3. ملامح مجتمعات المعلومات

إن مجتمعات المعلومات بخلاف كل أنظمة المجتمعات التقليدية تتوفر على ملامح خاصة يمكن من خلالها تقييم أداء هذه الأخيرة إما بالإيجاب أو بالسلب، ويمكن القول هنا أن الملامح الأساسية لمجتمعات المعلومات تنطلق من عدة عناصر أساسية ، وهي على اختلافها نوعان : الإيجابية والسلبية 

  • -الملامح الإيجابية لمجتمعات المعلومات :

هي تلك الملامح التي من خلالها يمكن لمجتمع ما أن يرتقي إلى درجة عالية من المعلوماتية وهي الهدف المنشود من خلال الارتقاء بأي مجتمع إلى مجتمع المعلومات وهي عناصر مختلفة يمكن تحديد خصائصها من خلال النقاط التالية :

- إتاحة المعلومات : السرعة / الدقة :

يوفر مجتمع المعلومات سوق عالمية للمعلومات يستطيع فيه الناس من خلال التكنولوجيا المتضمنة في الحواسيب الآلية أن يقوموا بعملية التجارة في المعلومات من خلال البيع والشراء والمشاركة في الوصول إليها، مما يؤدي إلى التنوع في استخدام هذه المعلومات في مجالات التجارة والصحة والتعليم والإدارة والأنشطة الحكومية ويِؤثر على الأنشطة والمجتمع والتاريخ .إن سرعة التطور في التكنولوجيات المعلومات والاتصالات في مجتمعات المعلومات من شأنها أن تتحدى العقل الإنساني لكي يفكر بطريقة أفضل وأسرع ولكي يصبح أكثر معرفة وفعالية وإنتاجية .

إن أقدر الناس على التخطيط والتعامل مع الأشياء هو من يمتلك المعلومات بشتى صورها وأشكالها، فبقدر ما يحوزه الأشخاص أو الدول من معلومات بقدر ما يكونوا في مواقع أكثر قوة وأقدر على التصرف، إن أي نشاط بشري نمارسه سواء أكان صناعيا أم تجاريا أم غير ذلك يعتمد في أساسه على المعلومات، هذه الأخيرة التي يعتبر مجتمع المعلومات الراعي الأول لها .

-ثورة التكنولوجيات والشبكات :

تقدم شبكات عالمية وخاصة شبكة الإنترنت إمكانية إبداع ثقافات عالمية تسهم في عملية التواصل وإشاعة الديمقراطية والتواصل الحضاري عن طريق المجتمعات الافتراضية التي تتصل مع بعضها البعض فقط من خلال حاسوب ومودم وخط اتصال مع شبكة الإنترنت، مما سيسهم من دون شك في عملية تشاطر المعرفة .

تساعد مجتمعات المعلومات على تطوير الثورة المعلوماتية الهامة والتي تتمثل في تطوير تكنولوجيا المعلومات .

إن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات ستسرع من السيطرة على المعرفة، ذلك أن الثروة المعرفية الكونية من خلال هذه التكنولوجيات تحمل في طياتها الوعد بالقضاء على العزلة في العالم بفضل توافر المعلومات  وغزارتها، ومن شأنها أن تجعل الدول النامية تحرق المراحل المكلفة من عملية التنمية وتركز مشكلات العقل الإنساني لحل المشكلات الحادة .

تقضي التكنولوجيا  التي توفرها مجتمعات المعلومات إلى القضاء على عنصري الزمن والمكان مما يؤدي إلى إحداث نقلة نوعية في مستويات التغيير الاجتماعي والارتقاء نحو الأفضل في مستويات المعيشة والوعي الحضاري والثقافي  .

- الملامح االسلبية لمجتمع المعلومات :

 رغم كل الصورة المشرقة التي تعد بها مجتمعات المعلومات لمستقبل أفضل، إلا أن الواقع يرسم ملامح أخرى مغايرة لما يتم الترويج له، ولا يفهم من هذا أننا قد نرفض هذا المجتمع، بل نركز على أنه لابد من السعي إلى تجاوز سلبياته المركزة في فيما يلي .

- العولمة: كثر الحديث في السنوات العشر الماضية عن العولمة، حيث أصبحت الكلمة تشكل محورا لكل خطاب، بدءاَ من الخطاب السياسي والاقتصادي وانتهاءً بالخطاب الثقافي الديني.

وإن صيرورة الوصول إلى مجتمع المعلومات ليست بالطريق السهل، وبلوغ هذه الغاية لا بد أن يمر بالعديد من المراحل : تبدأ عند فهم هذه الظاهرة وتنتهي عند إيجاد الحلول الممكنة للإشكالات المتعلقة بها . وإحدى أهم الإشكالات التي تحيط بمجتمعات المعلومات اليوم ترتكز في نقطة أساسية تتمثل في العولمة بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والمعلوماتية، وبسبب تشعب حلقاتها والجوانب المتعلقة بها تثير في كثير من الأحيان العديد من التساؤلات حول مصير المجتمعات التي تجد نفسها في تماس مباشر معها، ولأن مجتمعات  المعلومات تبدأ من  نقطة أساسية وهي حرية الولوج إلى المعلومات والمشاركة الجماعية في إنتاج وتشاطر المعرفة، فهي بذلك تقف على خط المواجهة مع العولمة أكثر من أي  مجتمع أخر .

وتنبع عمق الأزمة من أن مجتمعات العالم عامة ومجتمعات المعلومات خاصة، أصبحت كلها وبلا استثناء معنية بظاهرة العولمة التي تندفع بقوة نحو العالم على اختلاف اتجاهاته الفكرية، مما أدى إلى إفراز تحديات أخرى تقوم على معادلة طرفها هما مجتمع المعلومات والعولمة، والمشكل هنا أن المسألة لا تقاس من زاوية واحدة ولكن من عدة زوايا، تتجلى أهمها في أن العولمة ترسم معالم جديدة لعالم جديد وتفرض حتمية المواجهة على كل دول العالم، فواقع الحال أصبح أمرا لا يسع أيا كان الهروب منه وكل المجتمعات التي تخرج من حلبة المواجهة مختارة إنما تخسر وجودها، وأما تلك التي تواجه المقاومة دون أن تفهم طبيعة ما يدور حولها وقوانينه فستخسر هي الأخرى لا محالة  وإن لم تدخل المعترك فالخسارة أكبر ، ولذا فتقييم طريقة التعامل مع العولمة في مجتمعات المعلومات تعتبر مركز الحوار اليوم . ويمكن إيجاز أهم المظاهر السلبية للعولمة في النقاط التالية:

-  السيطرة الاقتصادية تحت شعار دعوى أنها تؤدي إلى رفع مستوى الحياة للدول، والى إقامة توزيع أفضل للاقتصاد .

-  تشجيع عوامل التفتت والانقسام داخل المجتمعات الأخرى، والى إثارة التناقضات العرقية والدينية والمذهبية بين الأقوام والمجتمعات .

-  هشاشة الدولة تجاه الخارج فلا تعود متماسكة أمام القوى العظمى التي تسيطر على تيارات العولمة في الاقتصاد وفي الثقافة وفي السياسة وفي الإعلام .

- التلقي والاستتباع  بالنسبة للعالم الثالث أو معظم العالم ،بأن يكون دور الآخرين هو الخضوع .

-   تدمير قوى المناعة التي تجعل من دول العالم الثالث قوة منافسة على مستوى المستقبل في المجال الحضاري . 

-الهوية والثقافة ومجتمع المعلومات : تعبر الهوية عن حقيقة الشيء المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية التي تميّزه عن غيره، كما تعبّر عن خاصية المطابقة أي مطابقة الشيء لنفسه أو لمثيله، وتتمثل مقومات الهوية في اللغة الوطنية، و اللهجات المحلية المرتبطة بوجود شعب ما، و تطوره، و مصيره ، وبالقيم الدينية و الوطنية المتكونة عبر العصور، و العادات و التقاليد و الأعراف النابعة من تلك القيم و الحاملة لها، وبالتاريخ النضالي،كما أنها لا تبقى مفصولة عما يجري في العالم، فهي تدخل مباشرة في تفاعل مع ما هو إقليمي و قومي وعالمي، وخاصة في مجتمع المعلومات والعولمة .

 تتعدد مصادر التحديات التي تواجه الهوية، بقدر ما تضعف المناعة لدى الفرد والمجتمع
، ولكن المصدر الأساس الذي يأتي منه التحدي الأكبر لهوية الأمم والشعوب كافة، يكمن في السياسة الاستعمارية الجديدة التي تسود العالم اليوم، والتي ترمى إلى تنميط البشر والقيم والمفاهيم وفق معاييرها الجديدة، والسعي إلى صياغة هوية شمولية تفرضها في الواقع الإنساني، في إطار مزيف من التوافق القسري والإجماع المفروض بالقوة والخطورة في هذا الأمر، أن قوة الإبهار التي تُطرح بها هذه الهوية الشمولية ذات الاتجاه الغربي، والأمريكي تحديداً، تعمى الأبصار عن رؤية الحقائق على الأرض كما هي، مما يؤدى إلى توهم أن هذه الهوية المغشوشة، هي الهوية العصرية، الهوية الكونية، هوية التحديث والمدنية، الهوية التي ينبغي أن تسود وتقود، ولا هوية الجمود والهمود.

يقول إيريك فروم إن المجتمع الحديث بدأ وهو يأمل أن يخلق ثقافة جديدة تحقق حاجيات الإنسان عن طريق التوفيق بين الفرد والحاجات الاجتماعية وأن يقضي على الصراع بين الطبيعة الإنسانية والنظام الاجتماعي واعتقد الناس أنهم يستطيعون بلوغ هذه الأهداف بطريقتين:

  • زيادة الطرق الإنتاجية بما يوفر إشباع كل حاجات الفرد  
  • رسم صورة موضوعية عن الإنسان وحاجاته الحقيقية

فإن الهدف الأساسي كان خلق مجتمع واع لكن يبدو أننا فشلنا في بلوغ هذه الأهداف، فلقد استبدل الغرب، في عصر الرقمي الجديد، الركائز الثقافية والدينية بمقولات جديدة تضع الأخلاق في خدمة الهيمنة والعنف، والدين في خدمة نظام رأسمالي منتصر، والثقافة وقيمتها في خدمة فلسفة القوة، وقد باتت نظرة الغرب إلى ذاته تتسم بنرجسية مرضية يلازمها خوف دائم من فقدان السيطرة والدخول في مرحلة الأقوال والانحطاط. وهذا ما يؤكده الإنثروبولوجي الفرنسي كلود لفيس ستروس في عام 1980 بأن عولمة الثقافة تؤدي بالبشرية إلى الثقافة الأحادية mono culture  وستكون الحياة كلها شمندر  betteraveلا يقدم فيها إلا هذا الطبق  وأحادية الثقافة تؤدي إلى أحادية اللغة على اعتبار أن اللغة هي الناقل الأساسي للثقافة  ويترتب عن ذلاك موت مئات اللغات.

- المشكلات الأخلاقية : تطرح التكنولوجيا الحديثة العديد من المشكلات الأخلاقية متجسدة في :

انتهاك الخصوصية الفردية عن طريق التجسس والقرصنة وعمليات كالنصب والاحتيال والتزوير بالإضافة إلى التخريب العمدي للشبكات .

إشكالية انحسار القيم الأخلاقية أمام المد المعلوماتي الهائل، وبذلك تتحول انصهار العالم في بوتقة واحدة إلى أكبر معضلة تواجه دول العالم ليس الثالث فقط ولكن كل المجتمعات التي لا تزال محافظة على ثقافتها المحلية والتي يؤدي التشارك المعرفي إلى اختراقها بطريقة هي الأقرب إلى الانتهاك منها إلى الاستهلاك، خاصة مع الانتشار الواسع للمواقع الإباحية وظواهر أخرى أكثر خطورة كممارسة الدعارة عبر الشبكة والترويج لمواد أخرى ممنوعة .

- المشكلات القانونية : إن من أهم مبادئ مجتمعات المعلومات صيانة الحق في الابتكار، أي حماية الملكية الفكرية وما يتصل بها، وهذا ما يتجلى في كل الاتفاقات  الدولية التي توقع تحت طائلة منظمة التجارة العالمية أو شروط صندوق النقد الدولي أو اتفاقيات الشراكة المختلفة، وعلى الرغم أن الصورة العامة قد ترسم مستقبلا مشرقا حول حماية حقوق الملكية الفكرية، إلا أن الهدف الحقيقي للترويج لقوانين الحماية ليس هو صيانة هذا الحق المشروع بقدر ما هو عملية تقنين ومنع لانتشار التكنولوجيا ووصولها إلى دول العالم الثالث، التي ستضطرها القوانين المتشددة في هذا الإطار إما إلى الامتناع عن استيراد هذه التكنولوجيا على الإطلاق والبقاء متخلفة إلى الأبد، أو اللجوء إلى استيرادها مع تحمل التكلفة العالية التي ستضطر إلى دفعها نظير استغلال براءات الاختراع وحقوق التأليف والملكية الفكرية، أو الاعتماد على الحل الثاني والأخير وهو اللجوء إلى القرصنة، مما يطرح مشكلات جسمية للمنتجين والمستهلكين للتكنولوجيا على حد سواء .

 ومن الواضح أن تطبيق القوانين لا يتعدى الدولة التي صكتها، وفي نهاية الأمر، يحتاج تنفيذ القانون إلى جانب القوة التي توفر له الحماية والشرعية، ويرى عدد من الخبراء أمثال Barlow أنه ما من فرص لبقاء حق المؤلف في البيئة المتشابكة، فرغم انتشار عمليات الانتحال والقرصنة في جميع أنحاء العالم، إلا أن القضايا انتحال حق التأليف المنظورة أمام المحاكم لا تزال قليلة خاصة   معظم المشكلات التطبيقية مرتبطة بالتحكم في مصادر الإنترنت.

- التوزيع الجغرافي غير المتناسب للمعلومات: ففي الوقت الذي تتوفر فيه كل أنواع المعلومات في منطقة محددة من العالم، يوجد فقر شديد للمعلومات في مناطق أخرى. فالدول المقتدرة الصناعية تتوفر لها جميع أنواع المعلومات، وجميع أنواع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بينما زادت الدول النامية فقرا وأحيانا عزلة في هذا اﻟﻤﺠال بل وأصبحت يحجب عن بعضها المعلومات المهمة.

- توجيه الرأي العام والسيطرة على اتجاهاته الفكرية في بعد جديد من قانون السوق إلى السيطرة السياسية.

- الحواجز اللغوية خاصة وأن معظم المعلومات هي ليست بلغات الدول النامية.

- قيام الجهات المعنية،وخاصة في الدول النامية في حجب أنواع مختلفة من المعلومات تحت  ذرائع وحجج اجتماعية وسياسية ودينية مختلفة مما قد يؤثر سلبا في وصول الباحثين الحقيقيين إلى المعلومات البحثية المطلوبة.

- استخدام تكنولوجيا المعلومات كمظهر حضاري فحسب ،في العديد من مجتمعات الدول النامية. وأصبح الدافع هو المباهاة الإعلامية أو الاجتماعية أكثر منها إنتاج المعلومات والاستفادة منها للوصول إلى المعرفة ،كذلك فقد أقتصر استثمار العديد من الدول النامية للتكنولوجيات على شراء واقتناء الأجهزة، أو تجميع أجزاءها المستوردة. ولم تعط فرصة للدخول الفعلي في مجال المعرفة والتصنيع ،ومعرفة أسرار وتطور مثل تلك التكنولوجيات مع وجود استثناءات هنا وهناك، بموافقة ومباركة بعض الدول الصناعية أو بالرغم عنها.

- الأمية التكنولوجية وعدم المعرفة الدقيقة في استثمار إمكانات تكنولوجيا الحواسيب خصوصا التكنولوجيات الأخرى المصاحبة لها لا زالت عقبة تقف في وجه العديد من أفراد اﻟﻤﺠتمع في الدول النامية.

- البيئة التكنولوجية الضعيفة، وغياب التنسيق بين المتخصصين في علوم الحواسيب والبرمجة من جهة، وبين المتخصصين في التعامل الموضوعي مع مصادر المعلومات وتوثيقها، في المكتبات ومراكز البحوث والمعلومات. إضافة إلى احتمالات وجود بعض من الاتجاهات التقليدية التي تقاوم التغيير.

- الاعتماد الكبير على تكنولوجيا المعلومات وخاصة بعد ظهور مسألة الذكاء الاصطناعي، سيؤدي إلى ما يسمى بتسطيح العقل البشري نظرا لاعتماده على الآلة لتؤدي التفكير ،بدلا من الإنسان والقيام بالخطوات الإبداعية المطلوبة.

- قلة أو ضعف القوى العاملة الفنية،وقلة كفاءة التدريب والتأهيل،خاصة وأن التغيرات سريعة في مجال ظهور الحواسيب والتكنولوجيات المصاحبة الأخرى.

- عدم اتخاذ المنظمات الدولية والإقليمية مواقف جادة في ردم الهوة بين الدول الصناعية المنتجة للمعلومات من جهة، و الدول النامية المستهلكة لها من جهة أخرى في مجال التطور  التكنولوجي المعلوماتي وفي عملية نقل التكنولوجيا، إلا في حدود، مثل تبني أو تطوير الشرخ المعلوماتي أو ما يطلق عليها "الهوة المعلوماتية" أو "الفجوة المعلوماتية التي تفصل بين اﻟﻤﺠتمعات المتقدمة واﻟﻤﺠتمعات النامية.