1. التزام التاجر بمسك الدفاتر التجارية

1.5. حجية الدفاتر التجارية

لقاعدة العامة لا يجوز للشخص أن ينشأ دليلا لنفسه، ولا يجيز بأن يقدم دليلا ضد نفسه غير أن ما تقتضيه التجارة في سرعة التعامل والدقة والائتمان في المجال التجاري، قد يؤدي في أغلب الأحيان إلى عدم وجود أدلة مهيأة مسبقا لطرفي التصرف القانوني الذي يعد من الأعمال التجارية، وبالتالي فقد أجاز القانون حرية الاتباث في المسائل التجارية. وتعد الدفاتر التجارية التي وضع القانون لها قواعد خاصة بكيفية تنظيمها وتدون المعلومات فيها كقرائن للاتباث يجوز للقاضي الأخذ بها أو إهمالها، وبتالي يجب التفرقة في هذه الحالة بين حجية الدفاتر التجارية في الاتبات لمصلحة التاجر وحجيتها في الإثبات ضد التاجر وطريقة تقديم الدفاتر التجارية إلى القضاء. في هذه الحالة يجب التمييز بين ما إذا كان خصم التاجر تاجرا أو غير تاجر :

1/لمصلحة التاجر

لأصل أنه لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلا لنفسه، ولكن القانون التجاري خرج على هذا الأصل، إذ سمح للتاجر أن يمسك دفاتر تجارية يمكن له استعمالها كدليل اتبات لصالحه، وللتاجر الآخر الذي يحتج بالدفاتر اتبات عكس ما جاء فيها بجميع الطرق بما فيها البينة والقرائن. وتختلف حجية الدفاتر التجارية في الاتبات في حالة ما إذا كان التعامل بين تاجرين وبين تاجر وغير تاجر [7]. 1- حجية الدفاتر التجارية بين تاجرين: منع القانون للتاجر الحق في التمسك بدفاتره التجارية لأجل الاتباث في دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر منتظمة، وذلك ما جاء به نص المادة13من القانون التجاري بقولها: « يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كالاتباث بين التجار بالنسبة الأعمال التجارية ». ولكي تكون دفاتر التاجر حجة لمصلحته يجب أن تتوافر ثلاثة شروط: ١­ يجب أن يكون النزاع قائما بين تاجرين، أي بين شخصين يلتزمان بمسك الدفاتر التجارية حيث يسهل على القاضي التحقق من البيانات عن طريق مقارنة دفاتر كل من الخصمين، ولا صعوبة إذا تطابقت بياناتها، أما إذا اختلفت الدفاتر جاز للقاضي ترجيح دفاتر أحدهما إذا كانت منتظمة على دفاتر الطرف الآخر غير المنتظمة. ۲­ يجب أن يكون النزاع متعلقا بعمل تجاري بالنسبة لكل من الخصمين، كما إذا باع التاجر بضاعة إلى تاجر آخر لأجل بيعها، أما في حالة ما إذا اشتراها هذا التاجر الآخر لاستعماله الخاص فلا يجوز الاحتجاج عليه بالدفاتر التجارية لأنها تعتبر عمل مدني. ۳­ ويجب أن تكون الدفاتر التجارية التي يتمسك بها ويحتج بها على الغير منتظمة، والسبب في ذلك أن البيانات المدونة فيها تستوفي شروط الصحة والجدية. أما الدفاتر التجارية الغير المنتظمة فلا تكون حجة في الاتباث أمام القضاء غير أن القاضي يمكن أن يستأنس بها ويستنبط منها قرائن. تكمل عناصر الاتباث الأخرى في الدعوى. حجية الدفاتر التجارية على غير التجار: لا تصلح دفاتر التجار حجة على خصمه الغير التاجر لعدم مسك دفاتر من قبل الخصم غير التاجر، إلا أنه يجوز للقاضي الاستعانة بدفاتر التاجر لاستخراج قرائن يستند إليها في حكم الدعوى ويجوز للقاضي أن يكمله بتوجيه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين، وذلك فيما يجوز اتباثه بالبينة، ولكن يجب توافر الشروط التالية:

١­ أن يتعلق النزاع ببضائع وردها التاجر لغير التاجر، كالمواد الغذائية فإذا ما تعلق الأمر بقرض قدمه التاجر لغير التاجر فلا يؤخذ بعين الاعتبار. ۲­

أن يكون الدين محل النزاع مما يجوز اتباثه بالبينة، كأن تكون قيمة ما ورده التاجر لايتجاوز1000دج، وهذا ما جاءت به نص المادة333من القانون المدني بقولها: « في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني يزيد قيمته عن 1000دج أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز البينة في اتباث وجوده أو انقضائه مالم يوجد نص يقضي بغير ذلك [8] . ويقدر الالتزام باعتبار قيمة وقت صدور التصرف ويجوز الاتباث بالبينة إذا كانت زيادة الالتزام على الألف دينار جزائري لم تأت إلا من ضم الملحقات إلى الأصل ». ۳­

متى قرر القاضي قبول الدفاتر في الاتباث. تعين عليه تكملته بتوجيه اليمين المتممة وهو أمر جوازي للقاضي فله كامل الحرية في تعيين من توجه إليه هذه اليمين من الطرفين

2/ضد مصلحة التاجر:

للدفاتر التجارية حرية كاملة في الاتباث ضد التاجر صدرت منه سواء في ذلك، أكان الخصم الذي يتمسك بها تاجرا أو غير تاجرا وسواء أكان الدين تجاريا أم مدنيا وسواء أكانت الدفاتر منتظمة أو غير منتظمة [9]. وتفسر حجية الدفاتر على صاحبها، بأن البيانات الواردة فيها تعتبر بمثابة إقرار كتابي صادر من التاجر شخصيا ونتيجة لذلك يجب تطبيق قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار متى كانت الدفاتر منتظمة، فعلى التاجر الخصم أن يأخذها كاملة أو يرفضها كلية. فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها ماكان مناقضا لدعواه، فلو دوّن التاجر في دفتره مثلا أنه باع بضاعة إلى شخص ما وأن الثمن لم يدفع، فلا يجوز للمشتري أن يستند إلى هذا الدفتر لاتباث وقوع البيع ويرفض الدفتر ذاته فيما يتعلق باتباث أن واقعة الثمن لم يدفع، بل عليه أن يتمسك بما ورد في الدفتر كاملا أو أن يرفضه كلية ويقدم دليلا آخر . وإذا كانت الدفاتر غير منتظمة جاز للقاضي أن يقدر مضمونها دون أن يتقيد في ذلك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار. وفي ذلك تنص المادة 330 من القانون المدني الجزائري على مايلي: « دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار غير أن هذه الدفاتر عندما تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قام بها التاجر، يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى أحد الطرفين فيما يكون اتباثه بالبينة وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد استخلاص دليل لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها واستبعاد ما هو مناقض لدعواه.