الآليات الردعية لحماية البيئة في التشريع الجزائري

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: قانون البيئة والتنمية المستدامة
Livre: الآليات الردعية لحماية البيئة في التشريع الجزائري
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 7 May 2024, 14:57

Description

     تحظى القضايا البيئية باهتمام واسع على مستوى التشريع الداخلي للدولة الجزائرية، وقد تبلور هذا الاهتمام في شكل نصوص قانونية تكرس الحماية القانونية لكل العناصر البيئية وتضع التدابير الوقائية اللازمة للحفاظ عليها. لكن هذه التدابير لم تحل دون الإضرار بالبيئة وهذا ما فرض ضرورة اللجوء إلى الشق الردعي من خلال تبني المشرع الجزائري للمسؤولية الجزائية والمدنية عن التدهور البيئي الحاصل للبيئة كآلية لتفعيل الحماية القانونية لها.

1. المسؤولية الجزائية للجاني البيئي عن تدهور البيئي في التشريع الجزائري

تخضع الجرائم البيئية المرتكبة من قبل الجاني البيئي إلى القواعد العامة للمسؤولية الجنائية، وبصفة خاصة تخضع للقواعد التي أوردها المشرع الجزائري في قانون البيئة وقيام المسؤولية الجزائية يفرض وجود جريمة بيئية لذلك سوف يتم التطرق في هذا العنصر إلى مفهوم الجريمة البيئية وإجراءات التحري عنها ثم التطرق إلى أنواع المسؤولية الجزائية وأخيرا الجزاءات الجنائية المقرر في حق الجاني البيئي.

1-مفهوم الجريمة البيئية وأركانها:

    لم يعرف المشرع الجزائري الجريمة البيئية تاركا ذلك للفقه الجنائي باعتبارها من الجرائم المستحدثة في القانون الجنائي حيث يعرفها البعض من الفقهاء بأنها "كل فعل أو امتناع يتضمن اعتداء على سلامة البيئة بإحداث تغير في مكوناتها الطبيعية أو معالمها التي يجب الإبقاء عليها من أجل سلامة الكائنات الحية في تفاعلها معها". 

- أو هي السلوك الذي يخالف به من يرتكبه (شخص طبيعي أو معنوي) تكليفا يحميه المشرع بجزاء جنائي والذي يحدث تغييرا في خواص البيئة بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة او غير مباشرة تؤدي إلى الإضرار بالكائنات الحية والموارد الحية وغير الحية ما يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية وعليه فالجريمة البيئية تتميز ب:

 بأنها سلوك إرادي أو غير إرادي يخاف به من يرتكبه تكليف إيجابيا أو سلبيا يحميه القانون بجزاء جنائي.

- أن ذلك السلوك غير مشروع أو ربما يكون في بعض الأحيان مسموح به وتحدى القدر المسموح به بمخالفة نموذج تشريعي تتضمنه قاعدة جنائية مجرمة.

- أن ذلك السلوك يسبب ضرر يلحق الإنسان والبيئة أو يعرضهما للخطر.

لجرائم تلويث البيئة الواردة في قانون البيئة 03/10 نوعين من الجرائم  هي:

*الجرائم الشكلية: يطلق عليها كذلك جرائم الامتناع عن تطبيق التنظيمات، تتمثل في ارتكاب الجاني السلوك الإجرامي نتيجة عدم احترامه للإلتزامات القانونية (نظام التصريح، نظام الترخيص) والتقنية (دراسة الأثر البيئي، دراسة الخطر) وغيرها من الالتزامات والتنظيمات الإدارية والمدنية والتقنية المفروضة على المنشأة المصنفة بموجب النظام القانوني له إما بسلوك ايجابي كعدم وضع آلات لتصفية الملوثات أدّى إلى وجود انبعاث غازات من المنشأة المصنفة بقدر يتجاوز الحدود المسموح بها، فنكون أمام جريمة ايجابية بالامتناع (جريمة شكلية بالإيجاب)، أو بسلوك سلبي كعدم وضع آلات لتصفية الغازات الملوثة بالرغم من عدم وجود إنبعاثات للغازات فنكون أمام جريمة سلبية بالامتناع بغض النظر عن حدوث ضرر بيئي، ومن هذه الجرائم

* الجرائم الموضوعية: (الجرائم البيئية بالنتيجة)

    على خلاف الجرائم الشكلية التي تقوم بها الحاني البيئي، فإن الجرائم الموضوعية لا تقع إلا بوجود ضرر بيئي حال أو آجل على إحدى الأوساط الطبيعية (إعتداء مادي على المجالات البيئية سواء كان ذلك بفعل مشروع أو غير مشروع بصفة مباشرة أو غير مباشرة) كجريمة تلويث الهواء ،جريمة تلويث التربة

وتقوم الجريمة البيئية على ثلاث أركان:

- الركن الشرعي: أو ما يصطلح عليه بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبة هو ضمانة دستورية كفيلة بحماية حق الإنسان في بيئة نظيفة والذي عبر  عنه المؤسس الدستوري بقوله في المادة 47 من دستور 1996 "لا يتابع أحد ولا يوقف او يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون وطبقا للأشكال التي نص عليها" وعبر عنه المشرع الجزائري "لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن بغير قانون" فمبدأ الشرعية يفترض أن تجريم والجزاء الجنائي لا يفترضان في جريمة ولا عقوبة بغير نص يفرضها.

- الركن المادي: هو الذي يحدث تغييرا في العالم الخارجي فأثر السلوك الإجرامي يقوم على ثلاثة عناصر هي: السلوك المادي للجريمة البيئية فيكون ايجابيا من خلال القيام بفعل من شأنه إحداث تغير في البيئة كالتلوث أو يكون سلبيا من خلال الامتناع عن الالتزام بالقواعد البيئية، ولا يلزم أن يكون المتسبب في السلوك الإجرامي شخصا طبيعيا أو معنويا الضرر أو النتيجة الإجرامية: هي التغيير الذي يحدث للبيئة أي الضرر الذي يلحق بأي عنصر من عناصرها ما يميز النتيجة الإجرامية في الجرائم البيئية هو أن هذه النتيجة قد لا تتحقق في الحال بل بعد فترة زمنية قد تطول وقد تمتد النتيجة الإجرامية إلى إقليم آخر.

العلاقة السببية: هي الرابط بين عنصري الركن المادي الفعل والنتيجة فهي التي تسند النتيجة إلى الفعل فتقرر بذلك توافر شرط أساسي لمسؤولية مرتكب الفعل، وتسهم في تحديد نطاق المسؤولية الجزائية.

- الركن المعنوي: يقوم على العناصر التالية: القصد الجنائي، او الخطأ الغير العمي.

2-النظام القانوني للتحري عن الجرائم البيئية:

2-1-إجراءات المعاينة: يتولى معاينة الجرائم البيئة نوعين من الأشخاص وهم الأشخاص المكلفين بالبحث والمعاينة في إطار ق. إ. ج أي الضبطية القضائية حسب نص المادة 15 و 19 ق. إ. ج والأشخاص المكلفين بالحث والمعاينة في إطار قانون البيئة 03- 10 حسب نص المادة 111.

الأشخاص المؤهلين بمعاينة جرائم البيئة بما يلي:

التحري والمعاينة وجمع الأدلة عن الجرائم البيئية.

تحرير المحاضر حسب ما نصت عليه المادة 112 من قانون البيئة.

الالتزام بالمحافظة على السر المهني.

2-2-إجراءات المتابعة: تتم متابعة الجاني البيئي من طرف:

النيابة العامة حسب المادة 66 ق. إ. ج، أو الادعاء المدني من المضرور أمام قاضي التحقيق حسب المادة 72 ق. إ. ج. حق المجتمع المدني (الجمعيات البيئية) في اللجوء إلى القضاء  فالمشرع الجزائري كرس حقها في اللجوء إلى القضاء بموجب القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة. فقد مكن المشرع الجزائري بموجب المادة 36 من نفس القانون الجمعيات من الحق في رفع دعوى أمام الجهات القضائية عن كل مساس بالبيئة

3-أنواع المسؤولية الجزائية عن تلويث البيئة:

    من المبادئ المسلم بها، انه لا يسأل عن الجريمة إلا الإنسان، لأنه هو الشخص الوحيد الذي توافر لديه الشعور والإرادة، لذلك فإن مسؤولية الشخص الطبيعي عن تلوث البيئة تكون مسؤولية شخصية قائمة على أساس الخطأ الشخصي، وقد تكون مسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها غيره من التابعين له أو الخاضعين لرقابته واشرافه كمسؤولية صاحب المنشاة عن ذات الفعل الذي ارتكبه العامل بها وهو ما يعرف بالمسؤولية عن فعل الغير.

      وبعد تزايد دور الأشخاص المعنوية في العصر الحديث واتساع دائرة نشاطها اتجهت التشريعات الحديثة إلى إخضاع هذه الأشخاص لمعاملة قانونية مميزة وخاصة فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة في إطار الأنشطة التي تمارسها والتي عادة ما تؤدي إلى تلويث البيئة.

4- الأحكام العقابية عن جريمة تلويث البيئة

      فالتوجه الحديث للمشرع الجزائري في نظامه العقابي الجزائي المفروض على الجاني البيئي يتجه إلى تشديد العقوبات المفروضة في مجال الجرائم البيئية، واعتماده على نهجين أساسين في تقرير العقوبات هما النهج الردعي الوقائي من خلال اعتماده على التدابير الاحترازية، ثم النهج الردعي القمعي من خلال العقوبات المفروضة على الجاني البيئي الواردة في قانون العقوبات وقانون البيئة،  حتى يكفل التقليل من الاعتداءات الجرمية على البيئة لضمان صيانتها للأجيال القادمة.

4-1- التدابير الأمنية كجزاء ردعي وقائي

    عرف الفقه الجنائي التدبير الأمني بأنه مجموعة من الإجراءات وضعت تحت تصرف المجتمع تستهدف مواجهة خطورة إجرامية كامنة في شخصية مرتكب الجريمة من أجل درء المجتمع عنها، وجاء في التعاريف أن التدبير الأمني ينزل بأحد الأشخاص ولم يقل الأفراد لعلمنا أن التدبير قد ينزل بالشخص المعنوي كما ينزل بالشخص الطبيعي عند تحقق الخطورة الإجرامية و بالرجوع إلى أحكام القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة نجدها لا تتضمن أحكام خاصة بالتدابير الأمنية المطبقة على المنشآت المصنفة مما يستدعي منا الرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية حيث يجوز لقاضي التحقيق وضمان منه على السير الحسن للتحقيق في الجرائم البيئة المرتكبة من طرف المنشأة كشخص معنوي أن يخضعها لأي تدبير أو أكثر من التدابير حسب المادة 65 مكرر 4 من القانون 04-14 المعدل والمتمم للأمر 66-155 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية

4-2- العقوبات الردعية التدخلية المفروضة

    هناك جملة من العقوبات الأصلية والتكميلية الواردة في قانون العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي والشخص الطبيعي بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في قانون البيئة.

*العقوبات الواردة في قانون العقوبات

- الغرامة كعقوبة أصلية: الغرامة إلزام مالي يقدره الحكم القضائي على المحكوم عليه لصالح خزانة الدولة. وعقوبة الغرامة كعقوبة أصلية تختلف من حيث كون الجريمة البيئية جناية أو جنحة أو مخالفة فالغرامة المطبقة على المنشآت المصنفة هي التي تساوي من واحد (1) إلى خمس (5) مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة حسب المادة 18 من المادة 18 مكرر من القانون 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المتضمن قانون العقوبات.

-العقوبات التكميلية: لقد أعطى المشرع الجزائري للقاضي إمكانية المفاضلة بين واحد أو أكثر العقوبات التكميلية المفروضة على الجاني البيئي خاصة إذا تعلق الأمر بالشخص المعنوي (المنشآت المصنفة): حل المنشأة المصنفة كعقوبة ماسة بالنشاط، غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، الإقصاء من الصفات العمومية كعقوبة ماسة بالحقوق والمزايا، المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيًا أو لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها كعقوبة ماسة بالذمة المالية، نشر الحكم بالإدانة كعقوبة ماسة بالاعتبار    

*العقوبات المنصوص عنها في قانون البيئة 03/10: ومن العقوبات الجزائية المفروضة على الجاني البيئي نذكر ما يلي:

-الغرامة البيئية: المشرع الجزائري لم يأخذ في قانون حماية البيئة إلا بنظام الغرامة المحددة ونظام الغرامة التهديدية لكل منشأة تتسبب في تلوث جوي أو مخالفة أوامر قضائية بإنجاز أشغال أو أعمال التهيئة وتتراوح قيمتها بين خمسة ألاف دينار (5.000 دج) إلى خمسة عشر ألف دينار (15000 دج) وفي حالة العود تقدر الغرامة بخمسين ألف دينار (50.000 دج) إلى مائة وخمسين ألف دينار (150000 دج)  كعقوبة محددة وتعاقب المنشأة بغرامة تقدر بخمسة ألاف دينار (5000 دج) إلى عشرة ألاف دينار (1000 دج) كغرامة محددة. وبغرامة تهديديه لا يقل مبلغها عن ألف دينار (1.000 دج) عن كل يوم تأخير.

- غلق المنشأة المصنفة:  يقصد به منع استعمال المنشأة غلقها كوسيلة وحيدة لمنع تكرار الجريمة إذ أن التطبيق العملي لعقوبة الغلق في الجرائم البيئية أثبتت فاعليتها في إزالة الاضطراب الذي تحدثه الجريمة البيئية ومنع تكرارها في المستقبل، وغلق المنشأة في الحقيقة قد لا يعتبر عقوبة بقدر ما يكون عبارة عن تدبير احترازي وقائي عيني محله منع مزاولة العمل الملوث للمنشأة المصنفة في قانون حماية البيئة ومن أمثلة ما نص عليه المشرع الجزائري في هذا الإطار المادة 102 فقرة 2 من القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة

-الحظر أو المنع من إستغلال المنشأة المصنفة:  يعد من أهم العقوبات المقررة لمكافحة جرائم تلويث البيئة بفعل المنشآت المصنفة ويتمثل غالبا في حرمان المحكوم عليه "المنشأة المصنفة" من مزاولة النشاط المسبب للتلويث عن طريق سحب أو وقف أو إلغاء الترخيص الذي يخوله ممارسة النشاط

2. المسؤولية المدنية عن التدهور البيئي في القانون الجزائري

   

     تلعب المسؤولية المدنية دورا  هاما في وضع حماية فعالة للبيئة فهي بذلك نظام قانوني يلتزم بمقتضاه الملوث بتعويض كافة الأضرار التي تلحق بالبيئة.

1-أساس المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية بالرجوع إلى القانون 03/10 والقوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بحماية البيئة وكذا القانون المدني فإننا لا نجد قواعد خاصة لتنظيم المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، ولهذا لابد من الرجوع للقواعد العامة للمسؤولية المدنية في القانون المدني

   والملاحظ أن نظرية الحق في القانون المدني، وخصوصا فيما يتعلق بالحقوق المالية، لا تثبت إلا للشخص الطبيعي أو المعنوي، وبالتالي فإن الأشجار والحيوانات والكائنات الحية وغيرها من الأجناس طبقا لنص القانون المدني، ليس لها شخصية قانونية تجعلها صاحبة حق، ولو افترضنا وجود هذا الحق، فإنها لا تستطيع ممارسته من خلال رفع الدعوى والمطالبة بحماية القضاء.

   أمام هذه الإشكالية، لجأ المشرع الجزائري بمقتضى قانون 03/10 إلى السماح لجمعيات المعتمدة قانونا، برفع الدعاوى أما الجهات القضائية المختصة عن كل مساس بالبيئة، حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بانتظام، كما يمكن للأشخاص الطبيعين المتضررين تفويض هذه الجمعيات من أجل أن ترفع باسمهم دعوى التعويض.

   ولقد خول المرسوم التنفيذي 98/276 مفتشي البيئة للولايات تمثيل الإدارة المكلفة بالبيئة أمام العدالة، بحيث سمح لهم برفع الدعاوى القضائية دون أن يكون لهم تفويض خاص لذلك

   لكن تبقى الإشكالية مطروحة في تحديد أساس المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، ذلك أن تحديد أساس هذه المسؤولية تكتسي أهمية بالغة، فإلى جانب الأشكال المتعارف عليها في مجال المسؤولية المدنية، وأمام استفحال الأضرار البيئية، واتخاذها لأشكال جديدة لم تكن لتعرف من قبل، ولصعوبة تحديد المتضرر المباشر من الانتهاكات البيئية، وقع جدال فقهي حول أساس هذه المسؤولية.

   فهناك جانب من الفقه نادى بتطبيق النظرية التقليدية للمسؤولية المدنية، والتي يكون فيها الخطأ هو قوام المسؤولية التقصيرية، ويتمثل هذا الخطأ في الإخلال بإلتزام قانوني مقرر بمقتضى القوانين واللوائح، والخطأ يكون أيضا قوام المسؤولية العقدية على أساس أنه إخلال بالتزام تعاقدي

   إلا أن ظاهرة تلوث البيئة والأشكال المختلفة التي يتم بها هذا التلوث، حالت دون تطبيق المبادئ التقليدية للمسؤولية المدنية في الصور المعروفة، مما دفع بالفقه إلى إقرار بعدم كفاية تقنيات المسؤولية التقصيرية في شكلها التقليدي، و ضرورة الخروج عنها في بعض الأحيان أو البحث عن سبل تطوير أحكامها وقواعدها بما يضمن مواجهة فعالة في مجال حماية البيئة.

   و كنتيجة لذلك تم الإعتماد على نظرية الإلتزام بحسن الجوار أو تحمل الأضرار المألوفة للجوار، وكذا نظرية عدم التعسف في استعمال الحق.

2-خصائص الضرر البيئي

     يعد الضرر طبقا للقواعد العامة من الشروط الرئيسية لقيام المسؤولية المدنية، فمجرد توفر الخطأ وحده غير كافي للرجوع على مرتكب الفعل بالتعويض، فلابد من أن ينتج عن الفعل ضرر حتى تقوم المسؤولية المدنية، وهذا ما نجده في نص المادة 124 من القانون المدني التي تنص: " كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض"

   وهنالك شروط يجب تحققها في الضرر حتى يمكن تعويضه، فلابد من أن يكزن الضرر محقق أو مؤكد الوقوع، أي أن لا يكون محتملاً.

    كما يجب أن يكون الضرر شخصيّا ومباشرّا، فالمتضرر وحده الذي يحق له المطالبة بالتعويض عن الضرر ولا يستطيع أحد غيره المطالبة به ورفع دعوى المسؤولية المدنية.

   ويجب أخيراّ أن يصيب الضرر مصلحة مشروعة يحميها القانون، فحتى يكون الضرر قابل للتعويض لابد أن يمس حقا مكتسبا يحميه القانون، ولا يكفي أن تكون للمتضرر مصلحة أدى الفعل الضار إلى المساس بها فحسب، وإنما يجب أن تكون هذه المصلحة مشروعة.

   إلا أن فقهاء قانون البيئة توصلوا إلى أن الضرر البيئي له خصائص معينة، يجعله يختلف عن الضرر المنصوص عنه في القواعد العامة للمسؤولية المدنية، وذلك بسبب أن هذا الضرر غير قابل للإصلاح، وأنه ناتج عن التطور التكنولوجي

   وتتمثل هذه الخصائص في كونه ضرر غير شخصي من جهة، وهو ضرر غير مباشر من جهة أخرى بالإضافة إلى ذلك فهو صنف جديد من أصناف الضرر.

* الضرر البيئي ضرر غير شخصي

   ويقصد بذلك أن الضرر يتعلق بالمساس بشيء لا يملكه شخص معين، وإنما مستعمل من قبل الجميع دون استثناء، وعليه فلسنا بصدد المساس بمصلحة شخصية، فمن يقم بطرح النفايات داخل الأماكن السياحية، لا يسبب ضرراً مباشراً لشخص بعينه، وإن كان قد خالف القانون برميه النفايات في هذه الأماكن.

هذه الخاصية المميزة هي التي جعلت أغلب تشريعات الدول تعطي للجمعيات البيئية حق التمثيل القانوني للحد من الاعتداءات على البيئة، لأن الاعتداء على هذه الأخيرة يعتبر مساساّ بالمصلحة العامة، وهو الاتجاه الذي أخذ به المشرع الجزائري، إذ سمح للجمعيات أن ترفع دعاوى المسؤولية المدنية للمطالبة بالتعويض عن كل مساس بالبيئة.

* الضرر البيئي ضرر غير مباشر dommages indirects

    أي أنه ضرر لا يصيب الإنسان أو الأموال مباشرة، وإنما يصيب مكونات البيئة كالتربة أو الماء أو الهواء.

   ويعرف الأستاذ descpax الضرر الغير مباشر على أنه الضرر الذي يحل بالوسط الطبيعي ولا يمكن إصلاحه عن طريق الترميم أو إزالته، مما يجعل تطبيق القواعد العامة للمسؤولية المدنية صعبا لا سيما في حالة الضرر الذي يمس بالموارد المائية.

   كل هذا جعل القضاء يتردد كثيرا، بل يرفض غالبا الحكم بالتعويض، ويؤكد موقفه باعتبار أن تلك الأضرار البيئية أضرار غير مرئية، و يصعب إن لم يكن مستحيلاّ تقديرها.

* الضرر البيئي صنف جديد من أصناف الضرر

   إن الضرر البيئي له طبيعة خاصة، وذلك باعتباره أنه يمس بالأوساط الطبيعية سواء ما يتعلق منها بالأوساط المستقبلة أو الفصائل الحيوانية.

   ففي حالة إتلاف فصيلة حيوانية أو نباتية، فإن الضرر له طبيعة مزدوجة، تكمن في إتلاف هذه الفصيلة بحد ذاتها من جهة، ومن جهة أخرى فيه تهديد للتنوع البيولوجي، باعتباره يساهم في عملية انقراض مثل هذا النوع.

3-أركان المسؤولية المدنية البيئية

      تقوم المسؤولية المدنية للبيئية على ثلاثة أركان من خلال إدخال عوامل ملوثة للبيئة بفعل شخص طبيعي أو معنوي ويترتب على هذا الفعل ضرر محقق أو محتمل مع ضرورة وجود علاقة سببية بين الفعل والضرر

*الخطأ البيئي:

    يعرف الخطأ بأنه إخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل إياه و البعض الآخر يعرفه بأنه الفعل غير المألوف أو الإخلال بإلتزام مشروع، فقد يكون الخطأ إيجابيا بقيام الملوث بالنشاط الضار بالبيئة، أو سلبيا يتمثل في عدم القيام  بفعل ينبغي القيام به كعدم إحترام المنشأة المصنفة للمقاييس التشريعية والتنظيمية والتقنية التي من شأنها الحفاظ على البيئة

*الضرر البيئي:

     هو المساس بالوسط الطبيعي ذاته أو الأشياء المشتركة والتي تعرف بأنها أملاك بيئية ( ماء، هواء، نبات، حيوان) ويشترط في الضرر أن يكون محققا ويجمع الفقهاء على أنه إذا لم يكن الضرر قد تحقق فيكفي أن يكون وقوعه مؤكدا ولو تراخى في المستقبل.

*العلاقة السببية:

    العلاقة السببية لها أهمية كبرى في مجال المسؤولية، فهي التي تحدد وجود ارتباط بين الخطأ  سواء كان خطأ إيجابيا أم خطأ سلبيا وبين الضرر.

4-أثار قيام المسؤولية المدنية

    إذا تحقق الضرر يثبت حق المتضرر في التعويض، وكما سبق و أن أشرنا فالتعويض لا يلقى ترحيباّ كبيراّ في مجال الأضرار البيئية، ذلك أن الهدف هو ليس جبر الضرر عن طريق التعويض، وإنما هو الحد من الانتهاكات البيئية. 

   ومهما يكن الأمر فالتعويض هو الأثر الذي يترتب على تحقق المسؤولية، ومتى تحقق ذلك كان للمتضرر الحق في رفع دعوى للمطالبة به.

   والتعويض طبقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية هو على نوعين: فقد يكون عيناً أو نقداً، إلا أنه أعطي للقاضي السلطة التقديرية في تحديد طريقة التعويض، تبعا لطبيعة الضرر وظروف القضية، فهناك أضرار تمكن المتضرر من طلب إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر وعلى المحكمة في هذه الحالة الحكم بهذا الشكل من أشكال التعويض و هو ما يسمى بالتعويض العيني.

   وفي أحيان أخرى يكون إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر أمراً مستحيلاً، وفي مثل هذه الحالة يتم جبر الضرر بالنقود وهو ما يسمى بالتعويض النقدي.

*التعويض العيني

    يقصد بالتعويض العيني الحكم بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر، وهذا النوع من التعويض هو الأفضل خصوصاً في مجال الأضرار البيئية، لأنه يؤدي إلى محو الضرر تماما وذلك بإلزام المتسبب فيه بإزالته، وعلى نفقته خلال مدة معينة.

   ولقد نص القانون المدني الجزائري على هذا النوع من التعويض في المادة 164 من القانون المدني التي تنص:" يجبر المدين بعد إعذاره طبقا للمادتين 180 و181 على تنفيذ التزامه تنفيذا عينياً، متى كان ذلك ممكناً". 

   إلا أنه ما يلاحظ أن المشرع الجزائري وفي قانون البيئة، نجده قد اعتبر أن نظام إرجاع الحال إلى ما قبل مرتبط بالعقوبة الجزائية، و هوما نصت عليه مثلا المادة 102 من قانون البيئة 03/10 التي جاء فيها:" يعاقب بالحبس لمدة سنة واحدة وبغرامة قدرها خمسمائة ألف دينار (500.000دج) كل من استغل منشأة دون الحصول على الترخيص...كما يجوز للمحكمة الأمر بإرجاع الأماكن إلى حالتها الأصلية في أجل تحدده".

وهذا على عكس المشرع الفرنسي الذي اعتبر نظام إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من قبل عقوبة ينطق بها القاضي المدني أو القاضي الجزائي.

   لكن من جهة أخرى ومادام أن المشرع الجزائري لم يضع قواعد خاصة لتنظيم المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، فإنه يجب على القاضي المدني في هذه الحالة الرجوع إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية ومن ثمة يمكن له الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من قبل في كل الأحوال الذي يكون ذلك ممكنا.

* التعويض النقدي

   يتمثل التعويض النقدي في الحكم للمتضرر بمبلغ من النقود نتيجة ما أصابه من ضر، حيث تحدد المحكمة آلية الدفع، ويلجأ القاضي إلى التعويض النقدي خصوصا في مجال الأضرار البيئية في الحالات التي لا يمكن إعادة الحال إلى ما كان عليه من قبل، كون أن الضرر يكون نهائياً لا يمكن إصلاحه، كأن ترتطم ناقلة نفط في مياه البحر فتؤدي إلى القضاء على كل الكائنات البحرية، ففي مثل هذه الحالة يصعب إعادة الحال إلى ما كان عليه من قبل وقوع الضرر.

   ومن الناحية العملية، قد يكون العامل الاقتصادي هو السبب في اختيار القاضي لطريقة التعويض النقدي عن الضرر البيئي، بسبب التكلفة الباهضة التي قد تتطلبها طريقة التعويض العيني، حيث يمتنع قضاء كثير من الدول الحكم بالتعويض العيني بسبب الأثار الاقتصادية التي قد تترتب على إتباع هذا الأسلوب، إضافة إلى اختلافها مع التوجهات نحو تشجيع الاستثمار.

ومن أمثلة ذلك: التلوث الناجم عن مصانع الفوسفات بسبب تطاير الغبار والغازات السامة، فقد يكتفي القاضي بالتعويض النقدي لأن الشركة قادرة على دفع النقود، وقد يقرر القاضي إلزام الشركة بتركيب مصافي(Les filtres)(، إلا أنه لا يستطيع الحكم بإزالة المصنع لأنها تعد رافداً اقتصاديا هاماً لخزينة الدولة.

   وطبقا للقواعد العامة يشمل تقدير التعويض على عنصرين: هما الخسارة التي لحقت بالمتضرر والكسب الذي فإنه، ولا يدخل في تقدير التعويض أن يكون الضرر متوقعا أو غير متوقع، ففي المسؤولية التقصيرية يشمل التعويض كل ضرر متوقعاً كان أو غير متوقع.

ولقد أخذ المشرع الجزائري بمبدأ التعويض الكامل للضرر، والذي يعني أن التعويض يجب أن يغطي كل الضرر الذي أصاب المتضرر، والذي يغطي كافة الأضرار المادية والمعنوية