2. المسؤولية المدنية عن التدهور البيئي في القانون الجزائري

   

     تلعب المسؤولية المدنية دورا  هاما في وضع حماية فعالة للبيئة فهي بذلك نظام قانوني يلتزم بمقتضاه الملوث بتعويض كافة الأضرار التي تلحق بالبيئة.

1-أساس المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية بالرجوع إلى القانون 03/10 والقوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بحماية البيئة وكذا القانون المدني فإننا لا نجد قواعد خاصة لتنظيم المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، ولهذا لابد من الرجوع للقواعد العامة للمسؤولية المدنية في القانون المدني

   والملاحظ أن نظرية الحق في القانون المدني، وخصوصا فيما يتعلق بالحقوق المالية، لا تثبت إلا للشخص الطبيعي أو المعنوي، وبالتالي فإن الأشجار والحيوانات والكائنات الحية وغيرها من الأجناس طبقا لنص القانون المدني، ليس لها شخصية قانونية تجعلها صاحبة حق، ولو افترضنا وجود هذا الحق، فإنها لا تستطيع ممارسته من خلال رفع الدعوى والمطالبة بحماية القضاء.

   أمام هذه الإشكالية، لجأ المشرع الجزائري بمقتضى قانون 03/10 إلى السماح لجمعيات المعتمدة قانونا، برفع الدعاوى أما الجهات القضائية المختصة عن كل مساس بالبيئة، حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بانتظام، كما يمكن للأشخاص الطبيعين المتضررين تفويض هذه الجمعيات من أجل أن ترفع باسمهم دعوى التعويض.

   ولقد خول المرسوم التنفيذي 98/276 مفتشي البيئة للولايات تمثيل الإدارة المكلفة بالبيئة أمام العدالة، بحيث سمح لهم برفع الدعاوى القضائية دون أن يكون لهم تفويض خاص لذلك

   لكن تبقى الإشكالية مطروحة في تحديد أساس المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، ذلك أن تحديد أساس هذه المسؤولية تكتسي أهمية بالغة، فإلى جانب الأشكال المتعارف عليها في مجال المسؤولية المدنية، وأمام استفحال الأضرار البيئية، واتخاذها لأشكال جديدة لم تكن لتعرف من قبل، ولصعوبة تحديد المتضرر المباشر من الانتهاكات البيئية، وقع جدال فقهي حول أساس هذه المسؤولية.

   فهناك جانب من الفقه نادى بتطبيق النظرية التقليدية للمسؤولية المدنية، والتي يكون فيها الخطأ هو قوام المسؤولية التقصيرية، ويتمثل هذا الخطأ في الإخلال بإلتزام قانوني مقرر بمقتضى القوانين واللوائح، والخطأ يكون أيضا قوام المسؤولية العقدية على أساس أنه إخلال بالتزام تعاقدي

   إلا أن ظاهرة تلوث البيئة والأشكال المختلفة التي يتم بها هذا التلوث، حالت دون تطبيق المبادئ التقليدية للمسؤولية المدنية في الصور المعروفة، مما دفع بالفقه إلى إقرار بعدم كفاية تقنيات المسؤولية التقصيرية في شكلها التقليدي، و ضرورة الخروج عنها في بعض الأحيان أو البحث عن سبل تطوير أحكامها وقواعدها بما يضمن مواجهة فعالة في مجال حماية البيئة.

   و كنتيجة لذلك تم الإعتماد على نظرية الإلتزام بحسن الجوار أو تحمل الأضرار المألوفة للجوار، وكذا نظرية عدم التعسف في استعمال الحق.

2-خصائص الضرر البيئي

     يعد الضرر طبقا للقواعد العامة من الشروط الرئيسية لقيام المسؤولية المدنية، فمجرد توفر الخطأ وحده غير كافي للرجوع على مرتكب الفعل بالتعويض، فلابد من أن ينتج عن الفعل ضرر حتى تقوم المسؤولية المدنية، وهذا ما نجده في نص المادة 124 من القانون المدني التي تنص: " كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض"

   وهنالك شروط يجب تحققها في الضرر حتى يمكن تعويضه، فلابد من أن يكزن الضرر محقق أو مؤكد الوقوع، أي أن لا يكون محتملاً.

    كما يجب أن يكون الضرر شخصيّا ومباشرّا، فالمتضرر وحده الذي يحق له المطالبة بالتعويض عن الضرر ولا يستطيع أحد غيره المطالبة به ورفع دعوى المسؤولية المدنية.

   ويجب أخيراّ أن يصيب الضرر مصلحة مشروعة يحميها القانون، فحتى يكون الضرر قابل للتعويض لابد أن يمس حقا مكتسبا يحميه القانون، ولا يكفي أن تكون للمتضرر مصلحة أدى الفعل الضار إلى المساس بها فحسب، وإنما يجب أن تكون هذه المصلحة مشروعة.

   إلا أن فقهاء قانون البيئة توصلوا إلى أن الضرر البيئي له خصائص معينة، يجعله يختلف عن الضرر المنصوص عنه في القواعد العامة للمسؤولية المدنية، وذلك بسبب أن هذا الضرر غير قابل للإصلاح، وأنه ناتج عن التطور التكنولوجي

   وتتمثل هذه الخصائص في كونه ضرر غير شخصي من جهة، وهو ضرر غير مباشر من جهة أخرى بالإضافة إلى ذلك فهو صنف جديد من أصناف الضرر.

* الضرر البيئي ضرر غير شخصي

   ويقصد بذلك أن الضرر يتعلق بالمساس بشيء لا يملكه شخص معين، وإنما مستعمل من قبل الجميع دون استثناء، وعليه فلسنا بصدد المساس بمصلحة شخصية، فمن يقم بطرح النفايات داخل الأماكن السياحية، لا يسبب ضرراً مباشراً لشخص بعينه، وإن كان قد خالف القانون برميه النفايات في هذه الأماكن.

هذه الخاصية المميزة هي التي جعلت أغلب تشريعات الدول تعطي للجمعيات البيئية حق التمثيل القانوني للحد من الاعتداءات على البيئة، لأن الاعتداء على هذه الأخيرة يعتبر مساساّ بالمصلحة العامة، وهو الاتجاه الذي أخذ به المشرع الجزائري، إذ سمح للجمعيات أن ترفع دعاوى المسؤولية المدنية للمطالبة بالتعويض عن كل مساس بالبيئة.

* الضرر البيئي ضرر غير مباشر dommages indirects

    أي أنه ضرر لا يصيب الإنسان أو الأموال مباشرة، وإنما يصيب مكونات البيئة كالتربة أو الماء أو الهواء.

   ويعرف الأستاذ descpax الضرر الغير مباشر على أنه الضرر الذي يحل بالوسط الطبيعي ولا يمكن إصلاحه عن طريق الترميم أو إزالته، مما يجعل تطبيق القواعد العامة للمسؤولية المدنية صعبا لا سيما في حالة الضرر الذي يمس بالموارد المائية.

   كل هذا جعل القضاء يتردد كثيرا، بل يرفض غالبا الحكم بالتعويض، ويؤكد موقفه باعتبار أن تلك الأضرار البيئية أضرار غير مرئية، و يصعب إن لم يكن مستحيلاّ تقديرها.

* الضرر البيئي صنف جديد من أصناف الضرر

   إن الضرر البيئي له طبيعة خاصة، وذلك باعتباره أنه يمس بالأوساط الطبيعية سواء ما يتعلق منها بالأوساط المستقبلة أو الفصائل الحيوانية.

   ففي حالة إتلاف فصيلة حيوانية أو نباتية، فإن الضرر له طبيعة مزدوجة، تكمن في إتلاف هذه الفصيلة بحد ذاتها من جهة، ومن جهة أخرى فيه تهديد للتنوع البيولوجي، باعتباره يساهم في عملية انقراض مثل هذا النوع.

3-أركان المسؤولية المدنية البيئية

      تقوم المسؤولية المدنية للبيئية على ثلاثة أركان من خلال إدخال عوامل ملوثة للبيئة بفعل شخص طبيعي أو معنوي ويترتب على هذا الفعل ضرر محقق أو محتمل مع ضرورة وجود علاقة سببية بين الفعل والضرر

*الخطأ البيئي:

    يعرف الخطأ بأنه إخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل إياه و البعض الآخر يعرفه بأنه الفعل غير المألوف أو الإخلال بإلتزام مشروع، فقد يكون الخطأ إيجابيا بقيام الملوث بالنشاط الضار بالبيئة، أو سلبيا يتمثل في عدم القيام  بفعل ينبغي القيام به كعدم إحترام المنشأة المصنفة للمقاييس التشريعية والتنظيمية والتقنية التي من شأنها الحفاظ على البيئة

*الضرر البيئي:

     هو المساس بالوسط الطبيعي ذاته أو الأشياء المشتركة والتي تعرف بأنها أملاك بيئية ( ماء، هواء، نبات، حيوان) ويشترط في الضرر أن يكون محققا ويجمع الفقهاء على أنه إذا لم يكن الضرر قد تحقق فيكفي أن يكون وقوعه مؤكدا ولو تراخى في المستقبل.

*العلاقة السببية:

    العلاقة السببية لها أهمية كبرى في مجال المسؤولية، فهي التي تحدد وجود ارتباط بين الخطأ  سواء كان خطأ إيجابيا أم خطأ سلبيا وبين الضرر.

4-أثار قيام المسؤولية المدنية

    إذا تحقق الضرر يثبت حق المتضرر في التعويض، وكما سبق و أن أشرنا فالتعويض لا يلقى ترحيباّ كبيراّ في مجال الأضرار البيئية، ذلك أن الهدف هو ليس جبر الضرر عن طريق التعويض، وإنما هو الحد من الانتهاكات البيئية. 

   ومهما يكن الأمر فالتعويض هو الأثر الذي يترتب على تحقق المسؤولية، ومتى تحقق ذلك كان للمتضرر الحق في رفع دعوى للمطالبة به.

   والتعويض طبقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية هو على نوعين: فقد يكون عيناً أو نقداً، إلا أنه أعطي للقاضي السلطة التقديرية في تحديد طريقة التعويض، تبعا لطبيعة الضرر وظروف القضية، فهناك أضرار تمكن المتضرر من طلب إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر وعلى المحكمة في هذه الحالة الحكم بهذا الشكل من أشكال التعويض و هو ما يسمى بالتعويض العيني.

   وفي أحيان أخرى يكون إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر أمراً مستحيلاً، وفي مثل هذه الحالة يتم جبر الضرر بالنقود وهو ما يسمى بالتعويض النقدي.

*التعويض العيني

    يقصد بالتعويض العيني الحكم بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر، وهذا النوع من التعويض هو الأفضل خصوصاً في مجال الأضرار البيئية، لأنه يؤدي إلى محو الضرر تماما وذلك بإلزام المتسبب فيه بإزالته، وعلى نفقته خلال مدة معينة.

   ولقد نص القانون المدني الجزائري على هذا النوع من التعويض في المادة 164 من القانون المدني التي تنص:" يجبر المدين بعد إعذاره طبقا للمادتين 180 و181 على تنفيذ التزامه تنفيذا عينياً، متى كان ذلك ممكناً". 

   إلا أنه ما يلاحظ أن المشرع الجزائري وفي قانون البيئة، نجده قد اعتبر أن نظام إرجاع الحال إلى ما قبل مرتبط بالعقوبة الجزائية، و هوما نصت عليه مثلا المادة 102 من قانون البيئة 03/10 التي جاء فيها:" يعاقب بالحبس لمدة سنة واحدة وبغرامة قدرها خمسمائة ألف دينار (500.000دج) كل من استغل منشأة دون الحصول على الترخيص...كما يجوز للمحكمة الأمر بإرجاع الأماكن إلى حالتها الأصلية في أجل تحدده".

وهذا على عكس المشرع الفرنسي الذي اعتبر نظام إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من قبل عقوبة ينطق بها القاضي المدني أو القاضي الجزائي.

   لكن من جهة أخرى ومادام أن المشرع الجزائري لم يضع قواعد خاصة لتنظيم المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، فإنه يجب على القاضي المدني في هذه الحالة الرجوع إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية ومن ثمة يمكن له الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من قبل في كل الأحوال الذي يكون ذلك ممكنا.

* التعويض النقدي

   يتمثل التعويض النقدي في الحكم للمتضرر بمبلغ من النقود نتيجة ما أصابه من ضر، حيث تحدد المحكمة آلية الدفع، ويلجأ القاضي إلى التعويض النقدي خصوصا في مجال الأضرار البيئية في الحالات التي لا يمكن إعادة الحال إلى ما كان عليه من قبل، كون أن الضرر يكون نهائياً لا يمكن إصلاحه، كأن ترتطم ناقلة نفط في مياه البحر فتؤدي إلى القضاء على كل الكائنات البحرية، ففي مثل هذه الحالة يصعب إعادة الحال إلى ما كان عليه من قبل وقوع الضرر.

   ومن الناحية العملية، قد يكون العامل الاقتصادي هو السبب في اختيار القاضي لطريقة التعويض النقدي عن الضرر البيئي، بسبب التكلفة الباهضة التي قد تتطلبها طريقة التعويض العيني، حيث يمتنع قضاء كثير من الدول الحكم بالتعويض العيني بسبب الأثار الاقتصادية التي قد تترتب على إتباع هذا الأسلوب، إضافة إلى اختلافها مع التوجهات نحو تشجيع الاستثمار.

ومن أمثلة ذلك: التلوث الناجم عن مصانع الفوسفات بسبب تطاير الغبار والغازات السامة، فقد يكتفي القاضي بالتعويض النقدي لأن الشركة قادرة على دفع النقود، وقد يقرر القاضي إلزام الشركة بتركيب مصافي(Les filtres)(، إلا أنه لا يستطيع الحكم بإزالة المصنع لأنها تعد رافداً اقتصاديا هاماً لخزينة الدولة.

   وطبقا للقواعد العامة يشمل تقدير التعويض على عنصرين: هما الخسارة التي لحقت بالمتضرر والكسب الذي فإنه، ولا يدخل في تقدير التعويض أن يكون الضرر متوقعا أو غير متوقع، ففي المسؤولية التقصيرية يشمل التعويض كل ضرر متوقعاً كان أو غير متوقع.

ولقد أخذ المشرع الجزائري بمبدأ التعويض الكامل للضرر، والذي يعني أن التعويض يجب أن يغطي كل الضرر الذي أصاب المتضرر، والذي يغطي كافة الأضرار المادية والمعنوية