2. مجال علم الاجتماع الثقافي

2.2. المنظومة التربوية والتعليمية

وهي التي تقوم بتربية وإنتاج العناصر غير المادية للثقافة من أعراف وعادات وتقاليد وقيم وأخلاق، وهي العناصر السلوكية التي يمارسها الفرد خلال حياته اليومية ، وندين لمدرسة الثقافة والشخصية لتوضيحها أهمية التربية في عملية التميّز الثقافي." فالتربية ضرورية للإنسان وحاسمة بالنسبة له لأن الكائن البشري لا يملك عمليا أي برنامج وراثي يوجه سلوكه، والبيولوجيون أنفسهم يقولون إن البرنامج "الوراثي" الوحيد للإنسان هو برنامج التقليد والتعلم، وبالتالي فإن الفروق الثقافية بين الجماعات البشرية تفسر في جزء كبير منها بالمنظومات المختلفة للتربية . " (محمد حسن غامري، المدخل الثقافي في دراسة الشخصية، ص49). ويرى بعض العلماء أنه " لا يمكن تفسير الشخصية الفردية بخواصها البيولوجية (كالجنس على سبيل المثال) بل بـ " النموذج" الثقافي الخاص بمجتمع معين يحدد تربية الطفل بدءا من اللحظات الأولى يتشبع الفرد بهذا النموذج عن طريق منظومة من المحرضات والممنوعات المصاغة بشكل صريح أو غير صريح، تقوده بعد أن يصبح راشدا، للتقيد بشكل لا واع بالمبادئ الأساسية للثقافة، هذه العملية هي التي سماها الأنثروبولوجيون بالتثقيف الداخلي أو التثاقف *enculturation.

وبما أن بنية الشخصية الراشدة تنتج عن نقل الثقافة عبر التربية فستتكيف من حيث المبدأ مع نموذج هذه الشخصية، والشذوذ النفسي الموجود والظاهر المعالم في أي مجتمع لا يمكن تفسيره بالطريقة نفسها وليس بشكل مطلق(شامل) إنما بشكل نسبي باعتباره [أي الشذوذ] نتيجة لعدم تكيف الفرد المسمى ب"الشاذ" مع التوجه الجوهري لثقافته (شعب الأرابش أناني وعدواني، وشعب الموندوغور هو شعب لطيف وغيري)، بالتالي هناك علاقة بين النموذج الثقافي ومنهج التربية ونمط الشخصية المهيمن. (محمد حسن غامري، المدخل الثقافي في دراسة الشخصية، ص44). إن التعليم المؤسسي ذو أهمية بالغة في بلورة ثقافة المجتمع، فهو الذي يعطيها صبغتها ومميزاتها عن الثقافات الأخرى، من حيث أنه يزود أفراد المجتمع بطرق التفكير والتعامل مع مشكلاتهم التي يواجهونها في حياتهم اليومية أو في مستقبلهم، فتصير هذه الطرق مثل البرنامج الذي يسطر به الأفراد أهدافهم وتوجهاتهم ،والسبل الكفيلة لتحقيقها، وأحسن دليل على ذلك ،هو التخصصات الجامعية التي تخلق في طلابها، نمطا محددا من التفكير و التوجهات، التي سيصطبغون بها في حياتهم بعد التخرج.