1. المنظور الإسلامي لحقوق الطفل

1.4. الحق الثالث: حق حفظ العقل: حق التعليم، وإبداء الرأي

إن الاهتمام بالطفل في تعاليم الإسلام ينطلق من نقطة الفطرة التي تؤكد أن الطفل الإنساني يولد متسماً بالعجز والاحتياج وبالتالي فإنه لا يستطيع القيام بالمهام التي تكفل له مقومات حياته أو ضروريات حياته دون أن تُقَدَّم له مساعدات مباشرة من أسرته أو المحيطين به لسنوات عدة.

حق الطفل في التسمية:

لعل من أهم حقوق الطفل نفسياً وفكرياً أن تكون له شخصيته وهويته، وبالتالي يحمل اسماً يعتز به، ولا يكون موضع هزء وسخرية، ولا موضع تهكم واحتقار، بل يكون اسماً ذا معنى محمود، أو صفة طيبة يرتاح لها القلب وتطمئن لها النفس، أو اسماً يبعث على الأمل والفأل الحسن، أو اسماً يدل على الشجاعة والنشاط والهمة.

والحكمة من تحسين الأسماء، وانتقائها من الكلمات التي تبعث البهجة والتفاؤل: ألا يشمئز الطفل من اسمه، ولا يشعر بنفور الناس منه، فيدعوه ذلك إلى كراهة المجتمع حوله واعتزاله إياه.

فالاسم هو الرمز الاجتماعي الذي يحصل عليه الطفل دالاً على ذاته ومحدداً انتماءه إلى أسرة محددة ينسب إليها، ومن ماهية الاسم يؤكد الإنسان حاجته إلى إثبات ذاته، فهو بدون الاسم يكون نكرة لا يُعرف في مجتمعه، ولا يعترف به مجتمعه.

إن الاسم معيار اجتماعي يحتاجه كل ليمارس شؤون حياته، وفى هذا العصر تعتبر شهادة الولادة الرسمية هي الدليل المادي لاسم الطفل وحقِه في الرعاية في مجتمعه أو الدولة التي ينتمي إليها، والمنهج الإسلامي لا يكتفي بمجرد التسمية للطفل ولكنه يدعو إلى تسميته بالاسم الحسن.

والشريعة الإسلامية اعتنت بتسمية الطفل واهتمت بها، ودعت إلى تسميته منذ الأيام الأولى من حياته بل منذ الساعات الأولى التي يولد فيها، قال رسول الله e: "ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم"([1])، وقال رسول e: "كل غلام رهين بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويُحْلَق رأسه"([2]).

إن من حق الطفل أن ينتقى له الأهل من الأسماء أحسنها وأجملها وأوضحها معنى استجابة لتوجيه النبي e فقد جاء توجيه الشريعة إلى ذلك في قول رسول الله e: "تسموا بأسماء الأنبياء"([3])، وقال e: "أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن"([4])، وقال رسول الله e: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم"([5]).

وعلى الأهل أن يجنبوا الأطفال الأسماء القبيحة التي تمس كرامتهم، وتكون مدعاة للاستهزاء بهم والسخرية منهم، كما جاء عن عائشة: كان يغير الاسم القبيح([6])، وعن ابن عباس عن رسول الله e أنه قال: "من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويحسن اسمه"([7]).

ومن المهم أن نتذكر أن الشورى مبدأ من المبادئ التي يحسن أن تسود الجو الأسري؛ فعندما ترزق الأسرة بمولود ذكراً كان أو أنثى، فاختيار اسم المولود يكون بناء على مشورة بين الزوجين وأفراد الأسرة.

إن تسمية الأولاد بأسماء الرجال الذين شاع ذكرهم في التاريخ الإسلامي مثل عمر، وعثمان، وعلي، والفضل، وسعد، وسعيد، وعمرو، وخالد، وعقبة: تبعث نشاطاً في الأمة ويوحى باعتزاز الأمة برجالها العظماء الذين سطروا أروع المنجزات الفكرية والعلمية والعسكرية والسياسية في تاريخ الأمة، ويحفظ لها هويتها وخصائصها واعتزازها بدينها وتاريخها، وقيمها الإنسانية الذاتية.

ومن دواعي حفظ عقل الطفل: الاهتمام والعناية برضاعه وتغذيته:

فالطفل يحتاج في الأشهر الأولى من حياته إلى الرضاع، وبالتالي تتعين الأم لرضاع ولدها، وتجبر على ذلك إذا لم يكن للولد ولا لأبيه مال يستأجر به مرضعة، ولم تُوْجَد مرضعة متبرعة، قال الله تعالى: ]والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة[[البقرة: 233]، وتنطوي هذه الآية على وجوب إرضاع الأم لولدها، وحليب الأم هو أفضل غذاء يقدم للطفل حسب رأى الأطباء المختصين لأنه الغذاء الفطري الملائم لصحة الطفل.

والرضاعة حق على الأم، لأن حليبها المختلط بالحنان والعطف هو أصلح غذاء لنمو الطفل بدنيا ونفسياً وروحياً، إذ هي تفيض عليه الرحمة والحب وهو يرضع من ثدييها حين تضمه إلى صدرها، وحليب الأم تتمة غذائه حين كان جنيناً في أحشائها، فالطفل جزء من كيان الأم وفلذة من كبدها، فلذلك كان حليبها أصلح شيء لمولودها ما لم تكن هناك علة مانعة للرضاعة ولها وجه شرعي وليس سببا دنيوياً ومادياً تمنع به الطفل من الرضاعة لوجوب ذلك على الأم باعتباره حقاً من حقوق الطفل لمدة عامين تامين، ولعلم رب العالمين والناس بأن هذين العامين فيهما كفاية لتأسيس نمو الطفل.

وحفظاً لحق الطفل، والحفاظ على صحة الطفل بالإرضاع من الأم المطلقة جعلت الشريعة الإسلامية للأم حق النفقة والأجر كسوة وإطعاماً، وحددت هذه النفقة بحيث تكون لائقة بحال الأم ومكانتها في قومها وبيئتها، ولا تلحقها غضاضة في نوعها ولا في طريقة أدائها إليها، ومما يشمل النفقة بالمعروف وكثرتها أو قلتها أن يكون ذلك بحسب قدرة الأب وضمن حدود طاقته، وذلك لقول الله تعالى: ]لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده[[البقرة: 233]، وقوله تعالى: ]لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً[[الطلاق: 7].

وقد أثبتت الأبحاث العلمية النفسية أن الطفل الذي يرضع من ثدي أمه لا يرضع الحليب فقط، إنما يرضع معه الحب والحنان، فيحس بدفء الأمومة وحنانها، وهذا يساعد الطفل على أن ينمو في صحة نفسية جيدة، ويكون بعيداً عن الإصابة بالأمراض النفسية في مراحل عمره اللاحقة، وللرضاعة الطبيعية دور في سلوكيات الإنسان، فقد بينت الدراسات التي أجريت على بعض محترفي الإجرام في العالم أن كثيراً منهم قد حرموا من الرضاعة الطبيعية في طفولتهم.

ومن أجل ضمان صحة الطفل وحقه في الحياة من حق الإرضاع فإن الله سبحانه وتعالى قد أباح للمرضع الفطر في رمضان إن خافت على نفسها أو على رضيعها، فالرضاعة الطبيعية رحمة من الله للأم والطفل، وليست عناءً وتعباً تتعلل الأم به لكي تقدم عملها على حق طفلها ولكي تحافظ على رشاقة صدرها، مع الإشارة فقد رخَّص الإسلام للمرأة المرضعة أن تترك العبادة (الصيام) لأجل إرضاع ولدها، فكيف بِمَن تترك رضاع ولدها بحجة المحافظة على حسن جسدها!!!.

ولا شك أن هذه المهمة تحتاج إلى نفقات مالية وتوجبها على الأب أو الولي أحكام الشريعة الإسلامية وتلزمه بها، قال الله تعالى: ]وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف[[البقرة: 233]، وإيجاب النفقة للأمهات ينعكس على صحة الأولاد بالخير والمصلحة، وقال رسول الله e: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ـ أي عتق رقبة ـ ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، وأعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك"([8]).

وإذا تقاعس الأب في الإنفاق على الأسرة والأطفال وبخل في ذلك فإنه يرتكب الوزر والإثم لما يؤدى إحجامه عن الإنفاق إلى ضياع الولد وشذوذه وانحرافه، قال رسول الله e: "كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته"([9]).

والنفقة على الأهل والعيال تكون بتهيئة الغذاء الصالح، والمسكن الصالح، والكساء الصالح، حتى لا تتعرض أجسامهم للأسقام والعلل، وتنهك أبدانهم الأوبئة والأمراض، ووصل الفكر الإسلامي في ذلك إلى القمة من خلال تشريع أحكام تُلْزِم الأب بالنفقة على عياله عن طريق القضاء فيما إذا تخلف أو قَصّر.

كما ألزم المشرع الأب بنفقة معالجة أولاده عند حاجتهم إلى المعالجة.

ولما كانت صحة الولد هي الأصل للمحافظة على عقله وفكره فإنه وفى حالة عدم قدرة الأب على ذلك نظراً لأنه معسر، فإن على الأم الموسرة، أن تقوم بمعالجة الطفل على نفقتها على أن يعتبر ذلك ديناً على الأب وتأكيداً على ضرورة توفير الرعاية الصحية للطفل في كل الظروف ولذلك فإن نفقة معالجة الطفل تتوجب على من تجب عليه نفقته إذا كان الأب والأم معسرين.

وسلامة البدن والعقل لكل إنسان وجه من وجوه السعادة وحق لصحته الجسمية وصحته النفسية، ولقد أمر الإسلام بالحفاظ على صحة الأبدان والقلوب والعقول، وأمر بالتداوي، والشريعة الإسلامية فيها كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدل على اهتمام الإسلام بالطب والصحة والغذاء المادي والغذاء الروحي، والصحة النفسية للأطفال تبقى من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الأهل كمربين.

 

العناية بصحة الطفل:

ومن المسؤوليات الكبرى التي أوجبتها تعاليم الإسلام على الآباء والأمهات والمربين، مسئولية العناية الصحية والجسمية للأطفال، لينشؤوا متمتعين بسلامة البدن وقوة الجسم والحيوية والنشاط، قال رسول الله e: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير"([10]).

فمن حق الطفل أن يُزَوَّد بثقافة صحية، وأن يُعَوَّدَ على اتباع القواعد الصحية في مأكله ومشربه وملبسه بهدف وقاية جسمه من الآفات المرضية والأمراض السارية.

ومن العناية بصحة الطفل: الختان([11]) وهو من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، فهو مُكَمِّل الفطرة التي فطرهم عليها.

وقد وردت كثير من النصوص التي تحث على الختان، وتبين أهميته، منها قول رسول الله e: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط ، وقص الشارب، وتقليم الأظافر"([12]).

فالختان واجب على كل مسلم، ومن الأحكام الشرعي: أن من لم يختتن تُرَدُّ شهادته، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يكون للناس إماماً([13]).

وقد أكد الإسلام على أهمية الختان؛ لما فيه من الطهارة، والنظافة، والتزين، وتحسين الخلقة، وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوان، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجماد؛ فالختان يعدلها([14]).

 

وحفاظاً على عقل الطفل ونفسيته فله الحق في العيش في أسرته:

فلقد عنيت الشريعة الإسلامية بالأسرة ورسمت لها الطريق السوي، كي يدوم الصفاء وتستمر الألفة والمحبة وتسود الرحمة والمودة، حتى يعيش الأولاد في أحضان الأبوين عيشة كريمة، بعيدة عن النكد والشحناء، فأمرت برعاية الولد والمحافظة على حياته وصحته وتربيته وتثقيفه بين الأبوين، وهذا ما يعرف بالحضانة، حتى عندما تنفصم عرى الزوجية وينفصل الزوجان، لم تترك الشريعة الأولاد للضياع والتشرد، وإنما عملت على التوجيه لتربيتهم وحمايتهم والمحافظة عليهم، حتى يصلوا إلى مرحلة تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم وإدراك مصالحهم.

ومن حق الطفل أن يعيش في أسرته التي أنجبته، فعلى أسرته هذه أن تشرف على شئونه الجسمية والنفسية، وتمنحه العطف والحنان وحسن الرعاية، وتضمن له حق الكرامة، بعيداً عن العنف، وعن الشقاق والنـزاع والخصام، وعن عذابات النفس وأوجاع الضمير.

وقد حفلت كتب الفقه الإسلامي بهذا الحق، وهى تشرح أحكام الولاية والحضانة والرضاع والوصاية والنسب وأحكام الإصلاح بين الزوجين إذا ما دَبَّ الخلاف بينهما.

فالأسرة هي المحضن الفطري الدافئ الأمين الذي يجد فيه الأطفال الراحة والأمن والطمأنينة والسعادة، فالشأن فيها أن تحافظ على صحتهم، وتُنَظِّم أوقات طعامهم، ونومهم، ويقظتهم، ومواعيد دراستهم، وأن تذكر باستمرار مدى حاجتهم إلى نظافة أجسامهم فلا تهمل نظافتهم في أي وقت من الأوقات، فالنظافة سبيل لوقايتهم من الأمراض والعلل، وطريق لضمان صحة قوية جيدة لهم.

ولا تستطيع أي مؤسسة أخرى غير أسرة الطفل أن تقوم مقامها، ولا تؤدى دورها ولا تؤثر تأثيرها في تربية الطفل.

وحرصاً على الطفل من التشتت الذهني والعقلي كان التوجيه الإسلامي:

بحق الطفل في الحضانة:

الحضانة حق للطفل منذ ولادته وهى تربيته ورعايته والقيام بجميع شئونه؛ من تدبير طعامه، وملبسه ونومه، والاهتمام بنظافته وصحته البدنية والنفسية في سن معينة ممن عليه حق تربيته شرعاً من الوالدين، أو من الأقارب والأرحام إن كان ولداً يتيماً.

والأولوية في حق الحضانة للأم أولاً:

الأم النَّسَبِيَّة أحق بحضانة ولدها وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ثم بعد الأم يعود الحق لمن تلي الأم من النساء حسب الترتيب المنصوص عليه في الفقه الإسلامي.

ويشترط في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة أمينة لا يضيع الولد عندها؛ لانشغالها عنه، وأن تكون قادرة على تربيته وصيانته، وألا تكون متزوجة بغير مَحْرَم للصغير، وألا تمسكه في بيت مبغضيه، فعقد زواج الحاضنة بغير قريب محرم من المحضون تسقط حضانتها.

وإذا تعدد أصحاب حق الحضانة الذين هم في درجة واحدة فللقاضي حق اختيار الأصلح للمحضون، ولا تستحق الأم أجرة للحضانة حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق الرجعى، وتمتد حضانة الأم التي حبست نفسها على تربية أولادها وحضانتهم إلى بلوغهم، وتنتهي حضانة غير الأم من النساء للصغير إذا أتم التاسعة وللصغيرة إذا أتمت الحادية عشرة.

روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاءً وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وأن أباه طلقني وأراد أن ينـزعه مني، فقال رسول الله e: "أنت أَحَقُ به ما لم تنكحي"([15]).

ولا يسمح للحاضنة أن تسافر بالمحضون خارج البلاد إلا بموافقة الولي وبعد التحقق من تأمين مصلحته.

وكفالة الصغير واجبة على المرأة وحق لها سواء كانت مسلمة أم غير مسلمة ما دام الصغير محتاجاً إلى هذه الكفالة؛ فإن استغنى عنها ينظر؛ فإن كانت الحاضنة والولي مُسْلِمَين خير الصغير في الإقامة مع من يريد، فمَن يختاره له أن ينضم إليه سواء أكان الرجل أم المرأة، ولا فرق في الصغير بين أن يكون ذكراً أو أنثى، وينضم إلى المسلم منهما قطعاً إن كان أحد أبويه غير مسلم.

فالصغير الذي لا يستغنى عن الحضانة حضانته حق لأمه وواجب عليها، ومثلها أمها وجدتها وكل امرأة من النساء اللواتي لهن حق الحضانة.

آثار نـزاع الزوجين على حضانة الأطفال:

ثم إن تنازع الزوجين على حضانة الأطفال بعد التفريق بينهما أو بعد حدوث الطلاق من أشد الحالات التي يواجهها الأطفال، ومن أكثر الحالات التي تترك آثاراً سيئة في نفوسهم ومجرى حياتهم عندما يرون الخلافات العميقة والحادة والمحتدمة بين الأب والأم، ويجهل الآباء والأمهات أو ينسون التأثيرات السيئة لهذه الخلافات في تنشئة أطفالهم وفى مستقبلهم، أنها تملأ نفوس الأطفال بالأحقاد والكراهيات، وعدم المبالاة، والحقد على الحياة، ويضيقون ذرعاً في حياتهم وأنها تسبب كثيراً من الانحرافات السلوكية لدى الأطفال.

ومن يطلع على ما يجرى بين الأزواج في هذا الشأن يجد العجب العجاب من الكره الذي يملأ قلوب الزوجات والأزواج تجاه بعضهم، وكل يريد أن يهزم الآخر، ويحطم الآخر، ويكيد للآخر، ويمنع حق الآخر في رؤية الأولاد والأطفال؛ الأب يؤلب الأطفال على أمهم، والأم تؤلبهم على أبيهم، ويغرس كل منهما في نفوس الأطفال الكره والضغينة، فلا يشعر الأطفال براحة، ولا يتمتعون بسعادة، وإذا ناموا نامُوا على مضض وإذا استيقظوا استيقَظوا على خوف وقلق، فلم يحقق الزوجان مقصد الشريعة في الحفاظ على فكر الطفل ونفسيته.

وقد يقاطع الأب أطفاله ولا يتعرف عليهم، وكذا قد تفعل الأم، وتمتد هذه المقاطعة لسنوات طويلة، فينشأ الأطفال لا يعرفون لهم أباً حانياً، ولا أماً راعية.

عندئذ يهمل الأطفال فلا يحسب لهم حساب في مأكل ولا ملبس، ولا مهجع ولا دراسة ولا تعليم، ولا يؤبه لمشاعرهم أو أحاسيسهم، ولا يلتفت إليهم بصورة تضمن لهم حياة هادئة كريمة يرون فيها الحياة من وجهها المشرق الجميل المليء بالود والحب والحنان والعطف والصفاء.

إن من حق الأطفال أن يعيشوا سعداء، ومن حقهم أن ينالوا عطفاً وحناناً، ومن حقهم أن يأكلوا طعاماً طيباً حلالاً نظيفاً، وأن يشربوا ماء طاهراً نظيفاً، وأن يشموا هواء نقياً، وأن يلبسوا ثياباً مريحة مفرحة، ومن حقهم أن ينالوا قسطاً من الراحة والطمأنينة والهدوء والسكينة، وأن يناموا سعداء يستيقظوا سعداء، ويمرحوا سعداء، في جو أسري دافئ.

حق الطفل في التعليم والتعلم:

التعليم حق أساسي من حقوق الطفل على ذويه ومجتمعه ودولته التي يستظل بظلها، ومن حق الطفل في الإسلام أن يُعلم القرآن ويحفظ شيئاً من سوره وآياته لكي يؤدى بها الصلاة ويُنَشَّأ على الإيمان بالله وحب القرآن وحب رسول الله e.

فالعلم طريق الإيمان، وإن الحياة لا تكون صالحة دون العلم؛ إذ بالعلم تزرع الأرض وبالعلم تزدهر التجارات، وتنشأ المصانع، وبالعلم تبنى المدن، وبالعلم تنشأ الطرق وتبنى الجسور، وبالعلم تعد القوة التي تدفع العدوان، وتردع مطامع الطامعين، وبالعلم تنتشر دعوة الإسلام في العالم.

والتبكير في طلب العلم له كبير الفائدة وعظيم الجدوى لنشاط الجسم وصفاء النفس، وراحة البال، يقول ابن جماعة: وعلى الشخص أن يغتنم وقت فراغه ونشاطه وزمن عافيته وشرخ شبابه، ونباهة خاطره، وقلة شواغله قبل عوارض البطالة أو موقع الرياسة، ويستحب لطالب العالم أن يكون عزباً ما أمكنه لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجية وطلب المعيشة عن إكمال طلب العلم.

وقد كان رسول الله e يعنى بترسيخ العلم وتعميق المعرفة، فكان يعمل على تأكيدها ويربى عليها الكبار والصغار.

قال يوماً لعبد الله بن عباس:"يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف"([16]).

وهذا التوجيه الكريم ليس تربية على اعتزال الحياة، ولكنه تصحيح للقيم وتسامٍ بالنفس، وارتفاعٌ بها فوق مستوى الفتن والشهوات، فعلى الإنسان أن يتوجه إلى الله تبارك وتعالى في كل شئونه، وعليه أن يجتهد في القيام بالأوامر واجتناب النواهي، ويحرص على أن يسلم وجهه لله ويكون مع الله ليكون الله معه.

والإسلام لا يفرق بين الذكور والإناث في التربية والتعليم فلكل من الجنسين الحق في تربية حسنة، وفى أن يتعلم العلم النافع، ويدرس المعارف الصحيحة، ويأخذ بأسباب التأديب ووسائل التهذيب لتكمل إنسانيته، وليستطيع النهوض بالأعباء الملقاة على عاتقه.

حق إبداء الرأي:

وينبغي تعليم الأطفال كيف يسألون، وعما يسألون، ومتى يسألون، ونعمل على توجيههم ليبذلوا جهدهم في الحصول على ما يسعدهم، ويحقق أهدافهم، والاستعداد لتحمل مسئولية ما يتولونه من أعمال.

كما ينبغي تدريبهم على أن يضعوا أنفسهم مكان الآخرين، فمن الخير والمصلحة أن نعلمهم فهم وجهات نظر الآخرين واحترامها، ونلقى في ذهن الطفل: تعلَّم لتعرف، تعلَّم لتكون، تعلَّم لتعيش مع الآخرين، تعلَّم لتعمل، ويرسم له هدف يسعى لبلوغه، وأن يسأل نفسه: من أنا؟ ماذا أريد؟ وكيف أستطيع تحقيق ما أريد؟

وشواهد التاريخ الإسلامي والتربية الإسلامية تؤكد هذا الحق، الذي اهتمت به الشريعة الإسلامية، حيث تحترم رأي الأطفال إذا كان صائباً، كرأيه في نوع تعليمه ورأيه في نوع حرفته، ورأيه في هوايته إذا كانت في غير معصية لله.

والإسلام يربى الأطفال على أن يكون لهم رأي مستقل، وقد ثبت([17]) أن رسول الله e كان في جلسة وكان من عادته أن يعطى الإناء لمن يجلس على يمينه، فنظر إلى عبد الله بن عباس يستأذنه في أن يسقي مَن هو أكبر منه، لكن عبد الله تمسك بحقه، فأعطاه النبي e الإناء احتراماً لرأيه، ولم يكن هدف ابن عباس من ذلك عدم احترام الكبار، ولكن لينال بركة الشرب بعد النبي e، وهذا احترام للرأي وتعبير عن الثقة بالنفس أمام الكبار، فكان ذلك حكماً شرعياً في حفظ حق الطفل في إبداء رأيه.

كما ثبت أن عمر بن الخطاب وهو خليفةٌ مَرَّ بالطريق فأسرع الصبية خوفاً وهيبة منه، لكن عبد الله بن الزبير بن العوام لم يفر، فسأله عمر: لماذا لم تفر مثل أصحابك؟، فأجابه الغلام بكل ثقة: ليست الطريق بضيقة فأوسع لك، ولم أرتكب ذنبا فأخاف منك، فقال عمر لمن معه: لو عاش هذا الغلام فسيكون له شأن، وصدقت فراسة عمر فقد وَليَ عبد الله بن الزبير الخلافة على الجزيرة خمس سنوات حتى استشهد.

وقصة الخليفة عمر بن عبد العزيز مع وفود القبائل معروفة، عندما كان بين ممثلي القبائل غلام صغير أراد أن يتحدث، فقال له الخليفة: انتظر حتى يتحدث من هم أكبر منك سناً، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين: إن الإنسان بأصغريه قلبه ولسانه، ولو كان الأمر بالسن لكان هناك من هو أحق منك بالخلافة لأنه أكبر منك"، فاستحسن عمر جوابه وقال: تحدث يا غلام.

وفي إطار العبادات ذكرت كتب الفقه أنه في الصلاة تصح إمامة الغلام ذي العشر سنوات إذا كان حافظاً للقرآن أو شيء منه، وليس في المصلين من هو أفقه منه وإن كان أكبر منه سناً.

من هنا يجب أن نحترم رأي أولادنا، وأن نربيهم على الاستقلالية والاعتماد على الله، فهذه جملة لحقوق الطفل التي فرضها الإسلام على الوالدين بزواج شرعي يتقدمه معرفة حقوقه، لكي يقدم الطاعة ويعرف البراء والولاء، فيكون قرة عين، وأمنية النفس وزينة الدنيا والعكس صحيح.




([1]) رواه مسلم.

([2]) رواه أصحاب السنن.

([3]) رواه أبو داود.

([4]) رواه مسلم.

([5]) رواه أبو داود بإسناد حسن.

([6]) رواه الترمذي.

([7]) رواه البيهقي.

([8]) رواه مسلم.

([9]) رواه مسلم.

([10]) رواه مسلم.

([11]) هو موضع القطع من الذكر والأنثى، يقال خَتَن الصبي يختنه بكسر التاء (أو بكسر عين الفعل في المضارع) أي قطع قلفته، ويقال ختنت الصبية، وهو وهى ختين. المعجم الوسيط، مادة (ختن).

([12]) فتح الباري، 11/88.

([13]) تحفة المولود، ابن القيم، ص 95.

([14]) فوائد الختان: أثبت الطب الحديث فوائد الختان ومنافعه الكبيرة والكثيرة، منها: عدم تراكم المفرزات العَرَقية والدهنية بين الحشفة وجلد القضيب التي تؤدى إلى التهابات جلدية أو التهابات تحسسية، وعدم تراكم آثار البول، الذي يؤدى إلى احمرار جلدي، وعدم تراكم آثار المفرزات المنوية وعودتها من جديد إلى الإحليل، مما يسبب التهابات إحليلية قد تسبب تضييقاً في مجرى البول، أو التهابات تناسلية، ويعرى الحشفة فيزيد من حساسية القضيب أثناء الجماع، ويمنع انتقال بعض الأمراض الجلدية إلى الأنثى أثناء الجماع، وإذا كان قد ثبت أن للختان فوائد كثيرة للذكور، والتي جاءت ثمرة لأوامر الشريعة، فإنها كذلك في حق الإناث ومن هذه الفوائد: أ) اجتناب خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، ب) تجنب الإصابة بالالتهابات المهبلية: فالثنايا الجلدية (القلفة) في القضيب الذي لم يختن جيب حاضن للجراثيم التي قد تجد طريقاً إلى داخل المهبل أثناء الجماع، فتحدث التهابات خطيرة لاسيما إن كانت جراثيم مرضية، جـ) ضعف التحسس الجنسي: هناك بعض التقارير تشير إلى أن الحساسية الجنسية تزداد عند المرأة المتزوجة برجل مختتن أكثر من المتزوجة بغير المختتن. للمزيد من التعرف على فوائد الختان، يُنْظَر: بحث علم الجراثيم الطبية، للمؤلفين أيرنست جاوتين جوزيف ميليتك، وأرد الدبرغ، منشورات بلاك ويلل العلمية ، لوس انجلوس عام 1972م، ص 247_256، و اختبار الحساسية للمضادات الحيوية تجاه الجراثيم المرضية بمنشورات سكاندنيان عام 1971م.

.

([15]) رواه أحمد وأبو داود.

([16]) رواه الترمذي.

([17]) رواه الترمذي.