1. مقدمة :

1.2. العلم في العمران البشري :ثانيا

اعتبر ابن خلدون ان العقل هو منبع العلوم ولم يعتبرها مسالة فقهية كغيره من علماء عصره ، و انما العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري فيقول في ذلك  
 : " ان الانسان تميز عن الحيوانات بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بابناء جنسه ، والاجتماع المهيا لذلك التعاون ، وقبول ما جاءت به الانبياء عن الله تعالى
والعمل به و اتباع صلاح اخراه ، فهو مفكر في ذلك كله دائما ، لا يفتر عن الفكر فيه طرفة عين بل اختلاج الفكر اوسع من لمح البصر وعن هذا الفكر تنشا العلوم والصنائع "
وبذلك ينظر ابن خلدون الى التعليم من زاوية عمله الاجتماعي ، اذ لاحظ ابن خلدون ان الجيل الناشئ يتشوق الى تلقي العلوم والمعارف من الجيل الذي سبقه فرد بذلك منشا العلم الى الواقع الاجتماعي ، كذلك الحال بالنسبة للاداب والصنائع .
ولم يكتفي ابن خلدون بتقرير منشا العلوم بنزعة اجتماعية و انما اكد ان التعليم يتاثر باحوال المجتمع ، حيث يتقدم التعليم و يتاخر وفقا لاحوال المجتمع كذلك الحال بالنسبة للصنائع فيقول :
" ان الصنائع انما تكمل بكمال العمران الحضري وكثرته "
والسبب يعود في ذلك حسب راي ابن خلدون الى :
اولا : ان الناس ما لم تستوفي العمران البشري وتمدن المدن فيكون همهم الاول تحصيل المعاش و الاقوات ، فاذا ما تمدنت المدن وتزايدت الاعمال حينئذ ينتقل الناس الى الكماليات وبهذا يكون ابن خلدون قد سبق ماسلو في تصنيف الحاجات الانسانية .
ثانيا : ان الصنائع والعلوم هي للانسان من حيث الفكر يتميز بها عن الحيوان ، فالقوت له حيث الحيوانية والغذائية ، وهي مقدمة على العلوم لاهميتها ، والعلوم متاخرة عن الضروري وبحسب جودة العمران تكون جودة الصنائع استجابة لما يطلب منها من دواعي الترف والثروة .
ويستشهد ابن خلدون في ذلك باهل بغداد وقرطبة اذ يقول : " واعتبر بحال ما قررناه بحال بغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفه ، لما كثر من عمرانها صدر الاسلام واستوت فيه الحضارة ، وكيف زخرت فيها بحار العلم وتفننو في اصطلاحات التعليم ........ولما تناقص عمرانها انطوى ذلك البساط بما عليه جمله وفقد العلم بها والتعليم "