1. المسؤولية الجزائية للجاني البيئي عن تدهور البيئي في التشريع الجزائري

تخضع الجرائم البيئية المرتكبة من قبل الجاني البيئي إلى القواعد العامة للمسؤولية الجنائية، وبصفة خاصة تخضع للقواعد التي أوردها المشرع الجزائري في قانون البيئة وقيام المسؤولية الجزائية يفرض وجود جريمة بيئية لذلك سوف يتم التطرق في هذا العنصر إلى مفهوم الجريمة البيئية وإجراءات التحري عنها ثم التطرق إلى أنواع المسؤولية الجزائية وأخيرا الجزاءات الجنائية المقرر في حق الجاني البيئي.

1-مفهوم الجريمة البيئية وأركانها:

    لم يعرف المشرع الجزائري الجريمة البيئية تاركا ذلك للفقه الجنائي باعتبارها من الجرائم المستحدثة في القانون الجنائي حيث يعرفها البعض من الفقهاء بأنها "كل فعل أو امتناع يتضمن اعتداء على سلامة البيئة بإحداث تغير في مكوناتها الطبيعية أو معالمها التي يجب الإبقاء عليها من أجل سلامة الكائنات الحية في تفاعلها معها". 

- أو هي السلوك الذي يخالف به من يرتكبه (شخص طبيعي أو معنوي) تكليفا يحميه المشرع بجزاء جنائي والذي يحدث تغييرا في خواص البيئة بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة او غير مباشرة تؤدي إلى الإضرار بالكائنات الحية والموارد الحية وغير الحية ما يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية وعليه فالجريمة البيئية تتميز ب:

 بأنها سلوك إرادي أو غير إرادي يخاف به من يرتكبه تكليف إيجابيا أو سلبيا يحميه القانون بجزاء جنائي.

- أن ذلك السلوك غير مشروع أو ربما يكون في بعض الأحيان مسموح به وتحدى القدر المسموح به بمخالفة نموذج تشريعي تتضمنه قاعدة جنائية مجرمة.

- أن ذلك السلوك يسبب ضرر يلحق الإنسان والبيئة أو يعرضهما للخطر.

لجرائم تلويث البيئة الواردة في قانون البيئة 03/10 نوعين من الجرائم  هي:

*الجرائم الشكلية: يطلق عليها كذلك جرائم الامتناع عن تطبيق التنظيمات، تتمثل في ارتكاب الجاني السلوك الإجرامي نتيجة عدم احترامه للإلتزامات القانونية (نظام التصريح، نظام الترخيص) والتقنية (دراسة الأثر البيئي، دراسة الخطر) وغيرها من الالتزامات والتنظيمات الإدارية والمدنية والتقنية المفروضة على المنشأة المصنفة بموجب النظام القانوني له إما بسلوك ايجابي كعدم وضع آلات لتصفية الملوثات أدّى إلى وجود انبعاث غازات من المنشأة المصنفة بقدر يتجاوز الحدود المسموح بها، فنكون أمام جريمة ايجابية بالامتناع (جريمة شكلية بالإيجاب)، أو بسلوك سلبي كعدم وضع آلات لتصفية الغازات الملوثة بالرغم من عدم وجود إنبعاثات للغازات فنكون أمام جريمة سلبية بالامتناع بغض النظر عن حدوث ضرر بيئي، ومن هذه الجرائم

* الجرائم الموضوعية: (الجرائم البيئية بالنتيجة)

    على خلاف الجرائم الشكلية التي تقوم بها الحاني البيئي، فإن الجرائم الموضوعية لا تقع إلا بوجود ضرر بيئي حال أو آجل على إحدى الأوساط الطبيعية (إعتداء مادي على المجالات البيئية سواء كان ذلك بفعل مشروع أو غير مشروع بصفة مباشرة أو غير مباشرة) كجريمة تلويث الهواء ،جريمة تلويث التربة

وتقوم الجريمة البيئية على ثلاث أركان:

- الركن الشرعي: أو ما يصطلح عليه بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبة هو ضمانة دستورية كفيلة بحماية حق الإنسان في بيئة نظيفة والذي عبر  عنه المؤسس الدستوري بقوله في المادة 47 من دستور 1996 "لا يتابع أحد ولا يوقف او يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون وطبقا للأشكال التي نص عليها" وعبر عنه المشرع الجزائري "لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن بغير قانون" فمبدأ الشرعية يفترض أن تجريم والجزاء الجنائي لا يفترضان في جريمة ولا عقوبة بغير نص يفرضها.

- الركن المادي: هو الذي يحدث تغييرا في العالم الخارجي فأثر السلوك الإجرامي يقوم على ثلاثة عناصر هي: السلوك المادي للجريمة البيئية فيكون ايجابيا من خلال القيام بفعل من شأنه إحداث تغير في البيئة كالتلوث أو يكون سلبيا من خلال الامتناع عن الالتزام بالقواعد البيئية، ولا يلزم أن يكون المتسبب في السلوك الإجرامي شخصا طبيعيا أو معنويا الضرر أو النتيجة الإجرامية: هي التغيير الذي يحدث للبيئة أي الضرر الذي يلحق بأي عنصر من عناصرها ما يميز النتيجة الإجرامية في الجرائم البيئية هو أن هذه النتيجة قد لا تتحقق في الحال بل بعد فترة زمنية قد تطول وقد تمتد النتيجة الإجرامية إلى إقليم آخر.

العلاقة السببية: هي الرابط بين عنصري الركن المادي الفعل والنتيجة فهي التي تسند النتيجة إلى الفعل فتقرر بذلك توافر شرط أساسي لمسؤولية مرتكب الفعل، وتسهم في تحديد نطاق المسؤولية الجزائية.

- الركن المعنوي: يقوم على العناصر التالية: القصد الجنائي، او الخطأ الغير العمي.

2-النظام القانوني للتحري عن الجرائم البيئية:

2-1-إجراءات المعاينة: يتولى معاينة الجرائم البيئة نوعين من الأشخاص وهم الأشخاص المكلفين بالبحث والمعاينة في إطار ق. إ. ج أي الضبطية القضائية حسب نص المادة 15 و 19 ق. إ. ج والأشخاص المكلفين بالحث والمعاينة في إطار قانون البيئة 03- 10 حسب نص المادة 111.

الأشخاص المؤهلين بمعاينة جرائم البيئة بما يلي:

التحري والمعاينة وجمع الأدلة عن الجرائم البيئية.

تحرير المحاضر حسب ما نصت عليه المادة 112 من قانون البيئة.

الالتزام بالمحافظة على السر المهني.

2-2-إجراءات المتابعة: تتم متابعة الجاني البيئي من طرف:

النيابة العامة حسب المادة 66 ق. إ. ج، أو الادعاء المدني من المضرور أمام قاضي التحقيق حسب المادة 72 ق. إ. ج. حق المجتمع المدني (الجمعيات البيئية) في اللجوء إلى القضاء  فالمشرع الجزائري كرس حقها في اللجوء إلى القضاء بموجب القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة. فقد مكن المشرع الجزائري بموجب المادة 36 من نفس القانون الجمعيات من الحق في رفع دعوى أمام الجهات القضائية عن كل مساس بالبيئة

3-أنواع المسؤولية الجزائية عن تلويث البيئة:

    من المبادئ المسلم بها، انه لا يسأل عن الجريمة إلا الإنسان، لأنه هو الشخص الوحيد الذي توافر لديه الشعور والإرادة، لذلك فإن مسؤولية الشخص الطبيعي عن تلوث البيئة تكون مسؤولية شخصية قائمة على أساس الخطأ الشخصي، وقد تكون مسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها غيره من التابعين له أو الخاضعين لرقابته واشرافه كمسؤولية صاحب المنشاة عن ذات الفعل الذي ارتكبه العامل بها وهو ما يعرف بالمسؤولية عن فعل الغير.

      وبعد تزايد دور الأشخاص المعنوية في العصر الحديث واتساع دائرة نشاطها اتجهت التشريعات الحديثة إلى إخضاع هذه الأشخاص لمعاملة قانونية مميزة وخاصة فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة في إطار الأنشطة التي تمارسها والتي عادة ما تؤدي إلى تلويث البيئة.

4- الأحكام العقابية عن جريمة تلويث البيئة

      فالتوجه الحديث للمشرع الجزائري في نظامه العقابي الجزائي المفروض على الجاني البيئي يتجه إلى تشديد العقوبات المفروضة في مجال الجرائم البيئية، واعتماده على نهجين أساسين في تقرير العقوبات هما النهج الردعي الوقائي من خلال اعتماده على التدابير الاحترازية، ثم النهج الردعي القمعي من خلال العقوبات المفروضة على الجاني البيئي الواردة في قانون العقوبات وقانون البيئة،  حتى يكفل التقليل من الاعتداءات الجرمية على البيئة لضمان صيانتها للأجيال القادمة.

4-1- التدابير الأمنية كجزاء ردعي وقائي

    عرف الفقه الجنائي التدبير الأمني بأنه مجموعة من الإجراءات وضعت تحت تصرف المجتمع تستهدف مواجهة خطورة إجرامية كامنة في شخصية مرتكب الجريمة من أجل درء المجتمع عنها، وجاء في التعاريف أن التدبير الأمني ينزل بأحد الأشخاص ولم يقل الأفراد لعلمنا أن التدبير قد ينزل بالشخص المعنوي كما ينزل بالشخص الطبيعي عند تحقق الخطورة الإجرامية و بالرجوع إلى أحكام القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة نجدها لا تتضمن أحكام خاصة بالتدابير الأمنية المطبقة على المنشآت المصنفة مما يستدعي منا الرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية حيث يجوز لقاضي التحقيق وضمان منه على السير الحسن للتحقيق في الجرائم البيئة المرتكبة من طرف المنشأة كشخص معنوي أن يخضعها لأي تدبير أو أكثر من التدابير حسب المادة 65 مكرر 4 من القانون 04-14 المعدل والمتمم للأمر 66-155 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية

4-2- العقوبات الردعية التدخلية المفروضة

    هناك جملة من العقوبات الأصلية والتكميلية الواردة في قانون العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي والشخص الطبيعي بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في قانون البيئة.

*العقوبات الواردة في قانون العقوبات

- الغرامة كعقوبة أصلية: الغرامة إلزام مالي يقدره الحكم القضائي على المحكوم عليه لصالح خزانة الدولة. وعقوبة الغرامة كعقوبة أصلية تختلف من حيث كون الجريمة البيئية جناية أو جنحة أو مخالفة فالغرامة المطبقة على المنشآت المصنفة هي التي تساوي من واحد (1) إلى خمس (5) مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة حسب المادة 18 من المادة 18 مكرر من القانون 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المتضمن قانون العقوبات.

-العقوبات التكميلية: لقد أعطى المشرع الجزائري للقاضي إمكانية المفاضلة بين واحد أو أكثر العقوبات التكميلية المفروضة على الجاني البيئي خاصة إذا تعلق الأمر بالشخص المعنوي (المنشآت المصنفة): حل المنشأة المصنفة كعقوبة ماسة بالنشاط، غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، الإقصاء من الصفات العمومية كعقوبة ماسة بالحقوق والمزايا، المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيًا أو لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها كعقوبة ماسة بالذمة المالية، نشر الحكم بالإدانة كعقوبة ماسة بالاعتبار    

*العقوبات المنصوص عنها في قانون البيئة 03/10: ومن العقوبات الجزائية المفروضة على الجاني البيئي نذكر ما يلي:

-الغرامة البيئية: المشرع الجزائري لم يأخذ في قانون حماية البيئة إلا بنظام الغرامة المحددة ونظام الغرامة التهديدية لكل منشأة تتسبب في تلوث جوي أو مخالفة أوامر قضائية بإنجاز أشغال أو أعمال التهيئة وتتراوح قيمتها بين خمسة ألاف دينار (5.000 دج) إلى خمسة عشر ألف دينار (15000 دج) وفي حالة العود تقدر الغرامة بخمسين ألف دينار (50.000 دج) إلى مائة وخمسين ألف دينار (150000 دج)  كعقوبة محددة وتعاقب المنشأة بغرامة تقدر بخمسة ألاف دينار (5000 دج) إلى عشرة ألاف دينار (1000 دج) كغرامة محددة. وبغرامة تهديديه لا يقل مبلغها عن ألف دينار (1.000 دج) عن كل يوم تأخير.

- غلق المنشأة المصنفة:  يقصد به منع استعمال المنشأة غلقها كوسيلة وحيدة لمنع تكرار الجريمة إذ أن التطبيق العملي لعقوبة الغلق في الجرائم البيئية أثبتت فاعليتها في إزالة الاضطراب الذي تحدثه الجريمة البيئية ومنع تكرارها في المستقبل، وغلق المنشأة في الحقيقة قد لا يعتبر عقوبة بقدر ما يكون عبارة عن تدبير احترازي وقائي عيني محله منع مزاولة العمل الملوث للمنشأة المصنفة في قانون حماية البيئة ومن أمثلة ما نص عليه المشرع الجزائري في هذا الإطار المادة 102 فقرة 2 من القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة

-الحظر أو المنع من إستغلال المنشأة المصنفة:  يعد من أهم العقوبات المقررة لمكافحة جرائم تلويث البيئة بفعل المنشآت المصنفة ويتمثل غالبا في حرمان المحكوم عليه "المنشأة المصنفة" من مزاولة النشاط المسبب للتلويث عن طريق سحب أو وقف أو إلغاء الترخيص الذي يخوله ممارسة النشاط