1. مقدمة
يطلق لفظ النوبة على أجزاء وادي النيل الممتدة على جانبي نهر النيل الأعظم من أسوان إلى جنوبي إلتقاء النيلين الأبيض والأزرق، بالإضافة إلى مناطق من حوض النيل الأزرق والأتبرا حتى أطراف الحبشة شرقا وأقاليم كردفان ودارفور غربا، حيث نشأت ثلاث ممالك مسيحية على أديم النوبة بلاد النوبة مسيحية امتد نفوذها من الشلال الأول حتى إقليم سنّار على ضفاف نهر النيل الازرق؛ أول هذه الممالك من الشمال هي المريس (Elmaris) أو نوباتا (Noubata) وعاصمتها المرس وقيل "نوباديا" والعاصمة "فرص"، وفي الوسط مملكة المقرة (Elmakara) وعاصمتها دنقلا (Dengala)، أما في الجنوب نجد مملكة علوة (Oloua) وعاصمتها سوبا (Souba).
منذ الربع الأول من القرن الرابع عشر، لم تعد بلاد النوبة وطن النوبيين فحسب بل شاركهم فيها قبائل عربية من غير بني كنز، حيث لم يعد الشلال الثاني حاجزا يمنع تدفقهم جنوبا ، بل كثيرا من الجماعات العربية التي تعيش في مصر والتي اشتركت في الحملات المملوكية على بلاد النوبة مدة نصف قرن من عام 1276 إلى غاية 1323م، هذه الجماعات استقرت في مقرة عقد انسحاب القوات المملوكية مثل بني بكر، بني عمر، بني شيبان، بني هلال وغيرهم.
والواضح أن دولة كنز قد استعانت بالعرب المقيمين في بلاد النوبة للوصول إلى سدة العرش، حيث أصبح العرب قوة وكثرة عددية تمكنوا من التغلب على بقايا بيوت الإمارة النوبية القديمة، فضلا عن تحدي السلطان المملوكي والإستقلال عنه، حيث كان دور العرب الذين استقروا في بلاد النوبة هو القضاء على مظاهر الملكية النوبية المسيحية، بإزالة البيت الملكي النوبي القديم وإحلال العنصر العربي محله، حيث اختلط النوبيون واعتنق الكثير منهم الإسلام منذ القرن التاسع الميلادي وهذا في أرض مريس ثم فيما بعد جنوبا منذ منتصف القرن الثالث عشر ميلادي، حيث انتشر الإسلام في بلاد النوبة سيما بعدما أضحى ملوك النوبة من المسلمين وبذلك اقطعت الجزية بإسلامهم (معاهدة البقط) حسب ابن خلدون.
وخلاصة القول أنه لم يكد ينتصف القرن الرابع عشر حتى كان النوبيون قد اعتنقوا الإسلام باستثناء أقلية نوبية ظلت على المسيحية حتى أواخر القرن الخامس عشر. الأمر الذي عجل بسقوط مملكة مقرة التي ظلت تقاوم لوحدها دون نتيجة الضغط العربي والمملوكي عليهم وعدم دعمهم من الممالك المسيحية المجاورة، لاسيما أمام النزاع الذي نشب بين ملوك النوبة وملوك علوة والذي كان من أهم العوامل التي عجلت بسقوط مملكة مقرة عام 1323م،. وظل بنو كنز يمثلون أقوى العناصر النوبية المستعربة في بلاد النوبة حتى نهاية الدولة المملوكية الثانية في مصر والشام عام 1517 على يد السلطان سليم.