماتيك ، مصدر سابق، ص 08.