1. مجتمع المعلومات: المفهوم والتطور، أسباب الظهور

- مفهوم مجتمع المعلومات:

قبل التطرق إلى مفهوم مجتمع المعلومات يجب التعرف على مفهوم المجتمع، هذه الكلمة وما يقابلها بالإنجليزية Society وهي نظام يتكون من مجموعة من الأفراد تعيش في موقع معين تترابط فيما بينها بعلاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية وغيرها، يسعى كل واحد منهم لتحقيق المصالح والاحتياجات.

وتبرز كلمة أخرى تقترب في المفهوم من كلمة مجتمع وأحيانا يتم اعتبارها كمرادف لها وهي الجماعة المشتركة Community التي يعتبرها البعض التجمع أو الجماعة بدون العلاقات المتداخلة بين أفراد الجماعة، فهو مصطلح يهتم بأن جماعة ما تشترك في الموطن والمأكل دون اهتمام بالعلاقات التي تربط بين أفراد الجماعة. "فإن تطور الجماعة يؤدي بها إما إلى شكل راق من أشكال الحياة الاجتماعية، وإما أن يسوقها على عكس ذلك إلى وضع متخلف".

من هنا يمكننا القول أن كلمة مجتمع تختلف، "فتكتسب الجماعة صفة [المجتمع] عندما تشرع في الحركة، أي عندما تبدأ في تغيير نفسها من أجل الوصول إلى غايتها، وهذا يتفق من الوجهة التاريخية مع لحظة انبثاق حضارة معينة".

هناك العديد من التعريفات حول مجتمع المعلومات، وسنحاول أن نورد أهمها فيما يلي:

ورد تعريف مجتمع المعلومات في الموسوعة العربية للمجتمع المعلوماتي على أنه :" هو مجتمع تتاح فيه الاتصالات العالمية، وتنتج فيه المعلومات بكميات ضخمة، كما توزع توزيعا واسعا، والتي تصبح فيه المعلومات لها تأثير على الاقتصاد." 

ولقد ذهبت ناريمان متولي إلى تعريفه بنفس السياق بأنه "يعتمد في تطوره بصفة رئيسية على المعلومات والحاسبات الآلية وشبكات الاتصال، أي أنه يعتمد على التكنولوجيا الفكرية، تلك التي تضم سلعا وخدمات جديدة مع التزايد المستمر للقوة العاملة المعلوماتية التي تقوم بإنتاج  وتجهيز ومعالجة ونشر وتوزيع وتسويق هده السلع والخدمات." 

بينما يرى  يقول كاستلز   Castells بأنه" للمعلومات يتم من خلال شبكات المنظمات والمؤسسات، وهذا التدفق والانسياب (Flows) يمثل سلسلة صادقة ومكررة ومبرمجة من التبادل والتفاعل بين الفضاءات المادي غير المتصلة والمحتلة من الفعالية الاجتماعية في المنظمات الرسمية والمؤسسات الاجتماعية. "

بينما يرى مؤتمر القمة العالمي لمجتمع المعلومات جنيف 2003 بأنه” مجتمع يستطيع كل فرد فيه استحداث المعلومات والمعارف والنفاذ إليها واستخدامها وتقاسمها بحيث يمكن الأفراد والمجتمعات والشعوب من تسخير كامل إمكانياتهم في النهوض بتنميتهم المستدامة وفي تحسين نوعية حياتهم ”.

ولقد عرفه مؤتمر القمة العالمي لمجتمع المعلومات تونس 2005 بأنه" هو مجتمع عالمي جامع ذو توجه تنموي يضع البشر في صميم اهتمامه"[

بينما ترى تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003 بأنه "المجتمع الذي يقوم أساسا على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي من الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة وصولا للارتقاء بالحالة الإنسانية باطراد أي إقامة التنمية الإنسانية ” .

بينما عرفته جامعة الدول العربية لمجتمع المعومات [ ماي 2005، القاهرة ] الصادر ضمن تقرير الأمانة الفنية لمجلس الوزراء العرب للاتصال والمعلومات تحت عنوان: " نحو تفعيل خطة عمل جنيف : رؤية إقليمية لدفع وتطوير مجتمع المعلومات في المنطقة العربية "، بأنه: " هو البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تطبق الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات و بخاصة الانترنت وتعمل عل نشر هذه التكنولوجيا وتوزيعها عادلا ليعم النفع على كل فئات المجتمع و تتنوع استخدامات التكنولوجيا الحديثة في شتى القطاعات التعليم، الخدمات الاجتماعية والصحية، البنوك والموارد التمويلية." 

ولقد عرفه محمد فتحي عبد الهادي” المجتمع الذي يعتمد اعتمادا أساسيا على المعلومات الوفيرة كمورد استثماري وكسلعة إستراتجية وكخدمة وكمصدر للدخل القومي وكمجال للقوى العاملة مستغلا في ذلك كافة إمكانيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبما يبين استخدام المعلومات بشكل واضح في كافة أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بغرض تحقيق التنمية  والرفاهية ”.

ورغم تعدد المفاهيم حول مجتمع المعلومات إلا أنه يمكن استشفاف، أنه يتركز أساسا على إنتاج المعلومة والنفاذ إليها واستحداثا واستغلالها في خدمة أهداف التنمية والتطوير، من خلال وضع ميكانزمات وطرق إدارة انسيابها بواسطة بنية تحتية للمعلومات وشبكات الاتصال.

- تطور مجتمع المعلومات:

ظلت المجتمعات على مدار الزمن في حركية دائمة، ولأنها كانت تسعى دائما إلى التطوير والتحسين من مستوى  الحياة والرقي إلى الأفضل، فقد تمكنت وبفضل ما قدمته من تضحيات وأبحاث على مستويات عالية من التحليل أن تصل إلى تحسينات جديدة، كانت أهمها على الإطلاق " مجتمع المعلومات" ولأنها لا تزال حديثة عن تطبيقات الفكر الإنساني تطرح أسئلة كثيرة عن ماهيتها وكيفية تطورها وخصائصها التي أهلتها لأن تصبح الهدف المنشود الذي تسعى إلى تحقيقه كل دول العالم على اختلاف توجهاتها، والتي كثيرا ما تثار الأسئلة حول مقوماتها وأهدافها . 

 إن مجتمع المعلومات يعتبر وإلى حد كبير مفهوما جديدا لم تتبلور معالمه بعد في المفهوم العالمي للباحثين في مختلف القارات، وذلك ليس غريبا لأن ملامحه غير واضحة بالقدر الكافي حتى بالنسبة للمواطنين العاديين الذين يتعاملون معه في حياتهم اليومية من خلال بعض مظاهره كشبكة الإنترنيت مثلا، بغير إدراك للأبعاد النظرية له وللنتائج العلمية والسياسية والثقافية ."وقد أدى النمو الاقتصادي العالمي المتزايد ممزوجا بالتطور التكنولوجي إلى توظيف المعلومات كمحرك أساسي للتغير الاجتماعي، مما أدى إلى ظهور مصطلح ”مجتمع المعلومات ” في بداية الثمانينات للدلالة على المرحلة الجديدة التي تمتدد عبر تاريخ البشرية، وتتميز بأنها تعتمد أساسا على قاعدة متينة من المعلومات تشكل موردا أساسيا لاقتصاديات ترتكز على هياكل قاعدية تكنولوجية ."

 عرف مجتمع المعلومات مسميات عديدة كالمجتمع ما بعد الصناعي ومجتمع ما بعد الحداثة، المجتمع الرقمي ،المجتمع الشبكي ،المجتمع اللاسلكي، المجتمع الكوني، المجتمع المعلوماتي، مجتمع الموئسات .

في نهاية الستينات تحدث الفرنسي (Alain Tourin) ألان تورين عن مجتمعات ما بعد صناعية، وكانت تعني له "المجتمعات التكنوقراطية" نسبة إلى السلطة التي تسيطر عليها، وبنفس الوقت "المجمعات المبرمجة" بالنظر إلى طبيعة الإنتاج والتنظيم الاقتصادي فيه. ويبدو أن تورين قد أعطى في مجتمعه الجديد الأهمية الكبرى لطبقة التكنوقراط وذلك تحت تأثير الأحداث الطلابية في فرنسا عام 1968 وهو يرى انحصار الدور الفاعل التاريخي للطبقة العاملة وظهور شروط جديدة في الصراع الاجتماعي تحت تأثير التطورات التكنولوجيا الحديثة وتزايد تأثير وسيطرة طبقة التكنوقراط.

في حين يرى الأمريكيان دانييل (Daniel Bell)   وألفين توفلر(Alvin Toffler1977)  أن البلدان الغربية قد دخلت في مرحلة تاريخية متقدمة جديدة، وهي مرحلة المعرفة النظرية المنظمة والموجهة نحو التطبيقات التكنولوجية، وخاصة على مستوى تكنولوجيا المعلومات. يسمى الأول منهم هذه المرحلة التاريخية في كتابه " قدوم المجتمع ما بعد الصناعي" الذي نشر عام 1973 ثلاث مراحل تمر بها المجتمعات، وهي مرحلة ما قبل الصناعة ومرحلة الصناعة ومرحلة ما بعد الصناعة. والمجتمع ما بعد الصناعي الممثل للمرحلة الثالثة هو صورة من صور المجتمعات التكنوقراطية المبرمجة، في حين يقسم ألفين توفلر  تاريخ الحضارة البشرية إلى ثلاث موجات رئيسة: الموجة الأولى بدأت عندما ارتبط الإنسان بالأرض، وأصبح يعتمد على الزراعة، واستغرقت هذه الموجة آلاف السنين. والموجة الثانية بدأت مع الثورة الصناعية عندما انتقل الإنسان إلى مرحلة التصنيع التي استمرت عدة مئات من السنين. أما الموجة الثالثة فهي التي يخوضها الإنسان حاليا وقد بدأت منذ عدة عقود وهي مرحلة ما بعد التصنيع، أو هي العصر المعلوماتي الذي نعيشه حاليا.

وإذا كان المجتمع الصناعي هو نتاج الثورة الصناعية التي ظهرت في القرن الثامن عشر فإن
مجتمع المعلومات هو التعبير الفكري والثقافي عن روح المجتمع الحديث والقوى الفاعلة فيه، هذه
القوى التي هي وليدة التطور التكنولوجي ووليدة التمدن الحضاري الذي شمل الكرة الأرضية كلها
في هذه المرحلة ".

-  من المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات:

لقد عرف المجتمع تغييرات ومسميات عديدة نظرا للمورد الاقتصادي أو السلعة التي يعتمد عليها، ففي البداية عرف بالمجتمع الزراعي نظرا لاعتماده في اقتصادياته على الأرض التي كانت هي المورد الرئيسي للدخل الوطني ’ثم تحول بعد دلك إلى مجتمع صناعي معتمد على مختلف الموارد الاقتصادية ’والموارد المالية ’والآن وبتقدم التكنولوجيا فقد أصبح المجتمع يعرف بالمجتمع ما بعد الصناعي مجتمع ما بعد الخدمات ’المجتمع الرقمي ’مجتمع المعلومات وهو المجتمع يتميز بالمساواة العدل في تشاطر المعلومات والتنوع بها، كما يتميز يتشاطر وتبادل الأدوار من ؟أجل تطوير الاقتصاد فهو يقوم على الجودة وروح الابتكار ، ويمكن إيجاز
أهم الفروقات بين المجتمع الصناعي ومجتمع المعلومات كما يلي:

  الشكل رقم01: من المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات



في ظل مجتمعات لا مادية تسودها عولمة الاقتصاد والتأثير السريع للعلم وكذلك العلاقات الجديدة التي تربطها بالمعلومات أصبحت المعرفة كمورد لا ينضب تشكل المحرك الأساسي لعجلة التنمية والمؤشر الحقيقي لتطور المجتمعات وقدرتها على التنافس في الميادين الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية.

فإن الهدف الأساسي من مجتمع المعرفة هو إتاحة الفرصة للجميع من أجل الوصول إلى المعلومات وتوفير الآليات لاكتساب المعرفة وإنتاجها وتوظيفها في تطوير المهارات وخدمة التقدم عبر الاستثمار الجاد
في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي وأنظمة المعلومات والهياكل القاعدية التكنولوجية. ويمكن إيجاز أهم الفروقات بين مجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة في الجدول الموالي:

الشكل رقم01: من المجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفة

- أسباب ظهور مجتمع المعلومات

بعد "اختراع الصينيين للورق أصبح يمثل الوعاء الأكثر انتشارا وشيوعا للكتابة وكانت الكتب تكتب باليد. أما الاختراع الثاني الذي ترك تأثيرا كبيرا فهو الطباعة في القرن الخامس عشر الميلادي، وقد قادت الطباعة إلى نشر نسخ كثيرة من نفس الكتاب، وتلي ذلك استخدام الوسائط السمعية والمرئية. وقد ساعدت اختراعات أخرى على الإسراع من نقل المعلومات تمثلت في: التلغراف، التليفون، الراديو والتلفزيون، وتعتبر أدوات الاتصال هذه هي أحجار البناء ﻟﻤﺠتمع المعلومات. أكبر الاختراعات تأثيرا هو الحاسوب وما يرتبط به في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين، والذي أحدث ثورة معلوماتية هائلة أثرت في كل نواحي النشاط الإنساني، وخاصة

الجوانب الإقتصادية."

وترجع أصول مجتمعات المعلومات إلى تطورين مرتبطين بعضهما البعض هما:

  • التطور الاقتصادي : لقد عاش المجتمع الزراعي على المواد الأولية والطاقة الطبيعية مثل: الريح، الماء،الحيوانات والجهد البشري. وفي مرحلة اﻟﻤﺠتمع الصناعي، بالاعتماد على الطاقة المولدة مثل: الكهرباء والغاز والطاقة النووية. أما اﻟﻤﺠتمع ما بعد الصناعي أو مجتمع المعلومات فإنه يعتمد في تطوره بصفة أساسية على المعلومات وشبكات الحاسبات ونقل البيانات.
  • التغير التكنولوجي : لقد ساهم التغير التكنولوجي في عملية التنمية الاقتصادية بشكل واضح؛ إذ لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات تأثيرها الواضح في النمو الاقتصادي . ويلاحظ أنه يمكن تطبيقها على نطاق واسع وفي ظروف مختلفة، كما أن إمكانياﺗﻬا في تزايد مستمر، وفضلا عن هذا فإن تكاليفها تتجه نحو الانخفاض بصورة واضحة. وقد دعا هذا بعض الاقتصاديين مثل: كريس فريمان freeman إلى القول بأن "تكنولوجيات المعلومات والاتصالات سوف تحدث موجة طويلة جديدة من النمو الاقتصادي دافعة لنشأة وتطور مجتمعات المعلومات".
  • ويمكن توضيح مجتمع المعلومات من خلال الفيديو التالي: